الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد لغوية
سبب إفراد معدوم ما فوق العشرة في الجمع.
من أغرب خصائص اللغة العربية أن الناطقين بالضاد إذا عدوا المعدود إلى العشرة جمعوه وإذا تجاوزوها أفردوه. فيقولون مثلاً ثلاثة رجال إلى عشرة رجال. ثم يقولون أحد عشر رجلاً وعشرون رجلاً ومائة رجل وألف امرأة. ولم يعترض النحاة لذكر سبب هذه الغريبة. وعندي إن سببها هو أن العرب كانوا في جاهليتهم قوماً أميين أجلافاً لا يعرفون من العدد والمعدود معرفة تامة مثبتة إلا بقدر ما عندهم من الأصابع في أيديهم، ولهذا سموه جمع القلة أما إذا تجاوزوه فإنهم يرتكبون في عده ويضطربون ويرتكبون الخطأ. لهذا أفردوا المعدود بعد ما فوق العشرة وسموه جمع الكثرة كأنهم يشيرون إلى أن ما يعدونه بعدها يحتمل زيادة واحد أو نقصان واحد. فقولهم مائة رجل معناه مائة (من رجال بزيادة) رجل (أو بنقصان) رجل.
لكن كان يجب عليهم أن يقولوا على هذا الوجه ثلاث مئات إلى تسع مئات كما قالوا ثلاثة آلاف إلى عشرة آلاف ومع ذلك فإنهم خالفوا هنا القياس أيضاً وقالوا: ثلاثمائة إلى تسعمائة. والسبب هن أنهم اعتبروا الثلاثمائة والتسعمائة بمنزلة كلمة واحدة مركبة ولهذا يكتبونها متصلة الصدر بالعجز بخلاف ثلاثة آلاف مثلاً فإنهما تعتبران كلمتين منفصلة إحداهما عن أختها.
ولعل هناك غير السبب الذي أشرنا إليه. إذ أننا وجدنا في أعراب العراق كثيرين من الناس الذين لا يعرفون أن يحسبوا أكثر من عشرة فإذا احتاجوا إلى عد مائة سألوا واحداً يحسن العد. ولقد رأيت أناساً إذا ضاقت بهم الحيلة يجمعون المعدود عشرات عشرات على حدة ثم يحسبون العشرات ليعدوا المائة أو يحسبون المئات ليعدوا الآلف. قلنا فإذا كان أعراب هذا العهد في هذه الدركة من الجهل فما قولك في أعراب ذلك العهد العهيد الذي ما كانوا يخالطون فيه المتحضرين مخالطة عظيمة على ما هي اليوم. - هذا وإذا جمعوا العشرات كوماً وجعلوا كلاً منها على حدة سموا كل طائفة منها (جمع) فلم تعد تسمى المائة