الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتب الرحلات في المغرب الأقصى مصدر من مصادر تاريخ الحجاز في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين
المؤلف/ المشرف:
عواطف بنت محمد يوسف نواب
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دارة الملك عبدالعزيز- الرياض ̈بدون
سنة الطبع:
1429هـ
تصنيف رئيس:
تاريخ
تصنيف فرعي:
جزيرة العرب - الحجاز
الخاتمة:
حظي الحجاز بالعديد من الدراسات، وتحقيق كثير من المخطوطات التي ألفت في تاريخه، لما له من منزلة عظيمة في نفوس المسلمين، وقد استخدمت جميع المصادر للإلمام بتاريخ هذه البقعة المهمة. ولكن لم يؤخذ في الحسبان الاعتماد على كتب الرحالة المغاربة وإظهار أهميتها بوصفها مصدراً مهماً من مصادر تاريخ الحجاز لا يمكن الاستغناء عنها، إذ لم تحظ بالدراسة والبحث الكافيين بعد، وفي هذا العمل الذي أرجو الله تعالى أنني قد وفقت في إنجازه اعتمدت على كتب الرحلات في المغرب الأقصى خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين لأهمية تلك الكتب بكونها مصدراً لتاريخ الحجاز خلال ذلك الوقت. وقد وفقني الله إلى أن حققت هذه الدراسة كثيراً من النتائج في مختلف الجوانب العلمية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وكذلك السياسية والعمرانية وفق المعلومات الآتية:
الجانب العلمي:
بني الإسلام على خمسة أركان، وكان الركن الخامس هو الحج لبيت الله الحرام، فتطلب هذا القيام بالرحلة إليه لأداء هذا الركن.
ثبت في هذا الكتاب من خلال رحلات الحج الحجازية ظهور أسماء رحالة مغاربة أتقنوا فنون الرحلة وآدابها التي منها الاستخارة المتكررة قبل القيام بهذا، والخروج يوم الخميس، والالتزام بتقييد تاريخ الخروج والعودة والنزول والانتقال من كل منزل نزلوه، ولقاء العلماء والأخذ عنهم، والترجمة لهم. فأفرز ذلك كله رحلات أصبحت بمثابة موسوعات علمية مصغرة لما حوته من معلومات مهمة لجميع أحوال المسلمين في ذلك الوقت، إضافة إلى أنها ضمت قوائم لأسماء العلماء البارزين وأهم مؤلفاتهم والعلوم التي تخصصوا وبرعوا فيها. فالرحالة كانوا بمثابة العين اللاقطة، يستقطب اهتمامهم جميع الأمور وإن صغرت بحسب ميلهم.
وبرهن هذا الكتاب أنه وجد في الحجاز في ذلك الوقت جميع المذاهب الإسلامية بعلمائها الذين دفعوا بالحركة العلمية قدماً، وإن ظهر المذهب الحنفي بكونه مذهباً رسمياً لأتباع الدولة العثمانية له، ولكن لم يمنع ذلك من بروز جميع المذاهب بفقهها. وقد تبين أن ذلك العصر لم يكن ظلاماً دامساً كما كان يعتقد بل كانت مكة المكرمة والمدينة المنورة مبدأ الحركة العلمية ومنتهاها وحلقة الوصل بين المشرق والمغرب الإسلاميين.
وبرهن هذا الكتاب على أن المدينتين المقدستين قد لمع فيهما أسماء علماء كانوا ينتقلون للمجاورة مدة في مكة المكرمة، وأخرى في المدينة المنورة بدون مضايقات أو عقبات، كما ظهر علماء مخترعون في علم الميكانيكا وضعوا فيها المؤلفات. إضافة إلى وفرة الكتب التي وجد النساخون لها والمجلدون، كما وجدت وسائل نشرها وتبادلها، ووجدت المكتبات الخاصة والعامة الموقوفة على طلبة العلم، والتي حوت النفيس والغريب منها، فأكب الطلبة على العلم والنهل منه بعدما أمنت لهم الإقامة والرواتب التي كانت تصل خصيصاً لهم ولمدرسيهم.
خصت المدينة المنورة في ذلك الوقت بجميع أنواع الكتب العلمية، حيث كانت تهدى إليها نسخ من كل كتاب يؤلف.
