المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السائح الغربي في العراق العربي - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٣

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 25

- ‌سنتنا الثالثة

- ‌صفحة من تاريخ خليج فارس

- ‌الراديوم

- ‌زكاة النصح

- ‌عصام الدين العمري

- ‌رحلة إلى شفاثا

- ‌نظرة في الاحساء

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 26

- ‌البصرة وأنهارها

- ‌بيت علم في العراق

- ‌نقد الجزء الثاني من كتاب تاريخ آداب اللغة العربية

- ‌رجال السفينة العراقية

- ‌إقامة أتون طاباق عمومي

- ‌سورة الخيل

- ‌مشارفة سد الهندية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 27

- ‌كدرُلعومَر في أقاصيص العرب

- ‌الطريق من الاحساء إلى الرياض إلى مكة

- ‌أسماء الأرياح عند أهل السفن العراقية

- ‌البصرة وأنهارها

- ‌الكلكسة

- ‌تطواف في جوار بغداد والمدائن

- ‌نصرانية غسان

- ‌الفكر سياح

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌ألفاظ عوام العراق

- ‌مريم

- ‌العدد 28

- ‌الجرامقة

- ‌الشيخ عثمان بن سند البصري

- ‌الشيخ السكير

- ‌تصرف العرب في الألفاظ الأعجمية

- ‌رؤية أدبية

- ‌ألم تر أن الدهر يكتب ما تملي

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 29

- ‌جزيرة العرب

- ‌لغة العرب

- ‌الكرد الحاليون

- ‌خلد أثراً

- ‌أفعال تتعلق بأهل السفن

- ‌أسرة بدروس آغا كركجي باشي

- ‌كتاب الولاة وكتاب القضاة للكندي المصري

- ‌سياحة في النوم

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارقة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 30

- ‌سياسة لا حماسة

- ‌المدائن أو طاق كسرى أو سلمان باك

- ‌أيها العربي

- ‌أمراء السعود في جزيرة العرب

- ‌الشيب والشباب

- ‌مستقبل قضاء الحلة

- ‌الحياة خيال

- ‌الأكراد الحاليون

- ‌حكم

- ‌الهيلاج ومعانيها

- ‌بحر النجف

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌الحالة العلمية والحركة الفكرية في النجف

- ‌لا همز في كلامهم

- ‌الدول

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 31

- ‌كتب تواريخ بغداد

- ‌على الأرض وفي السماء

- ‌أقسام إمارة السعود

- ‌الأدب خير نسب

- ‌أربع أسر بلا أثر

- ‌السائح الغربي في العراق العربي

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌باب التقريظ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 32

- ‌طاق كسرى

- ‌خاتمة البحث في إمارة السعود

- ‌برس نمرود

- ‌أيها الأمل

- ‌طوب أبو خزامة

- ‌المال حاكم

- ‌الذرعة

- ‌أربع أسر بلا أثر

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب التقريظ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 33

- ‌خرافات عوام البغداديين

- ‌الزواج عند يهود بغداد

- ‌الرّماحية

- ‌الطيارون في الشرق

- ‌ارتفع أسعار الأرضين في بغداد

- ‌النخل في العراق

- ‌بقايا بني تغلب

- ‌الكلمات الكردية في العربية الموصلية

- ‌التجارة في بغداد

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المراجعة والمكاتبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌باب التقريظ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 23

- ‌الباب الوسطاني

- ‌نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق

- ‌منارة سوق الغزل

- ‌نُبوةُ أديب

- ‌أنا والدنيا

- ‌إمارة الرشيد

- ‌حالة التجارة في بغداد في سنة 1913

- ‌اللسان

- ‌الرطب والارطاب

- ‌صادق وفتحي

- ‌مكتبات النجف

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب التقريظ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 34

- ‌منافع بيع البواخر

- ‌بيت النمنومي أو بيت جرجية

- ‌الحيدرية

- ‌وقفة تجاه السن

- ‌الأسطول الطيار

- ‌نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق

- ‌باب المذاكرة والمكاتبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌إصلاح بعض الأغلاط واستدراكها

