الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية
المؤلف/ المشرف:
علي بن إبراهيم النملة
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية-الرياض ̈الثالثة
سنة الطبع:
1427هـ
تصنيف رئيس:
تاريخ
تصنيف فرعي:
منوع
الخاتمة:
أولاً: النتائج:
من خلال هذا العرض السريع لظاهرة النقل والترجمة، في الحضارة الإسلامية، ومن خلال استقراء أدبيات هذا الموضوع المتوافرة، وبحسب الظروف المحيطة بالبحث، وبقدر الإمكان المتاح، يمكن للباحث أن يستنتج هذه المجموعة من النتائج، التي قد تقود في مجملها إلى توصيات، رغبة في مزيد من البحث والتوسع في الطرح والتغطية:
أولاً: أن الثقافة الإسلامية قد أفادت من ثقافات الغير القائمة، إبان قيام الحضارة الإسلامية، مما رأته مناسباً لها، ولمبادئها، ومنطلقاتها. فلم تفد من آثار لم يكن لها قوة التأثير، كالأدب والفن والسحر والشعوذة والكتب الدينية الإغريقية (اليونانية) لاعتمادها، في معظمها على الخرافة والوثنية.
ثانياً: أن الخلفاء المسلمين قد شجعوا حركة النقل والترجمة، وكان معظمهم يعد في مصاف العلماء، فأغدقوا على النقلة والمترجمين والمؤلفين والوراقين، وقربوهم، واستعانوا بهم في أمور الخلافة، فكان لهذا أثره على العلم، نقلا وتأليفاً. وفي هذا تأكيد على قوة أثر ولاة الأمر في توجيه دفة العلم.
ثالثاً: اعترى نقل العلوم اليونانية وترجمتها شيء من الخلط، نتيجة الاعتماد على وسيط ثالث، تمثل في اللغة السريانية. ووقعت فيه أخطاء فاحشة، استدعت المراجعة والتنقيح والنقد، وشمل هذا نسبة بعض الأعمال إلى غير أصحابها.
رابعاً: نشط، في بدء ظاهرة النقل والترجمة، النقلة والمترجمون من غير المسلمين، فلقوا حسن المعاملة من الخلفاء والأفراد والولاة، وعاشوا السماحة، ولكن بعضاً منهم أساء الإفادة من هذه الجوانب، فأرادوا التأثير على أحكام الإسلام ومبادئه، دون توفيق يذكر.
خامساً: لم تكن ظاهرة النقل والترجمة إيجابية كلها، بل لقد كانت لها آثار سلبية على الثقافة الإسلامية، لاسيما فيما يتعلق بعلم الكلام، الذي أوجد شرخاً في وحدة الأمة العقدية، ومزقها إلى فرق، اشتد ساعد بعضها، فأرادت رمي الإسلام، دون توفيق يذكر.
سادساً: ركز الباحثون، كثيراً، على الخلافة العباسية في تطوير حركة النقل والترجمة، لوضوح الآثار فيها. وكان هذا على حساب عصر صدر الإسلام، وخلافة بني أمية، اللذين لم يعطيا حقهما من البحث في ظاهرة النقل والترجمة فيهما، مما يستدعي مزيداً من البحث المستقل، حول هذين العصرين، وكذلك الولايات الإسلامية المعاصرة للخلافة العباسية وهذا البحث في مجمله يثبت ذلك من خلال مراجعه.
سابعاً: ما زال هناك خلط، عند الحديث عن ظاهرة النقل والترجمة، من حيث النشأة والزمان والمهمات. وهذا ناتج، فيما يبدو، عن تناقل المراجع بعضها من بعض، مما يدعو إلى الرجوع إلى المصادر القريبة من الأحداث، والتحقيق فيما تذكره، والوصول إلى نتائج عملية. ومع هذا فإن أدبيات النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية تكاد تجمع على أن انطلاقة النقل والترجمة كانت على يد الخليفة الأموي خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
ثامناً: لوحظ عدم التحقيق من بعض الآثار، التي تنسب إلى بعض الصحابة – رضوان الله عنهم – والتابعين – رحمهم الله تعالى -، لاسيما منهم الولاة والأمراء، فيما يتعلق بالنقل ومداه. وهذا أمر يحتاج أيضاً إلى مزيد من التحقق والتثبت، لاسيما عندما يستعين الباحث بآثار بعض المستشرقين، فيما يتعلق بالثقافة والحضارة الإسلامية، وإن كانت بعض الآثار تؤيد ما يرمي إليه الباحث، بدافع من الهوى، إلا أن الموضوعية والتجرد يتطلبان التثبت من هذه الآثار.
