الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج ابن تيمية في الإصلاح الإداري
المؤلف/ المشرف:
زيد بن محمد الرماني
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الصميعي - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1425هـ
تصنيف رئيس:
تراجم
تصنيف فرعي:
ابن تيمية - ترجمة كاملة أو دراسة منهجية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
تناولنا فيما سبق في بحثنا هذا ((منهج ابن تيمية في الإصلاح الإداري)) فقد تناولنا في الباب الأول: المدخل للإصلاح الإداري، وتكلمنا فيه عن الإدارة وعن الإصلاح الإداري وعن النواحي الإدارية، والإصلاحات التنظيمية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين، وفي عهد الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة العثمانية.
وخرجنا من ذلك بمجموعة من النتائج المهمة منها:
1.
الإدارة علم وفن ولا ينفك أحدهما عن الآخر، لأن الإدارة الجيدة هي التي تحتاج إلى الجانبين كليهما العلم والفن.
2.
وظائف الإدارة: التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وهذه أهم الوظائف التي تقوم بها الإدارة الجيدة.
3.
الإصلاح الإداري عبارة عن سلسلة من الإصلاحات في داخل الجهاز الحكومي، ولا يقام بالإصلاح الإداري إلا لأسباب أوضحناها في ثنايا البحث، وقد بينا السمات الرئيسة للإصلاح الإداري.
4.
وجدت الإدارة والإصلاحات والتنظيمات في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عهد الخلفاء الراشدين من بعده، فكان هناك تولية الولاة وإنشاء الدواوين وتفويض السلطة، والرقابة وغير ذلك.
كما وجدنا الإدارة بشكل أوضح في عهد الدولة الأموية والعباسية والعثمانية، وذلك للتوسع الذي حصل في الفتوحات ولكثرة الداخلين في الإسلام، وكثرة الموارد والمصارف، فاحتاج ذلك كله إلى تنظيم وتخطيط وتوجيه وقيادة ورقابة وإصلاحات إدارية.
أما في الباب الثاني: فقد تناولنا فيه منهج ابن تيمية في الولايات ((سياسات التوظيف))، والأموال والحسبة ((التموين)).
كما تناولنا في بداية هذا الباب، الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية، وانتهينا بعد هذا كله، إلى نتائج مهمة منها:
1 -
ابن تيمية –رحمه الله ولد بحران، ولذلك يطلق عليه الحراني، وتقع في بلاد الشام، وكانت ولادته في النصف الثاني من القرن السابع للهجرة. وأطلق عليه شيخ الإسلام وسمي بذلك للجهد البارع الذي قام به. عاصر فترة حالكة مماثلة للفترة التي عاصرها أبو حامد الغزالي، كان في تلك الفترة اضطرابات، والدولة الإسلامية كانت تتعرض للهجوم والغزو من الغرب والشرق، وتكالب عليه الأعداء من شرقها وغربها، فمن الغرب نجد أن الصليبيين قد توجهوا نحوها، ومن الشرق نجد أن المغول قد اجتاحوا مساحات كبيرة جدا حتى استطاعوا أن يسقطوا دولة الخلافة الإسلامية في بغداد، ويبطلوا الخليفة الإسلامي المستعصم ويقتلوا ويعيثوا في الأرض فسادا، كل هذه الظروف أثرت في نفس ابن تيمية –رحمه الله مما جعله يكتب في هذا الجانب، ومن كتبه: السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية. وكذلك كتاب: الحسبة في الإسلام.
2 -
كتاب ابن تيمية السياسة الشرعية، يحدد فيه منهجا حيويا لعملية الإصلاح الإداري. فهو يرى أن الفساد الإداري ناشئ من أمرين:
أ- استغلال المال العام.
ب- استغلال السلطة في تعيين من يشاء وكذلك حد الضوابط التي تحكم هذا الأمر.
حيث يرى كذلك أن فساد الأمة وما آلت إليه من اضطراب وفوضى ناشئ من فساد الولاة الذين لم تكن تتوفر فيهم المعايير التي يقرها الإسلام، فيما يتعلق بالقيام بالمهام الموكلة إليه.
