الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصادر التلقي وأصول الاستدلال العقدية عند الإمامية الاثني عشرية عرض ونقد
المؤلف/ المشرف:
إيمان صالح العلواني
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار التدمرية – الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1429هـ
تصنيف رئيس:
توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:
شيعة إمامية
الخاتمة:
الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، أرسل رسوله بالهدى، وآيات بينات، مرغماً لأعدائه، هادياً لأوليائه، مبيناً للحلال والحرام، قاطعاً للخصام، شافياً للأسقام، وهادماً للأوهام، ثم الصلاة والسلام على سيد الأنام، المؤيد بالمعجزات الباهرات، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين الطاهرات العفيفات، القانتات الطائعات، وعلى آله وأصحابه أفضل البريات، وبعد:
أحمده تعالى على أن منَّ علي بإتمام هذا البحث، وجمع ما تيسر من شتات المسائل بالبراهين والدلائل، فكان التوفيق والتسديد من الله تعالى هادي العبيد أن أتوصل من خلال دراستي لهذا الموضوع الهام (مصادر التلقي وأصول الاستدلال العقدية عند الإمامية الاثني عشرية عرض ونقد) إلى نتائج عديدة مهمة في تقرير منهج الإمامي؛ أخبارية وأصولية في الاستدلال في مسائل العقيدة، وبثلاث وعشرين مبحثاً موزعة على خمسة فصول: مقدمة بتمهيد يوضح تاريخ افتراق الإمامية إلى أخبرية وأصولية مع الأدوار التي مرت بها كلتا المدرستين.
وفي خاتمة هذا البحث أقيد أهم النتائج التي توصلت مع اختصارها قدر الإمكان على النحو الآتي:
أولاً: النتائج العامة:
الأولى: عند التحقيق، والنظر الدقيق نرى أن الخلاف بين الأخبارية والأصولية خلاف صوري، وما كانت المنازعات والمجادلات الكلامية التي بدأت بينهم أواخر القرن العاشر بقيادة الاسترابادي ما هي إلا ثورة ضد الاجتهاد، وإعمال الدليل العقلي مقابل النصوص المقدسة!
فرفض مرويات الأئمة بالتضعيف، ومجاهرة الطائفة الأصولية بذلك مما أثار حميتهم، وجعلهم يتصدون لهم بكل ما أوتوا من قوة، ولو دققوا النظر قليلاً بعيداً عن التعصب لوجدوا أنهم والأصوليين في قالب واحد لا يفترقان ولا يختلفان في شيء أبداً.
فالإمام مقدس، ونصوصه مقدسة – وما كانت حركة تقسيم الأخبار إلا لدفع تشنيع مخالفيهم من أهل السنة – والعقيدة واحدة، وهدفهم واحد!
الثانية: أرى – والله تعالى أعلم – أن أسباب نشأة الخلاف بين الأخبارية والأصولية أسباب سياسية، ولم تكن إلا لفرض السيطرة، والسيادة العامة؛ تطبيقاً لمبدأ وعقيدة الانتظار من قبل الأخباريين، وتطبيقاً لمبدأ النيابة العامة أو الولاية المطلقة من قبل الأصوليين، فخلافهم لم تكن أسبابه ثورة دينية سلفية كما يرى بعض الباحثين؛ إذ لو كان كذلك لرفض الأخبارية أقوال الأصولية، ولرموا بها عرض الحائط، وفي المقابل لفعلت الأصولية كذلك، ومن غير تردد في الأمر.
الثالثة: الإمام هو المصدر الوحيد الذي يستقي منه الإمامية عقائدهم، وأحكامهم؛ إذ لا قرآن إلا بإمام، ولا سنة إلا بإمام، ولا إجماع إلا بإمام، ولا دليل عقلي إلا لموافقة أقوال الإمام، ولا كشف ولا إلهام ولا رؤى منامية إلا من أجل الأخذ عن الإمام.
لذا فدين الإمامية قائم على قول الإمام، وفعله، وتقريره بلا أدنى خلاف بين الأخباريين وبين الأصوليين في هذا الأمر، وبلا أدنى شك في هذه المقدمة، والتي على أساسها ينطلق القول بمصادر التشريع الأخرى.
