الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مفاهيم عقيدة السلف الصالح - الولاء والبراء في الإسلام
المؤلف/ المشرف:
محمد بن سعيد القحطاني
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار طيبة - الرياض ̈العاشرة
سنة الطبع:
1422هـ
تصنيف رئيس:
توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:
ولاء وبراء
ما الخلاص من هذا الهوان والتبعية اللذين أُصيبت بهما الأمة الإسلامية اليوم؟
ما سبيل النجاة مما يراد بالمسلمين اليوم في جميع أنحاء الأرض؟
هل من سمات معينة لذلك المخلص؟ ولمن المستقبل في نهاية الأمر؟
الجواب: إنه الإسلام ولا شيء غيره فهو الذي ينقذ الناس مما هم فيه من حالة الضياع والهبوط والعبودية لغير الله، فيخرجهم كما أخرج سلف هذه الأمة من الظلمات إلى النور، ومن الجور إلى العدل، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا ونعيم الآخرة.
ولكن هذا الطريق المستقيم يحتاج إلى سالك جاد، وسائر يسير فيه دون الالتفات إلى اليمين أو اليسار (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (سورة الأنعام: 153)
(والحق أنه لا يمكن أن ينهض صرح الحياة الإسلامية الكاملة الخالصة إلا على دعائم الإقرار بالتوحيد الذي يحيط بجميع نواحي الحياة الإنسانية الفردية والجماعية، والذي يحسب (1) الإنسان بموجبه إنه هو وكيل ما بيده من شيء ملك لله، ويرى أن الله هو المالك الشرعي الحقيقي له وللعالم كله، المعبود المطاع الذي له الأمر والنهي.
وأن لا ينبوع للهداية إلا هو، وتطمئن نفسه بكل شعور إلى أن الانحرافات عن طاعة الله أو الاستغناء عن هدايته وإشراك غيره به في ذاته وصفاته وحقوقه وتصرفاته إن هو إلاّ إمعان في الضلالة من أي ناحية جاء أو في أي لون كان.
ثم إن هذا البناء –بناء الإيمان بالله- لا يمكن توطيد دعائمه إلا إذا رأى المرء في باطن أمره رأياً جازماً، وقطع على نفسه بشعور كامل وإرادة قوية أنه هو وكل ما بيده ملك لله وراجع إلى مرضاته، وقضى على ما في نفسه من مقياس للرضا والسخط وجعله مذعناً لرضاء الرب تعالى وسخطه، ونفى عن نفسه الأثرة والكبرياء، وصاغ نظرياته وأفكاره وآراءه ونزعاته ومناهج تفكيره في قالب ذلك العلم الذي قد أنزله الله تعالى في كتابه العزيز.
وخلع عن عنقه ربقة جميع أنواع الولاء الذي لا يذعن لطاعة الله .. ومكّن محبة الله تعالى ومودته من سويداء قلبه، ونفى عن أعماق فؤاده كل صنم يطلبه بإجلاله وإكباره أكثر من الله تعالى وأدغم حبه وبغضه وصداقته وعداوته ورغبته ونفوره وصلحه وحربه .. إلخ في مرضاة الله تعالى حيث لا ترضى نفسه إلا بما يرضى به الله، ولا تكره إلا ما يكرهه الله .. وهذه مرتبة الإيمان وغايته المرموقة).
إن الوضع الذي تعيشة البشرية اليوم في جميع بقاع الأرض والذي يتوجه الضياع والخواء الروحي، وهذه الهتافات التي ترتفع من كل مكان تنادي بمنقذ ومخلِّص يخلصها من ذلك الهوان لأمر يشيء بأنه هو الإسلام لأنه دين الله العليم بما يصلح النفوس والخبير بجميع مكنونات الضمائر.
إن الإسلام (هو المنهج الوحيد الذي يعطي الفطرة ما يلائمها وهو الذي ينسق خطاها في الإبداع المادي وخطاها في الاستشراف الروحي وهو وحده الذي يملك أن يقيم لها نظاماً واقعياً للحياة يتم فيه هذا التناسق الذي لم تعرفه البشرية قط إلا في ظل النظام الإسلامي –وحده- على مدى التاريخ).
وأعداء الإسلام يعرفون جيداً أن عدوهم الوحيد هو الإسلام، ومن أجل ذلك يسعون جادّين إلى تحطيم هذا الجبل الشامخ لأنه يعوقهم عن أهدافهم الاستعمارية كما يعوقهم عن الطغيان والتأله في الأرض كما يريدون، لذلك يضعون التصورات والمناهج التي لا تمت إلى هذا الدين بصلة من أجل أن تكون هي البديلة عن هذا الدين القيّم.
وليكن من المعلوم لكل مسلم جاد: أن هذا الدين لا يقوم بألف كتاب تكتب عن الإسلام ولا بالخطب والمواعظ ولا بأفلام الدعاية للإسلام، وإنما يقوم على واقع حي متحرك –يتمثل هذا في المسلمين الصادقين- واقع تراه العين وتلمسه اليد وتلاحظ آثاره العقول. ومن سمات أصحاب هذا الواقع الذي يغير مجرى حياة البشرية المعاصرة أن يستعلوا بأنفسهم من موالاة أعداء الله –سواء من الكافرين أو المنافقين أو الملحدين- فلا يخدعهم هيلمان الباطل المعاصر، وأن الشرق والغرب يملك القنبلة الذرية، والصواريخ العابرة للقارات بل يعلمون أن الله هو الأكبر، وهو الولي الناصر، وأن الغلبة للحق مهما استطال الباطل:(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ)(سورة البقرة: 249)، (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ) (سورة الصافات: 173)، (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) (سورة غافر: 51)، ويقول سبحانه في شأن الأعداء:(وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)(سورة آل عمران: 111).