وبالتالي كتب كتابه ((السياسة الشرعية)) ليحدد به طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويتركز كتابه على آيتين من سورة النساء قوله تعالى:{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا} {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} .
ارتكازا على هاتين الآيتين قام منهج ابن تيمية في الإصلاح الإداري.
3 -
يرى ابن تيمية –رحمه الله أن الآية الأولى تخص الحاكم، والثانية تخص المحكوم، والعملية تبادلية، يحصل فيها الحاكم على الطاعة، مقابل أن يقوم بأداء الأمانة وأن يحكم بالعدل، فأداء الحاكم للأمانة يستوجب على الأمة طاعته، والطاعة الممنوحة له تستوجب أن يكون عدلا.
مسئولية الحاكم تتمثل في أمرين:
أ- أداء الأمانة ب- الحكم بالعدل
وأداء الأمانة في نظر ابن تيمية-رحمه الله تنقسم إلى قسمين:
أ- أداء الأمانة في الولايات ب- أداء الأمانة في الأموال
4 -
فيما يتعلق بأداء الأمانة في الولايات ((سياسات التوظيف)) فيقول: إن أسس اختيار الولاة هي:
أ- استعمال الأصلح ب- اختيار الأمثل فالأمثل
ج- أسس الصلاحية د- معرفة الأصلح
ويقول: إن ضابط الإسلام الأول في اختيار الولاة أن يتم ذلك وفق القاعدة العامة، وهي اختيار الأصلح فالأصلح، لا لقربة ولا لمكانة اجتماعية ولا لأي عنصر آخر لا يقره الإسلام.
وقد اكتشف ابن تيمية –رحمه الله هذا المبدأ المهم، قبل علماء الغرب الذين يتفاخرون بأنهم اكتشفوا مبدأ نظام الجدارة (وهو توظيف الشخص الأجدر)، بدلا من النظام السائد عندهم وهو نظام الغنائم [وهو توزيع الوالي أو الحاكم للمناصب على رجال حزبه المؤيدين له].
نظام الجدارة بلوره ابن تيمية من خلال استيعابه لمنهج الإسلام الصحيح. ثم يحدد أسس الصلاحية بمعيارين أساسيين هما:
أ- القوة ب- الأمانة
مستعينا في ذلك بقوله تعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين} .
فالقوة: هي القدرة على القيام بالمهام الموكلة إلى الفرد وتشمل القوة الجسمية والعقلية وشتى أنواع القوة عموما.
والأمانة: هي الضمير المتوثب الذي يزجر الشخص عن الخيانة ويدفعه لبذل طاقته في سبيل القيام بما أوكل إليه من المهام على أحسن وجه.
ويقول ابن تيمية –رحمه الله إنه يندر أن يتوفر في شخص واحد المعياران بدرجة عالية، ولكن الأمر هو عملية توازن بين هذين المعيارين، ويستدل على ذلك بقول عمر:[اللهم إليك أشكو جلد الفاجر وعجز الثقة].
ويقول ابن تيمية: إن المشكلة تكمن في تغليب أحد الجانبين في اختيار الشخص، ويرى أن الاهتمام بأي المعيارين، إنما يكون بما تحكمه طبيعة النشاط والوظيفة نفسها، فقد يحتاج العمل إلى جانب القوة أكثر منه إلى جانب الأمانة، وذلك مثل الحرب، وقد تكون إلى الأمانة في عمل، أكبر من الحاجة إلى القوة وذلك مثل القضاء وولاية الأموال.
5 -
أما فيما يتعلق بأداء الأمانة في الأموال، فيرى أن المقصود بأداء الأمانة في الأموال أن يلتزم الحاكم بأداء الأموال وجبايتها من الموارد التي حددها الشارع، كما يلتزم صرفها في أوجه الصرف التي حددها الشارع أيضا، لأن الإسلام قد حدد موارد الأموال التي منها الزكاة، والفيء والغنائم والصدقات.
ويلاحظ فيما يتعلق بمنهج الإسلام في جباية الأموال أنه يلتزم بروابط محددة، فكلما كان الجهد المبذول كبيرا، كلما قل التعب أو القدر الذي يجبى منه. ويلاحظ أن هذا النصيب يتفاوت من 2.5% إلى 10% فالفائض الذي تحصل عليه الدولة بدون قتال هو من نصيب بيت المال، كما أن الغنيمة وهي مال يحصل عليه المجتمع بقتال يكون نصيب بيت المال 20% والباقي للمحاربين.
