الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النظام العام للدولة المسلمة – دراسة تأصيلية مقارنة
المؤلف/ المشرف:
عبدالله بن سهل ماضي
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار كنوز اشبيليا – الرياض ̈الأولى
سنة الطبع:
1430هـ
تصنيف رئيس:
سياسة شرعية
تصنيف فرعي:
سياسة شرعية - أعمال شاملة ومنوعة
الخاتمة:
فهذه أهم نتائج البحث والتوصيات المقترحة أسوقها مختصرة موجزة كما يلي:
أهم النتائج:
1 -
الأصل اللغوي للنظام: هو الخيط، وهذا المعنى يتفق مع المعنى الحسي والمعنوي للنظام، ففيه الانتظام والثبات والاستقرار.
2 -
النظام في الاصطلاح له معنى موضوعي وهو: مجموعة من الأحكام التي تتعلق بموضوع محدد وتعرض في صور مواد متتالية، كما أن له معنى شكلياً يقصد به: الوثيقة المكتوبة التي تصدر عمن يملك حق إصدارها وتهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد في مجتمعهم وإدراك مصالحهم.
3 -
تباينت أقوال الفقهاء في تعريف العام، والراجح أنه: كلام مستغرق لجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد.
4 -
الدولة المسلمة عرفت بأكثر من تعريف، ومن أجمعها تعريفها بأنها: جماعة المسلمين وأهل ذمتهم الذين يقيمون على أرض تخضع لسلطة إسلامية تدبر شؤونهم في الداخل والخارج وفق شريعة الإسلام.
5 -
النظام العام لدى الفقهاء لم يرد بهذا المصطلح، ولكنه معروف لديهم ومستعمل تحت ألفاظ أخرى تؤدي إليه، مثل: الخير العام، والنفع العام، والصالح العام، أو المصلحة العامة.
6 -
نظرة الفقهاء للنظام العام تبلورت من خلال ثلاثة أمور تعتبر هي مداخل لتأسيس فكرة النظام العام لديهم، وهي:
أ- فكرة حق الله أو الحق العام: وتتضح صلته بالنظام العام من خلال أن حق الله هو ما قصد به التقرب إليه قصداً أولياً، وإقامة دينه وتعظيمه سبحانه وعبادته، والبعد عن محرماته، وكل ما يتعلق بالمصالح العامة وتحقيق النفع العام من غير اختصاص بأحد، وهذا ما يتضمنه النظام العام.
ب- فكرة الحكم الشرعي أو الحلال والحرام: وترتبط بالنظام العام من حيث إن حق الله الذي يتضمنه النظام العام واجب الإتيان، وهو على سبيل الحتم والإلزام، وهذا هو معنى الواجب والمحرم، كما أن النظام العام يمنع تغيير صفة المندوب أو المكروه أو المباح بالكلية.
ج- فكرة المصلحة: وترتبط بالنظام العام بروابط عديدة من أهمها اشتراكهما في الهدف والغاية، فالنظام العام يحقق المصلحة ويستمد في ذات الوقت منها.
7 -
النظام العام لدى أهل القانون غير محدد وغير واضح؛ لاعتماده على المعيارية القائمة على المصلحة العامة، والنسبية الزمانية والمكانية، وغالب تعريفاتهم تؤول إلى وصفه بأنه مجموعة من الأسس السياسية والاجتماعية والاقتصادية والخلقية التي يقوم عليها كيان المجتمع.
8 -
يمكن تعريف النظام العام بأنه: (مجموعة من الأحكام والإجراءات الموضوعة لحماية المجتمع وتحقيق النفع العام له في الدنيا والآخرة، والتي لا يجوز لأحد مخالفتها، أو إسقاطها، أو تعديلها، أو الاتفاق على خلافها).
9 -
هناك فروقات عديدة ومتنوعة بين النظام العام والسياسات العامة أو الآداب العامة والمصلحة العامة أو العارضة.
10 -
للنظام العام أهمية كبيرة في الشريعة الإسلامية تتجلى في عدد كبير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وفي الآثار المروية عن السلف، سواء في الجانب العقدي، أو الفكري، أو السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الأمني، أو الاستراتيجي.
11 -
تتضح أهمية النظام العام في الأنظمة من خلال ما يلي:
أ- علاقته بالدولة المسلمة القائمة على التلازم النظري والتطبيقي والانسجام الكامل اللازم بينهما؛ ولذلك شواهد عديدة في النظام السعودي.
ب- ارتباط النظام العام بالسلطات الرئيسة في الدولة، كالسلطة القضائية التي يحميها النظام العام وهي في ذات الوقت تعد مصدراً له لأجل تحقيق العدالة في المجتمع، وارتباطه مع السلطتين التنفيذية والتنظيمية في قيام السلطتين بتطبيق قواعده وأحكامه المحققة للنفع العام في المجتمع.
ج- ارتباط النظام العام بفروع القانون المختلفة، حيث إنه يمثل الحد الأدنى من الحماية للأسس التي تقوم عليها الجماعة، فهو يتسع ليشمل فروع القانون المختلفة (العام والخاص)، وهو يقيم نظاماً ذا أولوية لحل الصعوبات القانونية الطارئة، وهو متنفس للتغيير وفي ذات الوقت مصدر للقانون.