تاسعاً: لم يكن العرب المسلمون مجرد نقلة لتراث الغير، بل لقد طبعوا ما نقلوه بما لديهم من علم، وأخضعوه لما لديهم من خلفية إسلامية، فجاء مصقولاً منقحاً، تدرك فيه اللمسات الإسلامية، من حيث التأصيل الإسلامي للعلوم.
ظهر هذا واضحاً جلياً، عندما توجه بعض النقلة المسلمين إلى الثقافة الإغريقية/ اليونانية والهندية والفارسية والمصرية/ القبطية، ينقلون منها مباشرة، ويقفون وقفات علمية دقيقة، عندما يستدعي الأمر الوقوف. يقول يحيى وهيب الجبوري في هذا:(وهكذا كانت حركة الترجمة والتأليف في هذا العصر مزدهرة، وقد ظهرت في الحياة الإسلامية حركة علمية جديدة، طابعها الإسلام، ونبغ فيها علماء، جمعوا بين العلوم الإسلامية النقلية، وبين العلوم العقلية الدخيلة، وصارت لهم شخصيتهم الإسلامية المستقلة). ويقول شحادة الخوري، في هذا السياق:(ولم يكن العرب، في ميدان المعرفة، ناقلين كسالى، بل كانوا ناقلين مبدعين، أعملوا العقل واحتكموا إليه، ولم ينظروا إلى ما أخذوه بوصفه مسلمات وحقائق، بل وضعوا كل ما نقوله تحت حكم البصر والبصيرة). وينقل ما يؤيد ذلك عن أبي بكر الرازي وابن البيطار وجمشيد الكاشي.
كثيراً ما استدعى الأمر الوقوف عند مسائل، ذات مساس بالطبيعة، أو العقيدة، أو العلوم التطبيقية، التي استدعت التمحيص، والخروج من بعض الخرافة التي ضمنت بعض المؤلفات.
هذا جانب يحتاج إلى تأييد، من خلال النظر في المنقول والمترجم مباشرة، وقد عمل على ذلك في مجال طب العيون، خاصة، نشأت الحمارنة، الذي يذكر في أحد أبحاثه المنشورة أن عصر ترجمة الطب من اللغة الإغريقية (اليونانية) إلى اللغة العربية لم يكن (مظهراً لسلوك منفعل، بل كان العلماء فيه فاعلين بكل معنى الكلمة. فقد وضعوا كل الحقائق التي ترجموها على محك العقل، فقبلوا معظمها، ولكنهم عارضوا بعضها، ونقدوا بعضها الآخر. ولم يؤثر ذلك على مكانة أساتذتهم الإغريق في نفوسهم).
يستدعي هذا مزيداً من التركيز على هذه الإطلاقة، التي ربما تأخذ شكل الفرضية، هنا، حتى يتم فحصها، وعرضها على الواقع.
عاشراً: أثبتت ظاهرة النقل والترجمة قدرة اللغة العربية على استيعاب المصطلحات، ووقوفها مع المستجدات، وشمولها للعلوم والمعارف والآداب، ومرونتها في احتواء الجديد من المصطلحات المعربة والمنحوتة. يقول محمود فيصل الرفاعي:(من يستعرض بعض مصنفات العلماء، في المرحلتين الأولى والثانية، يرى قوة اللغة العربية العلمية، وتعدد المفردات الجديدة. لقد أصبحت بذلك اللغة العلمية الناضجة التي لم يستطع عالم بعد ذلك الكتابة بغيرها).
حادي عشر: كان المفهوم الشامل للمكتبة موجوداً، في العصور الأولى للإسلام، فلم تكن مجرد خزانة كتب، وإنما تحققت فيها ما يدعو إليه علماء المكتبات والمعلومات، اليوم، من وظائف ومهمات، أهمها، في مجالنا، اللغة والترجمة، بالنقل من اللغة إلى اللغة، وتعليم اللغة الأم، وتعلم اللغات الأخرى، والنسخ (الوراقة)، والتجليد.
ثاني عشر: لابد من القول بضرورة تعلم اللغات الأخرى، لينقل منها وإليها، ولن تقوم حضارة إذا لم يسع المسؤولون عنها، من علماء وولاة، إلى التوكيد على تعلم اللغات الغنية بالإنتاج العلمي والفكري، دون أن يكون ذلك على حساب تعلم اللغة الأم وإتقانها، مما يؤكد على الإلمام باللغة الأم، وهي، هنا، اللغة العربية، ومن ثم الانطلاق.