الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماضي:
من أهل بريدة.
جاء أوائلهم إلى بريدة من روضة سدير وهم أبناء عم للسديري أهل خب العوشز، جاءوا مثلهم من الفرعة في الوشم، وكان يقال لهم اليحيا، ويرجعون في نسبهم إلى بني لام.
منهم صالح بن ماضي الماضي كان معلمًا ماهرًا في بناء البيوت الطينية، واستدعاه الملك عبد العزيز آل سعود إلى الرياض عدة مرات للعمل في القصور لديه التي تبني بالطين، مات عام 1359 هـ.
وأقدم المرات التي ذهب فيها (الستاد) صالح بن ماضي إلى الرياض بناء على استدعاء الملك عبد العزيز آل سعود كانت في عام 1345 هـ قبل وقعة السبلة بسنتين، وقد بنى أكثر من قصر.
حدث محمد بن عبد الله العمري المعروف براعي الساعات يعني الذي يصلح الساعات قال: قال (الستاد) ابن ماضي قبل السبلة بنحو سنتين، وكنت أصلح الساعات في بريدة: يا محمد الرياض فيها ساعات كثيرة ولا فيها أحد يعرف يصلح ساعات، أشير عليك تروح للرياض.
قال: فذهبت إلى هناك وفتحت دكانًا صغيرًا صرت أصلح فيه الساعات غير أنني لاحظت أن بعض أهل الرياض لا يطمئنون في الحديث إليَّ ويفرون مني، فذكرت ذلك للستاد ابن ماضي فقال لي: إلى صار باكر تراي أجلس بالسوق وهو محدود وفيه دكاكين، والناس الذين فيه (محدودين) قال: مر من عندي وسلم عليَّ ولا تجلس.
قال: ففعلت، وعندما انصرفت، قال ابن ماضي لمن حوله: يا أهل
الرياض حظكم زين جاب الله لكم ابنها الحلال، صاحب ديانة وابن حمولة، وأهله فيهم طلبة العلم.
قال: فانطلقوا معي وتبين أنهم كانوا قد انكمشوا مني، بسب عدم تيقنهم من درجة تديني.
قال: وقد كسبت كثيرًا من عملي في الساعات آنذاك.
ومن الطريف أن الملك عبد العزيز آل سعود كان قد أتى لتفقد قصر يبنيه الستاد ابن ماضي فأراد أن يداعبه ويداعب عمال الطين الذين اشتهروا بين الناس بحبهم للدعابة، وذلك من واقع كون أفكارهم غير مشغولة، إلَّا بهذا العمل اليدوي الشاق.
وكان معظم الذين مع ابن ماضي مثله من أهل القصيم، فقال الملك عبد العزيز.
أنتم يا أهل القصيم حراجكم ماهوب زين، من يسوم البقرة؟ من يفتح باب الحمارة؟ يشير إلى أنهم يقولون في ندائهم في السلعة: من يفتح بابها أي من يسوم السوم الأول.
فلم يصبر الستاد ابن ماضي وإنما نزل من الجدار الذي كان يبنيه، وأخذ (شماغه) من فوق رأسه وبسطه حتى أصبح كالرداء، وقال موجهًا كلامه للملك عبد العزيز:
وأنتم يا أهل العارض حراجكم تقولون: وأخذ يرفع صوته كالذي ينادي
على سلعة في سوق مزدحم:
ست جدد بجلال الليل، بي نبيع، بي نبيع، والا حنا نحرج على بقر وحمير وأباعر.
فضحك الملك عبد العزيز ومن معه، ثم عاد ابن ماضي إلى استئناف عمله.
وكان الستاد صالح الماضي قد شارك في بناء قصر المربع عام 1354 هـ.
وابنه عبد الله بن صالح الماضي استاد بنيان بالطين والجص، انتقل إلى الرياض وسكنها مدة ثم عاد إلى بريدة.
مات عام 1399 هـ على وجه التقريب.
ومنهم عبد الله
…
الماضي كان استادا أيضًا أي معلمًا في البنيان بالطين، وكان إلى ذلك يطوي الآبار التي تحتاج إلى طي فكان ذلك سبب موته، إذ أنهار عليه حسو رملي كان يحاول أن يطويه، فدفنه الرمل وأخرج منه ميتًا، وذلك في عام 1357 هـ.
وقد جاء ذكر الستاد عبد الله الماضي شاهدًا في وثيقة كتبها الكاتب الشهر في وقته عبيد بن عبد المحسن العبيد والد المشايخ من آل عبيد، وتاريخها 8 ربيع سنة 1338 هـ ولم يبين أي الربيعين أراد.
وقد وصف الكاتب عبيد عبد الله الماضي بأنه الستاد، والستاد هو معلم البناء بالطين كما هو ظاهر.
