المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نقد الجزء الثاني من كتاب تاريخ آداب اللغة العربية - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٣

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 25

- ‌سنتنا الثالثة

- ‌صفحة من تاريخ خليج فارس

- ‌الراديوم

- ‌زكاة النصح

- ‌عصام الدين العمري

- ‌رحلة إلى شفاثا

- ‌نظرة في الاحساء

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 26

- ‌البصرة وأنهارها

- ‌بيت علم في العراق

- ‌نقد الجزء الثاني من كتاب تاريخ آداب اللغة العربية

- ‌رجال السفينة العراقية

- ‌إقامة أتون طاباق عمومي

- ‌سورة الخيل

- ‌مشارفة سد الهندية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 27

- ‌كدرُلعومَر في أقاصيص العرب

- ‌الطريق من الاحساء إلى الرياض إلى مكة

- ‌أسماء الأرياح عند أهل السفن العراقية

- ‌البصرة وأنهارها

- ‌الكلكسة

- ‌تطواف في جوار بغداد والمدائن

- ‌نصرانية غسان

- ‌الفكر سياح

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌ألفاظ عوام العراق

- ‌مريم

- ‌العدد 28

- ‌الجرامقة

- ‌الشيخ عثمان بن سند البصري

- ‌الشيخ السكير

- ‌تصرف العرب في الألفاظ الأعجمية

- ‌رؤية أدبية

- ‌ألم تر أن الدهر يكتب ما تملي

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 29

- ‌جزيرة العرب

- ‌لغة العرب

- ‌الكرد الحاليون

- ‌خلد أثراً

- ‌أفعال تتعلق بأهل السفن

- ‌أسرة بدروس آغا كركجي باشي

- ‌كتاب الولاة وكتاب القضاة للكندي المصري

- ‌سياحة في النوم

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارقة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 30

- ‌سياسة لا حماسة

- ‌المدائن أو طاق كسرى أو سلمان باك

- ‌أيها العربي

- ‌أمراء السعود في جزيرة العرب

- ‌الشيب والشباب

- ‌مستقبل قضاء الحلة

- ‌الحياة خيال

- ‌الأكراد الحاليون

- ‌حكم

- ‌الهيلاج ومعانيها

- ‌بحر النجف

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌الحالة العلمية والحركة الفكرية في النجف

- ‌لا همز في كلامهم

- ‌الدول

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 31

- ‌كتب تواريخ بغداد

- ‌على الأرض وفي السماء

- ‌أقسام إمارة السعود

- ‌الأدب خير نسب

- ‌أربع أسر بلا أثر

- ‌السائح الغربي في العراق العربي

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌باب التقريظ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 32

- ‌طاق كسرى

- ‌خاتمة البحث في إمارة السعود

- ‌برس نمرود

- ‌أيها الأمل

- ‌طوب أبو خزامة

- ‌المال حاكم

- ‌الذرعة

- ‌أربع أسر بلا أثر

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب التقريظ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 33

- ‌خرافات عوام البغداديين

- ‌الزواج عند يهود بغداد

- ‌الرّماحية

- ‌الطيارون في الشرق

- ‌ارتفع أسعار الأرضين في بغداد

- ‌النخل في العراق

- ‌بقايا بني تغلب

- ‌الكلمات الكردية في العربية الموصلية

- ‌التجارة في بغداد

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المراجعة والمكاتبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌باب التقريظ

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 23

- ‌الباب الوسطاني

- ‌نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق

- ‌منارة سوق الغزل

- ‌نُبوةُ أديب

- ‌أنا والدنيا

- ‌إمارة الرشيد

- ‌حالة التجارة في بغداد في سنة 1913

- ‌اللسان

- ‌الرطب والارطاب

- ‌صادق وفتحي

- ‌مكتبات النجف

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب التقريظ

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 34

- ‌منافع بيع البواخر

- ‌بيت النمنومي أو بيت جرجية

- ‌الحيدرية

- ‌وقفة تجاه السن

- ‌الأسطول الطيار

- ‌نبذة من تاريخ بغداد والبصرة والمنتفق

- ‌باب المذاكرة والمكاتبة

- ‌فوائد لغوية

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌إصلاح بعض الأغلاط واستدراكها