12 -
دائرة النظام العام في الشريعة الإسلامية ليست واسعة، فهو يختص بتطبيق قواعد الدين وشرائعه الأساسية التي تعد من حقوق الله؛ وبالتالي فهو اجب التطبيق في الشريعة الإسلامية، ويتفق القانون معها في هذا الحكم، والنظام السعودي أوجب ذلك أيضاً.
13 -
النظام العام يستند في مصدريته إلى أدلة متفق عليها وتمثل استمداداً له، وهي:
أ- القرآن الكريم: وله دلالة لفظية وأخرى غير لفظية على النظام العام، فالدلالة اللفظية تتضح من خلال النصوص القرآنية الدالة على مراعاة المصلحة العامة وما يضادها من المفسدة، وحدود الله وحقوقه والاعتصام بحبله وعدم التفرق، والدلالة غير اللفظية تتبين في النصوص المتضمنة ضرب الأمثلة والاستدلال العقلي على النظام العام وعلى الدعوة للدخول في السلم العام والطاعة العامة والانقياد العام، وكذلك تأكيد مسألة المصدرية والمرجعية الربانية.
ب- السنة مماثلة للقرآن في دلالتها اللفظية: وفي المقابل استخدمت في دلالاتها غير اللفظية أسلوب التحذير من التساهل في حدود الله والشفاعة فيها، وإبطال الأحكام المخالفة للنظام العام، ووجوب الطاعة والامتثال لأحكام الشرع.
ج- يشترك الإجماع مع النظام العام في الأهداف والغايات من وجوب الطاعة واتباع سبيل المؤمنين ولزوم وحدتهم، كما أن الإجماع واجب الاتباع وهو مبني على النص ومن أنكره كفر، فهو من النظام العام.
د- للقياس دلالة على النظام العام تأتي من وجوبه ولزومه وابتنائه على أصول شرعية ثابتة هي ذات الأصول التي بني عليها النظام العام، كما أن علة القياس التي هي أساس فيه تقوم على الوصف المناسب المرتبط بالمصلحة التي يرعاها النظام العام، كما أن القياس يستخدم وظيفياً في إثبات النظام العام من خلال قياس النظام العام على أمور مهمة في الدولة تشترك معه في الأهمية والرسوخ كقاعدة الطاعة ومبدأ التشريع.
14 -
يوجد في مقابل الأدلة المتفق عليها أدلة مختلف فيها ولها أيضاً دلالة على النظام العام وتمثل مصدراً له، وهي:
أ- المصالح المرسلة: ودلالتها على النظام العام تنشأ من رابطة المصلحة، فالنظام العام قائم على فكرة المصلحة العامة ورعايتها، كما أن المصلحة المرسلة لابد من أن تكون عامة ومستندة إلى أصل كلي، بل هي تمد النظام العام بالأحكام المناسبة في التدابير والإجراءات المستجدة.
ب- سد الذرائع: وتتضح دلالته من ارتباطه بمقاصد الشريعة التي هي من النظام العام، كما أن سد الذرائع يحمي أحكام النظام العام بسده للذرائع المفضية إلى الإخلال به، كما أنه يرتبط باعتبار المآلات الذي هو أصل من أصول النظام العام.
ج- الأعراف والعادات: النظام العام مفتقر إليها لابتناء أحكامه وقواعده وتطبيقها على الواقع، ولاسيما في الإجراءات والتدابير المستجدة، كما أن مساهمة العرف في تفسير بعض أحكامه واضحة، وهذا يدعم أحكام النظام العام في مرونتها وعموميتها وفي أثناء التقاضي فيها، كما أن العرف القانوني أيضاً يشترط لإعماله أن يكون متوافقاً مع النظام العام.
د- الاستحسان: وهو يقوم أصلاً على أدلة قوية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ونحوها، فهو رديف لهذه الأدلة في دلالتها على النظام العام، كما أن إعمال قاعدة الاستحسان يهدف إلى رفع الحرج والمشقة، وهذا أصل من أصول النظام العام، والاستحسان من الأصول التي بنيت عليها قاعدة مآلات الأفعال أيضاً.
15 -
لمقاصد الشريعة دلالة كبيرة على النظام العام من أهمها رابطة المصلحة العامة التي يرعيانها، كما أن الحتم والإلزام الذي تمتاز به قواعد النظام العام من ضمن مقاصد تلك الأحكام، كما يتضح أن المقصد الأساسي للشريعة هو أصلاً تحقيق النظام العام وتطبيقه على واقع الحياة.
16 -
القواعد والأحكام الكلية تساهم في إمداد النظام العام بأحكام وقواعد لبعض القضايا والنوازل المستجدة، ومن هنا تأتي دلالتها على النظام العام، فهي تمثل نظاماً عاماً بوجوب تطبيقها من القاضي أو المفتي أو غيرهما، وهي تقود لمعرفة مقاصد الشريعة وتعطي النظام العام تجدداً مستمراً باستمرارها.
17 -
المعاهدات والاتفاقيات ذات دلالة مهمة على النظام العام من خلال وجوب احترامها والالتزام بها، كما أن معاهدات الرسول صلى الله عليه وسلم هي بذاتها مصدر تشريعي للنظام العام، وكذلك مصدر تفسيري له.