ويمكن أن ينقص هذا النصيب أو القدر، إلى أن يصل إلى 10% مثلا، كما في زكاة الزروع والثمار التي تسقى بماء السماء عادة، ويكون نصيب بيت المال منها 10%.
ولهذا يقول ابن تيمية عند حديثه عن الموارد، لابد أن يكون الحاكم منضبطا بضابط الإسلام، حتى لا تحدث فوضى في استغلال المال العام، كما يجب على الحاكم أن يجبي بالمقادير التي حددها الإسلام دون زيادة أو نقص فيها، لأن ذلك يؤدي إلى إثقال كاهل الأفراد، فيؤدي ذلك إلى نفور الناس منه. وهذه الموارد على نوعين:
أ- ما يمكن الحصول عليه بسهولة، وفي هذا النوع يرتفع نصيب بيت المال منها كالفيء.
ب- ما كان الحصول عليه صعبا وشاقا، وفيه يقل نصيب بيت المال ويرتفع نصيب الأفراد، كالغنيمة بعد الحرب.
وعموما فابن تيمية يشير إلى أن الحاكم يجب أن يكون منطقيا ونظاميا من الناحيتين، ناحية الجباية وناحية الصرف.
6 -
فيما يتعلق بالحسبة، فقد تكلم ابن تيمية عن مدى تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وذكر بعض الحالات التي فيها تتدخل الدولة، مثلا: التسعير-منع الاحتكار-تحديد الأجور-توفير الاحتياجات.
ومن ذلك يتضح عجز الأنظمة الوضعية الحديثة في تطبيق هذا المبدأ [مبدأ التدخل]، بينما نجد في الجانب الآخر عظمة وقدرة الفكر الإسلامي والمنهج الإسلامي متمثلا في منهج ابن تيمية، في تفهم هذا المبدأ ووضعه في المكان المناسب.
7 -
مبدأ اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، عرفه ابن تيمية واكتشفه ودعا إليه، قبل الفكر الإداري الحديث، وذلك عند حديثه عن أسس اختيار الولاة.
أ- تولية الأصلح ب-الأمثل فالأمثل
ج- أسس الصلاحية د- معرفة الأصلح
8 -
استمد ابن تيمية –رحمه الله واستند في مناهجه التي اتبعها على الكتاب والسنة، وذلك واضح عند تطرق ابن تيمية لموضوع أداء الأمانة في الولايات وأداء الأمانة في الأموال، وعند حديثه عن الحسبة وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، فنراه حينما يعرف أمرا من الأمور، أو يدعم أقواله وتعريفاته وأحكامه وآراءه ومناهجه واستنتاجاته بالدليل من الكتاب والسنة أو الإجماع أو كلها مجتمعة.
9 -
سبق شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله المفكرين الإسلاميين في وضع أسس ومرتكزات لعلم الإدارة، ولهذا يرى الأستاذ: عبدالرءوف الجلالي أحقية ابن تيمية في أبوة الإدارة العلمية، وذلك لما قدمه من مبادئ وأسس ومناهج وآراء وسياسات وإصلاحات، من خلال كتبه:
أ- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية.
ب- الحسبة في الإسلام.
ج- منهاج السنة النبوية.
10 -
منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في الإصلاح الإداري هو المنهج الإسلامي، ولكن ابن تيمية-رحمه الله هو ممن اكتشف هذا المنهج ووضحه ووضعه في إطار سبق به العلماء والمفكرين السابقين عن وضع منهج أو إطار أو تنظيم يناظره أو يماثله. وقد استقى أسسه واستنتاجاته وآراءه من الوقائع التي حدثت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي عهد الخلفاء الراشدين من بعده، وقبل ذلك كله كان تدعيمه لأقواله وآرائه ومناهجه مستندة إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
وبهذا نأتي إلى ختام بحثنا المتواضع، سائلا الله عز وجل القبول والمثوبة والأجر، ثم متمنيا أن يحوز على قبول ورضا القارئ الكريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.