الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصالحات والعهود في السياسة الشرعية
المؤلف/ المشرف:
محيي الدين إبراهيم عيسى
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار طيبة- الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1430هـ
تصنيف رئيس:
سياسة شرعية
تصنيف فرعي:
سياسة شرعية - أعمال شاملة ومنوعة
الخاتمة: تلخيص البحث:
تلخص لدى الباحث أن موضوع المصالحات في جملته قضية كلية استهدف الإسلام تحقيقها عبر جملة من التشريعات في نواح مختلفة اجتماعية وسياسية، كما أنه يمكن أن تعتبر هذه القضية الجامعة وسيلة لتحقيق وإنفاذ وتوطين الأمن والسلام في المجتمع. وهذه الغاية الغالية، والتي أصبحت هاجس البشرية الأول في عالمنا المعاصر، عولجت في الشريعة كغيرها من القضايا كأحسن ما يكون؛ فقد ركزت تشريعات الإسلام في هذه المسألة على خصوص الإنسان كفرد بأن استثارت فيه كوامن الرحمة والإلف المفطور عليهما أصلاً. وفي الجملة حسم الله القضية عندما أوضح بأن من رغب في تحقيق السلام وبناء الأمن الحقيقي في المجتمع لا عليه سوى الانقياد لهدى الله؛ فقال سبحانه وتعالى:{والسلام على من اتبع الهدى} [طه: 47]، وفسر إجمال هذه الآية في آخر السورة نفسها بقوله:{فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً} [طه: 123 - 124]. ويتربع في قمة هذا الهدى الإلهي في هذا الصدد قضية تجريد وتحقيق وتعميق التوحيد والإيمان في النفوس، كيف وقد قال عز وجل حكاية عن خليله إبراهيم:{وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} [الأنعام: 81]، وقال سبحانه وتعالى:{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} [النور: 55].
ولئن كان تحقيق توحيد الله في النفوس مجلبة للأمن فإن الشرك بالله تعالى يظل بأنواعه مصدراً حقيقياً للقلق والرعب وانعدام الأمن في النفوس والمجتمعات على حد سواء، وقد سطرت هذه الحقيقة بأوضح بيان في كتاب الله تعالى؛ إذ قال:{سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً} [آل عمران: 151]، وقال:{وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة} [الأنبياء: 11].
فمهما حاولت البشرية أن تخط لنفسها طريقاً غير هذا في تطلب السلام أو البحث عن الأمن، عبر مواثيق أو سياسات أو برامج تغفل عن هذه الحقيقة فضلاً عن مراغمتها، فلن تحصد إلا الشقاء.
والناس في عرف الشرع قسمان:
1 -
مسلمون يرتبطون برباط وآصرة العقيدة التي تهون دونها روابط الدم والرحم أو القومية والوطنية؛ إذ لا يجد المسلمون مهما تباعدت أجناسهم أو أوطانهم بديلاً سوى هذا الوصف الذي يوفر لهم رحماً جديداً {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات: 10]، و (المسلم أخو المسلم).
2 -
والمسلمون يقابلهم الكفار، والذين هم قبائل شتى؛ منهم المسالمون لمعسكر المؤمنين، ومنهم المحاربون لهم. وهذه التقسيمات تقسيمات شرعية نابعة من القرآن والسنة، وأهميتها تنبع من كونها تشكل لنا معايير محددة وثابتة لا تقبل التلاعب في وزن الأشخاص والأحداث.
والمصالحات والعهود مشروعة في الجملة، وهي من السياسة الشرعية على الصعيد السياسي، وقد دلت على هذه المشروعية نصوص الكتاب التي منها قوله تعالى:{وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم} [الأنفال: 61]. كما ساس الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته العملية أعداءه بهذه السياسة في مختلف مراحل الدعوة، وهذا هو المنهج الصحيح في هذه القضية.
إلا أن مشروعية المصالحات السياسية تظل محكومة في نفاذها بشروط من أهمها: رعاية المصلحة العامة جلباً للمصلحة أو دفعاً للمفسدة عن الأمة، وكذا أن لا تكون متضمنة لمحظور شرعي؛ تحريماً لحلال أو استباحة لحرام متفق على حرمته، ومتى تضمنت المصالحة شيئاً من ذلك كانت ممنوعة وغير جائزة في الفقه الإسلامي. ومتى صحت المصالحة ظلت نافذة ولزم الوفاء بها وجوباً، وحرم نقضها بالغدر؛ الأمر الذي منعت منه الشريعة إجماعاً، هذا ما لم تختل المصالحة في جوهرها فيكون لأي من الطرفين أو الأطراف حينئذ المندوحة في التفصي من التزاماته حيال ذلك الاتفاق.