18 -
للنظام العام تقسيمات عديدة باعتبارات متنوعة؛ سواء في الفقه أو النظام، ومن أشمل تقسيماته هو تقسيمه إلى نظام عام داخلي وآخر خارجي، فالداخلي محصور داخل الدولة وحدودها الإقليمية، والخارجي هو خارج حدودها المحلية؛ فيفترقان من حيث المفهوم ومن حيث الموضوع تبعاً لذلك.
19 -
للنظام العام وظائف مهمة في الفقه الإسلامي، منها حماية المصلحة العامة كالتسعير الجبري وتحريم الرشوة، ومنها حماية الطرف الضعيف كالولاية على الصغير والمجنون وتطبيق نظرية الظروف الطارئة، ومنها حماية الغير كبطلان تصرفات المكره، ومنها حماية الإنسان نفسه كتحريم الانتحار ونحوه.
20 -
للنظام العام وظائف في القانون منها حماية الأسس العليا للمجتمع عن طريق القواعد القانونية التي لا يجوز مخالفتها، ومنها استبعاد تطبيق القانون الأجنبي المتعارض مع النظام العام.
21 -
للنظام العام خصائص من أهمها:
أ- أنه نظام مصلحي: وتتضح وجوه المصلحة في الفقه بعدة أساليب منها إخبار الله سبحانه عن بعض صفاته أو أهمية كتابه أو تبيان النصوص لبعض المصالح على وجه التحديد أو التي تحمل معاني كبرى من مبادئ النظام العام، وهناك أحكام مصلحية للنظام العام لا يعرف تفسيرها كتحريم الربا ويمكن للعقل تلمس بعضها. أما في القانون فالمصلحة هي أساس النظام العام لكنها مصلحة غير ثابتة بل متغيرة ومتبدلة، وفي النظام السعودي امتثال لمعاني المصلحة المتوافقة مع النظام العام الشرعي كتقرير مبادئ العدل والشورى والمساواة.
ب- العمومية: وتتضح في الفقه من خلال عمومية الخطاب التشريعي للجميع، كالتطبيق الممارس للشعائر كالصلاة والحج ونحوهما، وكطرق المحاسبة والتقاضي والعقوبة المفروضة على الجميع، ورعاية شأن الجماعة المستمر ورعاية الإنسان من حيث هو إنسان، والنظام السعودي زاخر بنصوص العمومية أيضاً.
ج- الشمولية: وتتضح في الفقه من حيث الشمول العقدي والعبادي والأخلاقي والتشريعي؛ أي الشمول الموضوعي، وفي النظام السعودي وردت نصوص عديدة تفيد هذا الشمول.
د- الثبات والمرونة: ويتضح في الفقه من خلال مبدأ الشورى، فهو ثابت في تشريعه مرن في تطبيقه والعدالة كذلك، والنظام السعودي قرر هذا المبدأ الكلي في النظام الأساسي للحكم وترك تفصيله للأنظمة الفرعية.
22 -
الإخلالات الواقعة على النظام العام هي من صور الفساد التي حذر منها الشرع، ونهى عن السعي فيها ومن سلوكها وممارستها، والنظام السعودي وضع استراتيجيات لمكافحة صور الإخلال تلك من خلال إسنادها إلى شخصية الملك ذاتها ومجلس الوزراء ومجلس الأمن الوطني ومجلس الشورى.
23 -
النظام العام حمى الفكر الإنساني وصانه من خلال صيانة التوحيد ووحدة التشريع وبناء القيم الخلقية وتقرير مبدأ العدالة.
24 -
نشر المعتقدات والمذاهب المخالفة من ضمن الإخلالات الواقعة على الجانب الفكري، وهي نشأت بسبب البدعة والقول على الله بغير علم واتباع الهوى وتحكيم العقل، والنظام العام منع كل صورها سواء في مجال نشر المعتقدات المخالفة أو في نشر المذاهب المخالفة، فهي كلها مخالفة للنظام العام الشرعي الفكري.
25 -
تعتبر الإساءة إلى الشعائر الدينية في المجتمع من الإخلالات الواقعة على النظام العام الفكري فيه، وتلك الشعائر هي التي تمثل قداسة إسلامية في مجتمع الدولة المسلم كالذات الإلهية والقرآن الكريم والأنبياء والصحابة والشعائر التعبدية وفروض الكفايات، وهذه الإساءة تتصادم كلياً مع النظام العام وقد جرمها الفقه الإسلامي والنظام السعودي.
26 -
بالنسبة لإساءة غير المسلمين للشعائر الدينية فهي تصادم النظام العام وهي أمر منكر وموجب لنقض العهد معهم وبراءة الذمة منهم.
27 -
أن المرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه طوعاً ولو مميزاً أو هازلاً بنطق أو اعتقاد أوشك أو فعل، والارتداد شكل من أشكال الإخلال الفكري بالنظام العام ولذا فهو محرم بنص الكتاب والسنة وإجماع الأمة. وهي تحصل بسب النبي، أو إنكار المحرمات الثابتة بدليل قطعي لا شبهة فيه، أو إنكار ما علم من الدين بالضرورة أو أمور الاعتقاد الثابتة أو الفرائض القطعية، أو باستباحة المحرمات الظاهرة.