الفصل: ‌السائح الغربي في العراق العربي

‌السائح الغربي في العراق العربي

1 -

توطئة

كنا قد كتبنا في لغة العرب 2: 231 نبذة يسيرة عن أفكار الغربيين في العراق وعاداتهم واليوم نكتب هذه العجالة عن حالة السائح الغربي في العراق وأفكار العراقيين نحوه وعن السبب الذي يعرقل مساعيه ويضع أمامه العقبات الكؤودة فيتركه ينقم من العراقيين ويرميهم بالتوحش والهمجية وغير ذلك مما هم براء منه فنقول:

2 -

بسط الموضوع

علم الناس من القديم أن لكل قوم من الأقوام أخلاقاً وعادات تخالف الأقوام المجاورين لهم بل قل تخالف أهل كل قطر وبلدة وقرية وحارة وإذا سمع فرد من الأفراد شيئاً عن عادات غير قومه أو شاهد أخلاقهم استغربها واستهجنها بل رمى أولئك القوم بالتوحش وسخافة الرأي وكذلك قل عنهم في قومه. والكل يزعم أن أخلاقه احسن الأخلاق وعاداته احسن العادات وآدابه احسن الآداب. من ذلك أن البدو وأهل القرى ينكرون على أهل المدن المراحيض ويعدون وضعها من أقبح ما يكون وإذا جادلتهم فيها يقولون لك إنا نستنشق الهواء الغربي الهاب من صدر الفضاء

ص: 365

وفي معاطفه وما فيها خير من أن تضر بصحتنا الروائح الكريهة المارة علينا دائماً وغير ذلك مما يطول شرحه.

يقصد السائح الغربي الشرق عموماً والعراق خصوصاً لأجل التجول فيه والوقوف على آثاره الخالدة ومشاهدة ما شيد فيه الأقدمون من الأبنية السامية والقصور الفخمة فيؤلف في ذلك كتاباً مزيناً بالرسوم والصور المنقولة بآلة التصوير الشمسي ومحتوياً على جميع ما شاهده وسمعه من غريب الحكايات واصفاً الآثار الدوارس والصلول الشواخص ومسحها وذكر أسمائها القديمة والحديثة وما كانت في سالف الزمن وترجمة ما يجده مكتوباً في صخورها. وذكر المياه القريبة منها والبعيدة عنها. ووصف الطرق الهادية إليها والعلامات البعيدة عنها والقريبة منها وذكر الأعراب النازلين حولها والنازحين عنها وأنسابهم ورؤسائهم وآدابهم ومعاشرتهم ومهنهم وما يجري مجراها. وما قصده من هذا كله إلا خدمة

أبناء قومه الذين كانوا سبباً لرقيه ويكون أيضاً قد أغنى بكتابه المذكور عن السياحة الفقير الذي ليس لديه مال يقوم بنفقاتها وكسب شهرة تخوله المنزلة العليا بين أقرانه. وخلد له أثراً يذكره الناس فيه ما دام باقياً.

3 -

ظن العراقي

لما كانت السياحة على الطريقة العلمية محتاجة إلى بحث وتنقيب وسؤال وجواب واستفهام وتدقيق. يسأل السائح الغربي الأعرابي من العراقيين عن ذلك التل مثلا ما أسمه عندهم. أو هذه البيوت من أي عشيرة أهلها ومن يرأسها. أو ما اسم هذه الأرض أو غير ذلك مما يتعلق بالسياحة فيسكت المسؤول ولا يجيبه بشيء أو يقول له أني جاهل جميع ما ذكرت أو يجيبه بخلاف الواقع. ثم يذهب ذلك الأعرابي إلى أصحابه ويقول لهم إن ذلك الإفرنجي أو الإنكريزي ينشد عن ذاك التل شسمه (أي ما أسمه) مدري شيريد منه (أي ما أدري ما الذي يريد منه) فيجيبه الآخر (أنت شمدريك هذا كي جدوده شوف لو بيه خزينة لو شو شكو بيه) معناه أنت لا تعرف شيئاً. فهذا ملك جدوده أفتكر فأما فيه كنز وأما فيه شيء آخر. ثم يقول

ص: 366

الأعرابي: (وزاد ينشد عن هذه العرب مدري شيريد منها) معناه. وهو يسأل أيضاً عن هذه البيوت لا أدري أي شيء يريد منها. فيجيبه الآخر: (هذا يريد يعرف شكثرها حتى يجيب ربعه ويأخذها) معناه هذا يريد أن يعرف عددها فيأتي بأصحابه وينهبها. ثم يقول الأعرابي: زاد ينشد على اسم هذي القاع (ويلفظون القاف كافاً فارسية) فيجيبه الأول: ما قلت لك هذي قاعهم وجاي متعني عليها مناك (أي جاء قاصداً إياها من هناك أي من بلاده). ثم يأخذ الجميع بسبب ذلك السائح الغربي وإضمار السوء له وقد يحققون ما اضمروا إن لم يكن لهم من يردعهم وقد شاهدت مثل هذه الأفكار في جماعة من المنورين منهم.

4 -

ذكر بعض عوائد الأعراب

عرف العموم أعراب العراق وما هم عليه من السخاء وعزة النف والآباء وحمى الجار والذمار والنجدة والشجاعة. وما كنت أعرف السبب الذي يحمل الغربي على أن ينقم من العراقي ويرميه بالتوحش والهمجية حتى سافرت مع عدة رجال من فضلائهم وحينئذ أميط

عني الحجاب المرسل على تلك الحقيقة الغامضة. ووقفت على السر الذي خفي على كثير من أدباء الغرب والشرق.

من عادات أعراب العراق إنهم يضيفون كل من ينزل بجوارهم وإنهم يقبلون كل ضيف مهما كان مذهبه ونحلته. ويعدون أكبر عار عليهم إذا دعوا أحداً إلى طعامهم ولم يجبهم إليه وكم مرة نشبت الحرب فيما بينهم من أجل فنجان قهوة يعطى لأحد

ص: 367

جلساء النادي (وهم يسمون النادي المضيف أو الديوان أو الربعة) فلم يشربه فيقتله

ص: 368

صاحب الديوان أو يبارزه لكونه أخل بشرفه لأنه لم يشرب فنجانه. فتضرم نار الحرب بين القبيلتين أو القبائل ولا تنطفئ إلا بعد قتل النفوس الكثيرة من الطرفين لأنهم يعدون الذي لا يشرب فنجانه مغموراً في عرضه.

ومن عاداتهم إنهم يحتقرون الحضر أهل المدن ويصفونهم بالجبن والبخل فيقولون إذا أرادوا أن يعبروا عن أحدهم بالذم: (هذا شنهو حضري غلاك بابه اجال الطمامة أبو يمه بوليني) معناه من هذا؟ هذا حضري يغلق باب داره دائماً حذراً من أن ياتيه ضيف وخوفاً من السرق وهو يأكل دائما الطماطة (البندوري أو الطماطم) والجبنة إذا أراد أن يبول في الليل ينادي أمه لتذهب معه طرداً لما يمكن أن يسبب له الخوف.

وكذلك قل عن أهل المدن فيما بينهم فإن الذي لا ينتسب إلى قبيلة من قبائل الأعراب هو محتقر عندهم أيضاً بخلاف المنتسب إلى قبيلة فإنهم يجلونه ويصغون إلى كلامه.

ومن عادات أعراب العرق أن الرئيس أو الشيخ منهم يعد نفسه في محلة أكبر من سلاطين الدنيا بأسرهم وكثيراً ما يعقدون بينهم مجالس يتهكمون فيها على قوانين الحكومات لزعمهم أن الحكم للسيف لا غير وقد ضربوا لذلك مثلا قالوا: (الحق بالسيف والعاجز يريد شهود).

