الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياة الآخرة - ما بين البعث إلى دخول الجنة والنار
-
المؤلف/ المشرف:
غالب بن علي عواجي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار لينة ̈الأولى
سنة الطبع:
1417
تصنيف رئيس:
توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:
برزخ - الموت وعذاب القبر ونعيمه
الخاتمة
وبعد الانتهاء – بعون الله تعالى وتوفيقه – من دراسة تلك الفترة الزمنية من أمور اليوم الآخر، الواقعة ما بين البعث إلى دخول الجنة أو النار، تبين لي من تلك الدراسة أمور، أوجز أهمها فيما يأتي:
1 -
أن أمر اليوم الآخر والتصديق به من الأمور التي لا يدخل الشخص في الإيمان حتى يؤمن بها على وفق ما أخبر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها، وأن الإيمان بذلك مما يحتاج إلى يقين قوي؛ إذ أن أكثر ما يضعف من عقيدة الشخص هو الجانب الأخروي وما يقع فيه من أحداث.
2 -
أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد أوليا اليوم الآخر البيان والإيضاح التام الكافي في أكثر من آية في القرآن الكريم، وأكثر من حديث في السنة النبوية المطهرة.
3 -
أن الإيمان بالغيب أمر من العقيدة بالمكان الأعلى؛ إذ يتوقف إيمان الشخص على الإيمان بالغيب.
وقد مدح الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من اتصف بتلك الصفة – وهي الإيمان بالغيب – في نصوص كثيرة، ومن ذلك الإيمان الجازم بوقوع أخبار اليوم الآخر، وهي الحياة الأخرى الخالدة، حيث يحيا صاحبها أبداً إما في نعيم وإما في جحيم.
4 -
تبين كذلك أن الله تعالى قد ذكر في القرآن الكريم عدة أسماء ليوم القيامة، ويعود سب ذلك إلى شدة الاهتمام والعناية بها.
5 -
أن البعث أمر واقع، وليس بمستحيل إعادة الخلق كما كانوا للحساب والجزاء، حفاة عراة غرلاً كما كانوا في الدنيا وليس لمن أنكره أي مستند لا من العقل ولا من النقل، وليس له ما يدفع به تلك النصوص المتكاثرة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد رأينا من عرض أدلة البعث واليوم الآخر جوانب من عناية القرآن الكريم والسنة المطهرة بذكره، حيث جاء إثباته بطرق ومسالك عديدة تدل على صفة البعث وكيفيته وأنه بالروح والجسد معاً.
6 -
النفخ في الصور نفخة البعث ثبتت بالقرآن الكريم والسنة المطهرة، وظهر كذلك أن العلماء لم يتفقوا على عدد النفخات كما رأينا فيما سبق ذكره.
7 -
تبين أن الناس يحشرون على صور شتى وهيئات مختلفة تبعاً لما كانوا عليه من الأعمال الطيبة أو الخبيثة في الدنيا.
8 -
تبين أن الخلق يحشرون حفاة عراة غرلاً مصداقاً لقوله تعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [الأنبياء: 104]. وأن إعادة الأعضاء التي يلحقها النقص في الدنيا أو هي ناقصة بطبيعتها محل نظر فيحتمل أن تعاد قياسا على الغرلة، ويحتمل ألا يقع ذلك، وأن الأولى هو القول بإعادتها.
9 -
بعث الموتى في أكفانهم مسألة وقع فيها الخلاف، والذي يترجح من ذلك – حسبما تفيده النصوص – أن الناس في حالة حشرهم يكونون حفاة عراة غرلاً، وأن ما ورد من نصوص تفيد حشرهم في ثيابهم فإن المراد بها الأعمال. والله أعلم.
10 -
تبين أن جميع الخلق يحشرون بما فيهم – إضافة إلى الجن والإنس – جميع المخلوقات الأخرى، وأن من قال بعدم حشر الحيوانات فقد أخطأ خطأ فاحشاً.
11 -
ما ورد من أن الكفار يسمعون ويتكلمون ويبصرون، وما ورد كذلك من عدم كلامهم وعدم وجود سمعهم وبصرهم إنما هو بالنسبة للمواقف التي يمرون بها في يوم القيامة.
12 -
تبين أن مراتب الأعمال التي تقع في الموقف كاملة مما لم يثبت بها نص صحيح – حسب معرفتي -.
13 -
الناس في الموقف يكونون على هيئات مختلفة وأحوال متباينة على ما لا يتصور من الهم والكرب، كما وردت بذلك النصوص من كتاب الله عز وجل ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتبين أن ما ورد من خلاف العلماء في طول مدة الموقف وقصرها إنما هو بالنسبة للأشخاص حسب أعمالهم.
14 -
الأرض التي يقف عليها الخلق مما وقع فيه الخلاف بين العلماء في صفتها وكيفيتها، والذي يترجح من ذلك هو القول بأنها أرض مستوية تطهر لنزول الله تعالى لفصل القضاء، وأما حقيقتها ومم تكون فعلم ذلك إلى الله تعالى.