بروز أثر المسجدين المكي والمدني اللذين كانا بمثابة جامعتين مفتوحتين يتوافد إليهما طلبة العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي بيسر وسهولة، علاوة على تصدر من نال درجة عالية منهم للتدريس، كما وجدت المدارس وإن لم يظهر أثرها كاملاً كظهور أثر المسجدين المكي والمدني.
وجد في المدينتين المقدستين أعداد هائلة من العلماء الذين لم يكونوا من أبناء الحجاز وحدها، وهؤلاء أدوا عملاً بارزاً في رواج الحركة العلمية فيهما. وهذا ظهر جلياً من خلال ما سجله الرحالة المغاربة من أسمائهم وتراجمهم التي زادت على ما ورد في كتب التراجم حول الشخصيات التي ذكرها حالة المغاربة نفسها.
كما لُحظ أن هؤلاء العلماء منهم من كان يفد سنوياً إلى الحجاز وخاصة علماء اليمن، ومنهم من كان يفد بعد سنوات.
وهكذا نجد أن المدينتين المقدستين قد تهيأ لهما ما لم يتهيأ لغيرهما من مدن العالم الإسلامي من توافد العلماء الذين ذاع صيتهم وشهرتهم العلمية عليهما، وكانوا يعقدون حلقات الدرس في المسجد المكي والمدني اللذين كان نظام التعليم فيهما يسير وفق نظم وقوانين محددة من حيث تخصيص أيام معينة للدراسة وأخرى للإجازات، كما حددت العلوم التي تدرس والأماكن التي تعقد فيها حلقات تلك الدروس، إذ كان لكل عالم وشيخ زاوية أو ركن خاص به وخزانة لكتبه العلمية الموقوفة على طلبته، فيدرسهم ويعطيهم الإجازات.
تولى بعض العلماء مقاليد بعض الوظائف إلى جانب قيامهم بالتدريس، فمن هذه الوظائف القضاء والخطابة والإمامة والفتوى في المدينتين المقدستين.
ظهور مكانة الطائف العلمية لإقامة بعض العلماء فيها في ذلك الوقت وعقدهم حلقات العلم بمسجد ابن عباس رضي الله عنهما.
جلوس بعض الرحالة المغاربة للتدريس في المسجدين المكي والمدني والتفاف طلبة العلم حولهم لغزارة علمهم وسعة اطلاعهم، فعلماء المغرب لم يكونوا أقل مكانة علمية من نظائرهم في المشرق، فقد أشارت الرحلات إلى كثير من المواقف التي يبدي فيها الرحالة رأيه في قضايا مثارة فيلاقي الإعجاب والتقدير. وبهذا لم تكن رحلة هؤلاء الرحالة المغاربة دائماً للتلمذة والدرس والطلب، بل كانت لأهداف أخرى كزيارة المراكز الثقافية والحصول على الرواية والسند العالي والحصول على الكتب ولقاء العلماء ومجالستهم.
كانت قوافل الحجيج في ذلك الوقت بمثابة مدارس منتقلة من حيث انعقاد حلقات الدروس أو ترك الكتب في بعض المدن وأخذ غيرها.
لم تكن حلقات العلم تعقد باللغة العربية وحدها، بل كانت هناك لغات أخرى كالتركية والفارسية مثلاً.
الجانب الديني:
أظهر هذا الكتاب ضعف الحالة الدينية في الحجاز بسبب شيوع التصوف على المستوى الشعبي والرسمي، فأصبح مرتعاً خصباً لظهور كثير من البدع والخرافات التي منها ظهور أنوار الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الوصول للمدينة المنورة، وأخرى تتعلق بالصحابة رضوان الله عليهم، ومنها ما يتعلق بالأماكن المأثورة.
كما وضح هذا الكتاب تفشي عادة التبرك بقبور الأولياء والصالحين وبناء القباب والأضرحة عليها والاجتهاد لزيارتها وتقديم النذور للقائمين عليها.
وأوضح أيضاً استفحال البدع والخرافات بين طبقات المجتمع الحجازي دون استثناء، الأمر الذي أدى إلى أن صدق الرحالة المغاربة بعضها فكانوا مهيئين لقبولها فضمنوها كتاباتهم، وهناك بدع لم يصدقوها فنبهوا إليها وأشاروا إلى بطلانها. وهذا يعطينا تصوراً واضحاً عن ضعف الحالة الدينية في ذلك العصر.
وأثبت هذا الكتاب أيضاً أن أغلب ما وجد من أماكن نسبت للرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، إنما ألحقت نسبتها إليهم بعد أزمنة طويلة وذلك يؤكد عدم صحة هذه النسبة.