الفصل: ‌نقد الجزء الثاني من كتاب تاريخ آداب اللغة العربية

قرب والده المتوفى بالطاعون سنة 1248هـ عن يمين الذاهب إلى الشيخ معروف الكرخي قريباً من باب مسجده وقبره الآن مشهور يزار، وقد خلف خمسة بنين نبغوا في العلوم والآداب وتسنموا الوظائف السامية وهم عبد الله وعبد الباقي ونعمان وحامد وشاكر، وقد رثاه رجال الأدب بقصائد رنانة جمعت ما قيل فيه من المديح والثناء والتنويه بفضله أثناء حياته في كتاب سمى (حديقة الورود في مدح أبي الثناء شهاب الدين محمود) وهو يطبع اليوم. ومن الله التوفيق.

إبراهيم حلمي

‌نقد الجزء الثاني من كتاب تاريخ آداب اللغة العربية

لجرجي أفندي زيدان صاحب مجلة الهلال

3 -

أوهامه في ما قال وفكر وذهب إليه (تلو)

-

لله در صاحب الهلال فإن كتابه لم يكد يصدر إلا واهتمت به أشهر الصحف والمجلات وقام له كتاب العرب والإفرنج وتصدوا للخوض في نقده وإظهار ما فيه من المحاسن والمعايب. وكفى بهذه العناية دليلاً على منزلته بين المؤلفات واحتياج الأدباء إليه وإلى محتوياته. ونحن نقول أن هذا السفر يبقى في مقدمة الكتب التي صنفت أو تصنف في هذا الموضوع. كما أننا على يقين من أن هذا الكتاب يروج أعظم الرواج كمعظم ما صنفه حضرة كاتبنا الضليع ويعاد طبعه مراراً. فإذا عقد النية صاحبه على تجديد نشره نود أن يزول منه بعض الشوائب ليحل المحل الأول بين ما يؤلف في هذا المعنى وينال استحسان الجميع.

على أن الإتيان بها كلها هنا مما يضيق له نطاق المجلة غير أننا نذكر منها القضيض لا القض متتبعين الصفحات لا المواضيع ليسهل على الباحث اقتصاصها والوقوع عليها في موطنها بتسلسل وتحدر بدون أدنى عنف أو مشقة.

ذكر في ص 10 من كتابه أن (أكثر العلوم نشأ من القرآن أو توحد خدمة له) ثم لما جاء بذكر تلك العلوم لم يبين ما ذهب إليه في صدر مقاله لا بل أيد الخلاف

ص: 73

إذ نسب بعضها إلى الأقدمين وإن العرب سعوا في ترجمتها. - وقد قال في تلك الصفحة (لا يكاد يخلو علم من تأثير القرآن عليه رأساً أو ضمنا) ونسي أن العرب إذا بحثوا بحثاً في موضوع لم يأنفوا من الإشارة إلى سائر المواضيع فما من أحد تعرض لشرح المعلقات مثلاً إلا ورأيت فيها سائر العلوم (رأساً أو ضمناً) فلماذا لم يقل مثل قوله السابق عن هذه المعلقات. فأنت ترى أن ما قاله في البدء لا يوافق ما أشار إليه في ما تلا من تأييد آرائه.

وقال في ص 11 (أنه (أي النحو) نضج (عند العرب) في قرن وبعض القرن. واليونان لم يتم علم النحو عندهم إلا بعد إنشاء دولتهم بعدة قرون. ولم يضع الرومان نحو اللغة اللاتينية إلا بعد قيام دولتهم بستة قرون) لكن ذهل حضرته عن أن اليونان والرومان

اهتموا بوضع المبادئ والأسس والعرب جاءوا بعدهم فوجدوا كل شيء مهيأ فأخذوه عمن تقدمهم ليس إلا. نعم. إن بعضهم ينكر ذلك لكن أدلة المعاصرين من أهل البحث والمستشرقين من أبناء الغرب أماطوا اللثام عن محيا الحقيقة فأصبحت اليوم سافرة لا تحتاج إلى إثبات.