ومن عاداتهم أن الأدنى لا يجلس في محل الأعلى ولا يعلوه وإذا وقع مثل ذلك يعد الأعلى هذا العمل احتقاراً له وازدراء به.

ومن عاداتهم الاستياء ممن يتضجر من مجالستهم ولا يصغي إلى كلامهم ولا يظهر له الارتياح عند سماعه إياه ولا يسر بملاقاة أحدهم ولا يبش في وجهه وهذه العادة في الشرق كله لا في العراق فقط.

ومن عاداتهم الجلوس على الأرض وإذا وجد من يجلس على الكرسي يذم عند قومه

ويحتقر ويرمي بالكبر والجبروت. ومن عاداتهم الجلوس على السفرة جميعاً والأكل من إناء واحد ولا يمد أحدهم يده إلى الطعام بل ولا يقدم عليه بدون إذن ودعاء. وإلا حجم ولو مات جوعاً. ثم لا يمد المدعو إلى الإناء قبل أن يمدها الرئيس أو الداعي إياه.

ولما كان مخالفة هذه العادات عند الأعراب أكبر أثم من مخالفة خلق الناس ورازقهم لأن المحافظة عليها من أوجب الواجبات وأفرض الفرائض كانت مخالفتها عند الغربيين من باب مقابلة الضد بالضد. لأن الغربي المدني

ص: 369

يحتقر القروي. ولا يقبل ضيفاً لم تسبق معرفته غياه وإذا ضاف من يعرفه فتكون ضيافته بمنزلة دعاء إلى غذاء لا غير. ويحب الغربي الجلوس في غرفة مخصوصة به. ولا يقبل زائراً بدون استئذانه وقد يرده إذا لم يرد مواجهته. وإذا ضجر من جليسه أو أحتاج إلى أمر أعتذر منه في الحال. ولا يعمل عملاً مهما كان كبيراً أو صغيراً بدون أجرة ولا يشرك أحداً في طعامه عند الأكل ولا يجلس إلا على الكرسي وعلى هذا قس ما سواها. وكل ذلك مما يخالف أخلاق العرب وعوائدهم كما يتضح ذلك لمن يعرف مصطلحات القومين.

5 -

سوء التفاهم

يأتي صاحب هذه العادات الغربية إلى العراق وهو لم يعرف من أخلاق أهله وآدابهم شيئاً فيعاملهم بعاداته وأخلاقه. فينزل مثلا حول (فريق) من العرب ويضرب خيمته بقرب بيتٍ من بيوتها ومنذ ذاك الحين يعده صاحب البيت ضيفه وهم يقولون (قصير) وفقاً لعادة الأعراب وعند الظهر أو المغرب يدعوه صاحب البيت إلى طعامه (لأن نقل الزاد منهم إليه قبيح) فيأتي المدعو الرواح زاعماً إنه لا يحب تكليف جاره وخسارته لما يعده في قومه. وجاره يعد هذا العمل احتقاراً له وإخلالا بشرفه فيرجع إلى بيته وهو مستشيط غيظاً وحنقاً ولكنه لا يترك نزيله أو قصيره يشعر بذلك بل يزوره في خيمته ويحدثه ويسامره لكي لا يقول عن هؤلاء الأعراب أنهم جفاة متوحشون ولا يزورون الضيف ولا يحبونه وتلك عادة الأعراب منذ خلقوا) منه قول شاعرهم في الفخر:

(فراشي فرش الضيف والبيت بيته

ولم يلهني عنه غزال مقنع)

(أحدثه أن الحديث من القرى

وتعلم نفسي أنه سوف يهجع)

ويقال العكس إذا زار ذلك الأعرابي الإفرنجي النازل بقربه فإنه إذا دخل عليه يفرش له

بساطاً على الأرض ويجلسه عليه ويجلس هو على الكرسي هذا إذا قبل زيارته ولم يطرده لأن في الغربيين من يطرد زائره من الأعراب حابساً

