الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوسطية في ضوء القرآن الكريم
المؤلف/ المشرف:
ناصر بن سليمان العمر
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الوطن - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1413هـ
تصنيف رئيس:
توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:
وسطية وغلو
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشكره شكراً عظيماً على ما أولاه من فضل وعون وتوفيق، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فقد ذكرت في مقدمة هذه الرسالة أن البحث جاء يُعالج قضية الوسطية من حيث جهل كثير من الناس بها، وما ترتب على ذلك من إفراط وتفريط.
ولذا فإني أجد من المناسب أن ألخص ما توصلت إليه في هذه الرسالة فيما يلي:
1 -
ذكرت تعريفات العلماء لكملة (وسط)، وخلاصة ما ذكروا ما عبر عنه محمد باكريم، حيث قال: وكيفما تصرفت هذه اللفظة نجدها لا يخرج معناها عن معاني: العدل والفضل والخيرية، والنصف والبينية والتوسط بين الطرفين.
وذكرت – أيضاً – ما ذكره فريد عبد القادر، حيث قال: استقر عند العرب أنهم إذا أطلقوا كلمة (وسط) أرادوا معاني الخير والعدل والنصفة والجودة والرفعة والمكانة العلية.
وختمت ما قيل في معنى (الوسط) بما ذكره ابن عاشور وملخصه:
والوسط اسم للمكان الواقع بين أمكنة تحيط به، أو للشيء الواقع بين أشياء محيطة به، ليس هو إلى بعضها أقرب منه إلى بعض عرفاً، ولما كان الوصول إليه لا يقع إلا بعد اختراق ما يحيط به أخذ فيه معنى الصيانة والعزة.
فمن أجل ذلك صار معنى النفاسة والعزة والخيار من لوازم معنى الوسط عرفاً، فأطلقوه على الخيار النفيس كناية. أما إطلاق الوسط على الصفة الواقعة عدلاً بين خلقين ذميمين فيهما إفراط وتفريط، فذلك مجاز.
وقد شاع هذان الإطلاقان حتى صارا حقيقتين عرفيتين.
2 -
ذكرت ورود كلمة (وسط) في القرآن الكريم بعدة تصاريف، حيث وردت خمس مرات، في البقرة بلفظ:(وسطا) و (الوسطى).
وفي المائدة بلفظ: (أوسط).
وفي القلم بلفظ: (أوسطهم).
وفي العاديات بلفظ: (فوسطن).
وبينت مدلول كل كلمة في ضوء أقوال المفسرين، وكذلك ذكرت مدى دلالة كل لفظة على معنى الوسطية.
3 -
استشهدت ببعض الأحاديث التي وردت وفيها لفظ (وسط).
وقد ذكرت (12) حديثاً شرحت فيها معنى كل لفظة، وهل هي من الوسط أو الوسطية؟
4 -
وفي ختام تعريف الوسطية حررت معناها، وبينت المراد من هذا المصطلح عند إطلاقه، وكان مما قلت:
وقد تأملت ما ورد في القرآن والسنة والمأثور من كلام العرب فيما أطلق وأريد به مصطلح (الوسطية)، فتوصلت إلى أن هذا المصطلح لا يصح إطلاقه إلا إذا توافر فيه صفتان:
أ - الخيرية أو ما يدل عليها.
ب - البينية، سواء كانت حسية أو معنوية.
فإذا جاء أحد الوصفين دون الآخر فلا يكون داخلاً في مصلطح الوسطية.
5 -
هناك أسس لا بد منها لفهم الوسطية، وتلك الأسس مطردة مع وصفي الخيرية والبينية، وهي:
أ - الغلو والإفراط.
ب - الجفا والتفريط.
ج _ الصراط المستقيم.
فالصراط المستقيم يمثل الخيرية ويحقق معناها، وهو وسط بين الغلو والجفاء، وهو كذلك وسط بين الإفراط والتفريط.
وقد وقفت مع هذه الأسس الثلاثة مبيناً وشارحاً، ثم توصلت إلى عدة حقائق أهمها:
- أن الصراط المستقيم يمثل قمة الوسطية، وذروة سنامها، وأعلى درجاتها.
- أنه يجب عند النظر في أي أمر من الأمور لتحديد علاقته بالوسطية، ومدى قربه أو بعده منها دقة النظر والاعتبار في حقيقة الأمر دون الاقتصار على ظاهره فقط، ثم إلى أي هذه الأسس هو أقرب، مراعاً في ذلك عدة أمور أشرت إليها في ذلك المبحث.
فإذا اتضح قربه في حقيقته ومآله إلى الصراط المستقيم فهو داخل في الوسطية، أما إذا كان إلى الإفراط أو التفريط أقرب حقيقة ومآلا، فليس من الوسطية في شيء، وإن حسبه الناس كذلك.
6 -
للوسطية ملامح وسمات تحف بها وتميزها عن غيرها، بمجموع تلك الملامح لا بآحادها.
وقد توصلت إلى تحديد أهم تلك السمات والملامح باستقراء القرآن الكريم، وما ورد في وسطية هذه الأمة بين الأمم، وكذلك ما كتبه بعض الباحثين في ضوء الكتاب والسنة.
إن تحديد تلك الملامح مهمة أساسية، حتى لا تكون الوسطية مجالاً لأصحاب الأهواء وأرباب الشهوات.
وقد توصلت إلى أن أهم سمات الوسطية ما يلي:
1 -
الخيرية.