ما سبقت الإشارة إليه هي المصالحات التي تتم على الصعيد السياسي بين الدولة المسلمة وغيرها من الأمم، أما المصالحات التي تتم بين أفراد المسلمين إصلاحاً للشأن الاجتماعي إذا اختل بالخلافات؛ كالأزمات التي تحصل بين المسلمين في الدماء أو الأموال، أو الشأن السياسي إذا تنازع فيه الفرقاء، فهذا النوع من المصالحات يظل دائماً محل تأكيد للمشروعية التي تترد في الحكم بين الوجوب والاستحباب.
وللمصالحات والعهود آثار جليلة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي؛ لأن المصالحات في حقيقتها آلية لصنع الاستقرار فيهما، كما برهن على صحة هذه الفرضية ميثاق المدينة الذي أكد في نصوصه على الحقيقة السابقة؛ إذ نص على وحدة الأمة، والتعايش السلمي بين أفراد المجتمع مهما تخالفت عقائدهم، وغير ذلك من القيم.
تعتبر البيعة عهداً سياسياً خاصاً تنتظم به علاقة الراعي المسلم برعيته، وترتب عليه حقوق وواجبات شرعية متبادلة بينهما لتأخذ العلاقة والممارسة السياسية بعداً إيمانياً يستشعر به الطرفان حجم التبعة الملقاة عليهما، وإن فرص نجاحات التطبيق الأمثل لهذا الأسلوب تتطلب مجتمعاً يتوافر فيه الوعي والرشد والإدراك الحقيقي لمقاصد الدين.
والإمام أو الأمير المبايع بصورة صحيحة تظل طاعته واجبة ولازمة إمضاءً للنصوص الكثيرة الآمرة بذلك؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر؛ فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية)، ومع هذا فإن الصحيح الذي ترجح لدى الباحث من أقوال العلماء صحة خلع الإمام إذا جار جوراً ظاهراً اختلت معه مهمات إقامة الإمارة، بشرط تمام القدرة على القيام بهذا الأمر، وإلا تعين الصبر تلافياً لمأساة الهرج وسفك الدماء.
ويعتبر عهد الأمان من العهود الخاصة، ويعني بسط الحماية على الكافر الحربي في حالة ووضع خاص، فيظل آمنا في دمه وماله حتى يبلغ أجله الزماني والمكاني، فلا يجوز التعرض له بانتهاك شيء من ذلك ما لم ترتفع حصانته بسبب اقتراف جريمة تستبيح منه الدم أو المال.
أما عهد الذمة فهو عهد ينظم شأن الجماعات غير المسلمة في مجتمع المسلمين، وهو عقد ثابت بنص الكتاب والسنة، وجرى به العمل إلى أزمان قريبة، وليس فيه أي إجحاف بأي من حقوق هؤلاء الأساسية؛ إذ يتمتعون بكل ذلك على قدم المساواة مع غيرهم، والتشريع الإسلامي إذ يقر بهذه المساواة ويؤكدها فيما يتعلق بالجميع إلا أنه، ولأسباب موضوعية، يقبل استثناءات ترد على هذه القاعدة يفرق فيها بين المسلم وغير المسلم.
غير أن الحركة العلمانية البائسة التي انتظمت العالم الإسلامي عقب سقوط الخلافة قلبت هذه الوضع الصحيح في بلاد المسلمين رأسا على عقب لتستبدل صيغة الذمة بصيغة المواطنة، وللأسف ضمنت هذه النكسة في دساتير الدولة المسلمة، فاتسع الخرق على الراقع. كان الاجتهاد عند التعامل مع هذا الوضع تسويق هذه الحالة الشاذة في ظروف الاستضعاف ليكون خيار المواطنة خيار حاجة واضطرار، على أن يستأنف المسلمون الوضع الصحيح متى واتتهم الفرصة؛ ذلك لإصالة هذا الحكم الشرعي الذي لم يوجد أي دليل أو تأويل سائغ يرقى إلى التمعن فيه لأجل القول بنسخه أو انتهاء مفعوله، كما زعم بعض الكتاب المعاصرين حيال هذه القضية.
والمصالحات تأتي بمعنى الهدنة مع الكفار بوضع الحرب، كما تعني أيضا إقامة الأحلاف معهم، وكل ذلك جائز في السياسة الشرعية على التفصيل المذكور؛ طالما تتحقق بموجبه المصلحة العليا للمسلمين.
إن تحالف بعض المسلمين مع بعض الكفار إذا جاز وصح لدفع مفسدة عظمى تحدق بالجميع من قبل كفار آخرين إعمالاً لمبدأ دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، فإن الذي لا يجوز هو أن تمتد آثار هذا التحالف مع الكفار إلى درجة الاستعانة بهم في قتال مسلمين آخرين ولو كانوا بغاة، وإلا كان الحلف مع الكفار عندئذ تمكيناً لهم من رقاب المؤمنين؛ الأمر الذي منعت منه الشريعة الإسلامية قطعاً لمناقضته لمبادئ الإسلام نفسه.