ص: 370

نفسه أنه في غرفته التي في لندن أو باريس أو برلين. فيستهجن الأعرابي هذا العمل ويلعن الساعة التي جمعته وهذا الفظ الغليظ الطبع المتكبر لأنه يعد جلوسه على الأرض وجلوس صاحب المحل على الكرسي حطاً من قدره وخفضاً لشأنه ولم يدر أن ذلك الغربي المسكين لم يطق القعود على الأرض لما تعوده من الصغر. والذي يزيد الطين بلة أن الغربي بعد هنيهة يقول مثلا (لذلك الأعرابي: قم من هنا أني أريد أن أنام. فيقوم الأعرابي وهو يكاد يتميز من الغيظ فيتولد من هذه الأعمال ومما شابهها التنافر والتخاصم. وقد افترق الاثنان وكل يرمي صاحبه بسوء الخلق والتوحش. هذا إذا كان الأعرابي من العقلاء الذين يراعون خدمة الغريب. وإلا قتل خصمه الغربي أو نهب جميع ما عنده وتركه مجرداً كيوم ولدته أمه في قفر من الأرض يستوحش فيه الغول والسيد العملس.

فيرجع الغربي إلى وطنه وهو يذم العراقيين ويسبهم ويلطخ بهم كل رذيلة، ويجردهم من كل فضيلة، ويصفهم بأقبح الصفات وأشنعها ويختم ذلك بأن يوجه لومه إلى العراقي ويطعن به أشد الطعن ذلك العراقي الذي رافقه في سفره لكونه جاري قومه على عاداتهم وآدابهم ولو انصف لمدح ذلك الرفيق وأطراه إذ لولا مداراته لأفكار القوم لما تمكن أن يخطو خطوة ولأصابه من المحن أضعاف ما جرى عليه ولأعترف هو بذنبه وبما جنته عليه يداه لأن سبب ذلك كله هو مخالفته لعادات القوم لا غير.

6 -

محاسن أعراب العراق

لا نكران أن العراقيين يجلون الغريب ويحترمونه كل الاحترام ويودون أن يسدوا إليه كل مكرمة ولا يعتذرون أبداً ممن يندبهم إلى كشف ملمة أو قضاء حاجة أو سد عوز. وهل يذم رجل تسأله أين الطريق الفلاني وهو يرك متحيراً غريبا فيشفق عليك وللحين يترك شغله ويذهب معك حتى يدلك عليه ويرجع عنك بلا أجرة ولا مكافأة؟

وهل يسب فتىً تنزل حوله فيحسن قراك ويقوم بضيافتك - ولو بقيت مدى الدهر - بلا من ولا أذىً ولا جزاء ويقدم طعام عشرة رجال لرجل واحد وإذا فضل من ذلك الطعام شيء فلا ترجع فضالته إلى البيت الذي جاء منه بل يأكلها من حضر الديوان؟ (لأنهم

يعدون رجوعها أكبر عار عليهم).

ص: 371

وهل يرمي بالتوحش شخص يرك وحيداً فيأتي إليك ويحدثك بملح الأحاديث حذراً من أن تقول: ما أوحش هؤلاء القوم لا أنيس فيهم ولا جليس!

وهل يقذف بالغدر امرؤ تقول له: أنا بذمامك (وهم يقولون بوجهك وأهل الشرقية بعلفك) فيضطر إلى أن يرسل معك أفراداً من رجاله (ويسمون واحدهم مسير والجمع تسيار ومسايير) ولا يتركك هؤلاء النفر حتى ينزلوك أرضا تكون فيها أميناً على نفسك ومالك؛ وحينئذٍ يرجعون عنك بسلام ولا يأخذون منك درهماً ولا ديناراً ولو أخذوا لأنبهم أميرهم وللحقهم عار قومهم إلى الأبد.؟