15 -
تبين لي كذلك أن الشفاعات تنقسم إلى شفاعات ثابتة وشفاعات منفية، وأن من الشفاعات ما هو خاص بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو مشترك بينه وبين بقية المخلوقات، وتبين كذلك أن هناك شفاعات ثابتة جاء بها النص، وشفاعات غير ثابتة بنص صحيح.
16 -
وتبين كذلك أن بعض الأعمال مما يثبت به الشفاعة، وبعضها لم يثبت به نص صحيح.
وأن فيه أموراً تمنع الشفاعة وأموراً لم يصح ما قيل من نفي الشفاعة بسببها.
17 -
تبين أن من الشفعاء الذين أكرمهم الله بقبول شفاعتهم الأنبياء والملائكة والشهداء والولدان، وشفاعة المؤمنين بعضهم في بعض، وشفاعة القرآن الكريم.
وفي مقابل أولئك فإن هناك شفعاء لم يثبت بهم نص صحيح.
18 -
تبين أن الله تعالى ينزل نزولاً يليق به جل وعلا للفصل بين الخلق في يوم القيامة، وهذا هو ما تؤيده الأدلة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال علماء السلف، وأن من أوله إلى أي معنى من معاني التأويل كمجيء أمره أو غير ذلك فإن قوله باطل.
19 -
تبين أن رؤية الله تعالى في عرصات القيامة أمر ممكن عقلاً، وهو ما قررته النصوص الكثيرة من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وأن من قال باستحالة رؤيته تعالى فإنه ضال عن الهدى غير متبع للحق. وأن ما ظهر من الخلاف في رؤية غير المؤمنين لربهم مما وقع فيه النزاع بين العلماء، وهي من المسائل التي سكت عنها الصدر الأول من السلف وخاض فيها من جاء بعدهم، وكذلك مسألة رؤية الله تعالى في جهة.
20 -
تبين كذلك أن كلام الله تعالى صفة حقيقية له جل وعلا، وأن الله يكلم خلقه في يوم القيامة، كما ثبت ذلك بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وأقوال علماء السلف، ومن أنكر هذا فقوله باطل، وأن ما ورد من عدم كلام الله تعالى لبعض خلقه في يوم القيامة فإنما هو من باب العقوبة لهم، أو أنه لا يكلمهم بكلام الرضى والسرور، بل بكلام التقرير والتوبيخ.
وأما بأي لغة يتكلم الله يوم القيامة فهذا مما لم يرد بيانه بنص صحيح وعلمه إلى الله تعالى.
21 -
تبين أن العرض على الله جل وعلا في موقف فصل القضاء أمر ثابت كما نص عليه كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن إثبات ذلك على ضوء تلك النصوص هو القول الحق دون الالتفات إلى أقوال المؤولين وتحريفاتهم.
22 -
ظهر كذلك أن إيتاء الصحف أو كتاب الأعمال من الأمور الثابتة في يوم القيامة، لورودها في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال علماء الإسلام، ولا عبرة بقول من أنكرها.
وأن كل إنسان لابد وأن يقرأ كتابه بعد أن يأخذ بيمينه أو بشماله، سواء كان قارئاً أم لم يكن قارئاً، وأن لله تعالى حكمة في ذلك.
23 -
ومن الأمور الأخرى التي تقع في الموقف: الحساب؛ فقد ثبت وقوعه بالكتاب والسنة، وأن الله تعالى هو المتولي حساب خلقه حسبما تقتضيه مشيئة الله تعالى، وأن الحساب له كيفيات مختلفة، وأن من الناس من يستثنى من الحساب فلا يشمله.
وأن ما جاء من أول من يحاسب وفي أول ما يُسأل عنه العبد من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين العلماء.
وقد ثبت أن الله تعالى يقرر عباده ويسائلهم عن كل ما صدر منهم، ويقيم عليهم الشهود العدول من أنفسهم ومن غيرهم بالعدل الكامل في القصاص بينهم. وأن الجزاء من جنس العمل جزاءً وفاقاً.
وأن العمل نفسه لا يمكن أن يستحق به صاحبه الجنة إذا لم تتداركه رحمة الله تعالى.
24 -
أن الميزان العظيم الذي يزن الله به أعمال خلقه هو ميزان حقيقي له لسان وكفتان، وقد ثبت ذكر الميزان في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وإجماع الأمة بما لا يدع مجالاً للشك فيه.
وأن المنكرين له أو لصفاته لا دليل لهم، لا من العقل ولا من النقل، وقولهم مردود عليهم، وأن الذي يوزن في الميزان هو العامل والعمل وصحف الأعمال لحكمة يعلمها الله جل وعلا، ينصبه الله جل وعلا ثم يزن أعمال الخلق في كيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.
