الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتنة وموقف المسلم منها في ضوء القرآن
المؤلف/ المشرف:
عبدالحميد بن عبدالرحمن السحيباني
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار القاسم - الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1417هـ
تصنيف رئيس:
توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:
فتن معاصرة
الخاتمة
وبعد أن عشت هذه الفترة مع هذا الموضوع الخطير (الفتنة وموقف المسلم منها في ضوء القرآن) والذي أحمد الله – تعالى – على تيسيره لي بالانتهاء منه أذكر أهم ما توصلت إليه من نتائج، وذلك في الأمور التالية:
1 -
اتضح لي أهمية دراسة بعض الموضوعات القرآنية دراسة موضوعية، حيث تكشف لنا مثل هذه الدراسة عن جوانب مهمة، يصعب الوصول إليها عن طريق الدراسة التحليلية، وبخاصة إذا كانت هذه الموضوعات من الموضوعات المستجدة، والمرتبطة بواقع العصر مثل موضوع (الفتنة).
2 -
علمنا من خلال التعريف اللغوي لكلمة الفتنة دوران الكلمة حول عدة معان، أكثرها ارتباطا بموضوعنا أن الفاء والتاء والنون من هذه الكلمة أصل صحيح يدل على الابتلاء والاختبار، إلا أن الفرق بين الفتنة والابتلاء أن الفتنة أعم من الابتلاء، والفتنة كذلك ابتلاء وزيادة، كما أن أفعال الابتلاء تأتي مسندة إلى الله – تعالى – بالاسم الظاهر، وبالضمير العائد إليه سبحانه، بخلاف الفتنة فلا تأتي الأفعال منها مسندة إلى الاسم الظاهر مطلقا؛ لأن من معاني الفتنة ما لا يكون حسنا.
وعرفنا من خلال ذكر معاني الفتنة في القرآن أن لفظ الفتنة في القرآن قد جاء على عدة معان، منها: الابتلاء، والصد عن السبيل، والعذاب .. الخ.
3 -
أوضحت في مجالات القتنة في القرآن ثلاثة أمور أولها: الابتلاء، وذكرت هنا ابتلاء الأنبياء، - عليهم الصلاة والسلام – وما واجهوه من فتن ومحن، وأثرها في تقوية إيمانهم بربهم – تعالى – وفندت ما جاء ضد بعضهم من إسرائيليات منكرة، لا تليق بمقام الأنبياء، وأوضحت المعنى الصحيح لفتنتهم.
وذكرت كذلك في مجال الابتلاء ابتلاء أقوام الأنبياء، وذكرت أن الفتنة قد محصت المؤمنين الصادقين من الكافرين المعاندين، وبينت كذلك ابتلاء الكافرين بالمؤمنين والعكس، وأثر ذلك في بيان حقيقة كل فريق على حدة، كما بينت في هذا المجال ابتلاء الناس كلهم بالخير والشر، وأثر ذلك على الجميع.
وفي المجال الثاني من مجالات الفتنة وهو بث الفرقة والاختلاف ذكرت دور المنافقين في زعزعة الصف المؤمن، فهم تارة يثيرون الفرقة والاختلاف بين المسلمين عن طريق الدعوة إليه كما في قصة بناء مسجد الضرار، وألمحت إلى صور ونماذج مما يفعله منافقو هذا الزمان، بما يشبه فعل سلفهم ببناء مسجد الضرار، مما يؤكد على أن طبيعة النفاق واحدة في كل عصر وزمن، وأن وسيلة المنافقين لا تتبدل، ولا تختلف.
وهم تارة يثيرون الفرقة بمحاولة الإفك على دعاة الإسلام، والافتراء عليهم، واختلاق التهم الباطلة ضدهم كما حصل ذلك في قصة الإفك، والتي يتكرر أمثالها في عصرنا الحاضر.
والمنافقون تارة يثيرون الخلاف بين المسلمين عن طريق التشكيك في صدق نبي الإسلام – صلى الله عليه وسلم – كما حصل في قصة الجلاس بن سويد بن الصامت لما قال: (والله إن كان هذا الرجل صادقاً فيما يقول لنحن شر من الحمير!) وبينت هنهنا ما يفعله بعض المنافقين في عصرنا هذا مما هو أشد من كلام الجلاس.
وذكرت كذلك في مجال بث الفرقة والاختلاف دور المنافقين في إثارة العصبية والتحزب بين المسلمين، وأوردت أمثلة توضح ذلك، كما في قول ابن سلول في غزوة بني المصطلق – وهو يخاطب الأنصار محرضاً لهم ضد المهاجرين:(هذا ما فعلتم بأنفسكم، احللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم!) وقد ربطت الموضوع بالعصر الحاضر فذكرت نماذج لما يفعله منافقو هذا العصر وأذنابهم من اليهود والنصارى لمحاولة بث الفرقة بين المسلمين عن طريق إثارة العصبية والتحزب بينهم.