إن مبدأ المصالحات لم يكن عند المسلمين قضية تجريدية بعيدة عن واقع الممارسة، بل تجلت نماذج عملية نيرة إعمالاً لهذا المبدأ وترجمة واقعية له، ومن ذلك: مصالحات النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين في زمانه فيما عرف بصلح الحديبية؛ تلك المصالحة المباركة التي أفضت وانتهت بأعظم فتح في الإسلام. كما أنه عليه الصلاة والسلام صالح اليهود بالمدينة، والذين انتهزوا – كعادتهم – ذلك الوضع في ممالأة الأعداء، فلم يجد النبي صلى الله عليه وسلم بدا من حسمهم وإجلائهم جزاء وفاقاً.
والعبرة التي تؤخذ من هذه التصرفات النبوية هي مشروعية وجواز أن تتكرر مثل هذه المصالحات مع أن جنس من الأعداء ولو كانوا يهوداً غاصبين، هذا ما يستفاد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم الكريم في هذا الصدد، إلا أن ترجيح هذا الرأي والمذهب على غيره لا يعني بالضرورة إيجابه على الناس بوصفه الخيار (الاستراتيجي) الأوحد، أو الرضا وإضفاء المشروعية على مصالحة بعينها في زمان ما.
والنماذج العملية للمصالحات تتواتر في فترة الخلافة الراشدة؛ حيث ورد التمثيل بصلحين صلح بهما الشأن السياسي للدولة المسلمة آنذاك، وهما: صلح سقيفة بني ساعدة، وصلح عام الجماعة اللذان تم الأول منهما في بواكير العهد الراشدي، والآخر في منتهاه، ومثَّلا نموذج في كيفية معالجة الخلاف السياسي عندما يتأزم؛ ذلك لأنه بهذا الصلح التأم الشمل بعد أن كاد العقد أن ينفرط، فثبت أن مسلك المصالحة – أيا كانت – هو المسلك الأرشد الذي يتعين سلوكه في السياسية الشرعية لمعالجة الأزمات السياسية كما الاجتماعية، دون اعتماد ضلالة المعارضة كما شاع في الفقه السياسي الوضعي المعاصر.
وكما تم التمثيل بعهود ومصالحات عدة من شريعة الإسلام وتاريخ المسلمين للبرهان على فعالية دورها، كذا تطرق البحث بالإشارة إلى بعض العهود الدولية المعاصرة؛ حيث وقع الاختيار على التمثيل بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والعهد العالمي لحقوق الإنسان، وذلك على سبيل الاستعراض الموجز لموادهما التي تبين منها: إما منافاة بعضها للشريعة الإسلامية، أو استثناء المسلمين عند التنفيذ بصورة متحيزة من الإفادة منها؛ كأن هذه العهود أو المواثيق صيغت للحد والحيلولة دون نهوض المسلمين! وهو كذلك.
لذا لم يكن من المستغرب عند الحديث عن موقف الدولة المسلمة من هذه العهود الدولية الإشارة إلى ضرورة التحفظ قبل التوقيع أو الانضمام لأي عهد دولي على المواد المنافية للشريعة الإسلامية، مع التنبيه إلى حقيقة أزلية مسطورة في القرآن الكريم من أنه لن يكون للمشركين في الحقيقة عهد أصلاً، وأنهم متى اشتركوا مع المسلمين في معاهدات فإنهم أول من لا يفي بها؛ كما قال الحق عز وجل:{كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلّاً ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمة وأولئك هم المعتدون} [التوبة: 7 - 10]، صدق الله العظيم.
نتائج البحث:
1 -
إن أعظم المبادرات فعالية على الإطلاق لإحلال السلام والأمن في المجتمعات وفي أي زمان ومكان كان، هي طرح منهج الإسلام بوصفه دين السلام، والدعوة إلى مُثله وقيمه بالحسنى. وإن إشاعة الحوار والجدال بالتي هي أحسن والرضا بما ستسفر عنه هذه العملية يظل الخيار الأجدى في التغلب على الأزمات والخلافات والنزاعات. وإن المجتمع الذي تروج فيه هذه الأفكار بصورة عملية هو المجتمع الذي سيسعد أكثر بالسلام. وهذا يعني أن كل مجتمع أو نظام جانب هذا الطريق سيتوه في مهامِهِ الشقاء.
2 -
إن تحقيق وتجريد وتعميق توحيد الله تعالى، وإزالة كافة مظاهر الشرك به –سبحانه- لهي قضية جوهرية من وجهة النظر الإسلامية في عملية صناعة وبناء السلام؛ لأن الرب عز وجل رهن تحقق الأمن للنفس والمجتمع بتحقق ونفاذ هذه القضية في النفوس فقال:{وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطنا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} [الأنعام: 81 - 82]، وقال:{سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً} [آل عمران: 151]، وقال تعالى:{وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} [النحل: 112].