ثانياً: النتائج الخاصة:
1 -
انقطاع الإمامية عن الاتصال بأئمتهم كان له أثر بالغ في تعطيل الكثير من الأحكام الشرعية؛ مما أدى إلى القول بالنيابة العامة، ثم القول بولاية الفقيه الولاية العامة، ولكن النظر إليها بعين الإنصاف لا يراها إلا ادعاء للمهدوية.
2 -
أعاق القول بالاجتهاد من قبل الأصوليين الدليل العقلي لدى الكثير من أتباعهم المقلدين؛ إذ لا يتوجب على الإمامي الاثني عشري قراءة الكتب المعنية بقواعد أصول الدين، أو بالأحكام الشرعية؛ بل لابد من اتباع مجتهد معين يتكفل بمثل هذه الأمور وهو ما عليه إلا السمع، والطاعة، ولو من غير اعتقاد وقناعة.
3 -
لا يمكن لأي شخص أن يدخل في منظومة العلماء مهما بلغ من العلم الشرعي إلا بشروط خاصة تقررها الحوزات أو المؤسسات الدينية؛ ليصبح الشخص مجتهداً يفتي، ويعلم الدين، ويفسر القرآن والحديث من خلال الأخبار، مدعين الالتقاء بالأئمة، وأخذ العلوم، والأسرار!
4 -
لو تركنا الخلاف عند الشيعة حول التحريف الذي يقول به كثير منهم وينكره آخرون سنجد أمامنا أمرين، الأول: سقوط الكثير من عقائد الإمامية؛ إذ لا مكان لها في كتاب الله تعالى إلا بإقرار التحريف، وعلى رأسها النص على إمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبنائه من بعده. الثاني: القرآن الكريم عند الشيعة باتفاق – أصولية وأخبارية – لا يمكن فهمه، ولا تفسيره إلا بقيِّم، والقيِّم هو الإمام، وبهذا يكون القرآن محدود الحجية بذاته؛ بل يصبح مصدراً ثانوياً، بعد الحديث الذي فيه الروايات التي تفسر القرآن.
5 -
لا يعتبر الدين عند الإمامية ما نسب للرسول صلى الله عليه وسلم فقط! بل يؤخذ الدين من كل الأئمة الاثني عشر – بمن فيهم الإمام الغائب الثاني عشر -، وقول وعمل الأئمة كلهم نص شرعي بذاته، مستقل عن كونه نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
6 -
تشكل الأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم في كتب الشيعة نسبة لا تزيد عن خمسة بالمائة من مجموع ما في كتب الشيعة من الحديث؛ لأن معظم الأحاديث تنسب لجعفر الصادق، وعدد كبير ينسب لمحمد الباقر، والأحاديث الأخرى تنسب للأئمة الآخرين بمن فيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والقليل مما يسمى حديثاً لديهم ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم.
7 -
بدأ التدوين عند أهل السنة في وقت مبكر، وظهرت معظم كتب الحديث، ومدارس الفقه السني في القرون: الأول والثاني والثالث، ولم يكتب بعد ذلك إلا القليل، وعلى النقيض تماماً الإمامية؛ فقد نُقلت كلها - زعماً - بالرواية نقلاً عن الأئمة الاثني عشر، والمتتبع لأحوال أمهات الكتب عند التحقيق – كالنهج والصحيفة – لا يجد لها سنداً ولا نقلاً دقيقاً!
8 -
يتم نقل الأخبار عن الأئمة بروايات منسوبة، وأسانيد مجهولة؛ بزعم أنها تصل للأئمة، وذلك نقلاً عن طريق أصحاب الأئمة؛ بل ونجد أحد الكتب الأربعة التي يصححها الأخبارية – من لا يحضره الفقيه – بلا أسانيد؛ مُدَّعٍ مؤلفه أن كثرة الفوائد تغني عن كثرة الطرق! وهذا إن دل فهو يدل على عدم أهمية علم الإسناد عند الإمامية.
9 -
اضطراب علم الإسناد عند الإمامية وتأخُّر ظهوره؛ سبب الاضطراب في ضياع الكثير من أخبار أئمتهم، فاضطروا إلى قبول مرويات الواقفية والبترية، في الوقت الذي رفضوا فيه مرويات من زكاهم القرآن، وأثنى عليهم خير البرية! مع أن هناك روايات تنص على كفر الطائفتين؛ إذ كل من لا يؤمن باثني عشر إماماً فهو مرتد وكافر، ولكن اصطدم الأصوليون بحال رواتهم المرير، والتي من غيرها يسقط الدين الإمامي عند التقرير فكانت الأخبارية أجرأ مقالاً، وأحسن حالاً من الأصولية.