وفي المجال الثالث من مجالات الفتنة وهو الصد عن سبيل الله – تعالى – ذكرت دور أعداء الله – تعالى – من الكافرين ومن نحا نحوهم من شياطين الإنس، في الصد عن سبيل الله – تعالى -، وحصرت الحديث في هذا المجال حول ثلاثة أمور، يسلكها هؤلاء ليؤدوا مهمتهم في الصد عن سبيل الله – تعالى – فالأمر الأول هو الإغراء والإغواء، وركزت فيه على قضيتين خطيرتين الأولى: محاولة الشيطان إغراء الإنسان وإغواءه وذكرت مثالين لذلك، والثانية: محاولة الزعماء والكبراء من شياطين الإنس إغراء أتباعهم وإغواءهم، وبينت أثر الانقياد لهم بأنه الخسارة في الدنيا، والهلاك في الآخرة.
وأما الأمر الثاني فهو محاولة صرف الناس عن القرآن، وفيه بينت تحذير الله – تعالى – لنبيه – صلى الله عليه وسلم – من أن يصده الكفار عن آيات ربه بعد إذ أنزلت إليه، لما يعلم سبحانه من محاولاتهم المتتابعة لصرفه – صلى الله عليه وسلم – عن القرآن، وبينت في ذلك الأثر الذي يحدثه هذا التحذير الإلهي على علماء الإسلام ودعاته أن يتنبهوا لمكائد الكفار في ذلك، ويقفوا أمامها كالجبال الشوامخ، ولو كان ذلك على حساب الجماجم والأشلاء.
وأن لا ينخدعوا بما خدع به أولئك المنهزمون الذين يبيعون دينهم مقابل إرواء النزوات، وإشباع الشهوات.
وأما الأمر الثالث: فهو محاولة خداع الناس وإغراقهم بالشهوات، وفيه بينت الأهداف التي يفعلها الكفار لتحقيق هذا الأمر، في مجال التربية والتعليم، وفي وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، وفي الخمور والمخدرات، ثم أخيراً في الرياضة والكرة.
ثم ختمت هذا المبحث الهام بذكر بعض التوصيات التي تمثل ما أراه علاجاً نقف به ضد تلك الأهداف الخبيثة والمؤامرات الحاقدة.
4 -
تبين لنا من خلال دراسة مظاهر الفتنة في القرآن خمسة مظاهر، أولها: الكفر والشرك، وتبين لنا من دراسة هذا المظهر الوسائل التي يسلكها المجرمون لإدخال المؤمنين في الشرك والكفر. والمظهر الثاني: النساء، وعرفنا عظم الفتنة بهن، وواجب الأمة في الحذر منهن، ومحاربة كل من يدعو إلى فسقهن ومجونهن، والمظهر الثالث: إتيان الذكران، وعرفنا أنه من أعظم الفتن وأكبر المحن التي تنزل بسببها النقم والبليات، وبينا في ذلك سبل الوقاية والعلاج، والمظهر الرابع: الحكم والسلطة، وبينا أنه من أشد الفتنة لما جبل عليه الإنسان من حب التملك والتسلط، وعرفنا أن من أكبر أسبابها الحاشية الفاسدة، وأن هنالك شروطاً وواجبات للحاكم، إذا التزم بها وطبقها كان ذلك عونا له على النجاة من هذه الفتنة. والمظهر الخامس والأخير: السحر، وعرفنا أنه من أعظم الفتن التي تمر بالمجتمعات الإسلامية لما له عليها من آثار موجعة، وظهر لنا من خلال دراسة هذا المظهر الأضرار العظيمة الناتجة من ظهور هذه الفتنة، وبينا الأمور التي تساعد على الخلاص من هذا الشر العريض.
5 -
اتضح لنا من خلال دراسة أسباب الفتنة في القرآن خمسة أسباب؛ الأموال والأولاد، والمعصية، واتباع الشيطان، وموالاة الكافرين، واتباع المتشابه، وعرفنا من خلال استعراض كل سبب من هذه الأسباب كيف يقع الإنسان بسببه في الفتنة، وشرحنا ذلك شرحاً مفصلاً.
6 -
تبين لنا من خلال دراسة أساليب القرآن في التحذير من الفتنة جمع من الأساليب القرآنية، فهذا أمر، وذاك نهي، وهذا تهديد وذاك تقريع، وهذا نفي، وذاك استفهام، وهذا تعجب، وذاك خبر، وهذا دعاء، وذاك شرط .. وعرفنا كيف دل كل واحد من هذه الأساليب على التحذير من الفتنة، وبينا الفتنة التي يحذر منها في كل أسلوب ذكرناه.
