الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي في العهد السعودي
المؤلف/ المشرف:
عبداللطيف بن عبدالله بن دهيش
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
الأمانة العامة للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة ̈الأولى
سنة الطبع:
1419هـ
تصنيف رئيس:
تاريخ
تصنيف فرعي:
مساجد
نتائج البحث:
بعون وفضل من الله تم الانتهاء من دراسة موضوع توسعة بيت الله الحرام، والمسجد النبوي الشريف وعمارتهما في كل من مكة المكرمة ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العهد السعودي الزاهر، مع التمهيد لذلك باستعراض شامل للتوسعات التي تمت في الحرمين الشريفين قبل العهد السعودي؛ للمقارنة والاستدلال على أن العمارة السعودية هي أعظم الإنجازات وأكبرها مساحة من حيث براعة التصميم، وروعة البناء، وحداثة المواد المستخدمة فيه، وكبر حجم المساحة، وتوفير الخدمات الحديثة كافة في المشروعين الإسلاميين العملاقين والمتمثلة في توفير الإنارة، والتكييف، واستخدام المصاعد الكهربائية، والقباب المتحركة، ومواقف السيارات المتعددة الأدوار، ونحو ذلك حسب متطلبات البناء الحديث للمساجد، وفي ضوء هذه الدراسة علينا أن نبين أهم النتائج التي توصلنا إليها في هذا البحث:
فمن خلال هذا البحث لوحظ التباين الكبير بين العمارات والتوسعات السابقة للعهد السعودي وما تم في العهد السعودي الميمون من توسعات للحرمين الشريفين في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة.
فبالنسبة للزيادات في المسجد الحرام بمكة المكرمة فقد بلغت مساحة الحرم المكي بعد زيادة الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه (3613 م2)، ثم زادت إلى (4482 م2) في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم زادت حتى وصلت إلى (7469.62 م2) في عهد عبد الله بن الزبير، ثم وصلت الزيادة في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك إلى (10.270 م2)، ثم جاءت زيادة الخليفة أبي جعفر المنصور لتضيف مساحة جديدة للمسجد الحرام بمكة المكرمة، فوصلت الزيادة في عهده إلى (15.491م2)، ثم وصلت المساحة في عهد الخليفة المهدي إلى (28003م2)، ثم زادت مساحة المسجد الحرام في التوسعة السعودية الأولى حتى وصلت إلى (131041م2)، ثم أضيفت توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – حفظه الله – التي بلغت (206.000م2) لتصبح مساحة المسجد الحرام بمكة المكرمة (366168م2)، وهكذا يتبين لنا مدى الزيادة العظيمة التي أضيفت إلى المسجد الحرام في عهد خادم الحرمين الشريفين، وأسلافه من آل سعود، كما أصبحت قدرة المسجد الحرام الاستيعابية من المصلين حوالي مليوني مصل في أوقات الذروة كالحج والأعياد والعشر الأخيرة من رمضان.
كما أن المسجد النبوي الشريف شهد عمارات وتوسعات عدة زادت من مساحته؛ ففي عهد الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بلغت مساحة المسجد النبوي الشريف (1100م2)، ثم أضاف إليها الخليفة عثمان بن عفان –رضي الله عنه (496م2)، فأصبحت مساحته (1596م2)، ثم حدثت زيادة في عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما زاد الوليد بن عبد الملك مساحة المسجد النبوي فأضافت الزيادتان للمسجد النبوي مساحة كبيرة، فأصبحت مساحته (2369م2)، وزاد الخليفة المهدي مساحة المسجد زيادة قليلة فأصبحت المساحة (2450م2)، وعندما تولى السلطان قايتباي المملوكي زادت مساحة المسجد إلى (2570م2) بعد عمارته الثانية، ثم زاد السلطان عبد المجيد العثماني مساحة المسجد لتصبح (3863م2)، ثم جاءت التوسعة السعودية الأولى للمسجد فزادت مساحته زيادة كبيرة، إذ بلغت المساحة الكلية للمسجد النبوي الشريف (58.000م2)، وجاءت التوسعة الكبرى لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد فزاد مساحة المسجد زيادة عظيمة لتصل مساحته إلى (400.00م2) لتصل قدرته الاستيعابية إلى سبعمائة ألف مصل، وفي وقت الذروة إلى حوالي مليوني مصل، باستخدام الطرقات والممرات داخل المسجد النبوي الشريف، أو المحيطة به.
وتبين من خلال متابعة الأعمال التي أجريت في الحرمين الشريفين السابقة على التوسعات السعودية أنها كانت تتمثل في ثلاثة أنواع من العمارة يمكن إيجازها فيما يأتي:
أ) الترميم: وهو سرعة إصلاح ما أصابه الضرر من عمارة الحرمين الشريفين جزئيا في موضع دون الآخر، أو في مجموعة مواضع دون شمولها لكامل مساحة الحرمين الشريفين، ويأتي هذا وفق متطلبات ضرورة الترميم في تلك الفترة، فقد يكون هذا الترميم تطلبته الحاجة الملحة لمعالجة مواطن الخلل التي كانت تظهر في عمارة الحرمين الشريفين بين فترة وأخرى وعلى مر العصور، نتيجة لعوامل مناخية، كشدة الحرارة والأمطار، أو البرودة أو الرطوبة، أو لعوامل زمانية تتمثل في تقادم المبنى وتآكل مواد البناء فيه، أو حدوث حريق لجزء من مبنى المسجد مما يتطلب سرعة عمل الترميمات اللازمة، أو إعادة جزء من البناء؛ لإبقاء مباني الحرمين الشريفين على صورتها المعمارية الجيدة طلباً للأجر والثواب من الله.
ب) العمارة: إعادة بناء موقع الحرمين الشريفين على المساحة نفسها أو تعمير جزء جديد وترك جزء آخر، وتختلف هذه العمارة من عصر إلى عصر، ومن دولة إلى آخرى.
ج) التوسعة: وتتمثل في زيادة المساحة للحرمين الشريفين أو لأحدهما، وتكون هذه التوسعة –في الغالب- مقيدة بظروف المساكن المحيطة بالحرمين، وما يتطلبه ذلك من توفير المال الكافي لنزع ملكياتها، وكان ذلك في البداية مصدر صعوبة نتيجة للظروف السياسية والمالية التي كانت تمر بها البلاد قبل توحيد المملكة العربية السعودية، وبروز الدور السعودي في التوسعة والإعمار للحرمين الشريفين بعد توحيد المملكة، وبعد توفر المال الكافي لتحويل الآمال إلى حقيقة بارزة للعيان، ومفخرة لهذا العهد السعودي الزاهر عبر القرون والأزمان.
وعلى أي حال فإن المرء لا يستطيع أن ينكر الجهود السابقة لعمارة الحرمين الشريفين وتوسعتهما وترميمهما وهي التي جرت في العهود السابقة للعهد السعودي، لكونهما أماكن عبادة الله وحده من عباده المسلمين في جميع أنحاء المعمورة، ومن واجب الحكام المسلمين ممن يهمهم أمر المسلمين، وخاصة ممن كان الحرمان الشريفان تحت حكمهم وتحت تبعيتهم السياسية في تلك الأزمان أن يهبوا للعناية بهما وعمارتهما وتوفير الخدمات اللازمة لقاصديهما، وتأمين سبل الوصول إليهما، إلا أن الأحداث السياسية التي كانت تعصف بالمنطقة والبلاد الإسلامية بين فترة وأخرى كان لها دور كبير في تحديد قدرة أولئك الحكام أو الحكومات الذين كانت بيدهم مسؤولية العناية بالحرمين الشريفين، ومدى إمكاناتهم المادية في توفير الاحتياجات التي يتطلبها الحرمان الشريفان من العناية والترميم والعمارة، أو التوسعة وتوفير احتياجاتهما على مر العصور، ولعل كسوة الكعبة المشرفة خير دليل على هذا الأمر، ويمكننا تصور ما حدث بشأنها في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله، وكيف ظهرت قدرته –رحمه الله في التغلب على هذا الموقف والاستفادة منه نحو الاتجاه الصحيح، وهو الاعتماد على الله أولاً ثم على الجهود والإمكانات المادية المتوافرة في المملكة وجلب المواد من خارجها، وذلك لصنع الكسوة محلياً دون الاعتماد على منة الآخرين.
وقد أدى تباين البناء في العمارة وتطوره إلى ظهور نماذج كثيرة من العمارة وفق الجهة التي كانت تقوم بالعمارة أو التوسعة في الحرمين الشريفين، وظهر ذلك في التوسعات التي شملت الحرمين بدءاً من العصر الأموي ومروراً بالعصر العباسي، ثم العصر المملوكي، ثم العصر العثماني، فكانت عملية البناء والتوسعة للحرمين الشريفين خلال تلك الفترات السابقة تمر بحركة بطيئة لم تكن بالمستوى المرجو منها، وربما يكون السبب في ذلك هو انتقال مركز الخلافة إلى المدن الواقعة خارج شبه الجزيرة العربية.
كما لوحظ أن العمارات والترميمات التي حدثت في العصور السابقة كانت –في الغالب- لضرورة قصوى نتيجة خلل، أو تصدعات شديدة حدثت في بناء أحد الحرمين الشريفين، أي أنه لم تكن هناك خطة مستمرة ومتناسقة يتم من خلالها متابعة أعمال البناء والتوسعات؛ ويرجع سبب ذلك –في رأينا- لاختلاف السلاطين وتباينهم آنذاك، ولبعد مركز الدولة الإسلامية بعد عهد الخلفاء الراشدين عن منطقة الحرمين الشريفين، إذ انتقل مركز الدولة الإسلامية إلى دمشق في العصر الأموي ثم إلى بغداد في العصر العباسي ثم إلى القاهرة في العصر المملوكي، وأخيراً إلى إسطنبول في العصر العثماني.
أما بعد أن من الله على هذه البلاد بقيام الملك عبد العزيز بتوحيد معظم مناطق شبه الجزيرة العربية في دولة واحدة، وإعلان قيام الدولة السعودية الرشيدة (المملكة العربية السعودية)، دولة عقيدتها الإسلام، ورايتها (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فاستقرت مع قيامها وتوحيدها أحوال البلاد والعباد، وظهرت معالمها السياسية والحضارية والاقتصادية واضحة للعيان، ثم ما لبثت أن تبوأت هذه الدولة مركز القيادة في عالمها الإسلامي والعربي، وأصبحت مكة المكرمة العاصمة المقدسة للدولة.
