الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة الشيخ إبراهيم بن محمد المحسن:
الشيخ إبراهيم بن محمد المحسن عالم من العلماء، وكاتب حسن الخط، ومؤلف من المؤلفين، ومع ذلك لم أجد من كتبة تراجم العلماء من ترجم له، بل من ذكره.
ولا ينبغي أن يقول قائل: إنه غير معروف للعلماء فذلك غير صحيح بدليل ما نقلته من كتاب الشيخ عبد الرحمن بن سعدي عالم عنيزة وشيخها الشهير.
وربما كان ذلك راجعًا إلى كونه اعتزل الناس، وبقي معتكفًا في بيته سنوات طويلة قبل وفاته، ولم يذكر عنه أن له تلاميذ أخذوا عنه.
ولا شك أن شيئًا من ذلك يرجع إلى كونه من أنصار الشيخ إبراهيم بن جاسر، لكن هؤلاء كما نعرفهم يصلون في المساجد، ويستمعون أو يستمع بعضهم إلى حلق الذكر والدرس في المساجد، والذي لا يفعل ذلك يعرف الناس أنه طالب علم، والعلماء منهم ترجمهم المترجمون وذكروا سيرهم، وناهيك بما كتب عن الشيخ إبراهيم بن جاسر وعبد الله بن عمرو.
ولكنني وجدت ترجمة له بقلم ابنه الوحيد محمد الذي كان طالب علم محبا للكتب وسيأتي ذكر ترجمته كما كتبها بنفسه.
قال فيما يتعلق بوالده الشيخ إبراهيم بن محمد بن محسن: ولم أغَيِّر من كلماته ولا عباراته شيئًا إلَّا بعض الأغلاط الإملائية القليلة:
وأما صنعة إبراهيم المحمد المحسن الراشد فأول كان (عقيلي) ثم صار رحال إلى ما بين المدينة وبريدة، ثم طلب العلم إلى أن أدرك حد الغاية في المعرفة بالفقه والحديث والنحو والفرائض وأصول الدين وفروعه وغيب القرآن ومهر في معرفة الرجال والمصطلح والتاريخ، وعكف في أخر عمره على نسخ كتب أهل السنة من جميع الفنون من الكتب التي لم تكن تطبع في عصر نسخه وذلك من سنة
الميلدا التي هي سنة 1308 من الهجرة إلى أن كف بصره سنة الرحمة التي هي سنة 1336 هـ (1)، والآن هو بحمد الله موجود ولا فيه سوى العافية والصحة وله تراتيب في قيامه من الليل لورده وقيامه في النهار بعد صلوات الفريضة، وغير ذلك من أنواع الطاعات عسى الله يتقبل منا ومنه ويحسن لنا وله الخاتمة بعد عمر طويل، وكان الآن متصدرا للفتياء ولتأويل الرؤيا.
وكان مستجاب الدعوة بحيث لو قرأ على إنسان وهو غايب عنه شفي ولو قرأ لأحد في ماء أو طين أو سوى ذلك أنه يبرئ بإذن الله قبل أن يستعمله وذلك إن وافق عافية وإلَّا فالأمر كله والشفاء ورفع البلاء بيد من يملكه جل وعلا، ولكن هذا من بعض ما يجريه الله على يديه من الشفاء والمسبب هو الله.
وحج ثلاثين حجة ولله الحمد والمنة لا نحصي ثناء على الله به هو كما أثنى على نفسه لا كما يثني عليه خلقه، وصنف (منحة العزيز الغفار في السفر والهجرة والظهار (2) و (يوم المحجة في فضل عشر ذي الحجة) وصنف في المناسك كتاب سماه (رحلة الصديق إلى البيت العتيق) وصنف كتاب التوحيد ولكنه مسودة كف بصره قبل أن يرتبه وصنف كتاب محاسن الإسلام في خمسين ورقة.
ومما طبع من نسخه كتاب البدايع جلدين لابن القيم وصيد الخاطر لابن الجوزي والقواعد لابن رجب والوابل الصيب في الكلم الطيب لابن القيم ورفع النقاب في تراجم الأصحاب لابن الضويان وكتاب مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام ليوسف بن عبد الهادي، وجامع العلوم والحكم لابن رجب رحمه الله، والتقصي (3) لابن عبد البر، والداء والدواء لابن القيم وحادي الأرواح
(1) الصحيح سنة 1337 هـ.
(2)
الصحيح: الإظهار، أي إظهار شعائر الدين.
(3)
لم أعرفه.
إلى بلاد الأفراح له أيضًا، والمحرر في الحديث للمقدسي، وعلم الأحكام، وعمدة الفقه للمقدسي والتوضيح لسليمان ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1)، وكتاب التوحيد لوالده كتبه للناس على نسخ وكتاب المناسك المسمى بالتحفة السليمان أيضًا، وكتاب تاريخ ابن غنام صاحب الأحساء، وكتاب الفوائد لابن القيم، وكتب سوى هذه كثيرًا من الرسائل ما لا يحصيه إلَّا الله تعالى (2).
وكان يكتب الحروز والغراش (3)، وكان في حال طلبه للعلم لم يكن يفوته وقت في الفريضة ولا راتب من تلك الرواتب وكل ساعات نهاره محصيها في شغل العلم حتى بلغ اجتهاده أنه لا يتمكن من أكل الطعام إلَّا في الليل وأحيانًا يترك الغداء خشية أن يفوته فائدة يسمعها من إخوانه من طلبة العلم عند المباحثة والمطالعة.
