الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه
المؤلف/ المشرف:
عبدالرزاق بن عبدالمحسن العباد البدر
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار القلم والكتاب ̈الأولى
سنة الطبع:
1416هـ
تصنيف رئيس:
توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:
إيمان - حقيقته وأصوله - شاملة ومنوعة
الخاتمة
الحمد لله أولاً وآخراً والشكر له ظاهراً وباطناً.
وبعد: فقد تم في هذا البحث – بتوفيق من الله وامتنان وفضل منه وإحسان – حديث مفصل عن مسألتين عظيمتين من مسائل الإيمان المهمة:
الأولى: عن زيادة الإيمان ونقصانه، والثانية: عن حكم الاستثناء فيه، وإني لأرجو الله الكريم أن يجعل هذا الجهد مباركاً مقبولاً عنده، نافعاً للعباد وافياً بالمراد، وأن يغفر لي ما وقع فيه من خطأ وزلل إنه جواد كريم غفور رحيم.
وفي نهاية هذا البحث وختامه أجمل باختصار أهم نتائجه وأبرزها في النقاط التالية:
إن الإيمان عند أهل السنة والجماعة بإجماعهم قول وعمل يزيد وينقص، ولهم على ذلك أدلة كثيرة لا تحصى من الكتاب والسنة، وقد أتى هذا البحث على جملة مباركة منها موضحة مبينة، وللسلف في تقرير ذلك أقوال كثيرة جداً يؤصلون فيها هذه العقيدة الراسخة الصحيحة، ويردون بها على الأقوال المحدثة المبتدعة المخالفة لذلك من أقوال المرجئة وغيرهم.
ثم إن زيادة الإيمان ونقصانه عند أهل السنة تكون من أوجه عديدة ذكر في هذا البحث تسعة منها، وهي في الجملة ترجع إلى وجهين اثنين هما: أن الإيمان يتفاضل من جهة أمر الرب ومن جهة فعل العبد، وهذا من الأصول المتقررة عند أهل السنة والجماعة وليس أحد من الفرق والطوائف يوافقهم في ذلك، لأن منهم من يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص من أي وجه، ومنهم من يرى إنه يزيد وينقص من وجه دون وجه وليس أحد يرى أنه يزيد وينقص من جميع هذه الوجوه غير أهل السنة والجماعة.
وللإيمان أسباب كثيرة متنوعة تزيده وتنميه، وأسباب أخرى متنوعة تضعفه وتنقصه وهي تعلم بالتدبر والتأمل للكتاب والسنة. وتحقيق الإيمان وتقويته إنما يكون بمعرفة هذه الأسباب وفهمها ثم بالقيام بأسباب الزيادة والبعد عن أسباب النقص.
ومن أسباب زيادته العلم النافع، وتدبر القرآن الكريم، ومعرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، وتأمل محاسن ديننا الحنيف، وسيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وسير أصحابه، والتأمل والنظر في كون الله الفسيح وما فيه من دلالات باهرة وحجج ظاهرة، والقيام بطاعة الله عز وجل على الوجه المطلوب، فهذه من أنفع الأمور المقوية للإيمان والجالبة له.
ومن أسباب نقصه وضعفه الجهل بدين الله والغفلة والإعراض والنسيان وفعل المعاصي، وارتكاب الذنوب، وطاعة النفس الأمّارة بالسوء، ومقارنة أهل الفسق والفجور، وأتباع الهوى والشيطان، والاغترار بالدنيا والافتتان بها، فهذه الأمور من أشد الأسباب المنقصة للإيمان والمضعفة له.
ثم إن الإسلام عند أهل السنة يزيد وينقص ويقوى ويضعف كالإيمان سواء لأن الإسلام عندهم شامل للطاعات كلها، وتفاضل الناس في القيام بأعمال الإسلام وتفاوتهم في ذلك أمر معلوم متقرر، إلا إن قصد بالإسلام الكلمة
كما ذهب إلى ذلك بعض السلف فالكلمة لا تزيد ولا تنقص.
ثم إنه قد جاء عن الإمام مالك رحمه الله في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه روايتان إحداهما: أن الإيمان يزيد وتوقف في النقصان، لأنه لم يجد نصاً صريحاً في القرآن يدل على النقصان، ثم تبين له بعد أن الإيمان ينقص كما أنه يزيد فقال به، وهذه هي الرواية الأخرى، وقد جاءت عنه من طرق عديدة عن غير واحد من أصحابه.