28 -
أن هناك عقوبات مفروضة على الإخلال بالنظام العام الفكري كالتالي:
أ- عقوبة نشر المعتقدات والمذاهب المخالفة في الفقه تقاس على عقوبة المبتدع الداعي إلى بدعته، ومنها عقوبات: الهجر، والتشهير، والضرب، وتقاس على عقوبة المنافق الذي يظهر نفاقه.
ب- عقوبة الإساءة إلى الشعائر الدينية: هي القتل تعزيراً، فيحكم على من سب الله أو رسله أو كتبه بالقتل، وفقاً لما يقرره الحكم القضائي.
ج- عقوبة المرتد: هي القتل أيضاً، واختلف في المرأة المرتدة والصحيح قتلها، وبالنسبة لاستتابتهما فالصحيح هو القول بوجوب ذلك مراعاة لمقصد الشريعة في الإبقاء على روح التسامح والدخول في الإسلام.
والنظام السعودي عالج عقوبة الإخلال بالنظام العام الفكري من خلال عدة نصوص أكدت رعاية الشريعة وحمايتها والالتزام بالوحدة وعدم الدعوة إلى الفتنة والانقسام أو ما يضر بالشعائر الدينية، ومسؤولية المخالف عن ذلك وعقوبته.
29 -
التحريض ضد السلطة خلل أمني يقع على النظام العام، ومن صوره: الدعوة إلى قلب نظام الحكم، والتحريض للخيانة العظمى في الدولة، والتحريض لعصيان النظام العام وعدم تطبيقه، والدعوة إلى الفتنة السياسية وإثارة العداوات بين طبقات الشعب وفئاته، والدعوة إلى الاضطرابات والاعتصامات، ونحو ذلك. والنظام السعودي جرم التحريض من خلال تأكيد قاعدة البيعة والسمع والطاعة لولاة الأمر والدعوة إلى الوحدة، وعدد بعضاً من تلك الصور ضمن الممنوعات كما في نظام الضباط ونظام الأفراد ونظام الأمن الداخلي ونظام العقوبات للجيش السعودي.
30 -
أن رفض تطبيق النظام وتعطيل الدولة شكل من أشكال الإخلال بالنظام العام الأمني، وهي في الفقه تأخذ عدة أشكال منها: الحرابة، ومنها الافتيات على السلطة، فالمحاربون لا يمتثلون لتعاليم النظام وقواعده ويسيرون عكسه تماماً بقطع الطريق ونهب الأموال وقتل الأنفس، والافتيات على السلطة يعطل أجهزة الدولة ويسلب منها وظائفها الأساسية ومن صوره: تنفيذ الحدود أو القصاص أو التعزير دون السلطان، أو إصدار العملة، أو منح الإقطاعات، أو تقييد المباحات، أو إبرام المعاهدات، فهذه كلها من اختصاصات الدولة وحدها. وموقف النظام السعودي واضح من تحريم الحرابة وتم إصدار فتوى فيها، وكذلك مسألة الافتيات فالأنظمة حددت الاختصاصات والصلاحيات ومنعت من تجاوزها.
31 -
أن محاولة اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة من أشد الجرائم وأخطرها على النظام العام الأمني في الدولة، والفقهاء بحثوا مسائلها في عدة صور منها:
أ- أن اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة محرم وجريمة كبيرة حذرت منها الشريعة.
ب- أن اغتيال أصحاب السلطة العامة أمر محرم ويخالف النظام العام الأمني، واختلف في قاتله: هل يقتل حداً أم لا باعتبار الفساد العام الذي ينتج منه؟
ج- أن البغي من أوضح صور محاولة اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة، وهو يتحقق على الصحيح بالخروج على السلطة العادلة أو الظالمة، ويشترط فيمن يتحقق فيه جريمة البغي عدة شروط هي (الإسلام، المنعة، التأويل، الخروج، مخالفة النظام العام).
د- أن اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة من قبل الأعداء أمر مخل بالنظام العام يوجب قتالهم وجهادهم، وخصوصاً عند حصول النفير العام ودخولهم البلاد وحضور القتال.
وقد عالج المنظم السعودي مسألة محاولة اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة من خلال التأكيد في عدة نصوص نظامية على شكل المملكة وشعارها، وشكل الحكم فيها ودستورها وسيادتها، وأن هذه أمور غير قابلة للتغيير، وعلى تعزيز الوحدة الوطنية وحماية عقيدة الدولة وتطبيق شريعته، وإنشاء قوات مسلحة لمواجهة الأعداء، واختصاصات الملك في حال الحرب، وتجريم أفعال الخيانة العظمى والتعامل مع الأعداء حسبما ورد في نظام محاكمة الوزراء، كما أكد النظام السعودي على الفتوى الصادرة في جريمة الغيلة واعتبار عقوبتها حداً.
32 -
أن أعمال التخريب – كالتفجير والخطف والسطو – أمور مصادمة للنظام العام الأمني وحرمتها الشريعة تحريماً واضحاً في نصوص القرآن والسنة لما لها من آثار ونتائج خطيرة على جميع الجوانب الحياتية، والنظام السعودي أيد ما صدر من فتاوى تحرم وتجرم وتعاقب على تلك الأعمال، وجعل عقوباتها تطبيق حد الحرابة في حق مرتكبيها.