وقال في صفحة 13: (لم يصلنا من أساليب الإنشاء الجاهلي غير سجع الكهان وأقوال شق وسطيح الكاهنين الجاهليين مشهورة وكلها باردة ركيكة يمجها الذوق). قلنا: إن الذين نقلوا أقوال شق وسطيح وسائر الكهان جاءوا بعدهم بعدة سنين بل بعدة مئين من السنين فلما نقلوا لنا شق وسطيح لم ينقلوها لنا بنصها بل بما يكاد يكون بمعناها. لا بل لعلهم وضعوها على لسانهم بدون أن يكون لها ظل من الحقيقة وقد فعلوا ذلك تحقيراً لكلامهم في عهدهم ذك. وإلا فإن ما وصل إلينا من أشعارهم المتينة وارتجالهم إياها يدل على ما كان لهم من قوة العارضة وأداء البلاغة بجميع حقوقها. طالع مثلاً أمثالهم وما يعزى إلى خطباء العرب ووفودهم وراجع العقد الفريد في ما ينسبه إلى قدماء الناطقين بالضاد تر العجب.

وفي ص 14 ذكر ما: (دخل اللغة في الألفاظ الإسلامية واكتسبت كثيراً من المعاني الإسلامية لم تكن فيها من قبل كالصلاة والزكاة والمؤمن والكافر والمسلم وغير ذلك). قلنا إن شيوع تلك الألفاظ بالمعاني التي يشير إليها كان عرب النصارى قد سبقوا عرب الإسلام إلى وضعها بل كان عرب اليهود أيضاً

ص: 74

قد عرفوها واستعملوها. وقد أشرنا إلى ذلك في غير هذا الموطن قبل سنتين فكيف يقول حضرته هذا القول وهو يعلم ما يقابل هذا الكلم من المصطلحات الآرامية أخت اللغة العربية وتكاد تكون هي هي حرفاً بحرف. إن صدور مثل هذا الرأي من صدره لعجيب!

وفي ص 17 وما يليها ذكر ما للعصر العباسي من المزايا وأورد منها شيئاً ونسي شيئاً أكثر وكتب الإفرنج الموضوعة في هذا المعنى تتعرض أكثر لما تعرض له. فلتراجع في مظانها. ومن غريب ما ذكره في هذا السياق حرية الدين ونسي أن كثيراً من الخلفاء ضيقوا على العلويين تضييقاً يقف دونه كل تضييق ديني. وهذا كتاب (مقاتل الطالبيين) لصاحب الأغاني دليل على ما نقول. ثم هل نسي ما فعل بعضهم بالنصارى واليهود فليرجع إلى كتب المؤرخين والإخباريين ير العجب. والمؤلف كثيراً ما أهمل أمر الأمامية في تضاعيف

