الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القواعد الكلية للأسماء والصفات
المؤلف/ المشرف:
إبراهيم بن محمد البريكان
المحقق/ المترجم:
بدون دار الهجرة - الخبر ̈الأولى
سنة الطبع:
1414هـ
تصنيف رئيس:
توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:
أسماء وصفات - قواعد عامة ودراسات
الخاتمة
وهي تشمل على مبحثين:
المبحث الأول: في بيان رجحان مذهب السلف على مذهب الخلف.
المبحث الثاني: في الأسباب الموجبة لعدم انتشار المذهب السلفي.
المبحث الأول
رجحان مذهب السلف على مذهب الخلف
وبنظرةٍ متأملةً فيما سبق من قواعد المذهب السلفي يعلم كل ذي فكر مستقيم وعقل مستنير أنه لا طريق للنجاة ولا سبيل لمعرفة الله على وجه التحقيق إلا النهج السلفي القويم، ومع هذا فإليك وجوهاً تكمل بها فكرك وتقيم بها عقلك فتزيد في نور بصيرتك وتزيل الغشاوة عن فؤادك، فإن تكاثر الأدلة على الشيء وتوارد البراهين عليه مما يقوي الإيمان ويُرسِّخ اليقين.
الوجه الأول (1): أنه المذهب الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة تصريحاً وتلويحاً فالتصريح بذكر الصفات، والتلويح بإثبات الحمد ونحوه من الدلالات العامة على الكمال.
الوجه الثاني: أنه ما عليه الصحابة والتابعون ومن سار على نهجهم من أئمة الدين وعلماء المسلمين المقتدى بهم.
الوجه الثالث: مدح الله لهم في كتابه بقوله: (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(2) فهذه شهادة من الله بعدالتهم فلا يقولون غير الحق إذ القول بالباطل أو الجهل ينافي العدالة.
الوجه الرابع: أنه مما لا يُتصور كون الخلف الحيارى أعلم بالله وصفاته من سلف أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين نقلوا الشريعة كابراً عن كابر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
الوجه الخامس: الاختلاف الحاصل بين الخلف أكبر دليل على حيرتهم وفساد مذاهبهم وصحة مذاهب السلف.
الوجه السادس: أن السلف بنو مذهبهم على أن الأصل فيما جاء من نصوص الكتاب والسنة التكليف إلا أن يدل دليلٌ صحيحٌ على خلافه وهذا ما لا يستطيع الخلف إثباته.
الوجه السابع: اعتراف كثيرٍ من محققي الخلف بالحيرة والضياع ورجوعهم إلى مذهب السلف فهو شهادة من الخلف بصحة مذهب السلف (4).
وممن شهد بهذا إمام الحرمين الجويني حيث قال: (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن اقرأ في الإثبات (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(5)
…
إلخ.
الوجه الثامن: استحالة كون الصحابة وتابعيهم غير قائلين بالحق في هذا الباب أو غير عالمين به، وضد ذلك عدم العلم والقول به أو قولهم نقيض الحق وهذا ممتنعٌ لأمرين:
أولاً: لقيام الداعي في النفوس لطلبه فإن من في قلبه أقل حياةٍ وحبٍ لطلب العلم يكون هذا الباب من أعلى مقاصده وأعظم مراداته إذ المقصد الأكبر من الوحي هو معرفة الله وما يجب له من كماله المقدس.
ثانياً: فإن أحوال القوم وجهادهم وحرصهم على نقل الشريعة ومجانبة البدع تمنع قولهم بغير الحق (6).
الوجه التاسع: أن السلف هم أعلم بالله وصفاته من الخلف إذ من المحال أن يكون حظ أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا العلم الجهل، إذ من الممتنع أن يكون خواص الرسول صلى الله عليه وسلم مع حرصه على إفادتهم وتعليمهم أجهل بالله وصفاته ممن جاء بعدهم (7).
(1) انظر منهاج المسلم ص (23) مجموعة الرسائل والمسائل (5/ 41).
(2)
سورة الأحزاب، آية:(23).
(3)
النفائس الحموية ص (89).
(4)
انظر النفائس الحموية ص (91).
(5)
سورة طه، آية:(5).
(6)
انظر الحموية ص (89) النفائس.
(7)
نقض المنطق ص (117).
الوجه العاشر: أن العلم ببيان الأسماء والصفات إما أن يكون من الدين أو لا فإن كان من الدين فالله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(1) فلابد وأن يكون قد بيّن لهم ذلك؛ لأن الدين لا يكمل إلا به، فإن قيل ليس من الدين فقائله مخالفٌ لإجماع المسلمين سلفاً وخلفاً، إذ بحثهم فيه وتقريرهم له دليل على أنه من الدين.
الوجه الحادي عشر: احترامهم لنصوص الكتاب والسنة المبني على حسن الظن بالله ورسوله وجدهم في فهم مقاصدها وإدراك معانيها والعلم بمدلولاتها ثم العمل بما دلَّت عليه.
الوجه الثاني عشر: ردّهم فيما يتنازعون فيه مع الخلف لكتاب الله والسنة عملاً بقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)(2) ورجوع الخلف إلى عقولهم ومقاييس الفلاسفة الذين هم القدوة عندهم.