ذكر لي الأستاذ سليمان العيد أن عبد الرحمن بن ماضي كان جمال حداجة، ينقل البضائع والسلع على بعارينه من الجبيل والحساء إلى بريدة وكان معه أربعون أو خمسون بعيرًا في بعض الأحيان.
الظاهر أنه شقيق للستادين صالح وعبد الله.
ومنهم يحيى بن ماضي الماضي من المعمرين بلغ من العمر مائة سنة، ومات في عام 1364 هـ، وكان يعمل بَنَّاء مثل المذكورين قبله من هذه الأسرة.
وأبو الستاد صالح هو (ماضي بن يحيى الماضي) كان يؤذن في المسجد الجنوبي في بريدة، وظل في مأذنته تلك دهرًا حتى عرف المسجد به فقيل له (مسجد ماضي) لما ذكر، وقد أدركنا ذلك المسجد، لا يعرف إلَّا بمسجد ماضي.
رأيت ذكره بأنه ماضي بن يحيى في وثيقة لم أهتد إلى مكانها الآن.
ووردت شهادة عبد الله بن ماضي منهم في ورقة مداينة مكتوبة في عام 1320 هـ، بخط عبد الله بن إبراهيم المعارك.
ولا أدري عن (عبد الله الماضي) هذا أهو (الستاد) كما كان يسمى الذي مات دفينا كما قدمت أم هو غيره.
وعبد الله بن صالح بن ماضي بن يحيى الماضي كان يتاجر بالأثل في وقت رواجه لبيع الخشب والوقود، وكان إخباريا روى له الشاعر عبد الله بن علي الجديعي بعض الحكايات.
وذكر لي أن عبد الله الماضي هذا، مات في عام 1400 هـ على وجه التقريب، قال الجديعي:
قصة الجمال وابنته عن عبد الله الماضي:
فيه رجل جمال عنده جملين يحتطب عليهن ويبيع في بلده، وله زوجة وله بنت تبلغ من العمر سبع سنين، وأراد الله وتوفيت أم البنت ولا له قرابة يجعل البنت عندهم، والبنت عيت تروح للجيران، وابحلت والدها وقالت ابروح معك للبر وصارت تروح مع والدها للبر.
وفي مرة كان والدها يقطع الحطب، وقال خليك عند الثاية وهذي عادتها تجلس عند الثاية لما يجي والدها الذي ليس بعيد عنها، لكن في هذه المرة ثار عليهم عجاج شديد ولم تنتبه البنت إلَّا والعج يخيم عليها، وخافت وتركت الثاية وراحت تريد والدها ولم تهتد إليه وبقيت تركض والريح شديدة، ولما صار في آخر الليل وهي تركض وإذا هي لم تسمع ولا تبصر من الخوف الذي اعتراها.
أما والدها فإنه أخذ يبحث عنها ولم يعلم بأي جهة من الأرض وركب أحد الجمال وصار ينشد عن هذه البنت المسكينة حتى إنه أيس منها، قال في نفسه: أكلتها السباع ورجع إلى حطبه وأيس من بنته نوير وقال قصيدة يتوجد على بنته فقال:
راحت نوير وتركتني وحيد
…
وانا بطعوس عاليات المراقيب
راحت وانا مانيب عنها بعيد
…
راحت فوات الحرص ماكولة الذيب
وأيضا دموع العين ماله تعيدي
…
واحسرتي باقي حياتي تعاذيب
لقيت غرفتها والثوب الجديد
…
راحت عريانه مع روس العراقيب
وأما نوير فإنه بعد يومين صارت لا تبصر ولا تسمع ولا تهرج من الخوف الذي جرى عليها.
وفي آخر اليوم الثاني إذا راعية غنم وجدتها طايحة تحت شجرة أرطاة وكانت الذي وجدتها امرأة جيدة على طول حلبت من أحد الغنم وأعطتها حليب.
وبعد ساعة حيت، إلَّا أنها لا تستطيع المشي، وحملتها على ظهرها حتى وصلت إلى بيتها وأخبرت زوجها، وقال: أحسني بها يجي لها أحد.
وبعد كم يوم أبصرت وسمعت وبدأت تمشي وصارت بين أهل هذا البيت معززة ومكرمة، ولكنها لا تهرج.
وما كان من أهل البيت إلَّا أنهم ارتحلوا إلى الشمال لأجل الربيع وصارت نوير ترعى الغنم كل يوم.
وبعد سبع سنوات وهي لم تنطق بالكلام بس بالإشارة، ووالدها أيس منها وجازم أن الذئب أكلها وصار والدها مع الرجل الذين يحملون بضائع من العراق إلى القصيم.
وفي يوم كان معه عشرون بعيرًا يحمل عليهن بضائع وصار يوم يحمل البضائع ويوم يخلي الإبل ترتاح وترعي.
وكان معه جماعته وهم خوياه ودائم وهو يقول عيت نوير تروح عن بالي، وجماعته يلومونه على كثر ما يجيب طاريها، وودهم بأنه ما يطريها عندهم، يزعمون أنه مفرط فيها، هو الذي خلاه يجيب خبرها كل يوم.
