المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مذكرات محمد كرد علي: - معجم أسر بريدة - جـ ١٩

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌باب الميم

- ‌الماجد

- ‌الماضي:

- ‌الماضي:

- ‌الماضي:

- ‌المالك:

- ‌المالك:

- ‌المانع:

- ‌المانعي:

- ‌المبارك:

- ‌المبارك:

- ‌ المبارك

- ‌المبارك:

- ‌وصية رقية بنت محمد آل مبارك:

- ‌المباركه:

- ‌المِبْرك:

- ‌المْبَيْرِيك:

- ‌المبيريك:

- ‌وفاة أمير القصيم سابقًا:

- ‌‌‌المتروك:

- ‌المتروك:

- ‌المْتَعَشِّي:

- ‌المُتَوَزِّي:

- ‌المتيعِب:

- ‌المجحدي:

- ‌أوراق لأسرة المجحدي:

- ‌المْجَيْدل:

- ‌المجيلد:

- ‌وثائق للمجيلد:

- ‌المحبوب:

- ‌المِحْسِن:

- ‌رحلة الصديق إلى البيت العتيق:

- ‌أنموذج من كلام الشيخ إبراهيم المحسن:

- ‌معاملات مالية للشيخ إبراهيم بن محسن:

- ‌رسائل العلماء إلى الشيخ إبراهيم بن محسن:

- ‌وصية الشيخ إبراهيم بن محسن:

- ‌ترجمة الشيخ إبراهيم بن محمد المحسن:

- ‌محمد بن إبراهيم بن محسن:

- ‌ذكر عجيبة رأيتها في المنام:

- ‌ذكرى رؤيا عجيبة:

- ‌محمد بن محسن:

- ‌سبب ثروة محمد بن محسن:

- ‌وصية محمد بن محسن:

- ‌وصية أخته موضي:

- ‌المحسن:

- ‌الْمحِطَب:

- ‌المحمود:

- ‌المحمود:

- ‌المحيسن:

- ‌‌‌‌‌‌‌المَحْيسن:

- ‌‌‌‌‌المَحْيسن:

- ‌‌‌المَحْيسن:

- ‌المَحْيسن:

- ‌المحيسني:

- ‌مذكرات محمد كرد علي:

- ‌ريحانة النادي

- ‌وثائق للمحيسني:

- ‌المحيجين:

- ‌المْحَيْطب:

- ‌وثائق قصيرة للمحيطب:

- ‌المحيميد:

- ‌وثائق لأسرة المحيميد:

- ‌الشيخ صالح بن إبراهيم الرشيد بن محيميد:

- ‌المحيميد:

- ‌‌‌ المحيميد

- ‌ المحيميد

- ‌‌‌المِخْلِف:

- ‌المِخْلِف:

- ‌المَد الله:

- ‌المدَرْبي:

- ‌المِدْلج:

- ‌المدلج في التاريخ المكتوب:

- ‌المْدَيْفِر:

- ‌المديفر في المدينة المنورة:

- ‌المْدَيْهش:

- ‌وثائق للمديهش:

- ‌وصية عائشة بنت مدهش:

- ‌المِذّن:

- ‌المَذْهان:

- ‌من وثائق المذهان:

- ‌المِذْهِل:

- ‌المَذْهَن:

- ‌المذيخر:

- ‌المِرْبَد:

- ‌المِرْجان:

- ‌المِرْداسي:

- ‌المَرْدِسي:

- ‌صالح بن عبد العزيز بن محمد بن جار الله بن عبد العزيز بن حمد بن علي بن عبد الله بن حماد الحماد الملقب (المردسي):

- ‌المرزوق:

- ‌عبد الله بن سليمان المرزوق:

- ‌المؤلفات:

- ‌أولًا: الكتب:

- ‌ثانيا: الكتب المخطوطة:

- ‌وثائق أخرى للمرزوق:

- ‌المرزوق:

- ‌‌‌المَرْزُوق:

- ‌المَرْزُوق:

- ‌المرزوقي:

- ‌المِرْشد:

- ‌المرشد في الوثائق القديمة:

- ‌المِرْشِد:

- ‌ علي بن عبد الله‌‌ المرشد

- ‌ المرشد

- ‌المَرْشَد:

- ‌المَرْشد:

- ‌المَرْشَد:

- ‌المَرْشُود:

- ‌المِرْعِب:

- ‌المَرْوان:

- ‌المَرُّوتي:

- ‌المِريف:

- ‌المْرَيْمِي:

- ‌المِزْعِل:

- ‌المِزْعِل:

- ‌المزْيد:

- ‌أبناء عثمان بن مزيد:

- ‌أبناء صالح العيسى العثمان:

- ‌أبناء هذال إبراهيم بن هذال العثمان المزيد:

- ‌وصية مزيد بن سليمان المزيد:

- ‌الوصية الثانية:

- ‌وصية علي المزيد من هذه الأسرة:

- ‌وصية عثمان بن مزيد:

- ‌وصية إبراهيم المزيد:

- ‌وصية محمد المزيد:

- ‌‌‌المَزْيد:

- ‌المَزْيد:

- ‌ المزيد

- ‌المَزَيْرعي:

- ‌أخبار المزيرعي:

- ‌وثائق المزيرعي:

- ‌المزيني:

- ‌أسرة المزيني والصناعة:

- ‌صدفة جميلة:

- ‌النساء تهتم بالتراث:

- ‌ثلاثون ألفًا للباب:

- ‌وثائق أسرة المزيني:

- ‌المساعد:

- ‌المساكين:

- ‌المْسَدِّر:

- ‌المَسْعُود:

- ‌المَسْعُود:

- ‌رأس أسرة المسعود:

- ‌وصية سلمى بنت مسعود:

- ‌المِسْفِر:

- ‌المسْلمْ:

- ‌(المسلم)

- ‌المسلم:

- ‌المِسْنِد:

- ‌الشيخ عبد العزيز المسند:

- ‌(دار التوحيد

- ‌تصحيح الخطأ ومحاولة إزالته:

- ‌في رحاب البيت العتيق:

- ‌الوظائف الحكومية:

- ‌رسائل من الشيخ عبد العزيز المسند إلى المؤلف:

- ‌الشيخ عبد العزيز المسند وصداقة ستين سنة:

- ‌وثائق لأسرة المسند:

- ‌وصية سلمى بنت عبد الله المسند:

- ‌المِشَاري:

- ‌المِشَاري:

- ‌‌‌المشاري:

- ‌المشاري:

- ‌المشعل:

- ‌أسرتي الصغيرة بالقصيم والرياض:

- ‌عود إلى الكلام على الشيخ سليمان المشعلي:

- ‌ذكر في وفيات الأعيان:

- ‌الشيخ سليمان بن عبد الله المشعلي - رئيس محكمة البكيرية:

- ‌الشيخ سليمان المشعلي (1300 - 1376 ه

- ‌المْشَنَّق:

الفصل: ‌مذكرات محمد كرد علي:

الكلية، وقد عمل في وزارة الخدمة المدنية، تقلد عدة مناصب كان آخرها مدير عام الامتحانات في وزارة الخدمة المدنية.

كاتب هذه السطور عبد العزيز بن صالح بن سليمان المحيسني: المتخرج من قسم التاريخ جامعة الإمام محمد بن سعود بالقصيم، والحاصل على الماجستير في التربية ودبلوم عام في الإشراف التربوي، وعدد من الدورات، عمل في حقل التدريس قرابة خمس عشرة سنة، ثم مشرفًا تربويًا، ثم مديرًا لإدارة الإشراف التربوي بالإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة القصيم.

سامي بن عبد الكريم بن عبد الله المحيسني: الحاصل على البكالوريوس في الطب البيطري وماجستير في الطب البيطري، يعمل الآن رئيس القسم البيطري في مركز الملك عبد العزيز للخيول العربية الأصيلة بالرياض. انتهى.