ولن يصل المسلمون الصادقون إلى هذه الدرجة الرفيعة إلا بالبراء من كل منهج وتشريع يخالف شريعة الله، والبراءة أيضاً من كل فكر يناقض هذه العقيدة التي كانت سبب نصرة وعزة السلف الصالح. واستمداد حكم كل صغيرة وكبيرة من هذه الشريعة الربانية التي هي صراط الله المستقيم الذي لا أمت فيه ولا عوج، وملّته الحنيفية التي لا ضيق فيها ولا حرج .. لم تأمر بشيء فيقول العقل لو نهت عنه لكان أوفق، ولم تنه عن شيء فيقول الحجى، لو أباحته لكان أرفق، بل أمرت بكل صلاح، ونهت عن كل فساد، وأباحت كل طيب، وحرمت كل خبيث، أوامرها غذاء ودواء، ونواهيها حمية وصيانة من كل داء، ظاهرها زينة لباطنها، وباطنها أجمل من ظاهرها. شعارها الصدق وقوامها الحق، وميزانها العدل وحكمها الفصل، لا حاجة بها البتّة إلى أن تكمل بسياسة ملك أو رأي ذي رأي. أكملها الله بقوله:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)(سورة المائدة: 3).
وقال صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك).
وحريّ بدعاة الخير الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر أن يعودوا بالأمة إلى صفاء العقيدة الممثل في:
(1)
تصحيح مفهوم لا إله إلا الله محمد رسول الله. ودعوة الناس إلى فهم هذه الكلمة العظيمة كما فهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأخيار، ومحو ذلك المفهوم الخاطيء الذي يردده المتأخرون وهي أنها مجرد لفظ عار من كل تكليف.
مع بيان أن من تكاليفها موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين، وتحكيم شريعة الله واتباع ما أنزله الله والكفر بالآلهة المزيفة والأرباب المتعددة من العرف والهوى والعادات والمتألهين الذين يشرعون للناس بغير ما أنزل الله.
(2)
تصحيح مفهوم العبادة وأنه مفهوم شامل كامل وليس مجرد شعائر تؤدى بينما نظام الحياة والممات قائم على مناهج وضعها البشر تفصل بين الدين والدولة، وبين الدين والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
فالعبادة هي عقيدة وشريعة ونظام حياة. قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (سورة الأنعام: 162 - 163).
(3)
تربية الجيل على منهاج الكتاب والسنة: لأن هذا هو الطريق الصحيح الذي به ترجع الأمة إلى ربها ودينها.
(4)
طرد آثار الغزو الفكري وذلك بتعرية الجاهلية الحديثة، وتمزيق زيفها وبهرجتها فتبين انحرافاتها مع إيجاد البديل الإسلامي الصحيح.
(5)
تعميق قضية ولاء المسلم للمسلم وانتمائه لإخوانه المؤمنين فقط، وخلع الولاءات الجاهلية من قومية وعرقية ووطنية وعالمية وغيرها فالمسلم أخو المسلم في أي بقعة كانت، دار الإسلام هي دار كل مسلم في جميع أنحاء الأرض.
ومن تاريخنا ما يشهد بكل جلاء على أهمية هذه القضية. فإن امرأة مسلمة أهينت بعمورية فاستغاثت: "وا معتصماه". فقال المعتصم: لبيك أيتها المرأة المسلمة وجهز الجيوش وفتح عمورية ونصر المرأة المؤمنة، ولم يقل إنها في وطن وأنا في وطن بل انطلق من واقع مسؤوليته كخليفة مسلم. كل الأمة المسلمة أمانة في عنقه وهو مسؤول عنها يوم يلقى الله.
ومن هنا فإن نصرة المسلمين المضطهدين في كل بقعة من بقاع الأرض أمر واجب تفرضه هذه العقيدة. ويكون واجب المؤمن –حينئذ- محبة هؤلاء المسلمين ومناصرتهم باليد واللسان والمال والنصرة في كل موطن ومناسبة.
(6)
تعميق قضية المعاداة والبراءة من أعداء الله الكفار منهم والمشركين. والمنافقين والمرتدين. وإنه لا يجتمع إيمان في قلب مع حب الكفر وأهله كما قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)(سورة المجادلة: 22).
والحرص على تمييز المسلم عن كل وضع وفكر يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
(7)
التأكيد على قضية عداوة أولياء الشيطان لأولياء الرحمن، فإن هذه العداوة قائمة منذ آدم عليه السلام إلى قيام الساعة فالحزبان لا يلتقيان أبداً لأن حزب الله يريد دعوة الناس إلى عبادة الله، وحزب الشيطان يدعو الناس إلى عبادة الطاغوت وطاعته، وقتال المؤمنين لصدهم عن دينهم، (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا) (سورة البقرة: 217).
(8)
بعث الأمل وتقويته في النفوس بقرب نصر الله كما قال صلى الله عليه وسلم: (لتقاتلن اليهود فلتقتلنهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي فتعال فاقتله).
هذه رؤوس أقلام تبين ملامح طريق الخلاص، وإذا صدق المسلمون مع الله وجدوا معية الله وعونه لهم، لأنهم الأعلون، وهم القائمون بأمر الله في أرض الله، ومن ثم فهم المستحقون لولاية الله وتكريمه لهم:(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(سورة يونس: 62).
إنهم حزب الله وأكرم بذلك الحزب الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله ولا تأخذهم في الله لومة لائم: (أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)(سورة المجادلة: 22).
ونحن مستبشرون بخير إن شاء الله، لأن طلائع وبشارات الجيل الإسلامي الجديد الذي يخلص الأمة من هذا الهوان والضياع والتبعية بادية ظاهرة في كل صقع من أصقاع الأرض، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.