الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 27
- بتاريخ: 01 - 09 - 1913
كدرُلعومَر في أقاصيص العرب
1 -
من هو كدرلعومر
كدر لعومر كان ملك بلاد عليم في عهد إبراهيم الخليل. وهو من مشاهير الفاتحين إذ امتدت فتوحاته إلى البحر الميت (أو بحر الزفت) وهو الذي أسر لوطاً. وكان قد احتل جانباً من ديار فلسطين. فأسرع إبراهيم إلى نجدة حفيده وكسر كدرلعومر وأنجى لوطاً. هذا ملخص ما نعرفه معرفة صادقة عن هذا الملك الغشوم وقد جاء ذكره في سفر التكوين (14: 1 - 24) وهو الذي قهر أيضاً الرفائيين والزوزيين والايميين والحوريين وهؤلاء كانوا في جبلهم سعير إلى سهل فاران الذي عند البرية وكل ذلك من بلاد العرب. ثم ضرب العمالقة والأموريين إلى غيرهم. وكل ذلك يدل على أنه أبقى ذكراً عظيماً في حافظة العرب. بل ذكراً لا يمحى.
على إنك إذا استقريت كتب العرب وأخبارهم وتواريخم من أولها إلى آخرها لا تقع على هذا الاسم أبداً. وأنت خبير أن العرب إذا سمعت اسماً أعجمياً تصرفت فيه كل التصرف ولا سيما إذا كان طويل الحروف. وهذا الذي وقع في هذا الاسم. وهانحن نثبت هنا اللغات التي وردت فيه لتعرف الأقاصيص التي وردت بصدده:
2 -
اللغات الواردة في كدرلعومر وتحقيقها.
هذا الاسم ورد في نسخ التوراة العبرية بصورة (كدرلعمر) بدون تغيير آخر. وورد في بعض النسخ العربية (كدرلعمر) أيضاً كما في العبرية (وكدرلاعومر) كما في النسخة اليسوعية البيروتية. و (كدرلغومر)(بالغين المعجمة) كما في
النسخة العربية الرومية المطبوعة بأمر المجمع المقدس سنة 1671. وكدرلعومر كما في النسخة البروتستانية البيروتية والنسخة الدومنيكية الموصلية. وخدرلاهومور كما في اللغتين اللاتينية والفرنسوية وفي ما ضاهاهما من لغات الإفرنج وكما وردت في نسخ التوراة الموجودة في لغاتهم (وخدلوغومر أو قدلوجومر) كما في اليونانية وفي ما نقل عنها.
وأما العرب غير النصارى فإنهم صحفوا اللفظة بصور مختلفة منها: (كرد عمرو) بتقديم
الراء الأولى على الدال وبتأخير الواو عن الراء الأخيرة. ثم توهموا أن كرداً هو اسم الابن وعمراً اسم الأب فهو مضاف ومضاف إليه. ولعل الوهم ثبت فيهم لرؤيتهم فيه اللام التي توهموها لام الإضافة تلك الموجودة في أصل الاسم أي (كرد لعمرو). ثم ذهبوا إلى أن كرد عمرو أو على وهمهم كرد بن عمرو هو عليم أو عيلام أكرادا أيضاً نسبوا هؤلاء الأقوام إليه. ونحن لا نقول هذا القول بدون سند. فإن ابن خلدون يورد في تاريخه (2: 7) ما هذا نصه: (وفي التوراة ذكر ملك الأهواز واسمه كرد لا عمرو من بني غليم): وقال في صدر الصفحة المذكورة: (وبني غليم أهل خوزستان) وأنت تعلم أن في الأهواز أو في خوزستان أكرادا كثيرين يعرفون باللر أو اللور ولهذا نسبوهم إليه. وقال في التاج في مادة كرد: (الكرد بالضم جبل معروف. . . واختلف في نسبهم فقيل: جدهم كرد بن عمرو مزيقياء. وهو لقب لعمرو لأنه كان كل يوم يلبس حلة، فإذا كان آخر النهار مزقها لئلا تلبس بعده. . . قال بعض الشعراء:
لعمرك ما الأكراد أبناء فارس
…
ولكنه كرد بن عمرو بن عامر.
هكذا زعم الناسبون. . . وقال ابن دريد في الجهمرة: الكرد أبو هذا الجيل الذين يسمون بالأكراد. فزعم أبو اليقظان أن كرد بن عمرو بن عامر بن صعصعة وقال الكلب: هو كرد بن عمرو مزيقياً. وقعوا في ناحية الشمال لما كان سيل العرم وتفرق أهل اليمن أيدي سبا. . .) إلى آخر ما جاء هناك. فأنظر حرسك الله كيف صحف العرب هذه الكلمة وكيف جعلوا المسمى بها أباً للأكراد وكيف ابتدعوا له نسباً عربياً. ولقبوه بلقب مزيقياً. وما مزيقياء إلا لفظة مرادفة لكرد العربية ومعناها قطع. ثم اخترعوا لسبب هذا الاسم حكاية فقالوا لأنه
كان يقطع أو يمزق الثياب لئلا يلبسها أحد بعده. وكل ذلك من الحكايات الملفقة اختلقها بعض القصاصين تأييداً لسبب وضع هذا الاسم وهذا الاشتقاق لا غير.
قلنا: والذي يجب أن يؤخذ من هذه الأقاصيص كلها أن كرد عمرو كان في نواحي خوزستان أو ديار الأكراد اللورية ثم وقع في ناحية الشمال من جزيرة العرب فنسبت إليه تلك الأقاصيص لمرور الزمان عليها إذ كان المذكور في عهد إبراهيم الخليل.