وقد جاء كذلك إطلاقه بلفظ الإفراد وبلفظ الجمع، ولذا كان محل خلاف بين العلماء: هل هو ميزان واحد أم موازين متعددة؟
25 -
الصراط الذي أعده الله لعبور الخلق مما ثبت ذكره بلفظه الصريح في السنة النبوية، وفي القرآن الكريم عند بعض العلماء، وعدم ذكره صراحة في القرآن الكريم عند البعض الآخر، الذين قالوا إن ما ورد من ذلك في القرآن فهو احتمال وليس بصريح، كما بينا ذلك.
وأن وصف الصراط بأنه أحد من السيف وأدق من الشعرة هو الوصف الحق الذي ثبت له، وأن من تأول ذلك أو أنكر الصراط فإنه لا حجة له، وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يجتازه الخلق، وهي من المسائل التي لا مجال للعقل في الخوض فيها، وما قاله العلماء في ذلك فإنما هو مجرد استنباط دون الاستناد إلى نص ثابت.
وظهر كذلك أن مسافة الصراط أمر لا يعلمه إلا الله وأن الأقوال التي قيلت في تحديده تفتقر إلى نص يثبتها.
أما بالنسبة لمرور الخلق عليه جمعيهم أو بعضهم فإنها مسألة خلافية، فقد ذهب بعض العلماء إلى القول بأن كل الخلق يمرون عليه، ومنهم من يقول بعدم مرور بعض الخلق إما إكراماً لهم أو إهانة لهم، والظاهر من النصوص تدل على أن الكل يمر عليه، فينجو أولياء الله ويسقط فيه الكفار، إلا من يلتقطهم عتق النار كما بينا ذلك.
وأما بالنسبة لأول من يجوز الصراط فقد تبين أنه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، وأن شعار المؤمنين على الصراط: اللهم سلم سلم.
أما بالنسبة لخلق الصراط ووجوده الآن أو عدم وجوده وكذا القول ببقائه إلى خروج عصاة الموحدين أو عدم بقائه فالله تعالى أعلم بحقيقة ذلك، فقد يكون موجوداً الآن، وقد يوجد في يوم القيامة، وقد يبقى إلى خروج عصاة الموحدين فيعبرون عليه وقد لا يبقى.
26 -
وظهر لي كذلك أن المؤمنين الذين قد كتبت لهم السعادة يقفون بعد اجتيازهم الصراط على قنطرة دون الجنة ليقتصوا مظالم كانت بينهم، فإذا هذبوا ونفوا أذن لهم في دخول الجنة، وهي ثابتة.
وقد وقع الخلاف في موضعها: هل هي جزء من الصراط وتتمة له، أم هي صراط آخر غير الصراط العظيم المنصوب على متن جهنم؟ وأن الصحيح أنها قنطرة واحدة وليست قناطر متعددة.
27 -
وتبين أن الورود الذي ذكره الله بقوله: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا} مما وقع الخلاف في معناه بين العلماء، وأن الراجح من ذلك هو القول بأن الجميع يردها ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم، كما أفادته النصوص الثابتة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
28 -
تبين أن فئة من الناس يسمون: أصحاب الأعراف، قد تضاربت أقوال العلماء فيهم، وتباينت آراؤهم فيهم، يقفون على الصراط إما إكراماً لهم وإما إهانة لهم، ثم يكون مصيرهم بعد ذلك إلى الجنة.
29 -
تبين أن الحوض المورود الذي وعد الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم قد ثبت بالسنة المطهرة بلفظه الصريح، وفي القرآن الكريم عند من يسمي الحوض كوثراً، ثم يستدل لإثباته بسورة الكوثر، وأن من أنكره ليس له دليل لا من العقل ولا من النقل، وإنما هو مجرد الاستبعاد فقط.
واتضح أن مسأفة الحوض قد وردت بروايات كثيرة مختلفة، وليس فيها تعارض ولا اضطراب كما رأينا في الجمع بينها، وأن الناس يردون عليه حين خروجهم من قبورهم يشربون منه وهم في الموقف على الصحيح من أقوال العلماء، وقد ميزه الله بمزايا عديدة ولله تعالى القدرة والحكمة على ما يشاء.
30 -
الكوثر الذي ذكره الله تعالى هو نهر في الجنة، كما أفادته النصوص الصريحة في ذلك، وأن بعض العلماء قد أطلق تسمية الكوثر على الحوض، والحوض على الكوثر بسبب الاتصال الذي بينهما كما بينا ذلك، وتبين أن الكوثر مما اختص الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم تشريفا له دون غيره من الأنبياء كما قال تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} .
تلك أهم النتائج التي ظهرت لي في هذا الموضع، أسأل الله العلي العظيم أن يتقبل مني ويثيبني فيما أصبت الحق فيه، وأن يغفر ويتجاوز عما أخطأت فيه، وأن ينفع بهذه الدراسة إنه سميع مجيب.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.