الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبارك:
أسرة أخرى من أهل عين ابن فهيد ونزح منهم أناس إلى بريدة.
منهم فهد العلي المبارك السعد، وإذ كان يقال لهم قبل ذلك السعد، وفهد أديب لبيب حافظ للشعر العامي، وهو يشتغل بالتجارة ويجالس شعراء العامة، ومحي الأخبار ويلقب بابوصَدَّام.
قال فيه إبراهيم بن عبد المحسن الطويان (درعان) عام 1365 هـ وقد سافر هو وأصحابه إلى بريدة وهم فهد الحسن الهويمل وفهد بن محمد السيف و (درعان):
يا خَوُّل يا فهيد أبو صدَّام
…
يوم الحناتير خَلنّه
الناس ناموا وهو ما نام
…
يلعي كما تلعي الشَّنه
الله يجازيك يا الأيام
…
ما ضحكنّه يْبَكّنه
والشنة: الربابة التي يعزف عليها، ويلقي: يصيح
ورأيت شعرًا للشيخ فهد بن عبد العزيز السعيد فيه ذكر لفهد المبارك هذا، وكان فهد يعالج يده وكانت أصيبت في حادث سيارة، فكان في مستشفى علي ماهر في القاهرة عام 1395 هـ.
ولكن ذهب عني شعر الشيخ فهد السعيد ولا أدري أين هو الآن، وقد أنسيت نصه.
وقال فيه إبراهيم بن عبد المحسن الطويان درعان أيضًا وكانوا مسافرين مع رفقة من الرياض إلى الحجاز على سيارة يقودها (أبو صدام) وهي من طراز (دوج):
الدوج كثرت تواقيفه
…
كثر الزَّعَل عند ابوصدام
وهو زعول خَرَبٌ كيفه
…
طال السفر والهوى قدام
بالليل تسمع خذاريفه
…
هواجس قلبه عليه حْيَام
بلاه من واحدٍ حيفه
…
أمَّن رفيقه وطقِّ خْيام
حدثني عن نفسه، قال: كبرت زوجتي أم عيالي ورغبت في أن أتزوج بامرأة شابة، وكان لي من زوجتي أولاد بررة بي من أبناء وبنات فخشيت إذا تزوجت على أمهم أن يغضبوا ويقاطعوني فجمعتهم مع أمهم عندي، وقلت لهم: وش رايكم بي؟ أنا ما أكرمتكم؟ وربيتكم؟ ولا تأخرت عنكم بشيء؟
فقالوا بلسان واحد، أبدًا، الله يطول عمرك يا أبونا ويجزاك عنا خير، فقلت لأمهم زوجتي: وأنت يا أم فلان هو يطول أنا مقصر معك في شيء؟
قالت: والله ما قصرت بشيء يا أبو صدام، الله يطول عمرك ويخليك لنا.
فقلت لهم جميعًا، أنتم تعرفون أني كبرت ويا الله حسن الخاتمة، وش لون إذا قدر الله عليَّ ومت، أنتم تضحون لي بعيد الضحية؟ وتعشون لي برمضان: فقالوا من فم واحد: أي والله يا أبونا إننا نضحي لك ونعشي لك برمضان، وقال أحدهم: أنا والله يا أبوي أني أبي أضحي كل سنة بضحيتين ما هي واحدة.
قال: فقلت لهم: أجل اسمعوا، إذا مت فأنا ما أبي لكم ضحية ولا عشاء برمضان، خلون إذا مت الله سبحانه وتعالى، بس إذا صرتوا تبون تبرون بي جوزوني هالحين في حياتي، وخلون إذا مت لله، بُرُّوا بي هالحين، ولا أبي من بركم إلَّا تجوزوني! !
قال: فسكت الأولاد من أجل أمهم، وقالت الأم: والله ما عقب هذا شيء يا أبو صدام - إلَّا نسمح لك تعرس ولا نعترض!
قال: وقال الأولاد بعد ذلك مثل قولها.
قال: وقد تزوجت بالفعل.
هذا وكنيته أبو صدام على اسم والده صَدَّام، وكان سماه قبل أن يشتهر اسم صدام حسين رئيس العراق، إلَّا أنه عندما غزا صدام حسين بجيشه الكويت وصار عدوا للمملكة العربية السعودية، وأخذت الصحف السعودية والإذاعات تهاجم صدام حسين وتسبه، ذهب إلى الأحوال المدنية وطلب تغيير الاسم من (صدام) إلى اسم آخر.
هكذا قيل لي ولم يقله لي بنفسه.
توفي فهد بن علي المبارك (أبو صدام) في 24/ 4/ 1414 هـ وكان أصيب في كليته فتعطلت، فذهب للهند لزراعة كلية، ولكنها لم تنجح.
وكان فهد انتقل إلى المدينة وفتح محلا لبيع الأدوات للسيارات ونحوها، ثم انتقل إلى الرياض وفتح محلات تجارية وصار له ولأولاده معامل كبيرة في الصناعة، وذلك بعد أن اشترى أرضا فيها وأخرج منها مسجدًا بناه ونزل بجانبه.