33 -
أن هناك عقوبات على مرتكبي الإخلال الأمني على النحو التالي:
أ- جعل الفقه عقوبة التحريض تحت إطار العقوبات التعزيرية وفقاً لحجم الجريمة وآثارها، والنظام السعودي عاقب عليها بالقتل أو السجن وبالغرامة وفقاً لنظام محاكمة الوزراء ونظام الضباط ونظام المطبوعات والنشر.
ب- بالنسبة لعقوبة رفض تطبيق النظام وتعطيل أجهزة الدولة فإذا كانت في صورة جريمة الحرابة فتعاقب بعقوبتها على اختلاف بين الفقهاء في نوعية العقوبة: هل هي على التخيير أو التنويع؟ والنظام السعودي أيد الفتوى الصادرة بأن عقوبتها على التخيير، وأن القضاة يثبتون الجريمة ويقترحون ما يرونه والملك يقرر ما يراه مناسباً.
وفي جانب الافتيات فإن العقوبة الفقهية لها حالات:
- إذا قتل المفتات معصوم الدم فإنه يقتص منه.
- إذا قتل المفتات غير معصوم الدم أو لم يقتل أصلاً فيعزر.
وللنظام السعودي موقف متشدد من الافتيات من خلال عدد من الأنظمة المعنية بمثل ذلك.
ج- أن عقوبة محاولة اغتصاب السلطة وانتهاك السيادة لها حالات:
- اغتيال الحاكم يأخذ حكم الغيلة الذي يعد – على الصحيح من أقوال العلماء – عقوبته حدية، والنظام السعودي قرر هذا وأكده.
- عقوبة البغي تتم وفق إجراءات معينة تبدأ بمفاوضات مع البغاة وطلب الإصلاح، ويتم قتالهم بما يدفع شرهم فقط.
د- أن عقوبة أعمال التخريب هي عقوبة الحرابة، والنظام السعودي أكد هذا أيضاً.
34 -
أن انتهاك حقوق الإنسان يعد إخلالاً بالنظام العام السياسي في الدولة المسلمة، ومن صور انتهاك حقوق الإنسان: انتهاك حق الحياة كالانتحار، وقتل الآخرين، والوأد، والإجهاض، وتشويه السمعة. ومن صور الانتهاك أيضاً انتهاك حق المساواة في الحق الإنساني، ومن صور الانتهاكات كذلك انتهاك حق الإنسان في العمل والملكية. والنظام السعودي كان وقافاً عند هذه المعايير، فأكد النظام الأساسي للحكم على أن الدولة تحمي حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية.
35 -
أن الاعتداء على الحريات العامة في المجتمع إخلال خطير بالنظام العام السياسي؛ لأن أساس الحرية في الشريعة الإسلامية هو التوحيد، ومن صور الاعتداء عليها: الاعتداء على الحريات المدنية كحرية الذات أي حرية الإنسان الأصلية، وحرية التنقل وحرية المسكن وحرية المراسلات، ومن صورها أيضاً الاعتداء على الحرية الفكرية، وكذلك الاعتداء على حرية التعبير عن الرأي، والحرية السياسية، وهذه الحريات هذبها النظام العام ورشدها وحدد مساحة المسموح به والممنوع من انتهاكه وفقاً للمصالح التي يهدف إليها.
والنظام السعودي أوضح ذلك كثيراً في عدة أنظمة منها النظام الأساسي للحكم، حيث أكد أن الحكم يقوم على مبادئ العدل والشورى والمساواة، وعلى رعاية الحريات المدنية كالمراسلات والتنقلات، وقد فصلت ذلك الأنظمة الفرعية كنظام الإجراءات الجزائية.
36 -
أن الإخلال بالعدالة وضمانات التقاضي أمر منعته الشريعة لأن فيه إخلالاً بالنظام العام السياسي للدولة نظراً لأهمية العدالة كمبدأ وأهمية القضاء كمرفق وجهاز يحقق العدالة، وأن من صور ذلك الإخلال في إجراءات التقاضي ومنها عدم كفالة حقوق المتهم.
37 -
استثناء أعمال السيادة من رقابة القضاء لا يعارض النظام العام؛ لأن ولي الأمر في الأساس هو صاحب الولاية العامة القضائية، وبالإضافة إلى ذلك يجوز له إعمال قاعدة الاختصاص القضائي واستثناء بعض الموضوعات من نظر القضاء، كما أن أعمال السيادة أساساً لابد من أن تكون متوافقة مع الشرع ومقتضيات المصلحة، والسلطة الحاكمة لا تنفك عن رقابة الأمة بالمناصحة والإرشاد، كما يمكن ترشيد هذا الاستثناء عن طريق إيجاد جهاز قضائي عال متخصص يعني بهذه الأمور وفق آليات محددة.
38 -
أن مسالة تدوين الأحكام للإلزام بها حصل بشأنها خلاف بين العلماء بين مؤيد ومعارض، والراجح جواز ذلك شريطة عدم مخالفة المستقر عليه من أحكام وقواعد النظام العام.
39 -
النظام السعودي زاخر بالنصوص التي تجرم كل أعمال الإخلال بالعدالة وضمانات التقاضي؛ من خلال تقرير مبدأ العدالة وإيجاد ضمانات تتعلق بحيادية القضاء واستقلاله أو إجراءات التقاضي والحكم فيها من خلال عدة أنظمة منها نظام الإجراءات الجزائية والمرافعات الشرعية ونظام القضاء.
40 -
أن العقوبة لمن أخل بالنظام العام في مجاله السياسي عقوبة تعزيرية للأفراد وللمباشرين في هذا المجال، وإذا كان الإخلال من السلطة ذاتها فيتم مناصحتها وتقديم الحلول الصحيحة لها، والنظام السعودي يعمل بذلك بالإضافة إلى فرض عقوبات على المباشرين كاللوم والحسم والعزل، والسجن.
41 -
الاعتداء على النظام النقدي في الدولة كتزييف النقود وتقليدها والتلاعب بالأسعار وأثمان السلع والخدمات من صور الإخلال بالنظام العام الاقتصادي، وهي أمور حرمتها الشريعة الإسلامية لما يحصل بسببها من ضرر اقتصادي عام، وفي النظام السعودي عدة أنظمة جرمت وعاقبت على ذلك كالنظام الجزائي الخاص بتزييف النقود، ونظام مؤسسة النقد العربي، ونظام مراقبة البنوك.
42 -
أن تجارة توظيف الأموال والمخدرات والأسلحة تقوم على عدة جرائم اقتصادية متنوعة أصبحت تعرف الآن بالجريمة المنظمة، فمفهومهما ونطاقهما وموضوعهما واحد، وأدت هذه الممارسة إلى نشوء أضرار فادحة في الاقتصاديات الدولية جعلت من محاربتها همّاً مشتركاً.
42 -
أن غسل الأموال جريمة اقتصادية ترتبط بتجارة توظيف الأموال والمخدرات والأسلحة، وهي من صور الإخلال بالنظام العام الاقتصادي، ومنعت لما فيها من أضرار اقتصادية واجتماعية وسياسية، والنظام السعودي جرم كل صور تجارة توظيف الأموال والمخدرات والأسلحة عبر عدة أنظمة، منها نظام المخدرات، والمؤثرات العقلية، ونظام الأسلحة والذخائر، ونظام غسل الأموال، والانضمام إلى معاهدة مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
44 -
أن المنافسات والتحالفات غير المشروعة من صور الإخلال بالنظام العام الاقتصادي، وهي في الشريعة مقاربة لفكرة الاحتكار المحرمة، وتتضمن تلك المنافسات آثاراً سيئة لتصادمها مع مبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي وأضرارها المتعددة، كالتحكم في كمية العرض، والتسبب في ارتفاع الأسعار، وبالتالي القضاء على المنافسة المشروعة، والمنظم السعودي أصدر نظاماً خاصاً بالمنافسة منع فيه كل صور المنافسات غير المشروعة.
45 -
الربا من أخطر القضايا التي تواجه الدولة المسلمة وتتعارض مع نظامها العام الاقتصادي، فهو محرم بنص الكتاب والسنة، ومنعه النظام العام لارتباطه بحق الله سبحانه وتعالى، ولأن في منعه مصلحة اقتصادية حيث إن الربا يمنع من الاستثمار في المشاريع المفيدة للمجتمع، ويتسبب في حدوث البطالة، ويضر بذوي الحاجات الشخصية، وفيه ظلم اجتماعي كبير.
46 -
أن من صور تقنين الربا وإشاعته؛ التعامل به في المصارف والبنوك العامة، وفي البنوك المركزية وفي الشركات والمؤسسات التجارية، وإيجاد جهات قضائية خاصة ببعض قضاياه، والنظام السعودي منع الربا من خلال النص على ذلك في نظام مؤسسة النقد العربي السعودي وبعض الأنظمة الأخرى.
47 -
للإخلال في المجال الاقتصادي عقوبات تعزيرية في الفقه تتناول جميع صور الإخلالات السابقة، والنظام السعودي عاقب على تلك الصور وفقاً للأنظمة التي سبق أن أشير إليها، وتتنوع تلك العقوبات بين القتل أو السجن والجلد والغرامة والمصادرة.
48 -
تفكيك وحدة الأسرة من ضمن الإخلالات الواقعة على النظام العام الاجتماعية في الدولة؛ ومن صورها الإخلال بعقد الزواج وأهدافه وغاياته، والدعوة إلى إباحة العلاقات الجنسية المحرمة، أو التحايل بالأنكحة الباطلة ونحوها، أو الإخلال بحقوق الأولاد بإباحة الإجهاض، أو التساهل في قضية النسب، أو الإخلال بحقوق الوالدين كحق الطاعة والرعاية والنفقة، وكذلك الإخلال بالحقوق الزوجية كحق القوامة والنفقة والعشرة بالمعروف.
49 -
أن تفكيك وحدة المجتمع تحقق إخلالاً أوسع في النظام العام الاجتماعي، سواء كان الإخلال سياسياً كنشر الفوضى والتحريض وزعزعة الاستقرار، أو أخلاقياً كنشر الفساد والترويج له وتسهيله، أو اقتصادياً كتعطيل مرافق المجتمع وممارسة الجرائم الاقتصادية التي تشل من حركته، أو عبادياً كالتساهل في أداء الشعائر والتقليل من قيمتها.
50 -
النظام السعودي نادى – وحذر في الوقت نفسه – في أكثر من نص نظامي بقضية الوحدة الأسرية والاجتماعية، وضمن النظام الأساسي للحكم نصوصاً من هذا النوع لتفادي أي إخلال يقع على البناء الاجتماعي في الدولة.