ثم تلقيت أوراقًا من الأخ الكريم عبد العزيز بن صالح بن سليمان يفيدني فيها بأن عمه عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز المحيسني هو الذي أشار إليه الأستاذ المؤرخ محمد كرد علي في الجزء الأول من مذكراته عندما صحبه في السفر من سوريا إلى فلسطين ومصر.

قال الأستاذ محمد كرد علي في الجزء الأول من مذكراته:

‌مذكرات محمد كرد علي:

وتعرَّف صاحبي عبد القادر آغا في الجولان إلى رجل نجدي اسمه عبد العزيز المحيسني يقود إلى مصر مع ستة من الرعاة سبعة وسبعين جملًا، هي ملك أحد أصدقائي الحاج ياسين دياب من تجار دمشق، فذكر عبد القادر آغا للمحيسني ما وقع لي، وما يتوقع من شر يصيبني إذا سقطت في يد أحد رجال

ص: 234

الحكومة، وإنه رافقني حتى يبلغني مأمني، فقال إنه سمع بقصتي، ومما قال له صديقي أنك إذا أخذته تحسن لأهل دمشق، وهو يحمل دراهم يعطيك بقدر ما تحب، فأجابه: تقول لي إنك تحسن لأهل دمشق إذا نجا بروحه، وتعرض عليَّ أن آخذ منه أجرة، ومتى كان العربي يأخذ أجرًا على المعروف؟

وعاد صاحبي عبد القادر آغا سكر، وسرت على بركة الله مع جمال النجديين، فقطعنا سهل الجولان وبتنا تلك الليلة دون عقبة فيق، واقترب مني ساعة نزولي فارس من خفراء شركة الدخان، يحادثني ويتحبب إليَّ، فأزعجني بكلامه، ولاحظ أني متعب كثيرًا فقال لي: مالك وللجمال تتجر بها - ورُعاة الجمال يوهمون من نصادف أني أنا صاحبها - لو فتحت لك دكانًا في سوق باب البريد ببلدك لعشت في نعيم، وخلصت من هذا الشقاء، ومن قطع الصحاري والبراري، فتثاءبت وتناومت فقال لرفاقي:(إنه تعبان المسكين)، وتركني وانصرف.

ومن الغد هبطنا العقبة فأشرفنا على أراضي غور ببسان وبحيرة طبرية ونهر الأردن (الشريعة) فاجتزنا الجسر القديم المتداعي سباحة على الدواب، ثم توقلنا الجبل إلى موقع الدَّلابكة، وهو بين جبلين منفرجين متآزيين، وبتنا ليلتنا في سوق الخان بلد الصبيح على ساعتين من الناصرة، وفي اليوم الرابع دخلنا في غابة عظيمة من شجر البطم نحو ساعتين، فبلغنا قرية دبورية، وفي منقطع أرض هذه الدسكرة يبتدئ مرج ابن عامر (سهل يَزْرّعيل)(1)، فقطعناه عرضًا في أربع ساعات حتى بلغنا قرية اللجون، ومنها إلى وادي عارة، وطوله ثلاث ساعات، وهو ضيق متوازي الأضلاع، وبتنا الليلة الخامسة في عيون الأساور على ساعتين من قيسارية، واجتزنا في اليوم السادس بقرى نابلس مثل قاقون وقلنسوة والطيرة ومسكة، فبلغنا نهر العوجاء على ساعة ونصف من يافا.

(1) يلاخظ أن هذا كان قبل إنشاء دولة اليهود في فلسطين.

