الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحياة العلمية في نجد
المؤلف/ المشرف:
مي بنت عبدالعزيز العيسى
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دارة الملك عبد العزيز - الرياض ̈بدون
سنة الطبع:
1417هـ
تصنيف رئيس:
تاريخ
تصنيف فرعي:
جزيرة العرب - نجد
أحدثت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب تحولا كبيرا في أوضاع نجد السياسية والاقتصادية والعلمية، فقد تمكنت الدولة السعودية الأولى، التي قامت على أساس تلك الدعوة، من لم شتات البلدان والقبائل النجدية المتفرقة في كيان سياسي موحد مع مطلع القرن الثالث عشر الهجري، كما نجحت تلك الدولة في توحيد مناطق أخرى من شبه جزيرة العرب، فغدت الدرعية قاعدة لدولة كبيرة تنعم بالاستقرار والأمن والرخاء الاقتصادي بدرجة جيدة، انعكس أثره إيجابا على مختلف جوانب الحياة فيها ومنها الناحية العلمية.
وكانت الحياة العلمية في نجد قد شهدت نموا تدريجيا إيجابا، بدأ تتابعه منذ القرن العاشر حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري. ومن مظاهر ذلك النمو الزيادة في عدد العلماء من حقبة لأخرى، وارتفاع نسبة هجرة العلماء ورحلتهم لطلب العلم داخل نجد وخارجها، وزيادة عدد المراكز العلمية، وارتفاع نسبة عدد المصنفين والمصنفات.
وقد طرأ تغير كبير على الأوضاع العلمية في نجد خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري، أي فترة نشاط الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مقارنة بالنصف الأول منه، إذ بلغت نسبة الزيادة في عدد العلماء المترجم لهم 74%، كما زادت نسبة هجرة العلماء داخل نجد إلى 18.1%، ونسبة هجرتهم خارجها إلى 11.3%. وذلك بسبب معارضة أكثر العلماء المهاجرين إلى خارج نجد لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أو عدم ارتياحهم لها، إذ كانت نسبة هذا النوع من المهاجرين62.5% من عدد من هاجروا إلى خارجها.
وظهر ذلك النمو العلمي أيضا على الرحلة لطلب العلم داخل نجد وخارجها، فقد زادت نسبتها إلى 7%، وزادت نسبة الراحلين لطلب العلم خارج نجد 7.6%، كما زاد عدد المراكز العلمية، التي قصدها طلبة العلم النجديون خارج الجزيرة العربية. وكان أكثر توجه أولئك الدارسين خارج نجد إلى الأحساء ودمشق.
أما في نجد فقد ارتفع عدد البلدان، التي خرج منها علماء إلى سبعة بلدان، وكان ترتيب هذه البلدان من حيث استقطابها للهجرة الداخلية والرحلة لطلب العلم كالتالي: الدرعية، المجمعة، أشيقر، العيينة، حوطة سدير، عنيزة، مقرن.
وكان تميز فترة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فيما يتعلق بالمصنفات أكثر وضوحا من حيث الكم وتنوع العلوم المصنف بها، فقد ارتفعت نسبة المصنفين إلى 25% من عدد العلماء المترجم لهم.
وقد ظهرت الزيادة واضحة في عدد مصنفات هذه الفترة بسبب كثرة ما صنفه الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي بلغ عدد مصنفاته سبعة وأربعين مصنفا تشكل 81% من عدد مصنفات الفترة كلها. وعلى الرغم من أن أكثر مصنفات الشيخ محمد كانت في علم العقيدة، الذي هو جوهر دعوة الشيخ إلا أن بقية مصنفات الشيخ شملت مختلف العلوم الشرعية. وهذا الإنتاج العلمي الضخم للشيخ محمد يتناسب مع دور الداعية والمصلح الديني والمعلم الأول في الدولة السعودية الأولى.
ولما توسعت الدولة السعودية جغرافيا، بعد وفاة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إثر توحيدها للأحساء، وبعض سواحل الخليج العربي، وجنوب غربي الجزيرة، والحجاز، أخذت ترسل الدعاة والمعلمين والقضاة إلى تلك المناطق الموحدة. وقد ظهر هذا النشاط العلمي واضحا من خلال عدد العلماء، الذين توفوا في الفترة الممتدة من وفاة الشيخ محمد سنة 1206هـ إلى قيام الدولة السعودية الثانية سنة 1240هـ، إذ بلغ عددهم خمسة وخمسين عالما، كما ظهر من خلال عدد العلماء، الذين تولوا مناصب دينية وعلمية زمن الدولة السعودية الأولى، ثم كان لهم نشاط بارز زمن الدولة الثانية، وقد بلغ عددهم ثمانية عشر عالما. وبذلك كان عدد من عرف من علماء نجد خلال هذه الفترة ثلاثة وسبعين عالما، منهم تسعة وأربعون ترجمت لهم الكتب المتوفرة، وهو عدد كبير مقارنة بالفترة السابقة، مع ملاحظة أن الفترة التي أعقبت وفاة الشيخ محمد لا تزيد على أربعة وثلاثين عاما، وأن الدولة السعودية الأولى شغلت خلال السنوات السبع الأخيرة من عمرها (أي من 1226 - 1233هـ) بمواجهة الغزو المصري العثماني لأراضيها، الغزو الذي استهدف القضاء المبرم عليها. كما أن الفوضى والاضطرابات الأمنية عمت نجدا خلال السنوات الست التالية.
وكان من مظاهر هذا النمو العلمي في نجد ارتفاع نسبة العلماء المهاجرين بمقدار 19.5% عن نسبتهم في فترة الشيخ محمد. ومن أهم العوامل التي أدت إلى هذه الزيادة، إرسال الدولة السعودية القضاة إلى البلدان التابعة لها خارج نجد، وكذلك تدمير إبراهيم باشا للدرعية ونقله لعدد من علماء نجد إلى القاهرة، وقد تمكن عدد من العلماء من الفرار من الدرعية واللجوء إلى خارج نجد. ومن مظاهر هذا النمو أيضا، ارتفاع نسبة الراحلين في طلب العلم 11.5% وارتفاع نسبة من اقتصروا على الرحلة داخل نجد17.5%.
وكان ترتيب المراكز العلمية في الفترة 1207 - 1240هـ من حيث عدد من ولد فيها من علماء كالتالي: الدرعية ولد فيها ثلاثة عشر عالما، تليها كل من حرمة، والعيينة، والمجمعة ثلاثة علماء من كل منها، وقد شهدت الدرعية هجرة عشرة من العلماء، الذين ولدوا فيها إما بسبب تولي بعضهم القضاء أو بسبب تدمير الدرعية.
وكان ترتيب المراكز العلمية من حيث استقطاب الرحلة العلمية كالتالي: الدرعية وقد وفد إليها 78% من عدد الراحلين لطلب العلم داخل نجد، وتلتها في ذلك بلدة عنيزة، ثم شقراء، فأشيقر. وهذا التميز العلمي للدرعية راجع إلى كثرة من وجد فيها من علماء من أبناء الشيخ محمد، وتلاميذه، وتوفر فرص العمل للدارسين في الدرعية أكثر من غيرهم بسبب قربهم من قادة الدولة السعودية.
وقد وضح تميز هذه الفترة (1207 - 1240هـ) من خلال توجه علمائها نسبيا إلى التصنيف، إذ بلغت نسبة المصنفين 28% من عدد العلماء المترجم لهم. ولكن هذه الزيادة في عدد المصنفين لم ترافقها زيادة في عدد المصنفات، التي لم يتجاوز عددها ستة وعشرين مصنفا، أي ما يعادل62%من مصنفات فترة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.
وقد حافظ علم العقيدة على تقدمه على سائر العلوم في هذه الفترة أيضا. وتلاه في ذلك علم الفقه، في حين اختفى التصنيف في علمي التفسير واللغة، وتراجع التصنيف في التاريخ كما لا نوعا، إذ أن تاريخ ابن غنام، روضة الأفكار، يعد أدق سجل لتاريخ نجد في فترة الشيخ محمد حتى سنة 1212هـ، وإن كان اهتم بنشاط أتباع الدعوة ضد خصومها دون غيره.
على أن التصنيف في الفترة من 1207 – 1240هـ، كما ونوعا، لم يكن متناسبا مع ما حققته نجد من تطور سياسي، وحضاري، وعلمي. ولعل هناك من المصنفات خلال هذه الفترة ما فقد بسبب الأحداث، التي تعرضت لها نجد حينذاك.
وكان هذا النمو العلمي في نجد زمن الدولة السعودية الأولى ثمرة لانتعاش حركة التعليم وازدهارها، نتيجة لتوافر عوامل عدة ساعدت على ذلك النشاط التعليمي، ومن أهم تلك العوامل: تأثير دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، التي كان التعليم المعبر الأساسي لها إلى خاصة الناس وعامتهم، وتبني قادة الدولة السعودية الأولى الإنفاق على التعليم وتشجيعه. وكان اتصال علماء نجد بالعلماء في المناطق المجاورة من العوامل، التي أسهمت في نشاط حركة التعليم، خاصة بعد توحيد المناطق خارج نجد.
ومن أبرز مظاهر ازدهار التعليم في الدولة السعودية الأولى زيادة عدد العلماء والمعلمين، والاهتمام الكبير بتعليم العامة، وتعدد أماكن التدريس، إذ أصبح هناك خمسة مباني خاصة للتدريس في الدرعية، إضافة إلى تنوع العلوم، التي صنف بها علماء تلك الدولة.
أما عملية التدريس فقد استمرت على النمط الذي سارت عليه من قبل من حيث تدرج التعليم من تعليم أولي إلى تعليم متقدم، ومن حيث أوقات التدريس.
أما فيما يتعلق بمناهج التعليم والكتب الدراسية، فقد استمرت الدراسة في الكتب الفقهية المعتمدة عند علماء نجد قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلى جانب بعض ما ألفه الشيخ محمد من مصنفات في هذا العلم، في حين اعتمد في تدريس علم العقيدة على مصنفات الشيخ محمد فيها.
أما علماء الحديث والتفسير فقد اعتمدا على شروح الأئمة المعتبرين في علم الحديث، وأبرز كتب التفسير. وعلى الرغم من أهمية الإجازة العلمية بالنسبة للدارسين، إلا أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يمنح أحدا من تلاميذه أي إجازة. وقد سار أبناؤه وتلاميذه، بصفة عامة على ذلك. ويمكن القول: إن لقب شيخ يمثل درجة علمية وهو المعتبر في تميز العلماء، عن غيرهم.