هذا السفر مما يسفر على أنه غير متوفر العدة في ما يتعلق بشؤون هذه الفرقة التي لها أعز مقام في العلوم العربية وحضارة العرب وتمدنهم. ومن جهله أمور الشيعة قوله عن الفقه والفقهاء ص 138: ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة وتولدت منهم مذاهب الإسلام الأربعة). . . فكان يحسن به أن يقول هنا: أما الاجتهاد عند الشيعة فإن بابه لم يوصد بل بقي مفتوحاً إلى يومنا هذا. وأغلب كبار مجتهدي الجعفرية هم في النجف. ومما زاد الطين بلة قوله في ص 144: (ومن الفقهاء في هذا العصر فقهاء الشيعة لم ينبغ منهم من يستحق الذكر. . .) قلنا: ولو راجع حضرته بعض كتب هذه الفرقة كروضات الجنان، وكتاب نهج المقال، في أحوال الرجال، لميرزا محمد الاسترابادي المكي المطبوع في طهران، وكتاب الفهرست، للشيخ منتجب الدين المطبوع في آخر بحار الأنوار، وكتاب أمل الآمل في علماء جبل عامل المطبوع في ذيل منهج المقال، وكتاب منتهى المقال، في أحوال الرجال، للشيخ أبي علي المطبوع في طهران. - لرأى أنه غير مصيب في كلامه هذا ولتحقق أن بين الأمامية من فقهاء المتوغلين في هذا العلم ما قلما نشاهد مثلهم في سائر الفرق الإسلامية ففيهم أبان بن تغلب وأبان بن عثمان وجابر الجعفي وهشام بن سالم وهشام بن الحكم وزرارة بن أعين وأخواه عمران وبكير، هذا فضلاً عمن يضاف إلى هذا البيت بيت العلم والفضل والآدب، ومحمد بن مسلم وأبو

ص: 75

الليث المرادي ويزيد بن معاوية العجلي وغيرهم. وكان يحسن به أن يذكر في ص 155 التقية إذ قال: وفيه (أي في عصر العباسي الثاني) قيدت الأفكار فطارد المتوكل للمعتزلة والشيعة فضعفت الحرية. وعمد الناس إلى التستر بأفكارهم خوفاً على حياتهم خلافاً لما كانوا عليه في أواخر العصر الماضي) أهـ. قلنا وهذا ما يسميه الشيعة بالتقية وهنا كان يليق به أن يذكر بحثاً وجيزاً فيها ويظهر ضررها بالدين لأنها ليست إلا رياء فيه، الأمر الذي لا نراه في أهل السنة.

وقد نسي في كلامه عن علماء الكلام في العصر الثاني العباسي (ص 29) ذكر جماعة من كبار متكلمي الشيعة منهم: أبان بن تغلب وأبان بن عثمان ومحمد بن سنان وهشام بن الحكم وهشام بن سالم وأبو جعفر محمد الأحول المشهور بلقب مومن الطاق والمفضل بن عمر الجعفي ومحمد بن أبي عمير الازدي. وكذلك لم يذكر من مؤلفات محدثي الشيعة ص 211

كتاب الكافي لمحمد بن محمد الكليني الذي له أيضاً الروضة. ونسي أيضاً كتاب من لا يحضره الفقيه لمحمد بن علي بن بابويه والتهذيب والاستبصار لمحمد بن حسن الطوسي وكتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار وهي أربعة كتب مشهورة وغيرها.

ومما يذكره بعز وافتخار، وعده من ثمار تمدن تلك الإعصار، إعصار العباسيين الكبار، (تكاثر الجواري مما لم يسمع به قبله حتى كان فيهم (كذا والأصح منهم) في بعض المنازل عشرات وفي البعض الآخر مئات إلى آخر ما هناك (ص 20) - قلنا: إن هذا مما لا يتباهى به في حضارة أمة ولا دخل له في (تاريخ آداب اللغة العربية) وإنما هذا مما يسكت عنه خوف الفضيحة والعار. خوف الإهانة والشنار.

وفي ص 21 وما يليها إلى ص 32 تقدم إلى ذكر (امتياز العرب على سواهم من الفاتحين) وإلى ذكر (آداب اللغة اليونانية والفارسية والسريانية والهندية) وكل ذلك لا حاجة إليه بل كان يكتفي بإشارة خفية إليه لا غير.

وفي ص 37 نسب إلى العصر العباسي ألفاظاً كثيرة كان معروفة قبل العباسيين لا بل قل الإسلام كالكي والحجامة والتوليد والفسخ والهتك والوثى والرض والخلع إلى آخر ما سرد من الألفاظ. فحقيقة لا أدري كيف يلقي كلامه بعض الأحيان على عواهنه حتى أنه يدفع القارئ إلى أن يظن بأنه لا يفعل ما يفعل إلا

ص: 76

لتوسيع حجم كتابه؛ مع أن الحقيقة هو أنه يهرب من ذلك هربه من الأفعى.