ص: 235

وحدثني من أثق به بعد مدة، أن جماعة من أعيان نابلس وشبانها المثقفين، ومعظم شبانها مثقف، استصرخوا أهل قرى نابلس التي يلاحظ أني اجتاز بها، وأشاروا إليهم إذا رأوني أن يحملوني إلى مكان بعيد، ويبعدوني عن أنظار كل من له علاقة بالحكومة، فكان أهل القرية من القرى المستصرخة ينتدبون أناسًا من شجعانهم وأصحاب المروءات منهم، يقفون على الطرق في الليل والنهار، لينقذوني من مخالب الظالمين وباتوا يترصدون المعابر والمسالك أيامًا وليالي حتى قرءوا في الصحف المصرية أني بلغت مصر، وهذه مروءة عربية أسترق بها النابلسيون قلبي ما دمت حيًّا.

وفي اليوم السابع اجتزنا قرى الساحل مثل جبنة، سدود، مجدل بربرة، بير هديد، غزة، ورأينا بعض المستعمرات اليهودية الزاهرة، وقضينا الليل في دير البلح، وفي اليوم الثامن دخلنا في رمال على نحو ثلاث ساعات من غزة، وبعد مسيرة ست ساعات بلغنا محطة رفح أول حدود مصر والشام، وفي اليوم التاسع دخلنا في رمال خمسة أيام حتى قالت الإسماعيلية ها أناذه وكنا نسير في هذه الجفار على مقربة من البحر لا نبعد عنه كثيرًا، والرمال لا يتبدل شكلها.

ذكرت هذه المراحل لأني قطعتها على راحلتي وما كنت لأقطعها لو خيرت، وقد استفدت من هذه الرحلة فوائد جغرافية وطوبوغرافية، وما كان يومئذ خط حديدي يصل بين آسيا وإفريقيا أو بين دمشق والقاهرة، ولا طرق معبدة تسلكها السيارات، وقصدت بتقييدي هذا تسجيل ظاهرة غريبة، أو بدع قديم بطل، وذكرى أيام قضيتها في عالم الأباعر فاستحليتها وهي مُرَّة.

قلت في محاضرة ألقيتها في الأسبوع الذي بلغت فيه القاهرة، في فندق ادن بلاس، إجابة لمقترح جماعة من السوريين، بعد أن عددت ما وقع لي منذ خرجت من بلدي إلى أن دخلت الإسماعيلية، وألممت بتاريخ ذاك الطريق الذي

ص: 236

كان من أعمر الطرق منذ كان الإسلام، وكأن رحلتي في النهر الماضي إلى الحجاز وجنوبي الشام ونزولي على أهل البادية من أهل المدر والوبر كانت مقدمة لما امتحنت به هذا الشهر من مؤاكلة الأعراب في صفحة واحدة، وفقدان الملعقة والشوكة والسكين والفوطة والكأس، والأكل من طعامهم ثمّن العراق وجريش الحنطة والتمر والخبز الممول بالملة أو على الساج يُسجر ببعر الأباعر، والرمال تسفو فتدخل كل ما يعمل هناك من خبز وأدم، وكل مطبوخ ومعجون.

ولقد حملوا لي الماء في قربة فما هي إلا ساعات حتى تغير منه الطعم واللون والرائحة، وبقيت خمسة أيام أسقي من هذا الماء وأعده نعمة بالقياس إلى مياه الجفار البشمة المهوعة، وهي بعض ماء البحر روقتها الرمال قليلًا.

وأذكر أن (خويي) المحيسني ناداني مرة، وجمالنا مسرعة في طريقها، وحاديها يحدو لها بصوت يذكر بنجد وأهل نجد، فالتحقت به مسرعًا، وما اتحرفنا دقائق عن قارعة الطريق حتى كنا وسط فريق من العرب فاستسقي فأتوه بركوةٍ شرب منها وأعطاني فإذا بها لبن رائب ثم أرادني أن أشرب وأشرب، وأردت أن أعطيهم شيئًا فأشار إليَّ ألا أفعل.