ثم أن العرب صحفوا هذا الاسم عينه (كدرلعومر) بصورة قدار الأحمر أو قدار الأحيمر أو قدار بن سالف أو قدار عاد أو قدار ثمود أو أحمر عاد أو أحيمر عاد أو أحمر ثمود أو
احيمر ثمود إلى غير ذلك من اختلاف الروايات واللغات. وسبب هذا التصحيف أنهم نقلوا هذا الاسم عن اليونانية أو عن الرومية كما نقلوا كرد عمرو عن العبرية. ثم ظنوا أنهما شخصان مختلفان كما فعلوا في النبي الياس فإنهم نقلوا هذا الاسم بصورتين: الواحدة بصورة إيليا عن العبرية والثانية عن اليونانية بصورة الياس ثم ذكروا للواحد غير ما ذكروه للآخر فتقوم من وصفهم شخصان ومثل هذا الأمر كان يقع للعرب في الألفاظ الجنسية أيضاً أي أنهم كانوا يعربون اللفظة الواحدة بصورتين مختلفتين ويعقدون بناصية كل منهما ما لا يعقدونه بناصية الأخرى صاحبتها. على أنه، والحق يقال، لم يقع ذلك عند العرب فقط بل عند سائر الأقوام الأقدمين وهو أمر لا ينكر.
وقد قالوا عن قدار الأحمر ما انقله عن ثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي. قال: (أحمر ثمود هو قدار بن سالف عاقر ناقة الله. يضرب به المثل في الشؤم والشقوة. وقد غلط زهير في قوله:
فتنتج لكم غلمان شوم كلهم
…
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
وكأنه سمع بعاد وثمود فنسب الأحمر إلى عاد على ما توهم وهو من ثمود. وكان قدار أحمر أزرق، وهو الذي ذكره الله تعالى فقال: إذ انبعث أشقاها. وعن عمار بن ياسر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات العشيرة فلما قفلنا نزلنا منزلاً فخرجت أنا وعلي بن أبي طالب ننظر إلى قوم يعتملون، فنعسنا، فسفت علينا التراب فما نبهنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعلي (رضه): يا أبا تراب، لما عليه من التراب، أتعلم من أشقى الناس؟ فقال: خبرني يا رسول الله. فقال: أشقى الناس أحمر ثمود الذي عقر ناقة الله؛ وأشقاها الذي يخضب هذه، ووضع
يده على لحيته، من هذا، ووضع يده على قرنه، فكان علي (رضه) كثيراً ما يقول عند الضجر لأصحابه: ما يمنع أشقاها أن يخضب هذه من هذا). أهـ.
قلنا: إننا لا نرى في كلام زهير خطأ أو غلطاً على خلاف ما ظنه الثعالبي لأن الشاعر استعمل هنا كلمة (عاد) بمعنى (العادي) أي القديم كما جاء في كتب اللغة. فقوله كأحمر عاد أي كأحمر القديم الذكر في التاريخ؛ وهذا لا يمنع كونه من ثمود القبيلة البائدة: أي أن الميداني يقول في شرح هذا المثل: أشهر من أحمر عاد. هو قدار بن سالف عاقر الناقة؛
ويقال له أيضاً قدار بن قديرة وهي أمه وهو الذي عقر ناقة صالح عم فأهلك الله بفعله ثمود. أهـ. وعليه لا غلط في كلام زهير ولا حاجة إلى تأويل كلامه. وأما إسناد عقر الناقة إلى (قدار الأحمر) فهو إشارة إلى فتكه بالعرب الذين في جبل سعير مثوى بعض بني ثمود.
وأما بقية أسمائه فظاهرة من كتب اللغويين والمؤرخين. قال صاحب لسان العرب: قدار بن سالف الذي يقال له (أحمر ثمود) عاقر ناقة صالح عم. - قال في تاج العروس: قدار بن سالف الذي يقال له (احيمر ثمود) عاقر الناقة ناقة صالح عم. - وقال الثعلبي في كتابه قصص الأنبياء ص 43 وقد زاد الكلام تفصيلاً: (قدار بن سالف من أهل قدح، واسم أمه قديرة، كان رجلاً أشقر (أي أحمر) أزرق قصيراً ويزعمون انه كان. . . لرجل يقال له صفوان ولم يكن لسالف). . . إلى آخر ما ورده من الأخبار الغريبة الضعيفة السند.
وذكر قدار صاحب كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور (وهو محمد بن أحمد بن أياس الحنفي ص 73 من الطبعة المصرية وما يليها) بصورة (قيدار) قال: (فكمن قيدار للناقة في مكان من الجبل فلما أقبلت الناقة وهي ترعى وقربت من قيدار ضربها بسيف فقتلها): أهـ. ولو تتبعنا جميع كتاب العرب ومؤرخيهم لرأينا كل واحد منهم يصحف الاسم أو يحرفه قليلاً أو كثيراً حتى يبعد كل البعد عن أصله المذكور في سفر التكوين.
وقد جاء أن الرقم المسمارية المكتشفة في ديارنا هذه العراقية ذكر اسم ملك قرأه العلماء (قدرمابلا)(بضم الباء المثلثة) وهم يظنون إنه (كدرلعومر) ولا سيما لأنهم رأوا من جملة أوصافه هذا اللقب وهو (فاتح الغرب). فلا جرم أن (كدروقدر) في الروايتين هما واحد في الأصل. إلا أن