2 -
الاستقامة.
3 -
اليسر ورفع الحرج.
4 -
البينية.
5 -
العدل والحكمة.
وكل سمة من هذه السمات يندرج تحتها بعض آحادها. وأشرت إلى أن هذه الملامح تصلح ضابطاً لتحديد الوسطية ومعرفتها، بما يجيب على السؤال الذي يرد في الأذهان.
أين ضابط الوسطية؟ وكيف نميزها عن غيرها؟
7 -
نزل القرآن هداية للناس ونوراً، يخرج الله به من شاء من الظلمات إلى النور، ولزوم منهج الوسطية عين الهداية وجوهرها، ولذلك فقد جاءت الآيات مستفيضة ترسم منهج الوسطية وتدل عليه. والوسطية ليست محصورة في جزئية من الجزئيات، بل ولا في ركن واحد من الأركان، وإنما هي منهج متكامل، لا ينفصل بعضه عن بعض، فالإسلام كله وسط، وهذه الأمة أمة الوسط. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} . [سورة البقرة، الآية: 143].
والذين يغفلون عن هذه الحقيقة يغفلون عن حقيقة القرآن وهداياته.
ومن هذا المنطلق بينت – بالتفصيل – تقرير القرآن لمنهج الوسطية في أبواب كثيرة، أجملها فيما يلي:
1 -
الاعتقاد.
2 -
التشريع والتكليف.
3 -
العبادة.
4 -
الشهادة والحكم.
5 -
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6 -
الجهاد في سبيل الله.
7 -
المعاملة والأخلاق.
8 -
كسب المال وإنفاقه.
9 -
مطالب النفس وشهواتها.
وختمت هذه الأبواب بباب ضمنته شواهد متفرقة، تدل على منهج الوسطية وتأمر به.
هذا بالإضافة إلى ما ذكرته في أول هذا المبحث من دلالة سورة الفاتحة على هذا المنهج في عدة آيات منها.
ومن خلال هذه الأبواب اتضح لنا أن الوسطية منهج حياة، وتشريع متكامل، لا يقبل التجزئة والتفريق، وأن أدلة الوسطية ليست هي التي ورد فيها لفظ (الوسط) فقط، بل أعم من ذلك وأشمل، والآيات التي جاءت تدل دلالة صريحة على منهج الوسطية تربو على العشرات، إذ هي في عداد المئآت.
8 -
وبعد بيان موجز للمسائل العلمية التي توصلت إليها في هذا البحث، أذكر أهم النتائج العملية التي نخرج بها من هذه الدراسة العلمية.
أ - أن أهم أسباب نشوء جماعات الغلو بين المنتسبين إلى الدعوة في هذا العصر هو الجهل بحقيقة الوسطية، بل الجهل بمكانتها في الإسلام.
ب - وكذلك أجد من الأسباب الرئيسة لقبول ما يطلقه الأعداء على الدعاة الصادقين من ألقاب وأوصاف: كالتطرف والغلو، والتزمت والتشدد، ونحوها، من أبرز قبولها ورواجها بين الناس سببان:
1 -
الجهل بحقيقة الوسطية الشرعية، وتصور أولئك العامة أن الوسطية التي أمر الله بها تعني التساهل والتنازل واتباع شهوات النفس ورغباتها، ولهذا تجدهم يستخدمون هذا الفهم مقياساً لرمي الدعاة بتلك الأوصاف والألقاب.
2 -
السبب الثاني وهو أهم من الأول في قوة التأثير: عدم ممارسة الوسطية على وجهها الصحيح من قبل بعض الدعاة والملتزمين، حيث تجد خللاً في تطبيقها أتاح للأعداء فرصة اقتناص بعض الأخطاء والهفوات، ومن ثم إقناع كثير من الناس بصحة تلك الدعاوى وتلبيس هذه التهم الباطلة.
جـ - وأخلص إلى حقيقة عملية تكون هي المخرج مما نعانيه تجاه موضوع الوسطية، وتتمثل هذه الحقيقة فيما يلي:
1 -
بذل الجهود العلمية من قبل العلماء وطلاب العلم في بحث موضوع الوسطية، واستفراغ الوسع في ذلك، حيث أرى أن هناك جوانب مهمة لم تعط حقها من البحث والدراسة.
2 -
عقد الندوات والمحاضرات لبيان أهمية هذا الموضوع وحقيقته، وأثره الإيجابي في حياة الناس.
3 -
الممارسة العملية الواقعية لمنهج الوسطية من قبل العلماء وطلاب العلم والدعاة، مما يتيح للناس أن يروا القدوة الصالحة التي هم في أمس الحاجة إليها.
4 -
تربية الأمة على هذا المنهج تربية عملية شاملة، مما يقضي على الخلل الموجود في محيط المجتمع المسلم سواء أكان إفراطاً أو تفريطاً.
5 -
وأخيراً فإن هناك لبساً في فهم الوسطية وممارساتها من قبل بعض الجماعات والدعاة، وهذا اللبس أدى إلى أنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فرأينا التنازل مع الأعداء باسم المصلحة، وضعفاً في حقيقة الولاء والبراء بحجة تأليف القلوب والدعوة إلى الله، ومصانعة لبعض الظالمين بدعوى دفع الشر والفتنة، وهكذا.
ولذلك لابد من تصفية المنهج مما علق به ليكون وفق الكتاب والسنة، ومنهج سلف الأمة، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.