10 -
اختلاف مفهوم الإجماع بين السنة والشيعة اختلاف جذري؛ إذ لو نسب لأحد أئمتهم – ولو الإمام المعدوم بواسطة أحد أبوابه – قول، وخالفته الأمة كلها؛ لكانت الحجة في قوله لا في قول الأمة؛ بل مخالفة الأمة أصل مقرر في مذهبهم؛ لأن ما خالف الأمة فيه الرشاد كما جاء في بعض الروايات المنسوبة إلى أئمتهم!
11 -
الخلاف بين الإمامية – أخبارية وأصولية – في مدى حجية الإجماع خلاف لا أساس له؛ إذ في كل الأحوال لا إجماع إلا بمعصوم، سواءً أكان قوله على مرأى ومسمع من الناس، أو كان في معزل من أمره؛ لا عين تراه ولا بشر يخاطبه، ولكن يكفي وجوده في ذلك العصر ليُعتبر الإجماع مصدر من مصادر التلقي.
12 -
أساس الفساد في عقائد الإمامية هو الاعتقاد أولاً، ثم تسخير النصوص لموافقة عقيدتهم بإعمال الدليل العقلي، مما جعلهم يتأرجحون في الاستدلال ما بين حديث ضعيف السند صحيح الدلالة، أو حديث صحيح السند ضعيف الدلالة، وكلاهما باطل أدى في نهاية الأمر إلى القول بتعارض النقل والعقل، وتقديم ما يوافق عقيدتهم، وما يناسب هواهم.
13 -
كان لاستدلال الأصوليين بالمنطق الأرسطي آثار فاسدة، أسفرت عن فساد الكثير من العقائد، والتي لا تخرج عن طور ما هو موجود في مروياتهم؛ ولكن ظناً منهم أنه كلما تعددت الدلالات – وإن كانت فاسدة – قويت العقيدة وصلحت!
14 -
للمنهج العرفاني مكانة كبيرة في الاستدلال بين الإمامية؛ إذ قال به قدماؤهم ومؤسسوا مذهبهم؛ بل وبعض أئمتهم كما نسب إليهم الرواة!
15 -
هناك علاقة حميمة بين الصوفية والشيعة في المنهج وفي العقيدة؛ بل وفي الطرق والأوراد والأذكار، ولا ينكر هذا الأمر إلا مكابر.
16 -
يعتبر الفكر الإمامي الاثني عشري أرضاً خصبة لنمو الفلسفات الغربية – فلسفة سقراط، وأفلاطون، وأرسطو - والشرقية – فلسفة ابن سينا، والرازي، وابن عربي، والسهروردي –؛ قديمة أو حديثة على حد سواء.
17 -
تأثر الإمامية بأقوال الفلاسفة في الفيض، والصدور بقبولهم للفلسفة الإشراقية؛ مع محاولات فاشلة للتوفيق بينها وبين الأدلة النقلية اليقينية؛ كتاباً كان أو سنة نبوية، أو – كما يقولون – سنة إمامية!
18 -
يتم الاتصال بالأئمة، والأخذ عنهم عن طريق الكشف والإلهام، والرؤى المنامية على اختلاف بينهم – أخبارية وأصولية – في مدى حجيتها في الاستدلال.
هذه أهم النتائج التي توصلت إليها، وغيرها كثير؛ ولكني لم أرد الإطالة خشية الملل والكلالة، ثم لا أدعي كمالاً فيما كتبته، ولكن حسبي المجهود الذي بذلته، والوقت الذي أنفقته، فإن أصبت فمن الله، وله الحمد والمنة، وإن أخطأت فمن نفسي، والشيطان، وأستغفر الله تعالى من زلة القلم، وخطأ اللسان.
اللهم يا ذا العرش المجيد، أنت المبدئ المعيد، الفعال لما تريد، ذو البطش الشديد، لا ضد لك ولا نديد، كورت الليل والنهار، وجعلت النور في الأبصار، وحببّت العبادة إلى الأبرار، يا عزيز يا غفار، أسألك أن تجعلنا ممن بالقرآن صدَّق، وبالحق نطق، وأن ترينا سبيل الرشاد، وتحفظنا من جور العباد، وأن تبعدنا عن التيه والضلال والفساد، يا سميع الدعاء، عظم فيك الرجاء ..