3 -
حكم الجزية ثابت في أصل الشرع، ولا يوجد أي دليل من أي نوع كان يسوغ إبطاله أو نسخه، وما ذكر من أدلة في هذا الصدد فهي لا تعدو أن تكون مجرد شبه متهافتة لا تقوى أمام الاختبار العلمي. أما إنفاذ هذا الحكم في واقع المسلمين في مثل هذه الأزمنة وأزمنة الاستضعاف عامة، فهذه قضية أخرى مرهونة بالقدرة، وتحتكم إلى توافر الاستطاعة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
4 -
يعتبر قرن حكم الجزية في الشريعة الإسلامية بفرية اضطهاد الذميين وانتقاص حقوقهم، أمراً مصطنعاً لا وجود له في أصل التشريع الذي أمر بالإحسان إلى كافة البشر – لا سيما الذميين منهم – في نصوص غاية في الصحة تم تنفيذها بحذافيرها في تاريخ مشرق للمسلمين إبان دولتهم الزاهرة.
5 -
إعطاء حق التأمين للكفار عند دخولهم الدولة المسلمة يعتبر في أصل التشريع مما يجوز ممارسته لكافة الأفراد المسلمين، إلا أنه ولاعتبارات مستجدة مرتبطة بالأمن والمصلحة العامة ترجح لدى الباحث وجوب سلب هذا الحق من العامة كما جرى بذلك العرف العملي الراهن. ومثل ذلك يقال في تحديد مدة بقاء المستأمنين في الدولة المسلمة، خلافاً للاجتهاد الفقهي القديم والمعاصر في هذه المسألة.
6 -
يظل الصلح هو الترياق الواقي للمجتمع من التصدع والانهيار في علاقاته الاجتماعية المتأزمة بعامة، وهو كذلك الخيار المعتمد الذي لا يجوز الحياد عنه عندما ينشب الصراع في المعترك السياسي، وإلا اصطلى الجميع بنار الخلافات والنزاع، الأمر الذي سيكون خصماً على الاستقرار والرفاه.
7 -
يظل التعايش السلمي بين الأديان في ظل الدولة المسلمة أمراً ممكناً، وقد مرت تجربة عملية بذلك في تاريخ المسلمين؛ ذلك لأن لغير المسلمين من أهل الكتابين حقوقاً مرصودة في الشريعة الإسلامية، فالإخلال بها تقصير وتنكر للإسلام نفسه، إلا أن فرص نجاحات هذا الإمكان مرهونة بدرجات وعي المسلمين بدينهم إلى جانب عوامل أخرى.
8 -
يشرع الصلح وعقد الهدنة أو اتفاق سلام مع الأعداء – مهما بلغت درجة عدواتهم – فيما إذا ضعف المسلمون وخافوا الاسطلام، وهذا الحكم هو الراجح مما دلت عليه نصوص الشريعة في هذه المسألة، طالما كان هذا الخيار محققاً للمصلحة العليا للمسلمين.
9 -
إن تحالف المسلمين مع الكفار جائز في مجمله في سبيل صد عدو مشترك من غير المسلمين فقط؛ وذلك وفقاً لقاعدة دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما. غير أنه لا يجوز باتفاق أن يمتد مثل هذا الحلف لقتال مسلمين آخرين ولو كانوا بغاة خارجين؛ لأن عصمة الإسلام تظل باقية لهم مهما جاروا، فلا يصح أن تستباح حرمة دمائهم من قبل الكافرين.
10 -
لا تمانع الشريعة في مجملها من الاشتراك في المواثيق الدولية إذا كان في إطار التعاون على البر، وما سوى ذلك من المواثيق والمعاهدات الدولية يجوز الاشتراك فيها شريطة التحفظ على البنود أو المواضع التي تخالف الشريعة.
11 -
لكونه لم تشترك أي من الدول الإسلامية في وضع أو صياغة أي من المواثيق الدولية المعمول بها الآن، لذا فإن هذه المواثيق لا تخلو من مراغمة واضحة للشريعة الإسلامية في بعض تفصيلاتها، بل بدأت مرحلة جديدة في الدور الذي ينتظر أن تؤديه تلك المواثيق في ظل الظروف الدولية الراهنة فيما اصطلح على تسميته (بالعولمة)؛ إذ استغلت في الترويج للثقافة والرؤية الغربية، وطرح النموذج الرأسمالي كأسلوب للحياة، وفرضه على الناس عامة؛ لاسيما في المجال الاجتماعي، كما يبدو ذلك بوضوح في الاتفاقيات الخاصة بالمرأة والطفل، والتي وقعت مؤخراً برعاية الأمم المتحدة.