الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه
المؤلف/ المشرف:
عبدالرزاق بن طاهر بن أحمد معاش
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار الوطن - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1417هـ
تصنيف رئيس:
توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:
عذر بالجهل
الخاتمة
في ختام هذا البحث المتشعب المسائل، أحمد الله تعالى على ما أنعم به عليّ من تيسير الأسباب لإنهاء هذا البحث، ثم بعد ذلك أسجل أهم نتائجه التي توصلت إليها.
- الأولى: أن الجهل صفة مذمومة، والواجب على الإنسان أن يبذل وسعه قدر الإمكان في رفعها عنه، وبخاصة في أمور دينه الذي لا يستقيم إلا بإقامتها.
- الثانية: أن الجهل عذر مؤقت، ومقيد بعدم توفر بعض الشروط، فإذا وجدت هذه الشروط أو أمكن وجودها تقديراً، فإن الجهل لا يبقى عذرا، بل يصبح صفة ذم وسبباً في الخسران في الدنيا والآخرة.
- الثالثة: أن قيام الحجة على من خالف أمراً شرعياً بفعل أو ترك هو مناط المؤاخذة، وقيامها يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص.
- الرابعة: التقدير في قيام الحجة من عدمه مرجعه نصوص الكتاب والسنة.
- الخامسة: أن دار الإسلام مظنة لظهور الأحكام الشرعية، وبالتالي لقيام الحجة في الجملة، بخلاف دار الكفر. ويدخل في الأولى بيئة العلم والإيمان، ويدخل في الثانية البادية البعيدة عن حاضرة العلم والعلماء، وكذا الأمكنة التي تخيم عليها البدعة والضلال.
- السادسة: عدم قيام الحجة لا يغير الأسماء الشرعية، بل يسمى ما سماه الشارع كفراً أو شركاً أو فسقاً باسمه الشرعي، ولا ينفي عن فاعله إذا لم تقم عليه الحجة ولم تبلغه الدعوة؛ لأن هناك فرقاً بين كون الذنب كفراً، وبين تكفير فاعله.
- السابعة: من قال: إن الكافر الذي لم تبلغه الدعوة على وجه يفهمه وتقوم به عليه الحجة معذور، لا يعني أنه يحكم بإسلامه، ولا أنه غير كافر، وإنما يعني أن الله تعالى لا يعذبه عذاب من قامت عليه الحجة وجحدها، ولا عذاب من تولى وأعرض عن آياتها.
- الثامنة: أن العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه حتى تقام عليه الحجة، لا فرق في ذلك بين أصول الدين وفروعه.
- التاسعة: أن الإقرار المجمل بالتوحيد والبراءة المجملة من الشرك قد قامت فيها الحجة بالنطق بالشهادتين، ولذلك لا يعذر أحد بجهل أن الله تعالى وحده هو المستحق للعبادة؛ لأن ذلك هو مقتضى الشهادة لله بالوحدانية، فمن اعتقد أن غير الله يستحق العبادة مع الله أو من دونه، فلا يكون مسلماً أصلاً، فضلاً عن أن يعذر بجهل ذلك بعد الإسلام.
- العاشرة: أن الحكم على شخصٍ بكفرٍ أو غيره مرتبط بمدى توفر الشروط وانتفاء الموانع.
- الحادية عشرة: أن وصف الإسلام يثبت للشخص بالنطق بالشهادتين، أو بما يقوم مقام النطق إذا تعذر ذلك، أو بلفظ: أسلمت.
- الثانية عشرة: أن القول بالتكفير عند أهل السنة هو بالإطلاق والعموم، فإذا تحقق من أحدٍ أنه كفر حقيقة، كانت الحقيقة مقدمة، فيحكم بكفره.
- الثالثة عشرة: أن المعلوم من الدين بالضرورة، يتنوع كونه كذلك بتنوع المسائل والأشخاص والأزمنة والأمكنة، لذلك كان إطلاق القول بأن جاهل المعلوم من الدين بالضرورة لا يعذر غير صحيح.
- الرابعة عشرة: أن التأويل الفاسد والشبهات هما أصل كل شر وفسادٍ، ولو لم يكن من آثارهما إلا السقوط في براثن الشرك والضلال، لكفاهما ذماً وقبحاً.
- الخامسة عشرة: عرض منهج كل من شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب في هذه المسألة، وذلك بالرجوع إلى كلامهما. وقد تبين من كلامهما الصريح منهجهم في الحكم على الجاهل، وهو مبني على التفصيل الذي مر معنا خلال البحث، وخلاصته:
- جعل قيام الحجة مناطاً لمؤاخذة الواقع في الشرك أو الكفر جهلاً، ولا فرق بين مسألة وأخرى في هذا الأصل.
- عذر الجاهل الذي لم يتيسر له من يعلمه، كمن كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، أو عاش في زمن اندرست فيه آثار الرسالة.
- الاعتماد في هذا على النصوص وفهم السلف الصالح.