وكنت أتمنى شربة واحدة من هذا اللبن كل يوم وأدفع فيها جنيهًا وأنا غير مغبون، وكنا مرة نزولًا على بئر أنشيء على عهد الخديوي عباس الثاني، وعليه كتب اسمه، فأتاني وليد بمقطف من الطماطم (البندورة) الصغيرة فأحببت أن أعطيه ريالًا فصرخ خوبي (بشلك) ثم قال لي: إذا توسعت في إكرام البدو هذا التوسع تضر بنا فنحن لا نزال نجتاز بهم طول السنة فإذا تعودوا الكثير نضطر أن نعطي كل مرة كما أعطيت فلا يستقيم لنا بعد ذلك حال معهم.

وكنت في الليلة التي نجتاز في صباحها برفح آخر الحدود العثمانية المصرية قلقًا جدًّا، وقضيت ليلي وأنا في هواجس أدبر وأقدر، وسرت قبيل

ص: 237

الفجر أمام قطار الجمال وأنا أقول في نفسي: الآن فصل الخطاب فإما أن أنجو وأدخل أرض مصر ممتعًا بالنعيم بعد هذا الشقاء، أو أعود أدراجي وأنا في قبضة الترك إلى مُطبق من مطابقهم، ألقى ما ألقى من معاملتهم الجائرة.

وبعد خمس ساعات سألت المحيسني متى نبلغ رفح فقال: قطعناها منذ كذا ساعة ودفعنا عنك للجندي ثمن علبة دخان لما اعترضنا قائلا إن إخراج الخيل من الأرض العثمانية ممنوع، فأقنعناه بأن هذا الحصان راعي الجمال الذي تراه، فأخذ (البشلك) وهي قطعة تساوي قرشين، ولم يمسسنا بسوء ولم يحقق من أمرنا غير ما رأي.

وسعدت في هذه الرحلة أن رأيت بين الشام ومصر صورة مصغرة من عيش أهل جزيرة العرب، وذلك بالاختلاط مع تجار الجمال ورعاتها، وكلهم نجديون لا يعرفون الفضول، وما رأيت أحدًا سأل خويي عبد العزيز عني بالإشارة ولا بالعبارة، وكانوا في كل مساء وصباح يختلفون إلينا ونختلف إليهم ونشرب القهوة معًا، وحديثهم في البعير وسوقه ورعيته وثمنه ورواجه وكساده، ولم أسمع في أربعة عشر يومًا بلياليها كلمة هجر وبذاء، ولا تجديفًا ولا لمتًا ولا نميمة ولا غيبة ولا كذبًا ولا منكرًا، وكان أولئك الأعراب مواظبين على صولاتهم، يتيممون بالرمل إذا أعوزهم الماء ولا يسرفون فيه إذا وجد، وأنست بلهجتهم وفيها كثير من الفصح ولها رنة تطربك.

نزلت في الخيام في الشهر الذي وقع قبل هذه الرحلة ثلاث ليال في أرض إبل على شيخ من عرب الشرور اسمه محمد إبراهيم، وأخرى في بير البيطار على محمد أبي الفرج شيخ بني عطا وهذان المنزلان على مقربة من وادي موسى، وبت ليلة في الزبزاء (الزيزة) عند صديقي فواز بن سطام شيخ مشايخ بني صخر فرأيت العيش البدوي على اختلاف درجاته، وكان العيش في الليلتين اللتين قضيتهما في بلاد الشراة (ديمقراطيًا)، وفي أرض البلقاء (ارستقراطيًا) نمنا

ص: 238

هنا على فرش الحرير محشوة بريش النعام، وشربنا في الصبح لبن النياق.

سألني أحد الأعراب أي العيش أفضل لنا نحن البدو؟ الحضارة أم البداوة؟ فقلت له: أبقوا على بداوتكم واقتربوا من المدينة ما سمحت لكم حالتكم وإياكم أن تغفلوا عن تعليم أولادكم، وإني أخاف إذا عاشرتم الحضر فأكثرتم من عشرتهم أن يختلط عليكم أمركم وتخرجوا عن فطرتكم وأخلاقكم إلى ما تئن منه حضارتنا من النفاق والكذب والتزوير والخديعة، ولولا الغارات المتواترة عندكم لآثرت أن أعيش في هذه الديارات بين البوادي ولو أشهرًا في السنة.

