الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفهوم الطاعة والعصيان
المؤلف/ المشرف:
عبدالله بن إبراهيم الطريقي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار المسلم - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1416هـ
تصنيف رئيس:
سياسة شرعية
تصنيف فرعي:
طاعة وعصيان
وفي الختام: فإنني – إذ أحمد ربي على توفيقه ومنه – أرى أن ثمة نقاطاً رئيسية ونتائج بارزة يجمل تسجيلها وهي كالآتي:
1 -
شرع الله تعالى الطاعة له سبحانه ولرسوله، ثم لأولي الأمر من المسلمين لينتظم العقد، وتأتلف القلوب، وتتحد الصفوف وتجتمع الكلمة.
2 -
وبالعصيان تتمزق الأمة، ويكثر الخلاف، وتضرب الفتنة أطنابها، فلا ترى إلا الخوف والهرج والمرج. ناهيك عن الخروج عن الولاة فإنه مفسدة وأي مفسدة "لما يترتب عليه من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين". [شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 229]. والطاعة إنما تكون في المعروف سواء أكان الإمام عادلاً أم جائراً إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وعليه فلابد من التثبت عند امتثال الأوامر ولا سيما إذا كان الأمر جائراً وجاهلاً قيل لعبادة بن الصامت رضي الله عنه: أرأيت أن أطعت أميري في كل ما يأمرني به؟ قال: "يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار، وليجئ هذا فينقذك"[الاستذكار 14/ 37].
4 -
على أنه مهما يحصل من الإمام من المخالفات الشخصية والمتعدية إلى الآخرين فإن ذلك لا يوجب نقض البيعة ولا نزع يد الطاعة، بل يطاع في طاعة الله. وعلى ذلك أكثر أهل العلم من محدثين وفقهاء مادام الإمام مسلماً، وحاكماً بشريعة الإسلام. والواجب تجاهه طاعته في المعروف، ونصحه والصبر على أذاه.
5 -
فإذا جاء بما يوجب الردة "الكفر البواح" أو ترك الصلاة أو دعا إلى تركها أو إلى ترك شيء من قواعد الإسلام، فعنذئذ ليس له ولاية على المسلمين كما قال الله:{ولن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141].
وهذه قضية مسلمة. غير أن هنا ملاحظتين:
الأولى: أنه لابد من مناصحته والإنكار عليه، إنذاراً وإعذاراً، فإن رجع فيها وإلا كان مستحقا للخلع قطعا. الثانية: أنه لابد من الموازنة بين المصالح والمفاسد عند خلعه أو الخروج عليه. فإن ترجحت مصلحة الخروج أخذ بها. وإن ترجحت المفسدة أخذ بها.
6 -
ولذلك فإنه لا يجوز للأمة ولاسيما أهل الحل والعقد أن يتساهلوا في أمر الكفر، لأن ذلك تفريط بالدين من جذوره، وتضييع للقيم والمبادئ [انظر: أصول الدين للبغدادي ص: 278]. وما أكثر البلدان المسلمة التي فرطت في هذا الأمر، حتى لم يعد لدى أولئك الشعوب أية معايير شرعية بل المقياس هو ضمان ما يسمى بالحريات، فإذا أعطوا حريتهم يتصرفون كما يريدون اعتقاداً وسلوكاً وأخلاقا ومعاملات أغمضوا عيونهم وهاموا في طلب الدنيا على وجوههم سادرين لا يعنيهم أمر الإسلام في شيء. حتى لترى كل دعوات الهدم والفساد قوية فاعلة إلا دعوة الحق. نسأل الله أن يرد أمة محمد صلى الله عليه وسلم إليه رداً جميلاً.
7 -
وإذا كان كل من العصيان والخروج يعد جريمة، فإنه لا بد أن يفرق بينهما بأن الأول لا يكون خروجا بالضرورة، ومن ثم فإنه لا يوجب العقوبة إلا إذا استفحل. بل إنه متى كان العصيان بسبب خطأ أو تأويل سائغ من العاصي "المخالف" فإنه لا تثريب عليه.
8 -
وأما الخروج فهو يستحق العقوبة، ولكنها تختلف بحسب نوع الخروج وخطره ونوع الخارجين وأصنافهم. وإذا عرف مفهوم العصيان والخروج وأنهما يعنيان نزع الطاعة ومفارقة الجماعة، فإن الحالات الآتية ليست عصياناً ولا خروجاً:
1 -
عدم طاعة المخلوق (من إمام أو غيره) في معصية الله وهذا بإجماع المسلمين.