- السادسة عشرة: خطأ من جعل الموالاة والمعاداة في جميع صورها من لوازم التوحيد، ولم يعتبر فيها من الأعذار إلا الإكراه. وقد تبين من خلال البحث أن العوارض التي تطرأ على هذا الأصل متعددة، أهمها: التأويل، والإكراه، والعصبيات والمصالح الدنيوية، والجهل، بحيث أن من والى كافراً أو عادى مسلماً لا على الدين، بل لعارضٍ من العوارض السابقة لا يكون بذلك مرتداً، بل يكون عاصياً.
- السابعة عشرة: الدور العظيم والخطير المنوط بعاتق أهل العلم والدعاة لتبصير الناس بأمور دينهم، وخاصة ما يتعلق بأمور الاعتقاد؛ لأن صلاح الأعمال مبني على صلاح المعتقد، وأن تبذل الجهود في تعليم الناس أكثر من الجدال حول حكمهم.
- الثامنة عشرة: أن انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر ثابت بالكتاب والسنة.
- التاسعة عشرة: أن أصحاب الكبائر من الموحدين لا يوصفون بالإيمان التام، كما لا ينفي عنهم مطلق الإيمان، وأنهم في الآخرة تحت مشيئة الله تعالى: إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم.
- العشرون: أن القول بعدم تكفير عصاة الموحدين ليس مطلقاً، بل هو مقيد بعدم الوقوع في الكفر الأكبر – خصوصا مع العلم به – أو بعدم استحلال المعاصي الاستحلال القلبي الذي هو مناط التكفير.
- الحادية والعشرون: أن المقصود بالنصوص التي جاء فيها تسمية بعض الذنوب كفرا، أو فيها نفي الإيمان عن العاصي، أو فيها البراءة منه، هو نفي كمال الإيمان الواجب، أو هو كفر دون كفر، أو أن معناها أن العاصي ليس كهيئة المؤمنين الصادقين، كما أن جمعا من أئمة أهل السنة كالإمام الزهري، والإمام أحمد والإمام البغوي ذهبوا إلى إمرارها كما جاءت.
- الثانية والعشرون: لا يقال للعصاة مؤمنين، لأن النصوص نفت عنهم ذلك، فلابد من إعمال النصوص وإثباتها كما جاءت؛ لكن لا يقال إنهم بمجرد فعلهم ذاك قد خرجوا من الملة.
- الثالثة والعشرون: لابد من تسمية ما أسماه الله ورسوله من الأعمال كفرا، باسمه دون تحريف، وكذلك ما أسماه ظلماً أو فسقاً.
- الرابعة والعشرون: في تسمية الفاسق الملي: فنقول إذا نظرنا إلى أحكام الدنيا، كعتقه في الكفارة أو دخوله في خطاب المؤمنين، فإنه يمسى مؤمنا، وأما إذا نظرنا إلى حكمه في الآخرة، فيقال: إن هذا النوع ليس من المؤمنين الموعودين بالجنة، بل معه إيمان يمنعه الخلود في النار، ويدخل به الجنة بعد أن يعذب في النار إن لم يغفر له.
- الخامسة والعشرون: أن منهج أهل السنة في تكفير المعين هو القول بالإطلاق والعموم، أما التعيين فمناطه العلم اليقيني بحال المعين، لذلك فمن قام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت عنه موانعه، فإنه يكفر بعينه.
- السادسة والعشرون: أن مناط التكليف والجزاء هو ورود الشرع وقيام الحجة، لذلك كان حكم أهل الفترة في الدنيا أنهم كفار، أما في الآخرة فيمتحنون على الأرجح من الأقوال، وهو الذي دلت عليه النصوص الصحيحة.
- السابعة والعشرون: أن بلوغ الحجة وفهمها شرط في قيامها، وأن الفهم الذي ثار حوله نوع من الخلاف، يطلق ويراد به معنيان:
- المعنى الأول: هو الفهم المجمل للنص والخطاب، الذي يدرك به المقصود من مراد الشارع على وجه الإجمال.
- المعنى الثاني: هو الفهم المفصل للنصوص، وهو المؤثر في السلوك كفهم أهل العلم والإيمان.
والمشروط في قيام الحجة هو الفهم بالمعنى الأول، إذ لا يمكن أن تقوم إلا به، وأما ما فهم من كلام بعض العلماء من عدم اشتراط الفهم لقيام الحجة فإنه يحمل على المعنى الثاني للفهم.
- الثامنة والعشرون: أن ضابط ما يعفى عنه من الجهل هو ما يشق الاحتراز منه عادة، بحيث لا يمكن دفعه، ولهذا الجهل صور أو أسباب، أهمها:
- حداثة العهد بالإسلام.
- النشوء ببادية بعيدة لم ينتشر فيها العلم ولا أسبابه.
- البقاء في دار الحرب لأسباب مشروعة.
- النشور ببيئة يغلب عليها البدعة وعلم الضلالة.
- ما يتعلق بالأحكام التي لا يعلمها إلا أهل العلم.