وقد تبع ذلك من الفضل الكبير من الله أن ظهر البترول فأسهم في تحقيق نقلة اقتصادية رائعة، أثرت في الاقتصاد السعودي وجعلته قوياً قادراً على البناء والعطاء، وقد انعكس ذلك على قيام ملوك آل سعود بإعمار بيوت الله وفي مقدمتها بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وكذلك مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، فتحقق بذلك الاستقرار السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي للوطن، والمواطن، والمقيم، والزائر، والحاج، والمعتمر، رغبة من الملك عبد العزيز ثم أولاده من بعده في عمل كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى، طلباً للأخر والثواب من الله، وخدمة للإسلام والمسلمين، وقد كان لمنطلق الغرس الإيماني الذي ورثه الملك
عبد العزيز لأبنائه الملك سعود والملك فيصل والملك خالد يرحمهم الله، ثم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رئيس الحرس الوطني، والنائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، حفظهم الله من كل مكروه، أكبر الأثر في قيام أبنائه البررة بمواصلة مسيرة البناء والتطور في هذه الدولة الرشيدة، وقد تمثل ذلك في الجوانب الآتية:
أ- لقد كانت البداية منذ توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز رحمه الله الذي ما أن علم بوجود بعض الخلل في أجزاء من عمارة الحرمين الشريفين حتى سارع وأصدر أمره بمعالجة ما تعرض له الحرمان الشريفان من خلل نتيجة عوامل طبيعية عدة كالسيول والرطوبة، أو الأرضة وغيرها، وذلك بترميمهما وصيانتهما على أحسن وجه، على الرغم مما كانت تعانيه الدولة في بداية عهدها من ضائقات مالية كبيرة.
ب- مواجهة الزيادة الكبيرة في أعداد المصلين والزائرين والمعتمرين والحجاج للحرمين الشريفين التي جاءت بفضل الله ثم بفضل ما وفرته الدولة من الأمن والاستقرار اللذين أصبحت البلاد تنعم بهما في جميع أرجائها، نظراً للسياسة الرشيدة التي اتبعتها الدولة والمتمثلة في تحكيمها لكتاب الله والسنة النبوية المطهرة، فكانت نتيجة استقرار البلاد، وانتشار الأمن بها، أن ازدادت أعداد الحجاج والمعتمرين والزوار، ولذلك قامت الدولة بعمارة الحرمين الشريفين وتوسعتهما، حتى يتسعا للأعداد المتزايدة من ضيوف الرحمن فأقامت بناءين متكاملين للحرمين الشريفين يكشفان عن عظمتهما، فجاءت عمارتهما بتصميم جذاب، وقوة بناء بصورة معمارية ذات جمال خاص يؤدي إلى إحداث تناغم وانسجام وذوق رفيع بوصفهما أعظم منشأتين معماريتين إسلاميتين على وجه الأرض.
ج- لقد كان للعامل الاقتصادي الذي ظهرت بوادره منذ استخراج البترول، وتسويقه عالمياً أكبر عون بعد الله للدولة في أن تقوم بمثل هذه المشروعات المعمارية الجبارة التي تخدم الإسلام والمسلمين، وتسهل عليهم أداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج، ولذلك سعى قادة هذه البلاد إلى توظيف ثروة الدولة لخدمة الوطن والمواطن ورفاهيته، وكذلك توسعة الحرمين الشريفين وعمارتهما، والإنفاق عليهما بسخاء عظيم، وإقامة مشروعات تطويرية عملاقة، أسهمت في ازدهار المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكذلك مدن المملكة الأخرى. وهذا العمل أسهم في تحقيق أكبر نقلة اقتصادية، وعمرانية، وحضارية، عمت جميع أرجاء المملكة، وفي الوقت نفسه سعت الدولة إلى تخصيص جزء من أموالها لمساعدة الشعوب الفقيرة، أو المنكوبة، والعمل على خدمة القضايا الإسلامية بالعون المادي والمعنوي، خدمة للإسلام والمسلمين.
د- إبراز الجهود الجبارة التي تقوم بها حكومة المملكة العربية السعودية في سبيل تطوير البلاد، وإسعاد العباد، وأنها قادرة على العطاء المتواصل، وذلك حينما أتيح لقادتها الفرصة الكاملة لتوسعة الحرمين الشريفين وعمارتهما، وتطوير شامل لجميع المدن في جميع مناطق المملكة، خاصة عندما شرف الله القادة من آل سعود بخدمة الحرمين الشريفين ورعايتهما.
ونلحظ هنا أنه بدراستنا لتاريخ العمارة في الحرمين الشريفين – من خلال هذا البحث – أن الحرم المكي شهد عشر توسعات، وسبعاً وثلاثين عمارة، وذلك قبل العهد السعودي.
كما يلحظ أن العمارات والتوسعات السابقة هي عمارات قامت بهدف إبقاء عمارة الحرمين الشريفين بشكل يليق بقدسية هذين المسجدين العظيمين، ومكانتهما في قلب كل مسلم، وكانت تلك العمارات والتوسعات تتم حسب الإمكانات المادية، والظروف السياسية في المنطقة. وعلى الرغم من كل ما بذل من إمكانات، فإن تلك العمارات لم يكتب لها الاستمرار، نتيجة عوامل الزمان (العوامل المناخية) مما أدى إلى اختفائها، بحيث لا يلحظ لها أثر باق في الوقت الحاضر، غير بقايا من أروقة العمارة العثمانية في الحرم المكي، والجزء الأكبر من العمارة العثمانية في المسجد النبوي الشريف، وبعض الأثار المعمارية الأخرى.
ولعل التباين واضح في العمارة التي كانت قبل العهد السعودي، وتلك التي جاءت بعد العهد السعودي؛ فبالنسبة لمواد البناء: حدث تحول كبير في المواد المستخدمة في البناء، فبعد أن كان البناء في السابق يعتمد على المونة البلدي، والنورة، والأحجار المنحوتة من الجبال على أنها مادة أساسية في البناء، حدث تحول كبير في العهد السعودي في استخدام مواد البناء، إذ استخدمت بلوكات من الجرانيت، والأسمنت، والخرسانة، والتحديد في البناء المسلح، واستخدمت المواد الحديثة العازلة للصوت والحرارة، والرطوبة، والمكافحة للعثة (الأرضة)، والحرائق، بقدرة الله تعالى.
أما استخدام الأخشاب والزجاج فنجد أن الأخشاب المستخدمة في العمارات السابقة كانت تعتمد على استخدام جذوع النخل وجذوع الشجر في الأسقف، وكذلك بعض من الأخشاب المتوافرة آنذاك في صناعة الأبواب والنوافذ التي كانت محدودة الشكل والطراز، ثم تطور الأمر في العمارة السعودية إلى استخدام أخشاب شجر الأرز وأخشاب شجر الأرو وغيرهما من أنواع الأخشاب الجيدة التي تم جلبها من جميع أنحاء العالم، وخاصة من المغرب، وكينيا، وكوريا، ومصر التي صنعت منها الأبواب، والنوافذ، والشبابيك في عمارة الحرمين الشريفين، إذ إن أعدادها ووظائفها زاد عشرات المرات عن الماضي، قياساً على مساحات التوسعة العملاقة في الحرمين الشريفين، كما استخدمت أنواع حديثة من الزجاج الشفاف والملون في النوافذ والشبابيك الموجودة في عمارة الحرمين الشريفين في العهد السعودي.
وكان بناء الأسقف في الماضي يعتمد على جريد النخل المكسي بالنورة والطين، ثم ظهرت القباب، وتطور بناؤها في العصور المتأخرة حتى إننا نجد أن معظم قباب المسجد النبوي الشريف مكسية في أعلاها بطبقة من الرصاص، وهذه القباب لا تتحمل إقامة أدوار أخرى عليها، كما أنه لا يمكن الاستفادة من سقفها للصلاة عليه. أما في العمارة السعودية، وحسب مقتضيات العصر الحديث، فقد استخدم في بناء الأسقف في عمارة الحرمين الشريفين المواد المسلحة التي يعتمد على الأسمنت والرمل والخرسانة والحديد؛ لشدة تحملها للأعداد الهائلة من المصلين على أسطحها، وكذلك القدرة على البناء فوقها لأدوار عدة، وقد أقيمت هذه الأسقف على أعمدة وقواعد وأوتاد خراسانية داخلة بأعماق بعيدة في باطن الأرض، واستخدم فيها الحديد والأسمنت لزيادة قوة تحملها، وتم تلبيسها بالرخام الجيد لإعطائها قوة ورونقاً وجمالاً.
أما من حجم البناء فقد حدث تطور مذهل في عمارة الحرمين الشريفين في العهد السعودي، فزاد البناء من دور واحد في الحرم المكي الشريف ومساحته حوالي (28.000م2) قبل التوسعة السعودية، إلى أقبية (بدرومات) وثلاثة أدوار مساحتها حوالي (400) ألف متر مربع، وهذه المساحة رفعت سعة المسجد الاستيعابية من المصلين في أوقات الذروة إلى أكثر من مليون مصل.
وكذلك حدث في المسجد النبوي الشريف؛ إذ تحول البناء من دور واحد ومساحة لا تزيد عن أربعة آلاف متر مربع، إلى مساحة (400.200م2)، تستوعب أكثر من مليوني مصل، وأصبحت العمارة السعودية تحتوي على أقبية تحت مساحة المسجد تستوعب كافة الخدمات المساعدة، ثم الدور الأرضي الرئيس، والأسطح، وقد صمم المبنى ليتحمل دوراً ثانياً في المستقبل.
أما فيما يختص بالأرضيات والأسطح فقد كانت الأرضية في معظم ساحات الحرمين الشريفين في السابق تغطيها أنواع مخصوصة من الرمل والحصى الصغير، مما ترتب على ذلك إثارة الغبار والأتربة، وخاصة عند سقوط الأمطار. أما في العمارة السعودية فقد تم تكسية جميع أرضيات ساحات الحرمين الشريفين وأروقتهما بنوع خاص من الرخام الأبيض المزخرف بأحزمة من الرخام الجرانيت الملون، كما غطي صحن المطاف بنوع من الجرانيت الأبيض الذي تم جلبه من اليونان بعد ثبوت قوة امتصاصه للحرارة وجودته، وبرودته في أثناء الظهيرة؛ لعدم تأثره بحرارة الشمس، وذلك حتى يشعر الطائفون حول البيت بالراحة عند طوافهم على رخام بارد لا يمتص الحرارة.
كما كسيت أسطح الحرمين الشريفين بالرخام الأبيض لمنع تسرب المياه إلى الأدوار السفلية، مما جعلها تحافظ على سلامة أعمال الزخرفة في الأسقف، بعد أن تم عمل مجرى خاص لتصريف مياه السيول من الأسطح والساحات إلى نفق السيول العام الذي يقوم بتصريف مياه السيول والأمطار إلى خارج المدينة.
