الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقد التحكيم في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي
المؤلف/ المشرف:
قحطان عبدالرحمن الدوري
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
وزارة الأقاوف والشؤون الدينية - بغداد ̈الأولى
سنة الطبع:
1405هـ
تصنيف رئيس:
توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:
قوانين وضعية
الخاتمة
لا أريد أن أجعل الخاتمة موضعا أعرض فيه كل جزئيات الكتاب ومباحثه، لأن ذلك متعذر، لكثرة التفريعات المتقدمة. وإنما أريد أن أجمل أهم النتائج التي خرجت بها من هذا البحث بعد بذل الطاقة وإفراغ الوسع فيه.
1) يحرص الإسلام كل الحرص على إقامة العدل وفض المنازعات بين الناس. ومن الطرق التي شرعها لذلك التحكيم والصلح والقضاء.
وللتحكيم ميزات جعلت الكثير من الناس يفضلونه على غيره، وهي الإسراع في فض الخصومة، والاقتصاد في النفقات، وتلافي الحقد بين المتخاصمين.
وروح الاعتدال التي تميز بها التحكيم جعلته يحتل في المنازعات الدولية مكانا وسطا بين صلابة القضاء الدولي وبين مرونة الوساطة وغيرها من طرق التسوية غير الإلزامية.
2) عرف التحكيم منذ بداية تكون الفكر القانوني عند الإنسان، وحين جاء الإسلام قرره ونظمه، وبحث الفقهاء المسلمون مسائله بحثا مستفيضا دقيقا، يرجع إليه المسلمون في معرفة الحكم الذي يريدون.
3) تنوع التحكيم – والأساس فيه واحد – تبعا للاختصاصات التي كان من أجلها.
4) الراجح من أقوال الفقهاء هو جواز التحكيم مطلقا، سواء وجد القاضي في البلد الإمام أو لم يوجد. وذلك لأنه مباح بالدليل النقلي من القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد أجمع الصحابة على جوازه، ومباح بالدليل العقلي لما فيه من فضائل النزاع وإصلاح ذات البين.
5) التحكيم عقد، توفر فيه ركن العقد وهو الإيجاب والقبول بشروطه، ولوازمه من العاقدين وهما المحكم والحكم، والمحل.
وهو من عقود التراضي، وليس له شكل معين.
6) إثبات التحكيم بالكتابة، وتحديد موضوع النزاع، وإلزام الخصوم بعدم جواز رفع الدعوى أمام المحكمة إذا اتفقوا على التحكيم، وعدم إلزام الحكم بقبول التحكيم، وعدم جواز تنحيه بعد قبوله التحكيم بغير عذر مقبول، وتعيين مدة يشترط إصداره الحكم فيها، كلها أمور اجتهادية لها وجهها الشرعي.
7) إذا تعدد الحكم فلا مانع من أن يكون العدد وترا فيصدر الحكم بالأغلبية، فإن لم يحسم بالأغلبية بأن تشعبت الآراء عين غيرهم، ولا مانع من أن يكون العدد شفعا، فإن اختلفوا عين بدلهم آخرون، أو رجح جانب الرئيس عند التساوي إن كان فيهم رئيس.
أما شروط الحكم فهي كما ذكر الفقهاء أن يكون أهلا للقضاء، لأنه بمنزلة القاضي، وهذا القول هو الأحكم والأدق حماية لحقوق الناس، لأن القانون أغفل شرط العدالة، والفقه في ما يحكم به، والكلام، مما أجمع عليه الفقهاء، فجاز بناء على نص القانون أن يكون الحكم امرأة وغير متخصص أو جاهلا بالقانون أو جاهلا لغة الخصوم، أو على غير ديانتهم أو أصم أو أبكم أو أعمى أو أميا .. وشتان بين ما ذهب إليه الفقهاء وبين ما ذهب إليه القانون.
8) لما كان الحكم حاكما اشترط أن يكون حكمه بحجة من حجج الإثبات المعتبرة التي يحكم بها القاضي، كالبينة أو الإقرار أو النكول .. فإن حكم بغير ذلك كان باطلا.
9) لا يجوز التحكيم في ما هو حق خالص لله تعالى كالحدود الواجبة حقا لله تعالى مثل حد الزنا والسرقة. ولا في ما اجتمع فيه الحقان حق الله وحق المكلف سواء غلب فيه حق الله كحد القذف، أم غلب في حق المكلف كالقصاص والتعزير.
ويجوز في ما هو حق خالص للمكلف كالبيوع والكفالة والطلاق ..
وقول الفقهاء هذا أوسع دائرة من القانون وأكثر تحديدا، لأن القانون ضيق المجال محدود في مسائل معينة وغير منضبط تبعا لاختلاف نظرة الدول إلى ما يعد من النظام العام أو الآداب على النحو الذي بيناه.