وجاء عن بعض الأشاعرة والغسانية والنجارية والإباضية ونسب إلى أبي حنيفة أن الإيمان يزيد ولا ينقص، واحتجوا لذلك ببعض الشبه الواهية والحجة الضعيفة وقد تم إيرادها وبيان بطلانها في هذا البحث بتوفيق الله.
وقد ذهبت طوائف أخرى كثيرة من أهل الكلام والإرجاء والتجهم من الجهمية والمعتزلة والخوارج والأشاعرة والماتريدية وغيرهم إلى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وقولهم هذا باطل شرعاً معلوم الفساد بالاضطرار من دين الله وليس عليه دليل لا من كتاب ولا سنة ولا عقل، بل إن صريح الكتاب وصحيح السنة والعقل بخلافه وعلى الضد له تماماً.
ثم وإن كان من القائلين بهذا القول الإمام أبو حنيفة رحمه الله، فإن هذا لا يسوغ هذه العقيدة، بل إنه يعد هفوة منه رحمه الله وزلة قدم يرجى أن تغتفر في بحر علمه وفضله ولاسيما وقد جاء عنه ما يشعر برجوعه عن هذا القول وهو الحري به غفر الله له، ولهذا لا يجوز متابعته في ذلك لأن أقوال العلماء – كما هو متقرر – لا يحتج بها على الأدلة الشرعية بل يحتج لها بالأدلة الشرعية، فما كان منها مخالفاً لما جاء في الشرع طرح جانباً وتمسك فيما جاء بالشرع فقط وهذا أمر أوصى به الأئمة جميعهم أبو حنيفة وغيره.
ولئن كان بعض الأحناف غلا في متابعة أبي حنيفة في غلطه هذا وتعصب له فيه تعصباً مقيتاً، فإن من الأحناف من اعتدل في الأمر ووزن الأمور بميزان الشرع فترحم على أبي حنيفة وترك متابعته في خطئه، وعد متابعته في ذلك من سنن العوام.
لكن من العجيب حقاً أن بعض الذاهبين لهذا القول والمتعصبين له، لم يرعوا عن أمور ذميمة وخلال قبيحة، ركبوها تحسيناً منهم لباطلهم وترويجاً له، فكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أحاديث كثيرة، وحرفوا نصوصاً شرعية عديدة بتأويلاتٍ مستكرهة بعيدة عن اللغة والشرع معاً، وضللوا وكفروا وبدَّعوا أهل الحق والاستقامة، فهؤلاء لا حيلة فيهم إلا كشف باطلهم وتعرية ضلالهم وفضحهم على رؤوس الأشهاد، ولهذا كانت مواقف علماء الإسلام وأئمة السنة من مثل هؤلاء قوية صارمة تتسم بالحزم وعدم التساهل، فأوصوا بهجرهم والبعد عنهم والحذر من باطلهم، صيانة للعقيدة، وحفاظاً على السنة.
بينما نبتت في عصورنا المتأخرة وأزماننا الحاضرة مواقف مهزوزة وأراء مهلهلة، تدعو إلى السكوت عن هؤلاء وعدم كشف باطلهم للتفرغ فقط للعدو الخارجي لدعوته أو صد عدوانه، فنجم عن هذه المواقف أن رفع أهل الباطل عقيرتهم، وأظهروا بدعهم، ونادوا بها في كل مجلس وناد، فاختلطت الأمور وتغيرت المفاهيم، وبات المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وصارت البدعة سنة والسنة بدعة، فضاع لكثير من المسلمين رأس مالهم وسبيل نجاتهم فضلاً عن أن تتحقق الأرباح لهم.
بل وادعى بعض أهل هذه المواقف أن عقائد المرجئة والمعتزلة والجهمية وغيرهم ماتت وانقرضت ولم تعد موجودة في هذا الزمان، والحق أن هذا القول يعد تلبيساً من قائله وتعمية منه عن الأمور البادية لكل مبصر، والظاهرة لكل متبصر، بل إن أهل هذه الأهواء في زماننا هذا – ولست مبالغاً في ذلك – أكثر منهم عن ذي قبل، فالبدع الأولى لا زالت موروثة، والضلالات القديمة لا زالت محروثة، غير أنه أضيف إليها في هذا الزمان أنواع أخرى من البدع والمحدثات، والله المستعان.