ومما ذكره في ص 39 قوله: (فترى مما تقدم أن أهل تلك النهضة (العباسية) لم يكونوا يستكفون من اقتباس الألفاظ الأعجمية ولم يتعبوا أنفسهم في وضع ألفاظ عربية لتأدية المعاني التي نقلوها عن الأعاجم، بل كانوا كثيراً ما يستخدمون للمعنى الواحد لفظين من لغتين أعجميتين. فالسرسام مثلاً أسم فارسي لورم حجاب الدماغ استعمله العرب للدلالة على هذا المرض ولما ترجموا الطب من لغة اليونان استخدموا اسمه اليوناني وهو (قرانيطس) ولو استكفوا من استخدام الألفاظ الأعجمية لاستغنوا عن اللفظيين جميعاً). أهـ كلامه - قلنا إن المترجمين أو المعربين لم يكونوا جميعهم من طبقة واحدة فإن الضلع منهم كانوا يعربون الألفاظ معنىً لا مبنىً. فيقولون مثلاً علم الحساب ولا يقولون (الأرثماطبقي). وعلم الفلك أو النجوم لا (الأسطرونومية) وعلم المنطق لا (اللوجيقي) وعلم الإيقاع أو

الغناء لا (الموسيقي) بخلاف الظلع فإنهم عربوا الألفاظ تعريباً لفظياً وذلك إنهم لبسوا الأعجمي لباساً عربياً وقالوا له إنك عربي فأذهب بسلام على الطائر الميمون. ثم إن الذين استعملوا الألفاظ الأعجمية الفارسية هم غير الذين اتخذوا الألفاظ اليونانية فليسوا هم إذاً بعينهم كما يفهم من قرائن كلام حضرة الكاتب؛ والذين كانوا يدخلون ألفاظ لغة أعجمية كانوا يجهلون أن غيرهم أدخلوا غيرها بمعناها من لغة أخرى أو كانوا يجهلون أن لها مقابلاً في العربية. وفي ذلك العهد كما في هذا العصر كان الضالع والضليع، وابن اللبون الخريع، والبازل القريع، ومنهم من يعلم الألفاظ الاصطلاحية ومنهم من يجهلها وكان أمر النقل من لغة إلى لغة في ذلك العهد اصعب مراساً من هذا اليوم لقلة شيوع الكتب واستلزام نسخها أو نقلها وغلاء ثمنها وعدم وجود المطابع والمعاجم على الوجوه الميسرة المقربة المعروفة اليوم لدينا. وعليه يكون في قول حضرة كاتبنا الفاضل مغالطة ومجازفة.

هذا فضلاً عن إن السرسام غير الفرانيطس (بالفاء) عند المحققين. نعم إن بعض جهلة النقلة قالوا ذلك وبذلك؛ لكن بين أن يكونوا محقين وأن يكونوا محقوقين فرق كفرق ما بين الثرى والثرياء. فإن السرسام لفظ مركب من (سر) أي رأس (وسام) أي ورم أو مرض. وأما قرانيطس بالقاف فهو خطا والأصح إنها فرانيطس بالفاء أجل. إنها وردت في كثير من مؤلفات الطب بالقاف ظناً أنها من قرانيون

ص: 77

ومعناها قحف الرأس مع أداة (ايطس) في الآخر للدلالة على الالتهاب لكن هذه اللفظة بهذه الصورة لا وجود لها في لسان اليونان. وإنما هي فرانيطس بالفاء وفي الأول وهي من اليونانية أي التهاب الحجاب.

فأنت ترى أن السرسام غير الفرانيطس عند المحققين وعليه سقط توجيه حضرة الكاتب التحرير في هذا الموضوع ولو كان أتى لنا بعده شواهد مدعاه لكان يتفوم من كلامه ضابط يتمشى عليه لكن الشاهد الذي أتى به انقلب عليه خصماً. على أننا لا ننكر أن ما ذهب إليه قد وقع حقيقة إلا أن وقوعه يعد من النوادر والنادر كالعدم لا يقوم عليه يعمل به المجتهدون.