51 -
أن من المخاطر المحدقة بالنظام العام الاجتماعي انحراف أسس التربية والتعليم، وتتضح صور هذا الإخلال في انحراف التصور الحقيقي تجاه الخالق أو تجاه الكون أو تجاه الإنسان أو تجاه الحياة، مع أن أساس الانحراف نشأ من البعد عن التصورات الصحيحة المتوافقة مع منهج التربية الإسلامية.
52 -
النظام السعودي من خلال وثيقة سياسة التعليم قعد وأسس المبادئ الصحيحة للتربية والتعليم، وجعلها وفقاً لما جاءت به الشريعة، وأكدها النظام العام.
53 -
أن السلوك الجماعي المخالف للدين يكون إخلالاً بالنظام العام عندما يكون سلوكاً متطرفاً غالياً يجعل من صاحبه أداة للقتل والتدمير والتفجير وإبادة الآخرين، وهو من أشد السلوكيات المصادمة للنظام العام الشرعي في الدولة.
54 -
عقوبات الإخلال بالمجال الاجتماعي لا تختلف عن العقوبات السابقة، إلا أن الشريعة الإسلامية جعلت فيها العلانية والتشهير والتغليظ على الجاني على فعلته وعزله عن المجتمع، والنظام السعودي لاحظ هذه الأمور ومنع من تحول أي نشاط اجتماعي صحيح إلى أن يكون معول هدم وتفريق لوحدة الأسرة أو المجتمع.
55 -
أن العبودية بكل معانيها ومفاهيمها هي أهم خصائص النظام العام على الإطلاق ومن أبرزها، وهي تتحقق من جراء تطبيقه، وهو بذلك يخالف النظام العام القانوني الذي يخلو تماماً من أي جانب عبادي.
56 -
أن العدالة مبدأ كبير في بنيان الدولة المسلمة السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي فالنظام العام الشرعي للدولة المسلمة لابد من أن يحقق هذا المبدأ، وقد ظهر جلياً في عدة صور منها العدالة النفسية بأن يقدر كل إنسان في المجتمع أنه كامل الحقوق متساو مع غيره، وكذلك العدالة السياسية التي تظهر في تطبيقات السلطة وتعليماتها، وكذلك العدالة القانونية أي العدالة أمام القانون ومساواة الناس كلهم في ذلك، وكذلك العدالة الدولية التي تتعامل بهذا المبدأ مع غير المسلمين، وأيضاً العدالة الاجتماعية التي يستوي الجميع فيها في الفرص المتاحة على السواء، وأخيراً العدالة القضائية التي هي من أهم صور العدالة، وعلى صعيد النظام السعودي سبق أن أشير إلى أن هذا المبدأ مقرر في مواضع عديدة ومتكررة.
57 -
تحقيق الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة داخل ضمن إطار الضبط الإداري وهو مصطلح يعني بهذه العناصر، إلا أن النظام العام بالمفهوم الشامل يحتوي هذا وزيادة، وتظهر مراعاة النظام العام لهذه العناصر من خلال ما يلي:
أ- تظهر مراعاة النظام العام للأمن العام من خلال الحرص على السلامة العامة بما فيها حفظ الدين من الردة وحفظ النفس من القتل وحفظ النسل من الزنا وحفظ العقل من المسكرات، ومن خلال إقامة شعيرة الحسبة التي تأمر بما يصلح ذلك وتنهى عما يضره.
ب- تتحقق رعاية النظام العام للسكينة العامة من خلال رعاية البيئة وحمايتها، ومنع منغصات الحياة الهادئة وكل ما سبب عدم الاستقرار والهدوء.
ج- أما الصحة العامة فتتحقق رعاية النظام العام لها من خلال تحريم كل ما يضر ببدن الإنسان وصحته، وتحريم الخمور والمسكرات، ومنع كل سلوك مؤذ يضر بالصحة العامة كالزنا واللواط ونحوهما.
58 -
النظام السعودي اهتم بتلك العناصر الثلاثة من خلال عدة أنظمة عنيت بذلك، منها النظام الأساسي للحكم، ونظام المرور، ونظام الدفاع المدني، ونظام حماية المرافق العامة، ونظام الأنشطة المقلقة للراحة، ونظام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنظام الصحي.
59 -
ضبط السلوك الإنساني من أكبر مهمات النظام العام، ويسعى النظام العام إلى تحقيقها لارتباط النظام العام بنظام الأخلاق في الإسلام، وهو ما يفتقر إليه النظام العام القانوني الذي يكفي عنده التزام الناس بالحد الأدنى من السلوك، بينما النظام العام الشرعي يرقى بالإنسان إلى أرقى درجات السلوك الإنساني.
60 -
أن النظام العام له دور كبير في ضبط السلوك الإنساني، سواء كان سلوكاً حسياً كالسلوك التعبدي أو السلوك الإنساني التعايشي، أو السلوك الحضاري الاجتماعي، أو كان سلوكاً معنوياً كالحياء أو العفة أو الصبر، فكلها تهدف إلى إيجاد بيئة سلوكية إنسانية كاملة أو قريبة من الكمال، وقد ركز النظام السعودي كثيراً على تلك السلوكيات وحث عليها في مواضع منها:(الطاعة، الوحدة، التعاون، التكافل، الإيجابية، الاحترام .. )، ونحوها.