ورأينا ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن وجد في بعض الأوقات من يقوم بذلك، ولكن ينتهي الأمر بمجرد وفاته أو انتهاء مدة عمله.
الجانب الاجتماعي:
برهن هذا الكتاب على تعدد الأجناس في المجتمع الحجازي، واختلفت تركيبته السكانية بسبب مركزه الديني في نفوس المسلمين، حيث شكل المجاورون بأجناسهم المختلفة نسبة كبيرة.
وبسبب اختلاف التركيبة السكانية في الحجاز ومكانته الدينية أظهر الكتاب عادات وتقاليد وافدة مع هؤلاء الأجناس انفرد بها عن سائر الأقطار الإسلامية.
انفرد بعض الرحالة المغاربة برصد الحياة الاجتماعية في الحجاز وخاصة لمن طالت مجاورته، وهذه الناحية هي التي أغفلها كثير من المؤرخين كما أوضح ذلك هذا الكتاب.
عاش أهل المدينة المنورة حياة مترفة في حين يتعود أهل مكة المكرمة على مثل ذلك.
تميزت الحياة الاجتماعية في المدينة المنورة بتفوق نفوذ المرأة على الرجل وتحكمها فيه مقارنة بالمناطق الأخرى في الحجاز.
الجانب السياسي:
ثبت أن الاضطراب السياسي قد عم الحجاز داخلياً في بعض الأزمنة التي يتناولها البحث بسبب تصارع الأمراء الأشراف فيما بينهم على الإمارة، كما تصارع الأمراء الأشراف مع أمراء الحج وباشوات جدة لإحكام السيطرة.
اكتفت الدولة العثمانية خلال تلك المدة بعزل الأمراء الأشراف عند تفاقم الاضطرابات وتعيين غيرهم من الأسرة نفسها.
كان لباشوات جدة ومصر اليد الطولى في تسيير أمور الحجاز وكذلك أمراء الحج حتى كان بإمكانهم عزل الأمراء الأشراف وتعيينهم؛ وهو ما سبب كثيراً من الفوضى والاضطرابات السياسية أحياناً.
ربطت الحجاز رسمياً بالدولة العثمانية وأصبحت إقليماً تابعاً لها يضم مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة وينبع والطائف، وإن كان إقليم الحجاز يتمتع بمميزات لا تتمتع بها سائر أقاليم الدولة العثمانية.
ارتبط الأمن والهدوء في الحجاز بقوة شخصية الشريف الحاكم ومدى سيطرته على الأوضاع وشؤون القبائل.
كان مبدأ الاشتراك في تولية شؤون الإمارة في الحجاز قائماً بدلاً عن ولاية العهد خلال تلك المدة، وكان الشريك مخولاً للبت في الأمور وأخذ حصة من واردات الإمارة الاقتصادية.
كان جنوب الحجاز هو المنفى الاختياري للأمراء الثائرين المطالبين بالإمرة بعد فشل توراثهم، يقصدونها إما لتجميع قوتهم ومن ثم العودة لمحاولة الاستيلاء على الإمارة، ويكون ذلك بقطع الطريق وفرض الحصار الاقتصادي الذي يتضرر منه أهل الحجاز ومجاوروه.
وأوضح هذا الكتاب أنه في وقت المواسم كانت القوانين والأحكام لا تطبق بدقة، وذلك يؤدي إلى انتشار حالات السرقة وضعف الأمن خلال الحج والعمرة، ولكن الأوضاع تعود إلى ما كانت عليه بعد رحيل الحجاج.
وأيضاً كان اهتمام الحراس بالشريف سبباً في إهمال المرافق العامة في المشاعر المقدسة والمباني التي يسكنها الحجاج وطرق القوافل، الأمر الذي يزيد في ضعف الأمن والأمان لضيوف الرحمن.
ورأينا أن الدولة العثمانية كانت تولي الحجاز عناية خاصة فحصنت الثغور المحيطة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وكانت هناك عناية خاصة بمدينة جدة التي قد تتعرض لهجوم خارجي.
الجانب الاقتصادي:
برهن هذا الكتاب في هذا الجانب أن استمرارية وصول الأعطيات والصدقات وهطول الأمطار يعقبه رخاء اقتصادي عميم مع هبوط في الأسعار وتوافر السلع والحاجات والعكس صحيح.