وفي تلك الصفحة ندرج إلى ذكر التراكيب الأعجمية التي تسربت إلى العربية في عصر العباسيين. وذكر أهم تلك التراكيب لكنه لم يذكر بينات تثبت مدعاه. فكان يحسن به أن يدعم آراءه بالأدلة الناصعة ليؤخذ بكلامه؛ لا سيما إن ما ذهب إليه هو من المبتكر أو يكاد

يكون. ولهذا كان إسناد الرأي الجديد بحجج قاهرة أو مثبتة واجبة التفصيل، في هذا القبيل، وعلى كل فنحن لا نظن أن (الإكثار من استعمال الفعل المجهول) هو من مميزات تلك النهضة بل إنه حدث بعد ذلك بكثير ولا سيما عند المعربين النصارى. أما المسلمون فإنهم كانوا يأنفون من هذا السبك إذ كانوا في مندوحة عنه.

ومما يذكر في تلك ص (أي 39) في باب التراكيب الأعجمية في اللغة العربية قوله. (إدخال الألف والنون قبل ياء المتكلم (كذا) في بعض الصفات كقولهم روحاني ونفساني وباقلاني ونحو ذلك مما هو مألوف في اللغات الآرية لا يستحسن في اللسان العربي). . - قلنا: إن الألف والنون اللذين يشير إليهما لا تدخلان قبل (ياء المتكلم) بل قبل (ياء النسب) وقد أخذ العرب هذا النوع من النسبة من الأرميين لا من الآريين وإن كانت هذه النسبة موجودة بهذه الصورة عند الآريين الذين يشير إليهم وهذا أشهر من أن يذكر.

وقال في تلك الصفحة (أي 39) ومن التعبيرات التي اقتبسها العرب من اللغة اليونانية ما لم يكن لهم مندوحة عنها ولا بأس منها: 1 تركيب الألفاظ مع (لا) النافية وإدخال ال التعريف عليها كقولهم: اللانهاية واللاادرية واللاضرورة أهـ. - قلنا: إن هذا الاستعمال كان معروفاً قبل عصر

ص: 78

العباسيين فقد جاء في كلام عامر بن الضرب العدواني من خطباء الجاهلية: أنى أرى أموراً شتى وحتى. قيل له: وما حتى؟ قال: حتى يرجع الميت حياً، ويعود اللاشيء (أي العدم) شيئاً. أهـ. فأنت ترى أنه كان في غنىٍ من أن يقول اللاشيء بقوله العدم. لكنه قال ما قال لتوجيه الفكر إلى معنى دقيق جديد لا يوجد في لفظة العدم.

وقال في ص 40: (ومن الكتب التي يمكن الرجوع إليها في هذا الموضوع موضوع الألفاظ العلمية غير كتاب تاريخ اللغة العربية المتقدم ذكره: (كتاب التعريفات) للجرجاني المتوفى سنة 816هـ، ويشتمل على المصطلحات الفقهية والنحوية وغيرها مرتبة على حروف المعجم وهو مطبوع في باريس سنة 1845 وفي مصر أهـ. - قلنا: لا ندري لماذا خص بالذكر المصطلحات الفقهية والنحوية دون غيرها مع أن مصطلحاتهما قليلة بالنسبة إلى أوضاع سائر الفنون. ثم قال إنه طبع في باريس والحال إنه طبع في لبسيك بسعى غستاف فلوجل: وأما الطبعة المصرية فقد برزت سنة 1283 نقلاً عن الطبعة الإفرنجية كما أن شركة الصحافة العثمانية في دار السعادة طبعتها على النسخة المصرية وهي كثيرة الأغلاط

كالأصل الذي نقلت عنه إذ لم تحرر.