61 -
أن للنظام العام آثاراً قانونية عديدة يؤدي فيها دوراً محورياً هاماً كقضايا التحكيم وتنازع القوانين وتنفيذ الأحكام الأجنبية.
62 -
تتضح علاقة النظام العامة بالتحكيم من خلال عدة أمور منها أهلية التحكيم أي أشخاص التحكيم، فيجب ألا تخالف النظام العام، ولابد أيضاً من إعمال قواعد النظام العام في إجراءات التحكيم أي في موضوعه، والنظام السعودي يتفق مع هذا التوجه كما في نظام التحكيم ولائحته التنفيذية.
63 -
أن هناك علاقة للنظام العام مع مسألة تنازع القوانين تظهر في عدم تطبيق أحكام القانون الأجنبي إذا خالف النظام العام، ويكون للنظام العام بمقتضى ذلك منع تطبيق القاعدة القانونية في القانون الأجنبي واجب التطبيق والدفع به، ويشترط لذلك عدة شروط هي: وجود قانون أجنبي واجب التطبيق، تعارضه مع النظام العام في دولة القاضي، وينتج من ذلك استبعاد القانون الأجنبي وحلول قانون القاضي.
64 -
لا توجد في النظام السعودي أي آثار لمسألة تنازع القوانين أبداً؛ لأن القانون المطبق هو القانون الإسلامي المتوافق مع النظام العام.
65 -
تنفيذ الأحكام الأجنبية أمر مقرر في القانون الدولي الخاص، ويشترط عدة شروط من أهمها ألا تخالف النظام العام، فإذا خالفته لا يمكن تطبيقها، وإذا خالفته جزئياً وأمكن تطبيق الجزء الآخر فلا يمنع منه.
66 -
أن مسألة تنفيذ الأحكام الأجنبية في النظام السعودي نظمت بعدة وسائل كلها تؤكد عدم إمكانية التطبيق إذا خالف النظام العام الشرعي للدولة.
67 -
يترتب على مخالفة النظام العام بطلان جميع التصرفات والعقود المبرمة في ظل ذلك وهذا ما أكده النظام السعودي في النظام الأساسي للحكم ونظام الإجراءات الجزائية.
68 -
البطلان عند الجمهور واحد، وعند الحنفية هناك بطلان كلي وبطلان جزئي وهو الفساد، كما أن البطلان لأحكام النظام العام قد يكون موضوعياً حسب المجال الذي يتناوله، كذلك النظام السعودي شملت أحكامه بطلاناً متنوعاً إذا خالف النظام العام.
69 -
أساس تجريم الأفعال المخالفة للنظام العام أساس شرعي، سواء في الحدود أو القصاص أو التعازير المفروضة لحق الله.
70 -
طبيعة تجريم الأفعال المخالفة للنظام العام تستلزم وجود دعوى عامة فيها؛ أي دعوى الحسبة، وهي جائزة السماع على الصحيح من أقوال أهل العلم، وأقرها النظام السعودي وفق ضوابط محددة، وكذلك وجود شهادة حسبة وهي مقرة في الفقه والنظام السعودي.
71 -
لم يوجد في الفقه الإسلامي تخصيص للنظر القضائي في قضايا النظام العام، وللقضاء ولاية عامة على جميع القضايا، وهذا لا يمنع من وجود قضاء خاص بقضايا النظام العام من باب الاختصاص القضائي.
72 -
النظام السعودي لم يحدد قضاء متخصصاً بقضايا النظام العام، وهناك جهات قضائية عديدة تشارك في النظر في بعض تلك القضايا.
73 -
أن لعقوبات النظام العام عدة سمات منها:
أ- يجوز الرجوع عن الإقرار في الحدود فقط ويدرأ بها الحد، وغيرها لا يجوز، وهو المطبق في المحاكم السعودية.
ب- تسقط الحدود فقط بدفع التهمة، سواء بالدفع بالجهل أو الاضطرار أو الإكراه أو الشبهة، أما غيرها فلا، وهذا أيضاً مطبق في المحاكم السعودية.
ج- لا تجوز الشفاعة في الحدود إذا بلغت السلطات، ويجوز الستر فيها قبل ذلك، ويجوز ذلك مطلقاً في باقي العقوبات، وهذا ما عليه النظام السعودي.
د- تنقضي عقوبات النظام العام عموماً بالوفاة، وكذلك في النظام السعودي.
هـ- لا يجوز العفو في العقوبات الحدية للنظام العام، واختلف العلماء في غيرها، والصحيح أن الأمر راجع لولي الأمر وجسامة الجريمة وخطرها، وكذلك النظام السعودي يمنع من العفو في العقوبات الحدية.
والتقادم لا يسقط عقوبات النظام العام الحدية، واختلف في غيرها، وكذلك النظام السعودي إجمالاً.
ز- التوبة تسقط عقوبات النظام العام الحدية قبل القدرة على مرتكبها، أما بعد القدرة فلا أثر لذلك، وفي غيرها تكون مسقطة قبل الرفع الحاكم، وكذلك النظام السعودي.
ح- لا يجوز الصلح في عقوبات النظام العام الحدية وغيرها، وهذا ما أكده النظام السعودي أيضاً.