الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محاولات التدخل الروسي في الخليج العربي 1297 - 1325هـ/ 1880 - 1907م
المؤلف/ المشرف:
نادية وليد الدوسري
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دارة الملك عبد العزيز – السعودية ̈بدون
سنة الطبع:
بدون
تصنيف رئيس:
سياسة عالمية
تصنيف فرعي:
خليج عربي
الخاتمة:
الثورة الصناعية التي اجتاحت أوروبا كانت المحرك الأساس لتصارع الدول وظهور سياسة الاستعمار التي كانت تسمى بالاستعمار الاقتصادي والتجاري، إلى جانب ضعف الدولة العثمانية الذي أتاح المجال لتكالب دول الاستعمار الأوروبي على المنطقة، مما ترتب عليه تغير سياسة بعض الدول تجاه الدولة العثمانية، مثل بريطانيا من المحافظة على وحدتها إلى التسابق لاقتسامها وتفتيت أراضيها، ومن ثم بدأ الصراع الدولي للسيطرة على المنطقة، وكان صراعاً سياسياً واقتصادياً ودينياً من أجل امتلاك أكبر جزء من ممتلكات الدولة العثمانية، وخاصة الخليج العربي، ليصبح بذلك منطقة إستراتيجية مهمة للإنجليز حيث يقع في الطريق إلى الهند.
وعلى الرغم من المواثيق والمعاهدات التي كانت تعقد بين بريطانيا وغيرها من الدول الكبرى، إلا أن بريطانيا كانت في أغلب الأحيان تتحايل من أجل خرق تلك التعهدات لتستأثر بالخليج وحدها، وقد نجحت في إبعاد فرنسا عن طريقها، كما نجحت في إحباط مشروع ألمانيا الذي عرف تاريخياً بخط حديد برلين –بغداد لينافس النفوذ البريطاني في المنطقة، وكانت ألمانيا وليدة الثورة الصناعية التي جعلت منها دولة قوية وخاصة بعد أن توحدت على يد بسمارك، وقد اتخذ الصراع الألماني البريطاني طابعاً تجارياً عن طريق نشر البضائع الألمانية المشهورة بجودتها وكفاءتها التي لا تنافس، مما شكل خطراً هدد الوجود الاقتصادي البريطاني في المنطقة، ومن ثم كان دخول روسيا دولة معارضة لإتمام مشروع خط حديد برلين – بغداد الذي كان يشكل خطورة على سير الخطوط الحديدية الروسية في القوقاز وبقية المناطق، بل إن النفوذ الألماني سيحول دون وصول روسيا إلى المياه الدافئة في الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط.
ولذا كان الصراع صراعاً دولياً لتحدي الوجود البريطاني المهيمن على الخليج، وهو ما دفع روسيا لتنفيذ محاولتها للوصول إلى الخليج، ورغبتها في إنشاء ميناء وقاعدة حربية في الخليج، فاختارت روسيا فارس بحكم الجوار الجغرافي والحدود الطويلة المشتركة بينهما، لتكون قاعدة انطلاق نحو طموحها للبحار المفتوحة والمياه الدافئة، فأصبحت فارس محوراً أساسياً للوصول إلى الخليج العربي، ولم يقتصر روسيا على الأمور العسكرية فقط للنفوذ إلى فارس والسيطرة عليها، بل بدأت تخوض مجالات أخرى تمثلت في إرسال القناصل بصورة مستمرة، وإقامة شبكة من خطوط السكك الحديدية والخطوط الملاحية والشركات التجارية والبعثات الروسية على هيئة ضباط عسكريين وزيارات مسؤولين وأطباء للبحث عن منفذ لهم على الخليج العربي، فكان التركيز على فتح القنصليات في مدن فارس والخليج يشكل نشاطاً دبلوماسياً مهماً اعتمدت روسيا عليه لرعاية مصالحها.
وقد ربطت روسيا الأمور القنصلية بأمور التجارة وتطورها وتقدمها، وكان تعيين القناصل الروس بهدف إضعاف النفوذ البريطاني، وإعاقة علاقاتها مع شيوخ الخليج العربي، فشعر الإنجليز بأن إقامة القنصليات الروسية يعد تحدياً سياسياً واضحاً لحكومة بريطانيا في المنطقة.