وبالنسبة لأعمال الزخرفة فقد تحولت من النواحي التقليدية في العصور السابقة إلى أعمال هندسية تستقي جمالها من التراث الإسلامي، وبتقسيماتها النباتية والهندسية التي تعتمد على المساحات والألوان المتناسقة الرائعة، مما تحقق معه تناغماً وانسجاماً في أعمال الزخرفة المستخدمة في الأسقف والقباب وتيجان الأعمدة المصنوعة في قوالب خاصة، مما يظهر بجلاء التناغم والجودة في استخدام أعمال الزخرفة، جنباً إلى جنب مع أعمال الخط العربي المتمثل في كتابة الآيات القرآنية على الواجهات الداخلية والخارجية، وأسقف الحرمين الشريفين، والمداخل الرئيسة، وخاصة في التوسعة الكبرى لخادم الحرمين الشريفين.
أما فيما يتعلق بأعمال الكهرباء فقد شهدت عمارة الحرمين الشريفين في العهد السعودي تطوراً هائلاً في أعمال الإنارة التي كانت تعتمد في السابق على مصابيح تضاء بالزيت أو بالشموع إلى المصابيح الكهربائية التي تعتمد على ماكينات الإضاءة الصغيرة التي تدار بالسولار، إلى محطات كهربائية عملاقة ترتبط بالشبكة الرئيسة لشركة كهرباء المنطقة الغربية، واستخدام أنواع خاصة من المصابيح والثريات، صممت بمواصفات خاصة للحرمين الشريفين تنخفض فيها الحرارة، وتزيد في الإضاءة لتحويل الليل إلى نهار، مع تركيب ثريات خاصة مختلفة الأحجام موزعة بطريقة فنية في جميع جوانب الحرمين الشريفين، تنسجم أشكالها مع التراث الإسلامي، بل وصل الأمر إلى استخدام أحدث تقنية للإضاءة من أجل إبراز جمال الحرمين الشريفين ليلاً، بوضع كشافات عالية الإضاءة في المآذن تتجه إضاءتها إلى عنان السماء، يمكن بواسطتها سرعة الاستدلال على المكان من مسافات بعيدة.
كما أسهمت الكهرباء في مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد –حفظه الله- في توفير التبريد الكافي للحرمين الشريفين؛ ففي الحرم النبوي الشريف تم تركيب أحدث محطتي تبريد وأكبرهما في العالم، أقيمتا خصيصاً لهذا الغرض خارج نطاق التوسعة، ينتقل منها الماء البارد بواسطة أنابيب كبيرة من محطة التبريد لتصل إلى محطات عليها توربينات هوائية تدفع الهواء البارد إلى الأروقة، من خلال تقنية حديثة تعتمد على خروج الهواء من قواعد الأعمدة، كما تم تكييف توسعة خادم الحرمين الشريفين بالحرم المكي بالطريقة نفسها، وبمحطات تبريد ضخمة تم تركيبها في مناطق حول الحرم المكي الشريف.
أما عن أبواب المسجد الحرام في مكة المكرمة فقد كان عددها تسعة عشر باباً في عهد الخليفة المهدي، ثم أضيف إليها من خلال التوسعات التالية سبعة أبواب ليصبح مجموعها ستة وعشرين باباً، وفي التوسعة السعودية بمختلف مراحلها أضيف إلى أبواب المسجد الحرام ستون باباً، ليصبح عدد أبواب المسجد ستة وثمانين باباً، كلها ذات تصميم موحد، ومصنوعة من الخشب الممتاز، ومحلاة بالزخارف والأحزمة والمقابض النحاسية المطلية بماء الذهب.
وبالنظر لأبواب المسجد النبوي الشريف فقد كان عددها أربعة أبواب، ثم زيد عليها باب واحد في العمارة المجيدية. وفي التوسعة السعودية الأولى أصبحت عشرة أبواب، وفي عام 1408هـ فتح باب البقيع مقابلاً لمقبرة البقيع ليصبح عدد الأبواب أحد عشر باباً، وقد زاد عددها في توسعة خادم الحرمين الشريفين للمسجد النبوي الشريف إلى واحد وأربعين مدخلاً، و (85) باباً، وتحتوي الأبواب الجديدة في توسعة خادم الحرمين الشريفين على مداخل عدة واسعة صممت بشكل رائع وجميل، واستخدمت في صنعها أفضل أنواع الخشب المحلي بالزخارف والأحزمة والمقابض النحاسية المطلية بماء الذهب.
ومن أروع المشاهد في عمارة الحرمين الشريفين تلك المآذن التي تم تصميمها بشكل جذاب وبعلو شاهق، وكان عددها قبل التوسعات السعودية في الحرم المكي الشريف ست مآذن، ولكنها زيدت ثلاث مآذن أخرى، فأصبح عددها في توسعة خادم الحرمين الشريفين تسع مآذن؛ ثمان منها على المداخل الأربعة الرئيسة اثنتان على كل مدخل، أما المئذنة التاسعة فجاءت في أعلى الصفا؛ لتوحي ببدء عملية السعي، وهذه المآذن التسع كلها جديدة وذات تصميم واحد، وعلو كل واحدة منها (96) متراً، وفي أعلى كل واحدة منها هلال مصنوع من البرونز الفاخر المطلي بالذهب، بارتفاع ستة أمتار وأربعين سنتيمتراً؛ ليعلن انتهاء ارتفاع المئذنة، ويضيف عليها اللمسة الأخيرة في زينتها وروعة بنائها.
أما المآذن في المسجد النبوي الشريف، فأول من بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، إذ أنشأ مئذنة للمسجد النبوي الشريف، ثم أضاف إليها الخليفة العباسي المهدي ثلاث مآذن، ثم جاء الخليفة المعتضد فأنشأ المئذنة الخامسة. وأمر السلطان سليمان المشرع العثماني ببناء مئذنتين، ليصبح عدد المآذن في المسجد النبوي الشريف سبع مآذن، وهذه المآذن كان ينالها التجديد من عام إلى آخر.