وكان المسجد لا يخلو في جميع النهار من الطلبة في عصره ويتناوبون وهو باق في المسجد إلى أن يفوته وقت الغداء وأما العشاء ففي الليل حال رجوعه من صلاة العشاء الآخرة إلى أهله في زمن الصيف وفي الليل له راتب مراجعة في الطلب.
وكان قليل ما يرى الرؤيا إلَّا أن يكون لا يخبرنا بها، وكان يرى له منامات كثيرة وهو في حال الحياة الدنيا منها أن رجلًا يقول رأيت كان سورًا محيطًا على نخل كثير ثم إني تسورت لأنظر فإذا الماء يجري من تحت تلك النخيل التي لا أرى لها طرفًا وذهبت ثانية لأمعن فيه النظر وإذا فيه من الأشجار ما لا يحصيه ويعلم كثرة أنواعه إلَّا الله تعالى، فقيل لي هذا لبراهيم المحمد المحسن التويجري.
(1) الصحيح أنه أخو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وليس ابنه.
(2)
يريد الكاتب أنه كتب الكتب المذكورة بخطه قبل أن يطبعها الناشرون.
(3)
الغراش: جمع غرشة، وهي الآنية التي يشرب بها، تكون من الخزف على رقائق الحديد، والمراد بكتابتها كتابة آيات، وأوعية يملها، ثم يوضع عليها ماء ويشربه المريض.
وامرأة رأت كهيئة ما رأى هذا الرجل وبعد ذلك جاء رجل فقال له إني رأيت عجبًا رأيت كأن سور جدار تمثل لي في طريقي وأنا أسير متوجها في برية فنظرت في وسط السور فإذا نخل كهيئة السطح المسوي لم أرى نخلة تزيد على أختها في الطول ولا قدر أنملة ورأيت الماء يجري من بين تلك النخل ومررت بأناس جلوس حلقًا وقلت لهم لمن هذا النخل؟ فقالوا: لإبراهيم المحسن التويجري.
وحكا لنا رجل أنه رأى فيما يرى النائم كأن رجلًا من أهل العلم من إخوان إبراهيم المحسن أو أصحابه جلوس في المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بينهم وهم يقرعون عليه وهو يقر لهم قراءتهم أحسن تقرير فلما أن خلصت القراءة قام من عندهم وأشار إليهم أن اتبعوني وتبعوه ثم أن الرأي تيقظ من نومه متعجبًا فرحًا مسرورًا وكان الرائي ممن يسب أصحاب إبراهيم الجاسر ثم أنه بعد ما رأى الرؤيا جاء في اليقظة إلى بقيتهم واستحلهم عن الماضي وأظهر لهم صفوى المحبة التامة، وقال يا إخواني كيف حالكم مع الإخوان؟ وكيف تقولون في من اعتقد اعتقادهم؟ فقالوا له: إنما هم يعني إخوان عمر بن محمد بن سليم إخواننا بغوا علينا وإن الفروق التي بيننا وبينهم في تكفير المعين وأنهم يقولون فيه أولًا جائز ثم إنهم الآن رجعوا وأيضًا يقولون الجاهل الذي ما ظهر له عقيدة أهل السنة والجماعة أنه كافر معاند حلال الدم والمال، ونحن نقول في تلك المسئلة حتى يبين له أن ما هو عليه كفر وضلال ثم إذا كابر وعاند حل بذلك دمه وماله.
وأيضًا السفر نحن نقول إن كان المسافر يقدر على إظهار دينه ومعاداة من عادى الله ورسوله جاز له السفر إلى بلادهم والإقامة عندهم، ولكن إن دعى إلى دينه دين الإسلام فهو أولى وأحسن وإن لزم دينه وصلى وصام وجاهد وأقام شعائر الإسلام كفاه ذلك ولو لم يدعي (1)، ولكن يلقى الكفار بوجه عابس مكفهر، ويظهر
(1) أي لم يدعو إلى الله.
لهم العداوة والبغضاء ويجادلهم إن جادلوه ويبين لهم طريق الإسلام.
وهذه المسئلة رجع إليها الآن أكثر الإخوان (1)، ولم يبقى سوى من كابر وعاند واتبع هواه من أهل القرى والقليل من أهل المدن.
وإن أردت أن تستفيد ما هم عليه ابن جاسر وأصحابه وأن ما هم عليه ما هو مذكور في الكتاب والسنة، مثل قوله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} الآية والآية التي بعدها وقوله تعالى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وقوله تعالى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} إلى غير ذلك من الآيات لمن تدبر كلام رب العالمين.
وأما السنة قوله صلى الله عليه وسلم (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية) وقال صلى الله عليه وسلم على قوله تعالى {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} أن يقبل عمل المسلم ولو عمل من رواء البحار إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث في الصحاح المسانيد والسنة وكتب الفقه والسيرة.
ومن تتبع الكتب المشار إليها وجد من ذلك شيء كثير وقد صنف إبراهيم المحمد المحسن التويجري (منحة العزيز الغفار) فيها نبذة من ذلك الذي لم يذكره أكثر من الذي ذكر.
ونرجع إلى المقصود: ورأى رجل في النوم كأن إبراهيم المحسن في عرفة فقال له أما أني خابرك كفيف البصر عاجز عن لزوم المركوب إن إبراهيم المحمد المحسن جاوبه بأن قال بلغت معكم في النية والرائي حال الرؤيا في منى قبل عرفة يوم التروية.
(1) يريد بالإخوان هنا وفي الكلمة التي قبلها بأسطر: طلبة العلم من أتباع المشايخ آل سليم.