- التاسعة والعشرون: أن الجهل إذا توفرت أسبابه الشرعية، وخلا عن التفريط، ثم أوقع في الخطأ من غير إرادة مشاقة الله ورسوله، فإنه يكون عذرا، ولذلك أمكن القول – في مثل هذه الحالة – بتلازم الجهل والعذر، خلافاً لمسلك أهل البدع في القول بتلازم الخطأ والإثم.
- الثلاثون: أن التأويل الذي يعذر صاحبه هو الذي يصدر عن أهل الاجتهاد من ذوي الفضل والصلاح، الذين عندهم حرص على اتباع الشريعة.
أما التأويل الذي لا يعذر صاحبه، فهو الذي يتضمن في حقيقته التكذيب لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، كما هو حال الفلاسفة والباطنية ومن هم على شاكلتهم.
- الحادية والثلاثون: أن ضابط العذر بالشبهة، هو ما لا يتعلق منها بأصل الدين الذي هو عبادة الله وحده، والتحاكم إلى شرعه، كما هو مدلول الشهادتين.
- الثانية والثلاثون: أن كل مسألة من مسائل الاعتقاد أو العمل، إذا كانت جليلة تعتبر من الأصول؛ وأن كل مسألة سواء أكانت عقدية أم عملية، إذا كانت دقيقة فهي من الفروع.
- الثالثة والثلاثون: أن توحيد الربوبية من بدهيات العقائد التي أقر بها جميع الناس، حتى المشركون، وأن مناط الحجة فيه هو الفطرة وأدلة الخلق المنصوبة؛ لذلك لا يمكن عذر أحد يدعي جهل الخالق، أو ينسب له الولد والصاحبة
…
- الرابعة والثلاثون: أن أبرز الصور التي تنافي توحيد الألوهية: عدم إفراد الله تعالى بالعبادة، والثانية الاعتراض والكراهية لما أنزل الله بعضه أو كله.
- الخامسة والثلاثون: أن مناط قيام الحجة بالنسبة لتوحيد الألوهية، هو الشهادتان والدخول في الإسلام.
- السادسة والثلاثون: أن محل العذر بالجهل في توحيد الألوهية، هو ما يتعلق بتفاصيل هذا التوحيد لا بأصله.
- السابعة والثلاثون: أن الجهل ببعض أسماء الله وصفاته قد يكون محلاً للعذر، فجمهور علماء المسلمين على أنه قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين، فلا يكفرون بذلك.
- الثامنة والثلاثون: أن مناط تكفير من وقع في الشرك ثلاثة أمور:
- الأول: اعتقاد استحقاق غير الله للعبادة.
- الثاني: العلم بحقيقة الشرك ثم مدحه وتحسينه.
- الثالث: الإصرار على المخالفة بعد إقامة الحجة.
- التاسعة والثلاثون: بعض موانع تكفير من وقع في الشرك جهلاً، وهي:
- الجهل الناشئ عن حداثة العهد بالإسلام.
- الجهل الناشئ عن الشبهات التي يعذر بها.
- الوقوع في وسيلة من وسائل الشرك أو فيما يحتمل الشرك وغيره.
- الأربعون: أن الولاء والبراء قد يطرأ عليه عدة عوارض، تجعل المخالفة فيه معصية من المعاصي، ولا تكون كفراً، ومن أهم هذه العوارض: عارض الإكراه، وعارض التأويل، وعارض المصالح الدنيوية والعصبيات، وعارض الجهل.
- الحادية والأربعون: أن المناط المكفر في الولاء والبراء هو: ولاء الكفار حباً في دينهم، وعداوة المؤمنين كرهاً لدينهم.
- الثانية والأربعون: أن المعلوم من الدين بالضرورة يتنوع بتنوع الأشخاص والمسائل، بحيث أنه ما يكون معلوماً بالضرورة لشخص، قد لا يكون كذلك لشخص آخر، فالمعول عليه هنا هو أن يكون معلوماً بالضرورة للشخص المعني؛ وبناءً عليه فالقول بعدم عذر الجاهل بالمعلوم من الدين بالضرورة مطلقاً، غير صحيح بل يحتاج إلى مراجعة وتأمل.
- الثالثة والأربعون: أن القول بعذر الجاهل بالضوابط الشرعية هو الذي دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة، وهو ما قرره أئمة الإسلام وعلماؤه ودعاته على مر العصور؛ وهذه المسألة ليست من الأصول التي يبدع فيها المخالف، بل تبقى من موارد الاجتهاد نظراً لتداخل بعض جزئياتها مما يصعب فيها الحسم.
وفي الأخير أرجو الله تعالى أن أكون قد وفقت في هذا البحث، وقمت بما التزمت به في منهج البحث، وأن يكون ما كتبت خالصاً لوجهه الكريم، لاحظ لغيره فيه، كما أرجو أن يكون هذا الجهد المتواضع إسهاماً مني في بيان مسالك أئمة أهل السنة وآرائهم في هذا الموضوع الجليل، قدر طاقتي ووسعي. و {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا} الآية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.