أما في العهد السعودي فقد زاد عدد المآذن في المسجد النبوي إلى عشر مآذن؛ منها أربع من العمارات السابقة، اثنتان منها في العمارة العثمانية، واثنتان تم بناؤهما في التوسعة السعودية الأولى، وست مآذن تم بناؤها في توسعة خادم الحرمين الشريفين، وهذه المآذن الست الجديدة كلها مآذن ذات طابع وتصميم واحد، وبارتفاع (99) متراً؛ يضاف إلى ذلك الهلال البرونزي المطلي بالذهب، بارتفاع خمسة أمتار، ليصبح ارتفاعها (104) أمتار، تعتمد على قواعد قوية، مثبتة على أوتاد من الخرسانة والحديد القوي، بأعماق تصل إلى أكثر من ثلاثين متراً في باطن الأرض، وهذه المآذن تزيد على ارتفاع المآذن في العمارات السعودية الأولى بزيادة (32) متراً.
وقد بينت الدراسة –أيضاً- أن المسعى في الحرم المكي كانت تحيط به المنازل والمتاجر من الجانبين، وكان سوقاً تجارياً يعج بالحركة التجارية، جزء كبير من أرضه مغطى بالأتربة، مما عرقل حركة الساعين بين الصفا والمروة، وقلل من قدسية المكان وروحانيته، وخاصة أن بعض المدخنين لا يراعون هذه القدسية للمكان، كما أن الدواب كانت هي الوسيلة الوحيدة قبل وصول السيارات لنقل البضائع، وكانت تمر بالمسعى فتؤذي الساعين بإثارتها للغبار والروائح الكريهة، وعند وصول السيارات أصبحت هذه السيارات تجوب المسعى طولاً، كما أنها تقطع حركة الساعين عند مرورها بعرض المسعى بالقرب من الصفا. وهذا الأمر أزعج الملك عبد العزيز –رحمه الله وجعله يعمل على إعطاء هذا المكان قدسيته وروحانيته، فأمر –رحمه الله بإقامة مظلة جديدة عليه؛ لتحمي الساعين من حرارة الشمس، كما أنه أمر برصفه لمنع إثارة الأتربة والغبار، وما تحدثه تلك الدواب والسيارات من إيذاء للساعين، وكان يفكر جدياً في إدخال المسعى ضمن مباني المسجد الحرام بمكة.
وبعد وفاته – رحمه الله – سارع أبناؤه البررة إلى تحقيق رغبة والدهم، وقد تم في التوسعة السعودية إدخال المسعى ضمن مبنى المسجد الحرام، وجعل من دورين وأسطح بطول مساحة المسعى وعرضه، كما تم فصل حركة الساعين عن العربات التي تحمل كبار السن بممر وضع في وسط المسعى في الطابق الأرضي منه، وذلك لتسهيل حركة الساعين في ذهابهم وإيابهم، وتم تحديد مناطق الهرولة بإضاءة وضعت على الأعمدة في الجانبين باللون الأخضر، ولتجنيب الساعين من تقاطعهم بحركة الداخلين والخارجين من المسعى، فإنه تم إقامة جسور معلقة فوق بعض المداخل بعرض عدة أمتار لنقل حركة الدخول والخروج من المسجد الحرام عبر المسعى، دون أن يكون هنالك أي عرقلة لحركة الساعين بين الصفا والمروة، وخاصة في أوقات الذروة، وهذه من الأعمال الجليلة التي تسطر بأحرف من نور للحكومة السعودية وحكامها.
وبالنسبة للكعبة الشريفة فإن الدراسة بينت أنها بنيت أحد عشر بناء، كما ذكر ذلك كثير من المؤرخين، إلا أن الثابت أن بناءها بالمعنى الكامل تم أربع مرات، هي:
1 -
بناء الخليل إبراهيم عليه السلام: وهو ثابت في القرآن الكريم.
2 -
بناء قريش: وهو ثابت بالحديث الصحيح.
3 -
بناء عبد الله بن الزبير: بعدما أصابها المنجنيق، واحترق جزء كبير منها، فسارع إلى عمارتها بالكامل من جديد، وأخرج منها حجر إسماعيل.
4 -
بناء الحجاج بن يوسف الثقفي: وهو ما اتفق عليه المفسرون والمؤرخون، ولعل العدد إحدى عشرة عمارة للكعبة المشرفة قد شملت أعمال الإصلاح والتجديد والتعمير.
أما في العهد السعودي فقد شهدت الكعبة تطوراً هائلاً في صيانتها وعمارتها، إذ تم تجديد سقفها مرتين، كما تم كسوة جدرانها الداخلية، وأرضها، وسقفها بالرخام الممتاز، وتجديد بابها وصنعه من الذهب الخالص، وكذلك الباب المؤدي إلى سطح الكعبة، واستبدال الميزاب بميزاب جديد مصنوع من الذهب، ثم تجديد عتبات السلم، والجدار الداخلي للكعبة المشرفة، وعمل سلم متحرك لدخول الكعبة المشرفة عليه أجهزة تكييف لتلطيف الجو بداخلها عند فتحها بواسطة فتحات كبيرة في أعلى السلم يندفع منها الهواء البارد من مكيفات هواء وضعت في أسفل السلم، ويتم إيصال الكهرباء لها عن طريق وصلات كهربائية موجودة في صحن المطاف. ولعل الترميمات وإصلاح سقفي الكعبة وجدرانها وأرضها التي تمت في الكعبة المشرفة عام 1417هـ في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز من الإصلاحات الشاملة للكعبة. وقد صدر في ذلك كتاب خاص بعنوان (الكعبة المشرفة) لعبيد الله محمد أمين كردي، من إصدارات مجموعة ابن لادن السعودية لعام 1419هـ، وبين فيه تفصيلات وافية عن الإصلاحات التي تمت في الكعبة المشرفة في عهد خادم الحرمين الشريفين.