وأولاده أكبرهم محمد ثم مبارك وكلهم يعملون في تلك الورشة الواسعة حتى أبناءهم كانوا يعملون في إنشاء مصانع الغلال الصغيرة.
وله كلام مأثور منه قوله: (الفقر ما به لذة) وقوله: (الحمد لله على الفقر وقل الدراهم).
وقوله: (يا أحَول اللي ما له بريده) ويا حوَّل: أداة تفجع وتوجع، وبريدة، مدينة بريدة يقصد: ما أعظم رثائي للذي ليست له بريدة أي ليس من أهلها.
كان أبو صدام من الرعيل الأول في قيادة السيارات ما بين الخمسينيات حتى الثمانينيات من القرن الماضي القرن (14)، الذين ينقلون البضائع والركاب داخل وخارج المملكة.
وذات يوم كان أبو صدام جالسًا مع رفاقه في منتزه عاليه أو منتزه اشتوره بلبنان، فكان النهر يجري حولهم والفواكه تتدلى يمنة ويسرة من
الشجر، فكانوا في منتهى الإنس والسرور وغياب الهموم.
فقال الرفاق: هيه يا أبو صدام ما رأيك في هذا المكان: أيّهْ وبريدة وسمومها وغبارها؟
فتنهد أبو صدام تنهدا من أعماق صدره، وقال كلمة صارت مشهورة بين أهالي بريدة:(يحول يا اللي ماله بريدة)! ويعني بـ (يحول) أي مسكين أرثي لحاله!
نظم قولته هذه عبد الكريم بن عبد الله الخلف من شعراء بريدة في قصيدة، فقال:
هذه القصيدة يسندها قائلها إلى (فهد المبارك) رحمه الله تعالى، ولهذه المقولة قصة معروفة متداولة بين الناس ويعرفها كل واحد من أبناء هذه المدينة الغالية ولهذا فإنها عنوان هذه القصيدة:
يا فهيد لك كلمة تردد صداها
…
في خاطري يومك على سفح لبنان
يوم الطبيعة كشفت عن غطاها
…
ردت بك الذكرى على ذيك الأوطان
وقلته لنا كلمة ولا أحد نساها
…
ودايم نرددها على مر الأزمان
يا حول من ماله بريدة وغلاها
…
ولا له بها مسكن وربع وجيران
هي ديرتي والله ما أنسي هواها
…
لو ساوموني في هواها بالأثمان
نبعد ونقرب بس نحفظ غلاها
…
ومفارقه ماهوب رغبة ونشوان
هي دوحة للعلم نقطف نماها
…
ونفعه تعداها وشمل كل ميدان
فيها رجال العلم فيهم تباهي
…
وصوته غدا مسموع في كل الآذان
وهي مورد الظميان لا من عناها
…
يلقى بها من كل الأشكال عنوان
وهي روضة ارضه ربيع كساها
…
والسيل يمشي في سهلها ووديان
تلقى النفل والشيح فايح شذاها
…
وباقي نبات الأرض من كل الألوان
وارجالها انشد عن اللي نخاها
…
يعطيك عنهم خير قول وبرهان
ويا لأيمي ما اسمعك ما اقوى بلاها
…
ولوني كتبت البعض لابد نقصان
وصالة ربي عد ماهل ماها
…
على نبي بيَّن الحق تبيان
ومن الطرائف المتعلقة بفهد المبارك هذا أن الملك سعود بن عبد العزيز قام بجولة بعدما تربع على عرش المملكة على أثر وفاة والده الملك عبد العزيز رحمهم الله، وقد شملت جولته شمال المملكة إلى جنوبها بالسيارات، وكان من بين البلدان التي يزورها بريدة، وذلك في عام 1373 هـ.
فاجتمع جماعة أهل بريدة من أجل أن يقوموا بتنظيم احتفال يقيمونه للملك في بريدة باسم (أهالي بريدة) على غداء أو عشاء، وكان لابد لذلك من جمع مبلغ من المال من القادرين على ذلك الذين يريدون التبرع.
فصاروا يكتبون التبرعات، وكان من أراد أن يتبرع بشيء أعلنه لهم فكتبوه.
وكان فهد المبارك - أبو صدام - هذا حاضرًا فقال للجماعة مداعبًا:
يا جماعة أعذروني أنا ودي أتبرع مثلكم للحفلة بمبلغ كبير ولكن ما تيسر عندي شيء، ولذا أرى إنكم تبيعونني وتأخذون ثمني تعتبرونه مشاركتي في نقود هذا الاحتفال! !
يقول ذلك لكونه أسمر اللون من باب المزح والمداعبة!
فانبرى الشيخ صالح بن سليمان العمري، وكان من الحاضرين الذين تبرعوا للحفل، فسأل فهد المبارك قائلًا:
كم تسوى يا فهد إلى بعناك؟
فقال: خمس جنيهات ذهب، يريد فهد بذلك أنه يحب أن يتبرع بهذا المبلغ لهذه المناسبة.
فقال الشيخ صالح العمري: أنا أقدم لكم خمس جنيهات ذهبًا باسم فهد المبارك، فقيدوها عليَّ.
وقد فعلوا ذلك.