وأيضاً إتقان أهل الحجاز مهناً عديدة منها الصياغة والزراعة والبناء.
وأيضاً وجود جالية مغربية أتقنت مزاولة الزراعة، بل وألفوا فيها الكتب، ما أدى إلى امتلاكهم للأراضي واستصلاحها، خاصة في المدينة المنورة التي عرفت بخصوبة تربتها وكثرة مياهها.
وجد من أمراء مكة المكرمة الأشراف من التفت إلى الإصلاح الذي يخدم عموم الحجاج كإنشاء الأسبلة وحفر الآبار وامتلاك المزارع التي تمد المدينتين بالمنتجات الزراعية، وكذلك بناء الحصون والقلاع للحراسة.
وأثبت هذا الكتاب الاهتمام الكبير من قبل الدولة العثمانية بجميع ما يخص الحرمين الشريفين من إصلاح وترميم، بل وإعادة البناء إذا اقتضى الأمر، وهبتها للمساندة والمساعدة بلا حدود عند نزول الكوارث بالحجاز وخاصة السيول المدمرة، وكذلك اهتمامها بتعبيد الطرق وإقامة العلاقات وحفر الآبار لتسهيل أمر المسافرين.
معرفة أهل الحجاز لجميع أساليب المعاملات التجارية من بيع وشراء ومقايضة ورهن وغيرها، وظهور عملات محلية حجازية مثل المحلق والمائدية والحرف.
الجانب العمراني:
برهن هذا الكتاب أن هذا الجانب حظي بعناية سلاطين آل عثمان، وخاصة فيما يتعلق بعمارة المسجدين المكي والمدني كلما اقتضى الأمر ذلك، وتمهيد طرق الحج وحفر الآبار لتسهيل أمور الحجاج.
كما عرفت أنماط معمارية تلائم بيئة كل مدينة كالتي عرفت في جدة مثلاً، كما استخدم البناء المتعدد الأدوار والملائم لتعاليم الإسلام من حيث عزل القسم الخاص بالضيوف عن باقي أرجاء المنزل.
ومما استنتج عن الرحالة المغاربة أنفسهم ما أثبته هذا الكتاب من:
- اهتمام الرحالة المغاربة بتقصي أحوال السكان وخاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وينبع وجدة والقرى التي مروا عليها بحسب استطاعتهم.
- كان معظم الرحالة المغاربة من أهل العلم الذين قوبلوا بالتبجيل والاحترام في المدينتين المقدستين، بل وتصدرهم للتدريس وإلقاء القصائد الشعرية في مدح خصالهم لذيوع شهرتهم العلمية وعلو مكانتهم الاجتماعية.
- كان معظم الرحالة المغاربة يحملون كتب رحالة سابقين لهم للمقارنة وإضفاء الجديد وتصحيح بعض الأخطاء التي وقع فيها من سبقهم، وأيضاً النقل عنهم في أحيان كثيرة، سواء للأمور التي لم يتسن لهم رؤيتها أو لبعد العهد والنسيان، أو لعدم تغير الأوضاع. وهذا الأمر كان من أهم خصائص الرحلات المغربية ومميزاتها. فحمل كتاب الرحلة عند الرحالة المغاربة كان بمثابة التزود بدليل يهديهم لما هم مقبلون عليه.
- ظهر في ذلك الوقت الرسم إلى جانب الوصف لتقريب ما أرادوا توضيحه ولاسيما للمسجدين المكي والمدني وبعض الأماكن المأثورة والمشهورة. فهذا الأمر لم يكن في الرحلات المغربية السابقة.
- كان خروج الرحالة المغاربة أساساً للحج والزيارة ومن ثم طلب العلم.
- اعتاد الرحالة المغاربة على الخروج في رحلاتهم الحجازية ومعهم رفيق أو قريب يكون مصاحباً لهم طوال الرحلة.
- لم يكن الرحالة المغاربة وقت رحلتهم صغار السن، بل كانوا رجالاً خبروا الحياة وعركوها.
- ظهر نوع من كتابات الرحلات، يكون السبب الرئيس في كتابتها مصاحبة شخصية بارزة في الرحلة، فتقيد لتسجيل أفعال هذا الشخص كرحلة القادري واليوسي.
- اعتناء بعض الرحالة المغاربة كالقيسي وأبي مدين بكتابة رحلتهم على هيئة أبواب وفصول يندرج تحتها عناوين للتسهيل على القارئ عند استخراجه أي معلومة يريدها.