وقد بينت الدراسة تباين ألوان كسوة الكعبة المشرفة وجودتها حسب الإمكانات المادية، وحسب جودة الصناعة في تلك الفترة، كما تعددت الجهات التي كانت ترسل الكسوة للكعبة المشرفة من عصر إلى آخر، حسب تبعية حكم الحجاز لتلك الدولة وقوة نفوذها، حتى إنه لوحظ توقف وصول الكسوة، أو عدم وصولها في موعدها المحدد في العصور الماضية، لظروف اقتصادية، أو سياسية، أو لكليهما. ولكن في العهد السعودي تم إنشاء مصنع خاص لصنع كسوة الكعبة الشريفة بالمملكة، وذلك لمنع المزايدات والمساومات التي كانت تثار بين الحين والآخر حول تأمين الكسوة السنوية للكعبة، وما كان يرافق ذلك من محامل وطبول وأهازيج لا تمت للحج بصلة، وقد تم تزويد المصنع الجديد بأحدث الآلات والأنوال والنسيج من الحرير والقصب، وأدوات الصباغة، وكانت عملية التطوير مستمرة في المصنع، كما مر بنا في هذا البحث. ونتيجة للجهود السعودية المثمرة، والبذل السخي من ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية أصبحت الكعبة ترتدي كل عام كسوتها المصنوعة من أفضل أنواع الأقمشة الحريرية، فيشاهدها الجميع وهي تلبس أبهى حللها في موعدها المحدد، وذلك بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل جهود أولي الأمر في مملكتنا الحبيبة؛ علاوة على ذلك فإن الملك عبد العزيز وأبناءه البررة من بعده قاموا بتنظيم شؤون الحرمين، وتخصيص الأموال الكبيرة للقائمين عليهما من الموظفين والمدرسين والوعاظ والفنيين، كل ذلك تدفعه الدولة دون تردد، ودون أي منة خدمة للإسلام والمسلمين، وطلباً للأجر والثواب من الله.
وفي هذه الدراسة يتضح أن مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام والمطاف وما حولهما، شهدا تطوراً معمارياً رفيعاً بعد أن كان مقام إبراهيم يحيط به بناء ضخم يعيق حركة الطائفين حول الكعبة المشرفة، وبعد استشارة العلماء من مختلف بلدان العالم الإسلامي الذين حضروا اجتماعاً خاصاً في رابطة العالم الإسلامي، تمت إزالة المباني المحيطة بالمقام، ووضعه في مقصورة نحاسية غاية في الروعة والجمال، ومغلفة بالزجاج البلوري الفاخر، مما يمكن لأي شخص مشاهدة المقام من خلال هذا الزجاج الشفاف، وبمساحة لا تزيد على (180 × 130 سم)، وارتفاع حوالي (75سم) فوق القاعدة الرخامية التي يزيد ارتفاعها على متر وعشرين سنتيمتراً، وقد زاد هذا العمل من سعة المطاف، وانتهت بذلك مشكلة الزحام الشديد الذي كان يحدث عند مقام إبراهيم عليه السلام، ويعيق حركة الطائفين، وأصبح قطر المطاف يشمل كامل مساحة الصحن حتى الأروقة، بمساحة تزيد على (85) متراً من ناحية المقام مما سهل الحركة في صحن المطاف، وجعل جموع الطائفين تؤدي طوافها بسهولة ويسر.
وفيما يخص السقيا في الحرمين الشريفين فقد تحولت خدمة المياه في بئر زمزم من استخدام السقاة، والدلو، والمبنى الكبير الذي يتوسط صحن المطاف في العصور السابقة المقام حول البئر، إلى تصميم مبنى جديد رائع التخطيط وضع تحت الجزء الشرقي من صحن المطاف، فتمت الاستفادة من منطقة سقيا زمزم من مدخلين؛ أحدهما للرجال، والآخر للنساء. وقد نظمت المنطقة السفلية، وكيفت، ووضع فيها مجموعة كبيرة من صنابير الماء، وأصبح الماء يأتي لهذه الصنابير مبرداً بعد مروره بأشعة ضوئية خاصة لتعقيمه، كما عملت مضخات لسحب مياه البئر ورفعها إلى أعلى مع متابعة تطهير البئر باستمرار، وقد أنشئ خط لتوصيل ماء زمزم إلى موقف سيارات كدي؛ لتوفير المياه لكل من يريد أن يتزود بماء زمزم. كما وضعت أماكن متعددة في المسعى، وداخل المسجد وحوله لشرب ماء زمزم لمن يريد، وأعدت ناقلات كبيرة لنقل ماء زمزم يومياً من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة طوال العام، وتوزيعه للزوار والمصلين في المسجد النبوي الشريف، بوضعه في حافظات بلاستيكية أمام المصلين وحولها كاسات من البلاستيك.