وكانوا في سفرهم هذا من العراق يقول: إني خاطب لي حرمة وأنا على موعد مع أهلها إذا رجعت ابتزوج إن شاء الله.
وصار رفاقه يهنونه بالزوجة التي سوف يتزوجها إذا رجع، فقال كبير الحملة: يا علي أحب إليك إنك تزوج وإلَّا أحب إليك أنك تلقى نوير؟
فقال علي: والله إن ودي ألقى نوير ولا أبي الزواج والله لو ماتت عن مرض أني ما أتأثر عليها، لكن عيت تروح عن خاطري.
فقال كبير القوم: أجل ودنا ما نقيم اليوم ودنا نواصل المسير على شان خوينا علي إذا صار يبي يتزوج، فقال علي: كثر خيرك يا أميرنا، الله يجزاك خيرًا حيث عندك اهتمام لي.
وصار كل واحد يصلح حموله ويجيب رحله، وقام علي وهو قوي وبدأ يشيل على بعارينه كل ما شال على واحد خلاه يقوم حتى إنه يرعى، وهو شايل حمله، ولما بقي جمل واحد إذا بعيره بعيد ذهب إلى الجمل البعيد يريد إحضاره عند حمله.
ولما وصل إلى جمله وإذا هو يرى غنمًا ترعي ومعهن حرمة، فقال أروح إلى هذه الحرمة تسقين لبن، ولما وصل إلى الحرمة قال: يا راعية الغنم أعطيني لبن، أوقفت الحمار الذي عليه اللبن وأخذت تصب اللبن، وعلي بعيد عنها لأنه عنده شيمة ولا يقرب الحرمة.
ولما صبت اللبن كانت الطاسة صغيرة جدًّا ولم تكفي الرجل ولا عشر مرات، قامت ورجعت الذي صبت بالصميل وشالت الصميل والطاسة تبيه يصب ويشرب حتى يروى، ولما قربت إليه إذا هو والدها، ووالدها لم يعرفها ولم يرمي لها بحروة أبد.
نزلت الصميل على الأرض وتكلمت بقولها أبوي أبوي، واعتنقته ولكن والدها خاف أنها مجنونة، وانطلق لسانها الذي له سبع سنوات لم تنطق بكلمة واحدة.
وصارت تقبله ودموعها تجري على وجه والدها ولما رآها صاحب الغنم ركب الحصان وحضر عندهم بسرعة خاف أن الرجل مسك هذه المسكينة، ولما رأى شغلها بوالدها قال صاحب الغنم: وراك يا بنت وهو يعرف أنها لا تتكلم ولا تقر على الكلام.
فقالت: هذا والدي علي العمار، فلما قالت هذا والدي علي العمار عرفها والدها وصار مثل الدهدوه لا يعرف كلام وحضر أمير الحملة، وقال: يا الله الخيرة هذا ماسك بنت البدو ويش السواة؟ ولما وصل وإذا البنت حاطت يد والدها على صدرها وتقبل كفه ودموعها تمشي على خديها، فقال والد البنت الأمير الحملة: خذ الجمل وشل عليه حمله وإذا مشيتوا مروا علي.
أخذ الجمل وشال عليه حمله ومروا على علي وإذا بنته ماسكته في يده ويقول: خلاص يابنتي ما أفارق عنك ولا لحظة، وهي تبكي وتقبل كف والدها، فقال صاحب الغنم: وش اسمها؟ قال علي: اسمها نور وقص عليه ذهابها منه، فقال راعي الغنم: أجل خل أجيب لك ذلول تشيل عليها نوير وأنا تراي ما أحسنت فيها من جت وهي مع ها الغنيمة.
وأحضر ذلول وأعطاهم بقل وسمن وقال فلان من قبيلة (كذا) ومع السلامة.
فلما ركبت نوير على الجمل ضحكت وراح عنها البكاء، ولكن ما تبعد عن والدها، وإذا نام توسدت يده، وإذا جلس صارت وراه وتشم ريحه.
فلما وصل إلى بيته وإذا هي تعرف البيت، صارت تدور وتمسح الجدران والبيبان، وتقول هذه حجرة أمي وهذا محل الحطب.
وتزوج والدها وقالت: لا تروح مع رحيل حتى أشبع منك، وجلس سنة كاملة وهي تقبل يديه ورجليه.
ولما تم سنة قال يا نوير ودي أروح مع رحيل، وكلها خمسون يوم وحنا راجعين.
مشى والدها للعراق فبدأت تقول القصيد وهي لم تشبع من والدها وتتوجد عليه لما شافت من الغرابيل مع البدو وهي صغيرة:
قالت انوير في زمان الغرابيل
…
سبع سنين ما تحرك لساني
اشد وانزل مع فريق مناغيل
…
ساع ما لقوني انزحوا بي شمال