ومن غريب أقواله ما ذكره في سبب الشكوك في الدين والزندقة (ص 51) قال: الفلسفة لم تدخل في ديار قوم أهل دين إلا شوشت اعتقادهم وتركتهم حيارى مذبذبين ريثما يرسخون في العلم فيستقر رأيهم على شيء يدينون به (كذا). أهـ. قلنا: ليست الفلسفة إلا نوراً طبيعياً لا يضر العقل المتدين السليم بل يزيده جلاء مهما تغلغل في الحكمة وإنما يؤذي من كان في عقله آفة أو في دينه مغمز أو مطعن ونحن نعلم أن كثيراً من المتدينين تفرغوا أو يتفرغون لدرس الفلسفة فنهضوا أو ينهضون عنها وقد تمكن معتقدهم في صدرهم وازدادوا نوراً على نور. وإلا فمن ينسب إلى الفلسفة تسبب الضعف في الدين والزندقة كمن ينسب إلى الشمس موت الأحياء. نعم إن الشمس قد تميت لكن الغالب على أفعالها الحياة والأحياء وكذلك فعل الفلسفة. ولهذا فنسبة الزندقة إليها ظلم بين فاضح. وقد قال قدماء الأجانب: قلة العلم تبعدنا عن الله وكثرته تقربنا منه. وحضرة الكاتب كثيراً ما يلمح إلى عدم اتفاق الدين والعلم كأن الواحد عدو الآخر وكأن مصدر الاثنين مصدران متعاديان لا يجتمعان معاً. ونحن ننزهه عن هذا المقال، على أنه لا يسلم هو بصحة مبدأ هذا وكأنه رأى نقصه عند تدوينه إياه

ص: 79

فأستدركه بقوله: (على أن الشكوك في الدين شاعت في الأدباء والشعراء قبل نقل الفلسفة إلى العربية فلعلها تطرقت إلى أذهانهم من معاشرة الأمم المختلفة في بغداد والكوفة والبصرة ممن دخل منهم في الإسلام.) أهـ. قلنا: إن تخصيصه الأدباء والشعراء بقلة التدين ظلم بحت أو محض تحكم. فإن فساد الدين في طبقة من الناس دون الطبقة الأخرى فضعفاء الدين موجودون في كل قطر وعصر، وفي كل شق وعمر، وفي كل أمة وملة، وفي كل طبقة من طبقاتها وقد وجد بين العرب قبل الإسلام وفي عهده وفي صدره وفي عقبه بقليل أو كثير أناس ممن يشير الكاتب إليهم كما يشهد عليه التاريخ. وممن ثم لا نستصوب رأي كاتبنا في هذا الصدد كما إننا لا نوافقه على رأيه.

والكاتب البارع المبتدع كثيراً ما يعمم بعض الأمور لورود خبر خاص جاء في معنى من المعاني التي يريد تأييدها. وهذه كتبه كلها مشحونة بمثل هذا الإطلاق المخل بالحقائق وقد جاء مثل ذلك في ص 53 قال: (وكثيراً ما كانت تعقد مجالس الشعراء لغرض أدبي كوصف منظر أو أداةٍ كما فعل الهادي إذا استقدم الشعراء إليه وأقترح عليهم أن يصفوا

سيفاً أهداه إليه المهدي وهو سيف عمرو بن معدي كرب فوضع السيف بين يديه وقال للشعراء: صفوه فنال الجائزة ابن يامين المصري.) - قلنا: ولو قال (وربما كانت تعقد مجالس. . . الخ) لكان أثبت قدماً في موقف الحقيقة وإلا لو كان صادقاً لأتى لنا بشواهد جمة تأييداً لمقاله. فإذ لا يسرد إلا شاهداً واحداً فالأوجه أن يقول مثلاً عبارة تشعر بضيق موقفه وحرجه أو تدل على أن الأمر لم يكن على وجه العموم. - وفي تلك الصفحة قال أيضاً: وكثيراً ما كان الرشيد يعقد المجالس للبحث في معنى بيت. وهو لم يذكر هناك إلا شاهداً واحداً إدعاماً لرأيه. ومثل ذلك قال في الصفحة التالية (54) وهذا نص كلامه: (وكثيراً ما كان رجال الدولة يعولون على الشعراء في تبليغ بعض ما يخافون غضب الخليفة منه كما فعلوا بتبليغ الرشيد خبر نقفور ملك الروم) وهنا أيضاً لم يذكر كاتبنا إلا خبراً واحداً لبناية حقيقة تاريخية عامة الموضوع. ولو أردنا أن نتبع مثل هذه الأقوال. لاتسع بنا المجال. إلى ما يخرجنا عن ميدان البحث.