وفي الوقت نفسه تم استبدال الأواني الفخارية التي كانت توضع أمام المصلين في الأروقة والساحات طوال العام، وتزداد أعدادها في أيام رمضان والحج، وكانت تلك الأواني الفخارية كثيراً ما يتعرض بعضها للكسر دون قصد بين فترة وأخرى، مما يؤدي إلى إراقة الماء على أرضيات الساحات والأروقة وعلى السجاد المنتشر في الحرمين الشريفين، فيسبب إزعاجاً كبيراً للمصلين، ولهذا تم في العهد السعودي تأمين أوعية بلاستيكية توضع بها المياه المبردة وحولها أماكن للكاسات البلاستيكية النظيفة وأخرى للمستعملة، وتوزيعها أمام المصلين داخل الحرمين الشريفين، وخارجهما في الساحات المحيطة، مما أدى إلى وفرة ماء زمزم المبارك، وسهولة الحصول عليه مبرداً.
وشهد المسجد النبوي الشريف تطوراً هائلاً في أعمال البناء وتقنيته، وظهرت روعتها في التوسعة التي أضافت القباب المتحركة آلياً التي تغطي (27) فناء، طول ضلع كل منهما (18 × 18م)، وهي تقنية حديثة استخدمت لأول مرة في المسجد النبوي الشريف، فأضفت خصوصية جديدة للاستفادة من الهواء والإضاءة الطبيعية، وخاصة في الفصول المعتدلة، كما تم تكييف المسجد النبوي الشريف بوحدات التكييف بالماء البارد لتلطيف الجو بالهواء البارد لتلطيف الجو بالهواء البارد داخل المسجد النبوي الذي يأتي بواسطة تقنية عالية الجودة والتكاليف، جعلت من قواعد الأعمدة في الدور الأرضي الرئيس فتحات يخرج منها الهوءا البارد، القادم من محطات التبريد عبر أنابيب خاصة، وبأطوال كبيرة. كما أنه أحدث نفق للخدمات يصل بين الأقبية وموقع محطات التبريد الواقعة بجوار مدينة الحجاج بطول سبعة كيلو مترات، وعرض (6.10م)، وارتفاع (4.10م) لتوصل الماء البارد من محطة التبريد إلى المسجد، ثم يتم تسليط الهواء عليه بواسطة تربينات خاصة لتبريد الهواء ونقله إلى كافة أرجاء المسجد لتبريدة من خلال قواعد الأعمدة. كما تم بناء محطة مولدات احتياطية بطاقة (125.000) كيلو وات لخدمة المسجد النبوي الشريف، وقد سبق الحديث عن ذلك في هذا البحث بالتفصيل.
ولقد حققت توسعة الحرمين الشريفين تطوراً كبيراً في المنطقة المركزية المحيطة بالحرمين الشريفين في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة بنظرة واقعية وتطلعات مستقبلية، بدأت بإحاطة الحرمين الشريفين بساحات واسعة لتسهيل حركة المصلين، تتفرع منها شوارع فسيحة تطل عليها مباني مجمعات سكينة، وتجارية، وفندقية، أقيمت بمواصفات عالمية، تقوم بتقديم أفضل خدمات السكن، والطعام، والشراب، والتسوق للحجاج والمعتمرين والزوار، بمستوى متطور يفوق الوصف. وقد تميزت هذه المباني بتوفر الخدمات اللازمة بها، مع المحافظة على العنصر الجمالي والتهوية الجيدة، وتوافر كافة وسائل السلامة، والاتصال السلكي واللاسلكي، مما جعل القدرة الاستيعابية لتلك المساكن والفنادق تتضاعف إلى عشرات الأضعاف، فضلاً عن الارتقاء العظيم في مجال الخدمات العامة التي يتمتع بها سكان هذه المجمعات السكنية من الحجاج والمعتمرين والزوار والمواطنين، وهذا بالطبع انعكس على ظهور تطور كبير في مناطق متعددة في المدينتين المقدستين بعد أن أعيد تخطيطهما على أحداث طراز. كما أن المباني التي تم هدمها لصالح مشروعات التوسعة دفع أهلها إلى شراء مساكن حديثة بديلة في أحياء جديدة، فامتدت الرقعة العمرانية والسكانية في المدينتين المقدستين إلى نطاق واسع، خاصة بعد توافر وسائل النقل الحديثة في المدينتين المقدستين، وفي غيرهما عن مناطق المملكة.
إن هذه الإنجازات العظيمة التي حققتها حكومة المملكة العربية السعودية في هذه البقاع المقدسة جعلت كل مسلم عمر الله قلبه بالإيمان والتقوى يشعر بالسعادة والراحة التامة والأمن والطمأنينة والرضا حينما يرى هذه الإنجازات العملاقة التي تحققت في الحرمين الشريفين، فيلهج لسانه بالدعاء، والتوفيق، والعز، والتمكين لحكام هذه البلاد من آل سعود الأفذاذ الذين نذروا أنفسهم، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل خدمة قاصدي الحرمين الشريفين، وتعميرهما والعناية بهما، حتى صار ذلك مصدر فخر لكل مسلم.
بارك الله لولاة الأمر في حكومتنا الرشيدة، وأجزل لهم الثواب والأجر العظيم منذ عهد الباني المؤسس لهذا الكيان العظيم الملك عبد العزيز آل سعود، وامتداداً لعهد أبنائه الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد رحمهم الله، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، وسمو النائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وجميع الأمراء من آل سعود، حفظهم الله وأيدهم بعزه ونصره، وجعل الله هذه الأعمال الجليلة في موازين حسناتهم.