وزيادة في السيطرة فإن روسيا فرضت تعرفة جمركية مرتفعة على البضائع البريطانية لمنافسة التجارة البريطانية في فارس، وقد ركزت روسيا على الامتيازات في فارس التي تتيح لها الفرصة للنفوذ والسيطرة والتوسع، وركزت روسيا أيضاً على مشروعات السكك الحديدية لتكون وسيلة لامتلاك الخليج والسيطرة عليه، فتحولت مشروعات السكك الحديدية إلى حرب اقتصادية وثقافية دولية مهدت للاحتلال العسكري والسياسي.
استخدمت روسيا المصارف والقروض وسائل لعرقلة النشاط البريطاني في فارس، وتشويه سمعة البنوك، البريطانية فيها، كما استخدمت القروض وسائل ضغط لتخفيض الرسوم الجمركية على جميع ما تصدره روسيا لفارس، وترتب على ذلك ازدياد الشغب من قبل الشعب الفارسي، بخاصة علماء الدين، وكان ذلك سبباً في فرض الضرائب الباهظة على السلع الضرورية.
وسعت روسيا أيضاً لإنشاء خط ملاحي روسي لربط موانئ روسيا بالخليج لتقوية التبادل التجاري بين المنطقتين، بالإضافة إلى الطب الذي استخدمته روسيا ذريعة للتدخل في شؤون فارس والخليج، فأصبحت هذه المهنة مرتبطة بأمور سياسية للتأثير في سكان المنطقة، مما أثار حفيظة بريطانيا وقلقها، بخاصة أن الأطباء كانوا يرسلون التقارير السياسية الرسمية إلى الحكومة الروسية، وكان الهدف هو مضايقة الإنجليز وعرقلة الطريق البري التجاري بين الهند وخراسان للحد من انتشار التجارة الإنجليزية.
ولقد أدى ظهور شركات الملاحة الأوروبية الغربية في مياه الخليج إلى التقليل من الاحتكار البريطاني للملاحة، فازداد التنافس في مجال أجور النقل مما ترتب عليه انخفاضها نظراً لدخول شركات البواخر الأجنبية في مياه الخليج، فتأثرت بريطانيا.
وبناء عليه عدت روسيا الخليج العربي خليجاً مفتوحاً لجميع السفن، وليس حكراً على بريطانيا، مما جعل التنافس الاستعماري في فارس ودول المنطقة جعلها تقف بعيدة عن الأطماع الأجنبية ومنحها نوعاً من الاستقرار.
ومن ثم كان ترحيب شيوخ الخليج بالروس في محاولة منهم لتخفيف ضغط الإنجليز الواقع على المنطقة، ولاسيما أن دخول الروس إلى مشيخات الخليج كان تجارياً وثقافياً في بداية الأمر، وكان مقدمة للتدخل السياسي في المنطقة للسيطرة عليها.
ويعد التحالف الروسي الفرنسي عام 1311هـ/ 1893م خطوة عكسية خطتها روسيا للوصول إلى الخليج، نظراً للصلات الطيبة التي تربط فرنسا ببعض مناطق الخليج كمسقط، ونتيجة لذلك استخدمت روسيا السفن التجارية للوصول إلى الخليج لتصبح مراكز تجسس واستطلاع وجمع معلومات للبحرية الروسية، مما جعل بريطانيا تتصدى لهذه السفن، وتعاملها على أنها أساطيل بحرية روسية، بل إن بريطانيا سعت إلى عقد الاتفاقيات بينها وبين شيوخ الخليج، وأوجبت على الشيوخ عدم الدخول في مفاوضات، أو عقد اتفاقيات مع أي دولة دون موافقة الحكومة البريطانية، وبذلك أصبحت بريطانيا تسيطر على مسقط مفتاح الخليج العربي، وعلى البحرين في وسط الخليج.
في حين استخدمت روسيا بالمقابل سياسة الترغيب عن طريق بذل المال ومنح الأوسمة والأنواط والنياشين وغيرها، وسائل للتقرب من شيوخ المنطقة، وذلك للحصول على محطات وموانئ مهمة لتزويد السفن الروسية بالفحم الضروري لإتمام العمليات الحربية البحرية، إلى جانب اهتمام روسيا بتحقيق مشروع (فلاديمير كابنيست Valadimir Kapnist) لمد خط حديدي يربط شرق البحر الأبيض المتوسط بالخليج العربي من طرابلس إلى الكويت وروسيا عن طريق الأراضي العثمانية، غير أن هذه المشروعات باءت بالفشل لعقد معاهدة الحماية بين بريطانيا والكويت عام 1316هـ/ 1899م.