الوجه الثالث عشر: أن علم السلف بهذا الباب وغيره راجعٌ إلى الكتاب والسنة، وعلم الخلف مرجعه ما تستحسنه عقولهم وأقيستهم.
الوجه الرابع عشر: أن القدوة عند السلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، وقدوة الخلف العقول الآدمية والمقاييس اليونانية الوثنية.
الوجه الخامس عشر: أن السلف أسسوا مذهبهم على إثبات الكمال، والخلف بنو مذهبهم على نفيه أو نفي بعضه.
الوجه السادس عشر: أن مذهب الخلف بني على الاعتراض على النصوص، ومذهب السلف بني على الإيمان والتسليم، إذ قال الخلف ما في النصوص لا يليق بالله.
الوجه السابع عشر: أن الخلف حرّفوا الكلم عن مواضعه فقالوا مثلاً استوى بمعنى استولى، كما قال بنو إسرائيل حنطة بدلاً من حطة فبدَّلوا كلام الله، والسلف امتثلوا الأمر وسلّموا لله ورسوله.
الوجه الثامن عشر: أن الخلف بنو مذهبهم على سوء الظن بالنصوص، إذ ظاهرها عندهم التشبيه؛ فنفوا وتأولوا والسّلف آمنوا بما جاء عن الله ورسوله وسلّموا فجمعوا بين احترام النصوص والإيمان بها.
المبحث الثاني
الأسباب الداعية لعدم انتشار مذهب السلف
ولعدة أسباب بقي الناس ردحاً من الزَّمن جاهلين بمذهب السلف متنكرين له وهي على سبيل الإجمال كما يلي:
أولاً: سوء الفهم لمذهبهم وذلك لأن الكثير من الناس ظنوا أن مذهب السلف هو مذهب أهل التفويض.
ثانياً: الإعراض عن الكتاب والسنة فإن الحظ يكمل في إدراكه بقدر علم الرجل وقربه من الكتاب والسنة.
ثالثاً: قيام صلاح الدين بنصرة مذهب الأشاعرة وتدريسه في الأزهر مما أدى إلى انتشاره وجهل الناس بمذهب السلف (3).
رابعاً: ترجمة كتب عقائد الفرس واليونان والروم التي أثَّرت في عقول الكثير من الناس فأفسدت عقائدهم تصوراتهم.
خامساً: ركون الكثير من المنتسبة للعلم إلى تحكيم مقاييس المنطق وأصوله في المطالب الإلهية واشتغالهم به مع القصور في معرفة الكتاب والسنة.
سادساً: كيد أعداء الإسلام بقصد بتر الصلة بين الأمة وسلفها الصالح طلباً لإفساد معتقداتها.
سابعاً: قيام بعض الخلفاء بنصرة المذاهب البدعية ونشرها كالمأمون في نصره للمعتزلة.
ثامناً: الاضطهاد الذي بُلي به كثيرٌ من علماء السلف مما أوقع الخوف في نفوس كثيرٍ من الناس عن اعتناقه أو تبليغه.
تاسعاً: الحملات المسعورة، فمن انتسب للعلم يرمي مذهب السلف بالألقاب الشنيعة والألفاظ البذيئة، كوسمهم بالحشوية والمشبهة والمجسمة.
عاشراً: ظلمة القلوب باعتقاد الباطل والدفاع عنه.
الحادي عشر: تقصير كثيرٍ من العلماء بمذهب السلف في نشره وإيضاحه للناس إما خوفاً من بطش الحكّام أو تسفيه علماء عصره.
الثاني عشر: التقليد الأعمى في باب الاعتقاد الذي بُليت به الأمة فعقيدة المسلم هي عقيدة من علمه.
الثالث عشر: عدم إتقان كثيرٍ من العلماء المنتسبين إلى السلف علوم المنطق ومقاييسه حتى يقابل حجة الخلف المنطقية بمثلها.
الرابع عشر: قلة الكتب المؤلفة فيه في كل عصر، فإن لكل عصر من اللغة تعابير تناسبه وأساليب توافقه اكتفاءً من علماء السلف بكتب من تقدمهم.
الخامس عشر: تقصير كثيرٍ ممن ينتسب إلى المذهب السلفي في فهمه وإدراكه وتحصيل الملكة المتمكنة فيه.
وبهذا البحث تم بحمد الله وتوفيقه ما عزمت عليه من بيان الأصول العقدية وإيضاح المناهج السلفية، راجياً من الله أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الله الكريم، وافياً بالغرض من كتابته موضحاً لما أُبهم ومبيناً لما أغلق وداعيةً سياراً لمذهب سلفنا الصالحين، يهدي به الله من شاء من عباده، والله أسأل أن ينفع به قارئه وسامعه وكاتبه، وأن يجعله لي صدقةً جاريةً موجبةً لمغفرته وجنته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(1) سورة المائدة، آية:(3).
(2)
سورة النساء، آية:(59).
(3)
انظر جلاء العينين في محاكة الأحمدين ص (217).