والظاهر من تتبع صفحات كتاب مؤلفنا المبتدع أنه لم يعن بتتبع أحوال الشيعة وليس بيده كتبهم الكبار إذ قلما يستشهد بمصنفاتهم بل كثيراً ما يظهر

ص: 80

جهله أخبارهم. أنظر مثلاً ص 57 تر أنه عد من شعراء الشيعة السيد الحميري ودعبل وديك الجن فقط وأخرج من بينهم صريع الغواني مسلم بن الوليد ومنصور النمري والعكوك وأبا دلف وأبا تمام والبحتري وأبا نواس. مع أنهم من المتظاهرين أو القائلين بالتشيع.

وقد يهفو أحياناً في جزمه في بعض الأمور لا سيما في وجود الكتب وضياعها فقد قال مثلاً في ص 123: (ولم يصل إلينا من كتاب العين إلا ما نقل في كتب اللغة كالمزهر للسيوطي وكتاب النحو لسيبويه) ولو زاد عن ذلك ثلاث نسخ في العراق ولعل يوجد أكثر من ثلاث وقد ورد مثل كلامه هذا بخصوص المؤلفات النادرة في عدة مواطن ونحن نكتفي هنا بالإشارة فقط. ولهذا يحسن به أن يكسر قليلاً من لهجته في هذا الصدد. ولا سيما وقد عاد في الصفحة 124 إلى كتاب العين فقال: وللأسف أنه ضاع وقد كان موجوداً إلى القرن الرابع عشر للميلاد ولا يبعد أن يعثر الباحثون على نسخة منه في بعض المكاتب الخصوصية).

ومن أوهامه أنه نسب إلى ابن المقفع معرفة اليونانية (ص 129) وهذا رأي فائل ذكره

بعض مترجميه على طريق التكهن لأنهم رأوه اختصر بعض كتب مترجمة من اليونانية لكن لم يذكر أحد هذا الخبر على طريق التأكيد والحكم المبتوت فكيف جاز له بعد ذلك أن يقول: وكان يعرف اللغة اليونانية (جيداً)؟

وفي بعض الأحيان يقابل حضرته بين ما أتجه تمدن اليونان والرومان بما ولدته حضارة العرب ثم أنه يحكم بأن نتاج أهل الغرب لم يكمل إلا بعد سنين طوال وأما نتاج العرب فإنه كمل بعد حين قليل. مثال ذلك مقاله في ص 144 (فترى مما تقدم أن المسلمين دونوا فقههم واقروه واستنبطوا الأحكام والشرائع قبل انقضاء القرن الثاني من تأسيس دولتهم ولم يتفق ذلك لدولة من الدول قبلهم. فإن الشريعة الرومانية لم يستقر أمرها وتضبط إلا في زمن يوستنيان وذلك بعد تأسيس الدولة الرومانية بأكثر من عشرة قرون.) أهـ كلامه. قلنا في مثل هذه المقابلات والمعارضات: إن العرب أخذوا أغلب علومهم عن كتب الرومان واليونان وغيرهم فحصدوا ما زرع غيرهم. وأما من سبقهم فإنهم حصدوا ما زرعوا بأنفسهم. ومع هذا كله فشتان بين نتاج ونتاج وبين حضارة وحضارة

ص: 81