استفاد الشيخ مبارك آل صباح من مخاوف الإنجليز لمحاولات روسيا في الوصول إلى الكويت لتحقيق طموحاته والحصول على الحماية التي وضعت قيوداً على الشيخ وتحركاته وعلاقاته بالدول الأخرى، مما جعل المتغيرات السياسية في المنطقة وسيلة اندفاع عند بعض مشايخ الخليج للمحافظة على استقلال مشيخاتهم.
فترتب على ذلك معارضة روسيا لاتفاقية الحماية البريطانية الكويتية عام 1316هـ/ 1899م التي كان من شأنها إحباط خطط روسيا في المنطقة، واتهامها بريطانيا بخرق الوضع الراهن في المنطقة، وكان ضعف الدولة العثمانية في إشرافها على بعض الولايات العثمانية سبباً في تمكين بعض الدول الكبرى من عقد اتفاقيات مع شيوخها، أدت إلى اسقتلال الوالي بولايته.
ونظراً لإدراك القوى المحلية في المنطقة لمجريات الأحداث وتطلعات الأمم الأخرى التي كانت طامعة في اقتسام وابتلاع ما يمكنها ابتلاعه، حاول ابن رشيد طلب الحماية من روسيا في محاولة للتأثير في بريطانيا لعقد اتفاقية معه، والأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بالإيعاز لبريطانيا لدعمه في مواجهة الدولة العثمانية.
وفي الوقت نفسه أظهرت الدولة العثمانية انزعاجها من زيارة اللورد (كيرزون Curzon) للخليج، والتي قد تسبب ثورة العرب ضد الحكم العثماني، فامتنعت بريطانيا من التدخل في وسط شبه الجزيرة خوفاً من حدوث تقارب ألماني عثماني، مما قد يؤدي إلى عودة السيادة العثمانية على المنطقة، ومع ذلك سعت بريطانيا لإضعاف النفوذ العثماني لا القضاء عليه حتى لا تتيح لروسيا فرصة الاستيلاء على الأناضول، وبالتالي السيطرة على مضيقي البسفور والدردنيل للمحافظة على أمن خطوط مواصلاتها مع الهند.
والجدير بالذكر أن بريطانيا هدفت إلى إضعاف فارس تمهيداً لزيادة السيطرة عليها، والتدخل في شؤونها، وبخاصة أن الخطر الروسي ليس خطراً عسكرياً فحسب، بل هو استعمار اقتصادي لمنطقة الشرق الأدنى، فبدأت المناورات العسكرية البحرية الإنجليزية، لاستعراض قوة البحرية البريطانية لوقف النشاط الروسي، كما بدأت في إثارة القلاقل في وجه الروس في العراق وداخل روسي الوسطى، لتشتيت القوات الروسية، ومنها من الاقتراب من الخليج.
وهكذا امتازت العلاقة بين روسيا وبريطانيا بالتصادم، وكانت الأراضي الإسلامية مجالاً واسعاً لهذا التصادم، فاستخدمت بريطانيا الوفاق الودي البريطاني الياباني عام 1320هـ/ 1902م لمنع تدخل الروس في المنطقة الذي شكل اتفاقاً دبلوماسياً لإعلان الحرب على روسيا.
يضاف إلى ذلك هزيمة روسيا في حربها مع اليابان عام 1323هـ/ 1905م، التي كان لها أثر كبير في تحويل روسيا عن المجال الآسيوي إلى المجال الأوربي، وخاصة في شبه جزيرة البلقان، وقد أثبتت الشعوب الأسيوية قدرتها على تحدي المستعمر الأبيض، وقد شكلت هزيمة روسيا بداية يقظة آسيا وانفراجها.
وبسيطرة بريطانيا على الخليج ضمنت لنفسها امتلاك الطريق التجاري الكبير المتمثل في الخليج، وفي منطقة ما بين النهرين، هذا الطريق الذي سينافس طريق البحر الأحمر ومصر، ولما كانت الهند محور سياسة الإنجليز التوسعية، رغبوا في عمل شبكة مواصلات تربط الموانئ الهندية والخليج العربي بشواطئ سوريا والبحر الأسود، نظراً لموقع الخليج في الطريق إلى الهند.
وقد أسفر الصراع الروسي الإنجليزي للسيطرة على المنطقة عن فشل محاولات روسيا في تحقيق أهدافها في مختلف مناطق الخليج بما فيها المحمرة، وعن اقتسام النفوذ في فارس: شمال فارس لروسيا وجنوبها لبريطانيا، بموجب اتفاق بطرسبرج عام 1325هـ/ 1907م الذي حل جميع المشكلات القائمة بين بريطانيا وروسيا في منطقة وسط آسيا: أفغانستان والهند، وغربها: الخليج العربي.