ثم إني قد أوضحت في هذا البحث نشوء الخلاف في مسألة زيادة الإيمان ونقصانه، وقررت أن الخلاف الذي حصل فيها حقيقي جوهري، وليس لفظياً صورياً فقط، لأن قول المخالفين في هذه المسألة مضاد تماماً لقول أهل السنة والجماعة المستمد من الكتاب والسنة، إضافة إلى ما جره قولهم من بدع عديدة وضلالات متنوعة.
ومن بدع هؤلاء تحريمهم الاستثناء في الإيمان ووصفهم المستثنى في إيمانه بأنه شاك، حتى غلا بعضهم في ذلك فمنع من تزويج أو أكل ذبيحة من يستثني في إيمانه، رغم أن الاستثناء في الإيمان من معتقد أهل السنة والجماعة، المدعم بالأدلة النقلية الصحيحة، دون أن يكون مقتضياً للشك أو الريب كما يدعيه هؤلاء، بل إن الأمر في ذلك عائد إلى مقصود قائله، فإن قصد بقوله أنا مؤمن الشك في أصل الإيمان يكون عندئذ شاكّاً في إيمانه.
أما السلف فمقصودهم بالاستثناء هو البعد عن تزكية النفس، والخوف من عدم قبول الأعمال، وبعداً عن ادعاء القيام بالأعمال كلها، دون شك منهم في أصل الإيمان وأساسه، وحاشاهم ذلك.
ولهذا جاء عن بعض السلف إطلاق القول، أنا مؤمن دون تقييد لذلك بالاستثناء، ومقصودهم بذلك أصل الإيمان، لأنه إذا قصد بأنا مؤمن أصل الإيمان فلا استثناء في ذلك، وإن قصد تمامه وكماله فلا بد من الاستثناء.
لكن لما كان مقصود القائل لا يظهر إلا بقرينة تدل عليه صار متعيناً على كل أحد إذا قال أنا مؤمن أن يستثني، إلا إذا أظهر من كلامه ما يدل على إرادته أصل الإيمان، ليجانب بذلك تزكية نفسه وادعاء كمالها، لهذا كره الإمام أحمد رحمه الله إطلاق هذه الكلمة دون تقييد لها بالاستثناء.
أما قول أنا مسلم فالمشهور عن أهل الحديث هو عدم الاستثناء فيه، لأنه لما كان كل من أتى بالشهادتين صار مسلماً متميزاً عن أهل الكفر تجري عليه أحكام الإسلام التي تجري على المسلمين، كان هذا مما يجزم به بلا استثناء فيه.
وقد خالف السلف في مسألة الاستثناء في إيمان طائفتين: ذهبت إحداهما إلى إيجاب الاستثناء في الإيمان لأجل الموافاة، حيث إن قائل هذه الكلمة لا يعلم هل يوافي ربه بإيمانه، فيدوم عليه إلى أن يموت أولاً؟ لهذا أوجب هؤلاء الاستثناء في الإيمان، ومأخذهم هذا في الاستثناء لا يعلم عن أحد من أهل السنة والجماعة، كما جزم بذلك شيخ الإسلام رحمه الله. أما الطائفة الأخرى فذهبت إلى تحريم الاستثناء مطلقاً لما يقتضيه في نظرهم من الشك في الإيمان.
ثم إن السلامة إنما تتحقق بالبعد عن أهل الأهواء والبدع، وبمتابعة أهل السنة والجماعة، فهم دائماً أسعد الناس بالدليل وأحظى بالحق والسبيل، فالسلامة معهم وكذا العلم والإيمان، جعلنا الله من أتباعهم، وحشرنا في زمرتهم، وجنبنا الأهواء المضلة والفتن المطغية، إنه سميع الدعاء.
فهذه بعض المعالم الرئيسة، والنقاط البارزة في هذا البحث، وإني في الختام لأستغفر الله من كل ذنب زلت به القدم، أو زلل طغى به القلم والحمد لله رب العالمين، وصلاة الله وسلامه الأتمَّان الأكملان على نبيِّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.