زرت في تلك الرحلة عمان والصلت والكرك ومادبا ومؤته، وجئت معان فقصدت إلى عاملها صاحبي القديم حليم بك أبو شعر وطلبت منه أن يُصحبني بدركي لزيارة وادي موسى فنادي دركيًا وأسرّ إليه شيئًا في أذنه، وأظنه قال له أن ينتبه لحديثي مع البدو وأن يجئه بخبري كله.

وشكرتُ له لأنه لم يقل له جئني برأسه، ولو فعل لجلب السرور إلى قلوب الاتحاديين، القابضين على زمام المملكة يومئذ، ولرقيت درجته في ذاك الأسبوع، وانتهى بنا السير قبيل الغروب إلى عين ماء عذبة على خمس ساعات من معان فقتل للدركي: نتعشى هنا، فاستنكر ذلك وقال: وهل يمكن هذا وبعد ساعة نصير إلى قبيل العرب فيذبحون لنا؟ فأقنعته بأن نأكل من زادنا لأني لا أريد أن أشق على الفقراء فنزل وأكلنا.

وفي العشاء كنا نزولًا على العربان فما أن ترجلنا حتى سمعت صوت (المهباج) لعمل القهوة وأصواتًا أخرى تلبي بأن الخروف يذبح، فقلت للدركي: قل لهم أنا تعشينا: فقال: هذا كلام لا يسمع، دع هؤلاء الذين تراهم من الصبيان والشبان والرجال يأكلون الليلة على جرايرك (بسببك) فإنهم ينتظرون قدوم الضيف على شيخهم حتى يذبح له فيأكلون الفضلات. انتهى.

ص: 239

وقد نقلت كلام الأستاذ محمد كرد على هنا على طوله لكونه يتحدث عن رجل من جماعتنا، ولكونه جلا مسألة مهمة غلط فيها بعض المؤرخين أو المتكلمين على التراجم، وهو أن الذي كان يريد الاتحاديون الأتراك القبض عليه هو الشيخ فوزان السابق وأنه لذلك خرج من الشام متخفيًا مع رجال من عقيِّل إلى مصر.

ومن أسرة المحيسني هذه أيضًا الأستاذ تركي بن سليمان بن حمد المحيسني. تخرج من كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وحصل على الماجستير في علوم الحديث من جامعة أم القرى، وله أشعار فصيحة وعامية من الفصيح هذه القصيدة بعنوان:(البازية) في رثاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية رحمه الله:

قدر هزَّ جبال الأخشبين

أظلمت منه سماء الفرقدين

مادت الأرض به ضج الأنين

رحل الوالد شيخ العالمين

أي خطب أمّ دار المسلمين

أيُّ جُرح زاد في الجسم السخين

كيف يحوي القبر شمسًا لا تهين

كيف تُهديه السما البدر المبين

كيف زال البحر عن أرجاءه

كيف نطوي البيد من غير السدين

أثرًا صار ابن باز بعد عين

رحمة الله على ذاك الجبين

قد نقصت الأرض من أطرافها

ودَحيت التراب روضات وعين

أنت أبقيت على مر السنين

واحة خضراء نذكي السالكين

أينعت "نورًا على الدرب" مبين

و"دروسًا" يغتذيها الطالبين

وإذا حلِّيت سِفر الكاتبين

يتباها حسنه بين الرقين

أنت فضل الله نال الأكثرين

صورةٌ صاغت حياة السالفين

كنت للباغين شرقًا في الوتين

ولأهل الحق ضرغام العرين

روحك البازيُّ نجم التائهين

جسمك المنحول مأوى الظاعنين

يا كفيف الطرف أبصرت الحزين

والثكالى واليتامى البائسين

ص: 240