2 -
عدم موافقة الإمام أو غيره في القضايا والأحكام والآراء الاجتهادية، إذا صدرت من عالم أو طالب علم معتبر.
3 -
الاختلاف والمنازعة مع غير (العلماء والأمراء) من سائر الناس، سواء أكانت لهم صلة قرابة بأولئك أم لا، وسواء أكانوا ذوي جاه أم مال أم غير ذلك. فالطاعة في الأمور العامة إنما هي لفريقين هما: العلماء والأمراء إذا أمروا بطاعة الله.
4 -
مناصحة الإمام أو أحد ولاته أو أحد المسؤولين عن أمور المسلمين. سواء أكانت هذه المناصحة بطريق مباشر أم غير مباشر وسواء أكانت دعوة إلى الخير المطلق أم أمراً بمعروف أم نهيا عن منكر. وسواء أكانت الدعوة متعلقة بشخصه أم بأمر متعلق بشؤون المسلمين. وسواء أكانت في أمر من أمور العبادات المحضة أم في أمر من أمور العادات، مما له حكم شرعي. وإذا كانت الوسائل والأساليب تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، فإنه ينبغي للناصح أن يتخير من ذلك ما يليق بالمنصوح له. ومن الخطأ الفاحش اتخاذ وسيلة أو أسلوب واحد مع كل الناس (أميرهم ومأمورهم، وعالمهم وجاهلهم، وصالحهم وطالحهم) وما ذاك إلا عنوان الجهل والحمق والتغفيل. على أنه يلاحظ في عصرنا هذا أنه ظهرت وسائل حديثة للتعبير عن الرأي (غير ما هو معروف ومألوف) مثل الصحافة، ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ومن شكر المنعم سبحانه بهذه النعم أن تسخر في ما ينفع ويفيد، ولا يجوز أن تترك للعابثين بالمبادئ والقيم، والناكصين عن الحق، والراغبين في شيوع الفحشاء والمنكر. وعلى من بيدهم الحل والعقد أن يعرفوا قيمة هذه الوسائل وآثارها الاجتماعية ويسخروها في إعلاء كلمة الحق ودحض الباطل. 10 - وإذا عرفنا أن الخروج بالسيف على الإمام المسلم الحاكم بشرع الله (وإن فسق) يعد جريمة فإن الخروج على الأمة أيضاً أشد جرماً. فمن شق عصا المسلمين وخالفهم في معتقدهم أو في أمر شرعي ضروري أو أثار الفتن والعصبيات الجاهلية فلا شك أن فيه جاهلية وهو مجرم في حق دينه وفي حق أمته. وكذلك يصح أن يقال بأنه قد ارتكب جريمة سياسية عظمى وخان الله ورسوله والمؤمنين. سواء في ذلك الخروج الفكري والخروج السياسي. فمن خالف منهج أهل السنة والجماعة مخالفة صريحة في قضية عقدية ودعا إلى مذهبه فهو مخالف للجماعة وخارج عنها. ومن أعلن ولاءه لنحلة شاذة أو فرقة ضالة، أو مذهب غربي غريب فقد حاد الله ورسوله والمؤمنين. ومن أثار الشغب وفرق الجماعة وألب الناس ضد السلطة المسلمة الحاكمة بما أنزل الله فقد فارق الجماعة وشذ عنها. وكل أولئك يستحقون العقوبة البالغة.
11 -
من الخطأ أن يكون العنف وسيلة من وسائل الإصلاح أو العلاج، سواء من جانب الراعي أو الرعية. فإذا أخطأ الراعي أو تجاوز الحدود وهضم الحقوق فليس علاج ذلك وتقويمه بالعنف وإنما بالنصح والتسديد، والإصلاح المتدرج. وإذا أخطأ أحد من الرعية أفراداً أو مجموعات فليس علاج ذلك وتقويمه بالعنف، بل بالحوار. ولابد أن يقوم بهذا الحوار المتأهلون من أهل الحل والعقد وفي مقدمتهم العلماء. وأسأل التاريخ المعاصر يعطك الشواهد تلو الشواهد على صحة ما أقول.