7 -
عرفنا من خلال استعراض آثار الفتنة في القرآن ستة آثار، حيث انكشف لنا أن الفتن تبين الصادقين، وتميزهم عن الكاذبين، كما أنها تكشف أستار المنافقين وألاعيبهم، وتفضحهم على الملأ، وعند حدوث الفتن والصبر عليها ينال المؤمنون بصبرهم عليها، وجهادهم المغفرة والرحمة من رب العالمين، وبحدوث الفتن والبلايا يتميز الصابرون والشاكرون الذين صبروا عند البلاء، وشكروا عند الرخاء، وكلاهما فتنة، يتميز هؤلاء من أولئك القانطين من رحمة الله، الجاحدين لنعمه وآلائه.
وعرفنا أنه بحدوث الفتن يعرف المسلم عدوه الشيطان، فيحذر من كيده ويتنبه لطرقه في الصد والإضلال لئلا يقع فيها.
كما أنه بالفتن يعرف المسلم أعداءه من اليهود والنصارى وأذنابهم، فيتنبه لمكرهم، ويحذر من الوقوع في شباكهم.
8 -
اتضح لنا من خلال مدارسة سبل النجاة من الفتنة تسعة أمور، فأولها الاعتصام بالكتاب والسنة، وثانيها لزوم الجماعة، وعرفنا أن أكثر الفتن التي نزلت بأمتنا إنما هي بسبب إهمال هذين الأمرين العظيمين.
وثالثها: إعلان الجهاد ضد الكفار، وإبراز القوة ضدهم، إذ أن كثيراً من الفتن التي حلت بالمسلمين وأهمها تسلط الكافرين ما وقعت إلا عندما أهمل المسلمون هذا الجانب العظيم في دينهم.
ورابعها: الصبر، إذ إن كثيراً من الناس قد وقع في الفتنة، وما ذاك إلا بسبب تركه للصبر، هذا السلاح العظيم.
وخامسها: اللجوء إلى الله – تعالى – فإن كثيراً من الخلق لا يكون بينه وبين الفتنة إلا شعرات، فما ينقذه من الوقوع فيها إلا لجؤوه إلى ربه، واستغاثته به، كما عرفنا ذلك من خلال آيات القرآن، وسنة نبينا الكريم- عليه الصلاة والسلام.
وسادسها: مقاومة أسباب الفتنة التي تقدم بيانها، إذ إن المسلم إذا لم يعرف أسباب الفتنة، ويقاومها بالطرق السليمة الصحيحة فربما وقع في الفتنة وهو لا يدري، فيندم بعد ذلك، ولات ساعة مندم.
وسابعها: الحذر من الأعداء، وعرفنا أن أهم الأعداء الذين تواجههم الأمة في هذا العصر ثلاث طوائف: اليهود والنصارى، والشيعة الإمامية، والمنافقون من علمانيين وحداثيين ونحوهم، واتضحت لنا من خلال هذه السبيل الطرق التي يجب علينا اتخاذها لنقاوم بها فتن هؤلاء الأعداء.
وثامنها: الحذر من الإشاعات، وعرفنا هنا خطر الإشاعات، وآثارها المدمرة في الفرد والأمة، وكشفنا عن الطرق التي يمكن سلوكها للنجاة من هذه الفتنة العمياء.
وتاسعها: - وهو آخرها – الثقة بنصر الله – تعالى – للمؤمنين، واليقين بأن المستقبل لهذا الدين مهما تكالب عليه الأعداء والحاقدون، ومهما داهمته الفتن، واجتمعت عليه الرزايا والمحن، وشرحنا ذلك شرحا مفصلاً كما شركه كتاب ربنا، وأوضحته سنة رسولنا – صلى الله عليه وسلم – وكشفه لنا تاريخنا ..
ونبهت هنا إلى أن الثقة بنصر الله – تعالى – لا تعني أن يعرفها المسلم، ويترك العمل لدينه، بل لابد مع هذه الثقة أن يسعى لخدمة دينه، والدفاع عن أبناء ملته من المستضعفين من المؤمنين في كل مكان، وأن تتحرك كل ذرة في جسده للعمل الجاد الصالح، وإن الله – تعالى – إذا علم من العبد صدقه في ذلك وفقه وأعانه، ويسر له السبل في ذلك مهما بلغت مشقتها، فإنه بيديه وحده – سبحانه – مقاليد الأمور، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون، وهو سبحانه الغالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.