وهل يحتقر إنسان تزوره في بيته فيتواضع لك ويتصاغر بين يديك ويجلسك على أعلى المراتب ويقوم بخدمتك ولو كان أكبر منك بكثير لكي يكون مصداقا لقول الشاعرهم:

(لعمرو أبيك الخير إني لخادم

لضيفي وإني إن ركبت لفارس)

وإذا أصابك سوء وأنت في بيته فلا بد من أن ينتقم ممن أساء إليك أو يقتل دونك ومنه قول الشاعر البدوي العصري النجدي (ويقال أن صاحب هذين البيتين الريمان من شعراء نجد الفرسان) وهما الفخر والحماسة:

ذبحت سبعة كلهم فرسان

بين الظهر والعصر ما صليت

كله لأجل خاطر الضيفان

خليت باجي سورهم بالبيت

معناه ذبحت سبعة فرسان لكونهم أهانوا ضيوفي الذين تركت فضلة طعامهم في بيتي لا يأكلها أحد حتى أخذ بثأرهم وكان وقت ذبحهم بعد الزوال أي قبل أن أصلي العصر.

وأعظم من ذلك الحكاية التالية التي تزري بفخر السموأل وهي: غزا ذات يوم كبير العمور (وهم يسمونه قليط والعمور فخذ من أفخاذ شمر ينزل مع الضفير وهم قوم ابن سويط) وكان معه طائفة من قومه فصار عليهم

ص: 372

عقيداً وبعد أن خرجوا من بيوتهم لحق بهم ابن صنيتان السويط يريد الغزو معهم أيضاً ولما غنموا أختار ابن صنيتان ناقة من الإبل التي غنموها قبل القسمة لكونه ابن الشيخ العرب فأبى أن يعطيها إياه العقيد لأن من عادة الأعراب إذا غزا قوم منهم وأقاموا عليهم عقيداً فللعقيد الأمر والنهي والعزل ومعنى العزل أنه يأخذ من الماشية التي كسبت قبل القسمة ما كان ظهرها أبيض دون سواه ولو كان في

الجيش من هو أكبر منه ولوجود هذه العادة عندهم منع العقيد (العمرى)(أي العموري) وأسمه نائف طلبة ابن صنيتان عنه فأسرها الشاب في نفسه ولم يبدها لأحد حتى وردوا مخيم العرب وذهب كل إلى بيته وبعد بضعة أيام زار العقيد المذكور ابن صنيتان في بيته (وهم يقولون سبر عليه) ولما أقبل قام له كل جالس إجلالاً لشأنه وأدنوه حتى جلس على الشداد وما كاد يستقر في مكانه حتى أخذ الشاب السالف الذكر بندقية وضربه برصاصة من خلفه فأصابت مقتلاً بين كتفيه فمات للحال ولما شاهد العمور ما جرى لزعيمهم قوضوا خيامهم وعزموا على الرحيل وقالوا: إننا لا نريد جوار شيخ يقتل كبيرنا في بيته. ولما سمع القول ابن صنيتان حكم على أخويه وقومه: أن لم تأتوني بالصبي قبل المغرب لكي اقتله انتحرت فذهبوا يفتشون عليه فوجدوه في بيت من بيوت الأعراب فأتوا به إلى أبيه فمسكه أبوه وذبحه بيده كما تذبح الشاة وقال: إن ولداً يهين مجاوري (وهم يقولون أقصر أي) في بيتي لحق أن يذبح هذا الذبح ثم أهدى رأسه إلى العمور ولما شاهدوا الرأس رجعوا إلى منازلهم السابقة. وقد وقعت هذه الحادثة في حدود 1320هـ - 1902م على ما أخبرنا الحاج جار الله الدخيل العقيلي النجدي.

ونظير هذه الحكاية حكاية وقعت للمهدي شيخ حرب مع رجل من عنزة وذلك في أوائل القرن الثالث عشر من الهجرة ومثلها لأبن مجلاد وأسمه

ص: 373