10) نظم الفقهاء المسلمون أحكام التحكيم في مجالات مختلفة:
كالتحكيم في جزاء الصيد، والتحكيم عند شقاق الزوجين، والتحكيم في نكاح التحكيم، وفي الحرب عند إنزال أهل الحصن أو البلد المحاصر على حكم حكم يقرر مصيرهم، وفي أخذ المال من الحربيين التجار، وعند الخلاف بين الإمام ومجلس الشورى، وفي حكومة العدل في الديات.
وحين بحث الفقهاء شروط الحكمين في التحكيم في جزاء الصيد والشقاق والحرب رأينا بعضها يختلف عن الآخر فلا مجال للجمع بينها، وذلك تبعا للموضوع الذي يقضى فيه.
فاكتفوا في تحديد شروط التحكيم في جزاء الصيد: بالعدالة والإسلام، والمعرفة بقيمة الصيد.
وفي الشقاق: إن كانا حكمين يملكان التفريق وإن أبى الزوجان فشروطهما: التكليف وهو العقل والبلوغ، والاهتداء إلى المقصود الذي بعثا من أجله، والعدالة، والإسلام، والحرية، والذكورة.
وإن كانا وكيلين فشروطهما شروط الوكيل، وهي الشروط السابقة عدا شرطي الحرية والذكورة.
أما شروط الحكم في التحكيم بالحرب فهي:
الحرية، والإسلام، والعقل، والبلوغ، والذكورة، والعدالة، والفقه بأحكام الجهاد.
فهذا الاختلاف في شروط الحكمين في كل موضوع يعود إلى نوعية الموضوع الذي يحكم فيه.
ففي الصيد يحتاج إلى المعرفة بقيمة الصيد، وفي الشقاق يحتاج إلى معرفة المقصود الذي بعثا من أجله، وفي الحرب يحتاج إلى الفقه بأحكام الجهاد. ويتبع هذا المقصود الشروط الأخرى المذكورة.
أما الشروط العامة التي ذكرت في باب القضاء فهي شروط القاضي كما تقدم.
11) لما كان التحكيم عقدا، فإن له آثاره المترتبة عليه، وهي:
أن حكم الحكم نافذ، ولازم للمحتكمين.
وأنه لازم باق لا يتغير، فلو غاب الحكم، أو أغمي عليه وبر ئ منه، أو قدم من سفره، أو حبس، كان على حكمه.
ولا يجوز للقاضي نقض حكم الحكم إلا من حيث ينقض حكم القاضي. أما نفوذ حكم الحكم فلا يتم إلا بعد حكم القاضي.
12) إجراءات التحكيم التي نص عليها القانون ليس فيها ما يخالف الأصول العامة في الشريعة، وهي أمور تنظيمية أريد بها ضبط الأعمال.
13) لا يتعدى حكم الحكم إلى غير المتحاكمين.
14) ليس للحكم أن يحبس، أو يستوفي العقوبات كالقصاص والحد، وليس له أن يعزر، أو يأخذ الرسوم.
15) نظرة الفقهاء إلى أسباب رد القاضي، ومثله الحكم، أوسع وأسلم. فالقانون جوز رد المحكم للأسباب نفسها التي يرد بها القاضي.
والقانون لم يفرق بين ما إذا كان حكمه لأبويه وابنه وزوجه أو عليهم، ولم يفرق بين حكمه لأبويه وابنه وزوجه وبين الأقارب وغيرهم. وعمم الحكم على القاضي الوكيل والوصي والقيم والوارث والقريب والمصاهر. ولم يفرق بين كون افتائه أو ترافعه أو قضائه أو خبرته أو تحكيمه أو أدائه للشهادة، أو إبداء رأيه قبل أوانه لمصلحة أحد الطرفين بعلم الطرف الآخر أو بعدم علمه.
فضيق على القاضي دائرته الواسعة التي يجب أن ينشر فيها لواء العدل، لأن إقامة العدل ولو على أقرب الناس له هي مهمته الأولى.
فإذا انحرف القاضي بسبب ميله فهناك طرق للطعن في حكمه، بالإضافة إلى أن هذا لا يقضي على انحرافه لو أراد الانحراف.
أما الفقهاء فإنهم حين رأوا مهمة القاضي هي إقامة العدل اشترطوا فيه شروطا معينة، وذهبوا إلى رد حكم القاضي لمن لا تقبل شهادته له كأبويه وولده ورد حكمه على عدوه للتهمة على التفصيل السابق.
16) بعد أن قارنت ما جاء في كثير من قوانين المرافعات التي جاءت بأسس التحكيم بما قاله فقهاؤنا المسلمون، رأيت أن القوانين عموما والعراقي خاصة لم يأت بما يخالف ما نص عليه الفقهاء، فهو إما مأخوذ من أقوالهم مباشرة، أو موافق لها، أو مساير للقواعد العامة. إلا أنه اختلف في شروط الحكم، وضيق المجال في ما يجوزان يحكم به، وفي الأسباب التي يرد بها.
أما قوانين الأحوال الشخصية فهي لم تخرج عما ذكره الفقهاء المسلمون وهذا يعود إلى أن مصدرها الشريعة الإسلامية.
والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا