المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري - نتائج البحوث وخواتيم الكتب - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌اللجوء السياسي في الإسلام

- ‌المشاركة في البرلمان والوزارة عرض ونقد

- ‌المصالحات والعهود في السياسة الشرعية

- ‌النظام العام للدولة المسلمة – دراسة تأصيلية مقارنة

- ‌حقوق الإنسان في الإسلام (معاملة غير المسلمين في الإسلام)

- ‌تحكيم الشريعة ودعاوى العلمانية

- ‌عقد الذمة في التشريع الإسلامي

- ‌فقه الاحتساب على غير المسلمين

- ‌فقه المتغيرات في علائق الدولة الإسلامية بغير المسلمين – دراسة تأصيلية تطبيقية مع موزانة بقواعد القانون الدولي المعاصر

- ‌لماذا يكرهون حماس

- ‌معوقات الجهاد في العصر الحاضر تحليلاً وتقويماً

- ‌مفهوم الطاعة والعصيان

- ‌نظرية السيادة وأثرها على شرعية الأنظمة الوضعية

- ‌سياسة عالمية

- ‌أثر أهل الكتاب في الفتن والحروب الأهلية

- ‌البحر الأحمر والجزيرة العربية في الصراع العثماني البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى

- ‌السياسة الصهيونية تجاه مدينة القدس

- ‌المؤامرة الكبرى على بلاد الشام

- ‌المغرب وبريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر (1856 - 1886)

- ‌النخب السعودية - دراسة في التحولات والإخفاقات

- ‌ضحايا بريئة للحرب العالمية على الإرهاب

- ‌علاقة سلطنة لحج ببريطانيا

- ‌فلسطينيو العراق بين الشتات والموت

- ‌مؤامرة الغرب على العرب

- ‌محاولات التدخل الروسي في الخليج العربي 1297 - 1325هـ/ 1880 - 1907م

- ‌سيرة وشمائل محمدية

- ‌السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق (دراسة مقارنة في العهد المكي)

- ‌الواقدي وكتابه المغازي منهجه ومصادره

- ‌خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء

- ‌تاريخ

- ‌أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري

- ‌إمارة (أبو عريش) فترة الحكم المصري وإعلان التبعية العثمانية

- ‌الحرف والصناعات في الحجاز في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الحملة العثمانية على إمارة (أبو عريش) والسواحل اليمنية

- ‌الحياة العلمية في نجد

- ‌الخراسانيون ودورهم السياسي في العصر العباسي الأول

- ‌الخلافة الراشدة والدولة الأموية من فتح الباري

- ‌الرحلات العربية مصدر من مصادر تاريخ المملكة العربية السعودية في الفترة (1338هـ - 1373هـ / 1920م – 1953م)

- ‌الرحلات المغربية والأندلسية مصدر من مصادر تاريخ الحجاز في القرنين السابع والثامن الهجريين - دراسة تحليلية مقارنة

- ‌السياسة العثمانية تجاه إمارة (أبو عريش) والسواحل اليمنية

- ‌التيار الإسلامي في الخليج العربي – دراسة تاريخية

- ‌المهمشون في التاريخ الإسلامي

- ‌النقل والترجمة في الحضارة الإسلامية

- ‌النقوش الإسلامية على طريق الحج الشامي بشمال غرب المملكة العربية السعودية (من القرن الأول إلى القرن الخامس الهجري)

- ‌اليهود والدولة العثمانية

- ‌جبل إلال بعرفات تحقيقات تاريخية شرعية

- ‌جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين

- ‌حضرموت في المؤلفات العربية والأجنبية

- ‌حملة خليل باشا على إمارة (أبو عريش)

- ‌خميني العرب حسن نصر الله والرافضة الشيعة الشر الذي اقترب

- ‌تاريخ الخليج وشرق الجزيرة العربية المسمى إقليم بلاد البحرين في ظل حكم الدويلات العربية (469 - 963هـ/ 1076 - 1555م)

- ‌تاريخ الدولة الصفوية (في إيران)

- ‌تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام

- ‌تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري

- ‌عمارة المسجد الحرام والمسجد النبوي في العهد السعودي

- ‌قراءة جديدة في تاريخ العثمانيين التحالف الصليبي الماسوني الاستعماري وضرب الاتجاه الإسلامي

- ‌كرد العراق منذ الحرب العالمية الأولى 1914 حتى سقوط الملكية في العراق 1958م

- ‌كتب الرحلات في المغرب الأقصى مصدر من مصادر تاريخ الحجاز في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين

- ‌من قتل الحسين رضي الله عنه

- ‌منهج كتابة التاريخ الإسلامي

- ‌مواقف المعارضة في خلافة يزيد بن معاوية

- ‌مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (60 - 64ه

- ‌نهاية التاريخ دراسة شرعية تأصيلية جادة

- ‌وثائق قرية العليا (1365 - 1380هـ/ 1945 - 1960م) – المحفوظة بمكتبة الملك فهد الوطنية – دراسة وثائقية

- ‌وقفات هادئة مع أشرطة قصص من التاريخ الإسلامي

- ‌تراجم

- ‌أعلام الشناقطة في الحجاز والمشرق- جهودهم العلمية وقضاياهم العامة من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر الهجريين

- ‌أمراء وعلماء من الكويت على عقيدة السلف

- ‌الرقية الشافية من نفثات سموم " النصائح الكافية لمن يتولى معاوية

- ‌الشيخ صالح المقبلي حياته وفكره

- ‌الفرائد على مجمع الزوائد

- ‌المؤرخ عباس العزاوي وجهوده في دراسة تاريخ العقيدة والفرق المعاصرة في العراق

- ‌النظرية السياسية عند ابن تيمية

- ‌دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب

- ‌دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية - عرض ونقد

- ‌عبدالرحمن بدوي ومذهبه الفلسفي ومنهجه في دراسة المذاهب عرض ونقد

- ‌منهج ابن تيمية في الإصلاح الإداري

- ‌تربية وتعليم

- ‌أصول التربية الحضارية في الإسلام

- ‌الاختلاط في التعليم – النشأة والآثار

- ‌المدارس الأجنبية في الخليج – واقعها وآثارها

- ‌دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة

- ‌دور القضاء السعودي في الإصلاح التربوي في المملكة العربية السعودية

- ‌معلم الفقه الإسلامي وطالب الفقه الشرعي (بحوث في مؤتمرات دعوية وعلمية)

- ‌تفسير

- ‌آيات آل البيت في القرآن الكريم - الدلالات والهدايات

- ‌آيات الصفات عند السلف بين التأويل والتفويض من خلال تفسير الإمام الطبري

- ‌أسماء سور القرآن وفضائلها

- ‌استدراكات ابن عطية في المحرر الوجيز على الطبري في جامع البيان، عرضا ودارسة

- ‌الإجماع في التفسير

- ‌العهد والميثاق في القرآن الكريم

- ‌المسائل الاعتزالية في تفسير الكشاف للزمخشري في ضوء ما ورد في كتاب الانتصاف لابن المنير (620 - 683ه

- ‌في ظلال القرآن في الميزان

- ‌مدخل إلى ظلال القرآن

- ‌توحيد وعقيدة ومنهج

- ‌آثار حجج التوحيد في مؤاخذة العبيد

- ‌آراء أبي الحسن السبكي الاعتقادية – عرض ونقد في ضوء عقيدة السلف الصالح

- ‌آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية عرض ونقد

- ‌أحكام لعن الكافرين وعصاة المسلمين دراسة عقدية

- ‌أسماء الله الحسنى

- ‌أشراط الساعة

- ‌أصول الدين عند الإمام الطبري

- ‌أقوال التابعين في مسائل التوحيد والإيمان

- ‌أهل الحديث هم الطائفة المنصورة الناجية

- ‌الآثار المروية عن السلف في العقيدة في كتاب تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر

- ‌الآثار المروية في صفة المعية

- ‌الآثار الواردة عن أئمة السنة في أبواب الاعتقاد من كتاب (سير أعلام النبلاء) للإمام الذهبي جمعاً وتخريجاً ودراسة

- ‌الآيات البينات في تحريم دعاء الأموات

- ‌الأدلة الباهرة على نفي البغضاء بين الصحابة والعترة الطاهرة (محاولة للتقريب بين أهل السنة والشيعة وفقاً للأسس العلمية)

- ‌الأسماء والصفات في معتقد أهل السنة والجماعة

- ‌الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة

- ‌الإيمان حقيقته وما يتعلق به من مسائل

- ‌الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين

- ‌الاستقامة لابن تيمية تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم تصويبات وتعليقات "بحوث علمية محكمة

- ‌الاعتقاد القادري دراسة وتعليق "بحوث علمية محكمة

- ‌الانحرافات العقدية والعلمية في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وآثارها في حياة الأمم

- ‌البيهقي وموقفه من الإلهيات

- ‌الجهل بمسائل الاعتقاد وحكمه

- ‌الجوائز والصلات من جمع الأسامي والصفات

- ‌الحق الدامغ

- ‌الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه

- ‌الحكم والتحاكم في خطاب الوحي

- ‌الحياة الآخرة - ما بين البعث إلى دخول الجنة والنار

- ‌الدواهي المدهية للفرق المحمية (في الولاء والبراء)

- ‌الرؤى عند أهل السنة والجماعة والمخالفين

- ‌الرد الشامل على عمر كامل

- ‌الرد على المخالف من أصول الإسلام

- ‌الردة والحرية الدينية

- ‌السحر دراسة في ظلال القصص القرآني والسيرة النبوية

- ‌السنن والآثار في النهي عن التشبه بالكفار

- ‌الشرك في القديم والحديث

- ‌الشفاعة عند أهل السنة والرد على المخالفين فيها

- ‌الصارم البتار على شاتم سيد الأبرار

- ‌الصفات الإلهية تعريفها - أقسامها

- ‌التأويل في غريب الحديث من خلال كتاب النهاية لابن الأثير

- ‌التبرك أنواعه وأحكامه

- ‌التبيان لعلاقة العمل بمسمى الإيمان

- ‌التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية

- ‌التقليد والتبعية وأثرهما في كيان الأمة الإسلامية

- ‌التكفير في ضوء السنة النبوية

- ‌التكفير وضوابطه

- ‌التنجيم والمنجمون وحكمهم في الإسلام

- ‌العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي

- ‌العقيدة السلفية في كلام رب البرية وكشف أباطيل المبتدعة الردية

- ‌العقيدة الصافية للفرقة الناجية

- ‌العقيدة في أهل البيت بين الإفراط والتفريط

- ‌العلمانيون والقرآن الكريم

- ‌الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة

- ‌الفتنة وموقف المسلم منها في ضوء القرآن

- ‌القاسمي، محمد جمال الدين القاسمي، وآراؤه الاعتقادية

- ‌القبورية نشأتها آثارها موقف العلماء منها (اليمن نموذجا)

- ‌القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه

- ‌القواعد الكلية للأسماء والصفات

- ‌المباحث العقدية في حديث افتراق الأمم

- ‌المختصر المفيد في عقائد أئمة التوحيد

- ‌المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة وأقوال العلماء وآراء الفرق المختلفة

- ‌النفي في باب صفات الله عز وجل بين أهل السنة والجماعة والمعطلة

- ‌الوسطية في ضوء القرآن الكريم

- ‌بدع الاعتقاد وأخطارها على المجتمعات المعاصرة (الإرجاء - الغلو في الدين (التطرف) التصوف)

- ‌براءة أهل الحديث والسنة من بدعة المرجئة دراسة تأصيلية تفصيلية عن مراد السلف بدخول العمل في مسمى الإيمان

- ‌براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة

- ‌براءة السلف مما نسب إليهم من انحراف في الاعتقاد

- ‌بعض أنواع الشرك الأصغر

- ‌جزء فيه امتحان السني من البدعي

- ‌جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية

- ‌جهود الإمام ابن قيم الجوزية في تقرير توحيد الأسماء والصفات

- ‌جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف

- ‌جهود شيخ الإسلام ابن تيمية في توضيح توحيد العبادة

- ‌جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية

- ‌حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة

- ‌حقيقة التوحيد والفروق بين الربوبية والألوهية

- ‌حقيقة الكفر بالطاغوت وعلاقته بالإيمان بالله

- ‌حقيقة شهادة أن محمدا رسول الله

- ‌دراسات في أهل البيت النبوي

- ‌دعوة إلى السنة في تطبيق السنة منهجا وأسلوبا

- ‌دليل الفطرة والميثاق

- ‌رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه

- ‌زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه

- ‌شبهات التكفير

- ‌شرح أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته الواردة في الكتب الستة

- ‌صفة الغرباء - الفرقة الناجية - الطائفة المنصورة - 000

- ‌صفة النزول الإلهي ورد الشبهات حولها

- ‌صلة الغلو في التكفير بالجريمة

- ‌صيحة نذير بخطر التكفير لحق بكتاب التحذير من فتنة التكفير وتنبيه وتذكير

- ‌ضوابط التكفير مستقاة من المصادر السلفية

- ‌ضوابط تكفير المعين عند شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبدالوهاب والدعوة الإصلاحية

- ‌ظاهرة الغلو في الدين في العصر الحديث

- ‌تحقيق العبودية بمعرفة الأسماء والصفات

- ‌تدوين علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة

- ‌تعليقات على شرح العقيدة الطحاوية مع بيان مصادر الشرح "بحوث علمية محكمة

- ‌تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي عرض وتحليل على ضوء الكتاب والسنة

- ‌تناقض أهل الأهواء والبدع في العقيدة

- ‌عارض الجهل وأثره على أحكام الاعتقاد عن أهل السنة والجماعة

- ‌عالم السحر والشعوذة

- ‌عبودية الكائنات لرب العالمين

- ‌عصر الدولتين الأموية والعباسية وظهور فكر الخوارج

- ‌عقد التحكيم في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي

- ‌عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام

- ‌عقيدة الإمام ابن عبدالبر في التوحيد والإيمان

- ‌عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية

- ‌علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة (المبادىء والمقدمات)

- ‌فتح العلي الحميد في شرح كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد

- ‌فتنة التكفير

- ‌قدم العالم وتسلسل الحوادث بين شيخ الإسلام ابن تيمية والفلاسفة مع بيان من أخطأ في المسألة من السابقين والمعاصرين

- ‌قواعد في بيان حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة

- ‌كتاب ابن عربي الصوفي في ميزان البحث والتحقيق

- ‌مباحث المفاضلة في العقيدة

- ‌مختصر كتاب تصحيح المفاهيم العقدية في الصفات الإلهية

- ‌مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات

- ‌مسألة الإيمان في كفتي الميزان

- ‌مسالك أهل السنة فيما أشكل من نصوص العقيدة

- ‌مشكلة الغلو في الدين في العصر الحاضر الأسباب - الآثار - العلاج

- ‌مصادر التلقي وأصول الاستدلال العقدية عند الإمامية الاثني عشرية عرض ونقد

- ‌مظاهر الأخطاء في التكفير والتفسيق أسباب ذلك وعلاجه

- ‌من أصول السنة – ضوابط في التكفير، بدعة التوقف والحكم بغير ما أنزل الله

- ‌من عقيدة المسلمين في صفات رب العالمين بمنهج أهل السنة والجماعة

- ‌من مفاهيم عقيدة السلف الصالح - الولاء والبراء في الإسلام

- ‌مناهج اللغويين في تقرير العقيدة إلى نهاية القرن الرابع الهجري

- ‌منهج أهل السنة والجماعة في تدوين علم العقيدة (إلى نهاية القرن الثالث الهجري)

- ‌منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى

- ‌منهج ابن تيمية في مسألة التكفير

- ‌منهج الإمام ابن القيم في شرح أسماء الله الحسنى

- ‌منهج الإمام الشافعي في إثبات العقيدة

- ‌منهج الإمام الشوكاني في العقيدة

- ‌منهج الإمام محمد بن عبدالوهاب في مسألة التكفير

- ‌منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة

- ‌منهج الحافظ ابن حجر العسقلاني في العقيدة من خلال كتابه (فتح الباري)

الفصل: ‌تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري

‌تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري

‌المؤلف/ المشرف:

محمد آمحزون

‌المحقق/ المترجم:

بدون

‌الناشر:

دار طيبة - الرياض ̈الأولى

‌سنة الطبع:

1415

‌تصنيف رئيس:

تاريخ

‌تصنيف فرعي:

دراسات إسلامية

الخاتمة

نتائج البحث

لقد أوضحت هذه الدراسة:

• بيان بعض القواعد التي تساعد المؤرخ على تجنب الوقوع في الأخطاء التي مردها التسليم بجميع المرويات التاريخية وذلك ضمن الحديث عن الأسباب التي تقتضي الكذب في الأخبار.

• أن رواج الموضوعات في صدر الإسلام يعزى لأسباب عرقية وسياسية وطائفية ومادية.

• لقد كان الشيعة أعظم الفرق أثراً في تحريف التاريخ الإسلامي، فهم أخلاط من اليهود والنصارى والمجوس والملاحدة الباطنية الذين اتخذوا سمة التشيع لآل البيت ستاراً لبلوغ أغراضهم في هدم الدين الإسلامي وتحريف تعاليمه، وهم أكثر الطوائف كذباً على خصومهم، ولذلك كان لهم أكبر عدد من الرواة والإخباريين الذين تولوا نشر أكاذيبهم ومفترياتهم.

• بيان منهج دراسة التاريخ الإسلامي الذي ينقسم إلى قسمين:

أ - قسم خاص بالتوثيق وطرق إثبات الحقائق، حيث رسم العلماء المسلمون لذلك منهجاً يعتبر غاية في الدقة والإتقان. على أن تطبيق قواعد نقد الحديث في التاريخ أمر نسبي تحدده طبيعة الروايات.

ب - قسم خاص بتفسير الحوادث والحكم عليها، وهو يتعلق بالتصورات والمبادئ التي تفسر في ضوئها الأحداث. وحتى يستقيم منهج التفسير وتصح الأحكام التاريخية، فلا بد أن يكون الاستقاء في إطار المصادر والقواعد الشرعية. ولهذا الغرض تم سياق جملة من القواعد المهمة التي يجب أن يراعيها الباحث في كتابة التاريخ الإسلامي وفي تفسيره.

• إبراز المنهج الواجب اتباعه عند النظر في فقه تاريخ الصحابة، ويعني منهج فقه تاريخ الصحابة تلك الضوابط والأحكام الشرعية التي يمكن من خلالها التعامل مع تاريخ الصحابة. ويتكون هذا الفقه من مجموعة من الأحكام الشرعية المستمدة من مصادر التشريع الأساسية وهي: الكتاب والسنة والإجماع. ومن هذه الأحكام: عدالة الصحابة، والواجب لهم على المسلمين، وحكم من سبهم، وأن ذلك كله من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة بلا خلاف.

• التعريف بالإمام الطبري، إذ كان تاريخه أهم مصدر في هذه الرسالة. وقد توصلت إلى أنه كان عفيفاً نظيفاً، زاهداً ورعاً تقياً، عزيز النفس، جريئاً في قول الحق، متواضعاً أبياً، رفض القضاء وقبول الهدايا من الحكام.

• الحديث عن رحلاته العلمية، والبلدان التي رحل إليها، والشيوخ والعلماء الذين التقى بهم، حيث التقى بمئات العلماء في شتى فنون العلم والمعرفة، وكان معظم شيوخه من شيوخ البخاري ومسلم لا يتهمون في عدالتهم.

• كشف النقاب عن ثقافته وألوانها، وعن نبوغه في كثير من فروع العلم، وبخاصة في التفسير والحديث والقراءات والفقه، والتاريخ وعلم اللغة العربية. كما كان له مذهباً مستقلاً عرف بالمذهب الجريري، وكان له أتباع وتلاميذ، إلا أنه انقرضوا بعد القرنين الرابع والخامس الهجريين.

• الحديث عن تهمة التشيع التي رمي بها، حيث تبين بالأدلة أن اتهامه بالتشيع كان نتيجة التعصب المذهبي تارة، والطائف تارة أخرى، والطعن في الإسلام وعلمائه تارة ثالثة. فالأسباب التي أدت إلى اتهامه بالتشيع لا تستند إلى أساس علمي صحيح، فهي قائمة على الظن والوهم والاحتمال. وتأييداً لإبطال تهمة التشيع من أساسها تم عقد مقارنة بين آراء الإمام الطبري وبين آراء الشيعة في بعض مسائل العقيدة؛ فظهر مخالفة الإمام الطبري الجذرية لهم. فهو لا يقبل شهادة الشيعة ولا أخبارهم، ويحكم بتكفير كثير منهم، ويرى قتل من يعتقد أن أبا بكر وعمر ليسا بإمامي عدل، وكان يحب الصحابة ويثني عليهم، وخاصة الخلفاء الراشدين الذين رتبهم في الفضل والإمامة، مما أكد بطلان اتهامه بالرفض.

ص: 118

وعقيدته إجمالاً موافقة للعقائد المشهورة المنقولة عند أهل السنة والجماعة بدءاً من السلف إلى أيامنا هذه.

• من الملاحظ أن الإمام الطبري ألف تاريخه ليؤكد الفكرة الأساسية المنبثقة من اعتقاده وتصوره الإيماني وهي: إيمانه بأمر الله ونهيه، وبعدله وقضائه وقدره، وبأن له سنناً ماضية لا تبديل لها، وإيمانه بحرية الإنسان وقدرته على الاختيار، وأنه مكلف بوظيفة العبودية لله والخلافة في الأرض، وعمارتها بشرع الله ومنهجه، وبأن الله يثيب الطائف المستجيب ويعاقب العاصي الناكث.

ولذلك كانت نظرته التاريخية تندرج تحت هذه الفكرة الثاقبة والعقلية النيرة المؤمنة بالله العارفة بشرعه وأحكامه، كما أن تدوينه لتاريخه حسب سني الرسل والملوك الذين كانت بأيديهم مهمة التوجيه وسلطة التنفيذ، هو من أجل أن يساعد على توضيح العبر والدروس لأولي الأبصار، ويريهم كيف تتحقق سنن الله على البشر، من نصرة المؤمنين المنفذين لشرعه من الرسل وأتباعهم، وهلاك الظالمين المحادين لله ورسله أو استدراهم وتأخير عذابه إلى يوم القيامة.

• اعتمد الإمام الطبري في كتابه على نوعين من الموارد: مصادر شفهية أخذها سماعاً من مشايخه كابن شبه مثلاً، ومؤلفات أجيز بروايتها أو أخذها وجادة فنقل منها ككتب الواقدي وسيف بن عمر.

على أن الإمام الطبري وجد أمامه عدداً كبيراً من المصادر الإخبارية، فانتقى منها ما ضمنه تاريخه الضخم، حيث أظهر مقدرة فائقة في الجمع بين المصادر والاطلاع على الكتب التي ألفت قبله وانتقاد الروايات.

• لكون الإمام الطبري من علماء الحديث، فقد سار على نهجهم في تاريخه، فهو ليس صاحب الأخبار التي يوردها، بل لها أصحاب آخرون أبرأ هو ذمته بتسميتهم، وهؤلاء متفاوتون في الأقدار، وأخبارهم ليست سواء في قيمتها العلمية، ففيها الصحيح وفيها الضعيف والموضوع. ولذلك ينبغي دراسة أسانيد ومتون الروايات وفق المقاييس المعتبرة عند العلماء للوقوف على مدى صحتها من عدمه.

وتحسن الإشارة إلى أن اتساع صدور أئمة السنة من أمثال الإمام الطبري لا يراد أخبار المخالفين من الشيعة وغيرهم؛ دليل على فهمهم وأمانتهم ورغبتهم في تمكين قرائهم من أن يطلعوا على كل ما في الأمر، واثقين من أن القارئ اللبيب المطلع لا يفوته بأن مثل أبي مخنف وابن الكلبي وغيرهم هم موضع تهمة فيما يتصل بالقضايا التي يتعصبون لها، مما ينبغي معه التحري والتثبت لاستخلاص الحقائق المختلطة بالإشاعات والمفتريات.

• جاء التعريف بالفتنة في اللغة، وفي القرآن الكريم، وفي الحديث النبوي. والمراد بالفتنة في بحثنا هذا ما وقع بين المسلمين في صدر الإسلام من القتال والنزاع والفرقة، نظراً لأن القضايا التي وقع الخلاف حولها كانت مشتبهة ومعقدة إلى حد جعلت المواقف متباينة والآراء مختلفة.

• إن المآخذ على عثمان رضي الله عنه والمروية عن طريق المجاهيل والإخباريين والضعفاء، خاصة الرافضة، كانت ولا تزال بلية عظمى على الحقائق في سير الخلفاء، خاصة في مراحل الاضطرابات والفتن. فكان مع الأسف لسيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه من ذلك الحظ الوافر. فرواية الحوادث ووضع الأباطيل على النهج الملتوي بعض ما نال تلك السيرة النيرة من تحريف المنحرفين وتشويه الغالين بغية التأليب عليه أو التشهير به.

ص: 119

• على أن المآخذ التي نسبت إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قد أجاب عن بعضها عثمان، وفند بعضها من عايش عثمان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبعضها عارضناه بالأدلة في المبحث المتعلق بالمآخذ على عثمان والرد عليها، وبعضها الآخر لا يستقيم نقله ولا يصح إسناده، بل صدر من جماعات مشبوهة، ثم استغل أبان هيجان الفتنة لصالح الخوارج على عثمان.

• لقد تأكد بعد استقراء المصادر سواء القديمة والمتأخرة عند السنة والشيعة أن وجود عبد الله بن سبأ كان وجوداً حقيقياً تؤكده الروايات التاريخية، وتفيض فيه كتب العقائد، وذكرته كتب الحديث والرجال والأنساب والطبقات والأدب واللغة، وسار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين المحدثين. وقد بلغ عدد المصادر التي رجعت إليها والتي تتفق على وجود عبد الله بن سبأ حوالي ستين مصدراً.

ويبدو أن أول من شكك في وجود ابن سبأ بعض المستشرقين، ثم دعم هذا الطرح الغالبية من الشيعة المحدثين، بل وأنكر بعضهم وجوده البتة، وبرز من بين الباحثين العرب المعاصرين من أعجب بآراء المستشرقين، ومن تأثر بكتابات الشيعة المحدثين، ولكن هؤلاء جميعاً ليس لهم ما يدعمون بهم شكهم وإنكارهم إلا الشك ذاته والاستناد إلى مجرد الظنون والفرضيات.

• يتفق المشاهير من أصحاب الفرق والنحل والمؤرخون والعلماء من سلف الأمة وخلفها على أن عبد الله بن سبأ، وهو يهودي من أهل صنعاء، أظهر الإسلام وطاف بين المسلمين بعقائد وأفكار وخطط سيئة ليلفتهم عن دينهم وطاعة إمامهم، ويوقع بينهم الفرقة والخلاف، فاجتمع إليه من غوغاء الناس ما تكونت به الطائفة السبئية المعروفة التي كانت عاملاً من عوامل الفتنة المنتهية بمقتل عثمان رضي الله عنه.

• يظهر من ثنايا الروايات أثر الأعراب في الفتنة، فقد ساهموا عن حسن نية أو سوء نية في بوادر الفتنة الأولى، وكانوا سبباً من أسباب اندلاعها، لاعتقاد المتعبدين السطحيين منهم عن حسن نية - وهم القراء - أن عثمان أخطأ، ولاعتقاد الطامعين منهم عن سوء نية أن لهم حقوقاً زيادة في بيت المال يجب الحصول عليها.

وقد استفاد من هذا الواقع، أي من وجود فئة من الناس لا تميز بين الحق والباطل، وفئة أخرى يستثيرها المال والطمع؛ السبئية الذين استغلوا سذاجة أولئك وطمع هؤلاء لتدبير الفتنة.

• ظهر نتيجة التحول في طبيعة الدولة وأجناس الخاضعين لها والمنتمين إلى دينها جيل جديد من المسلمين يعتبر في مجموعه أقل من الجيل الأول الذي حمل على كتفيه عبء بناء الدولة وإقامتها. فقد تميز الجيل الأول من المسلمين بقوة الإيمان والفهم السليم لجوهر العقيدة الإسلامية. والاستعداء التام لإخضاع النفس لنظام الإسلام المتمثل في القرآن والسنة. وكانت هذه المميزات أقل ظهوراً في الجيل الجديد الذي وجد نتيجة للفتوحات الواسعة، وظهرت فيه المطامع الفردية، وبعثت فيه العصبية للأجناس والأقوام، وهم يحملون رواسب كثيرة من رواسب الجاهلية التي كانوا عليها، ولم ينالوا من التربية الإسلامية مثل ما نال الرعيل الأول من الصحابة على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لكثرتهم وانشغال الفاتحين بالحروب والفتوحات الجديدة، فأخذ هؤلاء المسلمون الجدد ينخدعون بكل ما سمعوه من جهة، ويبثون ما لديهم من رواسب وأفكار جاهلية من جهة أخرى.

ص: 120

• تغيرت طبيعة الحياة المادية، فانتقل الناس من حياة الزهد والتقشف التي كانوا يعيشون عليها في عهد النبوة والشيخين إلى حياة الرخاء والترف بسب النعم والخيرات التي كانت تدرها الفتوح. وغني عن الإشارة أن ذلك الرخاء كان له أثره على المجتمع بسبب ما يترتب عليه من انشغال الناس بالدنيا والافتتان بها. كما أنها مادة للتنافس والبغضاء، خاصة بين أولئك الذين لم يصقل الإيمان نفوسهم ولم تهذبهم التقوى من أعراب البادية وجفاتها، ومن مسلمة الفتوحات الذي جروا شوطاً في زخارف الدنيا وبهجتها، واتخذوها غاية يتنافسون فيها.

وعندما قام عثمان بواجبه تجاه أولئك الذين بدؤوا نوعاً من حياة الترف وفساد الأخلاق، انضم هؤلاء المستهترون إلى صف الناقمين من الرعاع وغيرهم.

• لقد كان مجيء عثمان مباشرة بعد عمر رضي الله عنهما واختلاف الطبع بينهما مؤدياً إلى تغير أسلوبهما في معاملة الرعية؛ فبينما كان عمر يمتاز بالشدة والصلابة، كان عثمان ألين وأرق في المعاملة مما كان له بعض الأثر في مظاهر الفرق عند حدثاء الإسلام في عهده وعهد سلفه.

• كانت العصبية القبلية مادة تهيج النفوس وتحركها، وكانت في دورها هذا مفتاحاً للفتنة، إذ كانت بعض القبائل ترى لنفسها موقع قدم وفضل في الفتوح، وتأنف من رياسة قريش عليها، ووافق ذلك أيام عثمان، فكانوا يظهرون الطعن في ولايته بالأمصار، ويفيضون في النكير على عثمان، فكان ذلك مؤشراً لبداية الفتنة في الكوفة، وهي أول مصر نزع الشيطان بين أهله في الإسلام كما يقول الشعبي.

• وقع في أوهام كثير من الناس عن حسن نية أو عن سوء نية من أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان ضعيفاً في مواقفه إزاء الأحداث العاصفة على الدولة الإسلامية، أو كان مستضعفاً يساق إلى ما يراد. وهذه غلطة تاريخية في حق ثالث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلاً وديناً.

هذا وقد استغل المستشرقون ومن سار على دربهم من الباحثين العرب الراوايات الموضوعة التي تضعف عثمان والتي افتراها أهل الكذب من بين رواة الأخبار، فركزوا على التوسع في البحث فيها؛ بل كانت مغنماً تسابقوا إلى اقتسامه ما دامت تخدم أغراضهم للطعن في الإسلام ورجاله. ثم إنهم استغلوا وداعة عثمان ورحمته ورأفته بالرعية لينفثوا شبهة من شبههم، وهي: أن عثمان كان ضعيفاً في شخصه.

هذه الدعوى تسقط لعم وجود سند أو دليل يعتمد عليه في هذا الزعم، كما أنه يستفاد م سياق حديث الشورى الذي جاء في (الجامع الصحيح) للبخاري وفي (تاريخ الطبري) أن اخيتار عثمان رضي الله عنه خليفة لم يكن إلا أنه أمثل من وقع عليه الاختيار من قبل الناس، وأعدل وأصلح من يتحمل المسؤولية أمام الله وأمام المسلمين.

إن عثمان رضي الله عنه وإن كان رؤوفا رحيماً بالناس - وهذه من صفات الحاكم العادل - فلم يكن أبداً ضعيفاً في حدود الله. وكان يتبع سياسة عمر رضي الله عنه في الاستفسار عن العمال من وفود الحج وسؤال الرعية عن أمرائها، فكان يكتب إلى الناس في الأمصار أن يوافوه أيام الحج إن كانت لديهم مظالم، فيرفعونها إليه بحضرة أميرهم فيقضي بينهم بالحق.

وكان رضي الله عنه يشتد في متابعة عماله ويحدد سلطانهم، بما يحقق مصالح المسلمين والرحمة بهم والرفق بالرعية. وإلى جانب ذلك كان يبني في نفس الرعية الجرأة والصراحة في الحق وعدم الجبن والخوف ليكونوا رقباء على الحكام في القيام بالأمانة التي ائتمنهم الله عليها.

ص: 121

إن عثمان رضي الله عنه لم يكن عاجزاً أن يتخذ لنفسه حجاجاً يسلطه على أبشاء الأمة بسياط القهر والجبروت، ويطلق يده في دمائها حتى تخضع وتسكن، ولم يكن عاجزاً أن يحدث للناس عقوبات فوق ما أحدثوا وينكل بأولئك الخارجين عليه. إنه ما كان عاجزاً عن هذا وأمثاله، ولا كان ضعيفاً أو مستضعفاً، ولكنه كان خليفة راشداً يحجزه عدل الخلافة الراشدة عن مآثم الملك العضوض.

• كان موقف عثمان رضي الله عنه إزاء الأحداث التي ألمت به وبالمسلمين المثل الأعلى لما يمكن أن يقدمه الفرد من تضحية وفداء في سبيل حفظ كيان الجماعة، وصون كرامة الأمة، وحقن دماء المسلمين. فقد كان بإمكانه أن يقي نفسه ويخلصها لو أنه أراد نفسه ولم يرد حياة الأمة. فلو كان يحب ذاته ولم يكن من أهل الإيثار لدفع بمن هب للذود عنه من الصحابة وأبناء المهاجرين والأنصار إلى نحور الخارجين المنحرفين عن طاعته. ولكنه أراد جمع شمل الأمة ففداها بنفسه صابراً محتسباً، حيث منع من سل السيوف بين المسلمين مخافة الفرقة، وحفظاً للألفة التي بها حفظ الكلمة، ولو أدى إلى هلاكه.

• وإلى جانب صبره واحتسابه حفظاً لكيان الأمة من التمزق والضياع، وقف عثمان رضي الله عنه موقفاً آخر أشد صلابة، وهو عدم إجابته الخارجين إلى خلع نفسه من الخلافة، فكان بذلك يمثل الثبات واستمرار النظام؛ لأنه لو أجاب الخارجين إلى خلع نفسه لأصبح منصب الإمامة العظمى ألعوبة في أيدي المفتونين الساعين في الأرض بالفساد، ولسادت الفوضى واختل نظام البلاد، ولكان تسليطاً للرعاع والغوغاء على الولاة والحكام.

ومما لا شك فيه أن هذا الصنيع من عثمان كان أعظم وأقوى ما يستطيع أن يفعله رجل ألقت إليه الأمة مقاليدها، إذ لجأ إلى أهون الشرين وأخف الضررين ليدعم بهذا الفداء نظام الخلافة وسلطانها.

• إن قتل الخليفة عثمان رضي الله عنه لم يكن هو الغاية التي يقصدها من خطط لهذا الحصار، وإلا لو كان كذلك لهان الأمر، وسكنت الفتنة، واستبدل خليفة بخليفة، وعادت الأمور إلى نصابها. ولكن بعض رواد الفتنة كانت لهم غاية أبعد أثراً وأعمق غوراً من قتل خليفة واستبدال آخر به. إن غايتهم هي: هدم حقيقة الإسلام والنيل من عقيدته وتشويه مبادئه في شخص الخليفة المقتول، وإثارة الضغائن والخلافات بين المسلمين.

لقد توالت خطط السبئية في خلافة عثمان وعلي رضي الله عنهما ولم يريدوا بها إلا الكيد لهذا الدين مستغلين حركة غوغائية تتكون من أعراب البادية وجفاتها ومن مسلمة الفتوحات الذين لم يصقل الإيمان نفوسهم، كما هي العادة في كثير من هذه الحركات التي تشكل أرضية تستغل من قبل المفسدين، ولكن الإسلام - ولله الحمد - كان أقوى من كل هذه الهجمات، وأعظم من كل هذه التحديات وأقدر على الصمود والثبات.

فقد ذهب ابن سبأ ومن على شاكلته وبقي الإسلام. أما أفكاره المدمرة وإن كانت لا تزال تجد مكانها في نفوس طائفة من أهل القبلة - وهم الشيعة - إلا أنها طائفة منبوذة لقبح اعتقادها وسوء تصرفاتها، بينما بقي السواد الأعظم من المسلمين على عقيدة أهل السنة والجماعة.

وقد قيض الله للإسلام رجالاً نفوا عنه خبث هذه الأفكار وأظهروا فسادها، فاستمسك المسلمون بعقيدة التوحيد، واتبعوا نهج السلف الصالح، كما حقق الله عز وجل نبوءة نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال:(لا تزال طائفة من أمتي على الحق، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله).

ص: 122

• لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوع الفتنة، وثبت بالخبر القطعي من طريق الوحي أن عثمان رضي الله عنه على الحق، وأنه سيقتل ظلماً وأمر باتباعه، وأخبره أن الله يقمصه بقميص - يعني الخلافة - وأن المنافقين يريدونه على خلعه، وأمره أن لا يخلعه.

وهذا أقوى دليل أنه كان على الحق. فمن خالفه تنكب طريق الحق، كيف لا! وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرادوا خلعه بالنفاق، فعلم بالضرورة أن كل ما ورد عنه مما يوجب الطعن عليه دائر بين مفترٍ عليه ومختلق، وبين محمول - على تقدير صحته - على الاجتهاد ليكون معه الحق تصديقاً لخبر النبوة المقطوع بصدقه.

• إن المتتبع لأحداث الفتنة في تاريخ الإمام الطبري وكتب التاريخ الأخرى من خلال روايات أبي مخنف والواقدي وابن أعثم وغيرهم من الإخباريين يشعر أن الصحابة هم الذين كانوا يحركون المؤامرة ويثيرون الفتنة.

وخلافاً لروايات هؤلاء الذين لا يتورعون في إظهار الصحابة بمظهر المتآمرين على عثمان المحرضين عليه، المسؤولين عن قتله، فقد حفظت لنا كتب المحدثين بحمد الله الروايات الصحيحة التي يظهر فيها الصحابة من المؤازرين لعثمان المنافحين عنه؛ فقد اجتهدوا في نصرته والذب عنه، وبذلوا أنفسهم دونه، فأمرهم بالكف عن القتال، وقال إنه يحب أن يلقى الله سالماً مظلوماً، ولو أذن لهم لقاتلوا عنه.

• لم يكن موقف التابعين ومن بعدهم مخالفاً لموقف الصحابة في الدفاع عن عثمان رضي الله عنه ورعاية حقه، وبيان أنه قتل على غير وجه الحق، واستعظام قتله والبراءة من قتلته، وذمهم وذكرهم بالسوء. فقد وضعوا نصب أعينهم تأييد السنة ونفي البدعة بعيداً عن الأهواء الشخصية والنزعات الخاصة، فكانت كثير من الأخبار المروية عنهم والمتعلقة بالفتنة الأولى قد أخرجت عثمان رضي الله عنه كالقلب المصفى نقياً خالصاً من كل ما أراده المغرضون وتقوله المتقولون.

• خلافاً لما جاء في بعض الروايات أن جماعة من الصحابة تخلفوا عن بيعة علي رضي الله عنه أو بايع بعضهم كرهاً، فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن بيعة علي رضي الله عنه كانت بيعة شرعية. ويؤيد ذلك ما ورد في السنة النبوية من مؤشرات عن خلافته، وما روي عن الصحابة في هذا الشأن، وما نقله المؤرخون والمحدثون والفقهاء وأهل العلم عن شرعية خلافة عليّ وصحتها ومبايعة أهل الحل والعقد له من المهاجرين والأنصار.

ولم يتخلل تلك البيعة أي نوع من أنواع الضغط أو الإكراه، حيث روى ابن أبي شيبة في (مصنفه) بسند صحيح ما يكشف عن بيعة طلحة والزبير لعليّ بمحض إرادتهما دون غلبة أو قهر.

ويبرز الإمام الباقلاني موقف بعض الصحابة الذين تأخروا عن نصرة عليّ والدخول في طاعته؛ بأن ذلك لم يكن بسبب رفضهم لخلافته وبيعته، وإنما تخوفوا من حرب أهل القبلة واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن قتال الفتنة.

ورأيي أن المعارضة التي قامت في وجه علي رضي الله عنه لها ظروف سياسية معروفة، فهي لم تكن معارضة تطعن في إمامته بقدر ما كانت تطالب بالقصاص من قتلة عثمان.

ويمكن القول أن علياً رضي الله عنه كان أقوى المرشحين للإمامة بعد مقتل عمر رضي الله عنه فالفاروق عينه لها في الستة الذين أشار بهم، وهو واحد منهم، على أن الأربعة من رجال الشورى وهم عبد الرحمن وسعد وطلحة والزبير بتنازلهم عن حقهم فيها له ولعثمان، تركوا المجال مفتوحاً أمام الاثنين فلم يبق إلا هو وعثمان، وهذا إجماع من أهل الشورى على أنه لولا عثمان لكانت لعليّ. وبعد موت عثمان، وقد قدمه أهل دار الهجرة صار مستحقاً للخلافة.

ص: 123

ولم تكن السابقة في الإسلام والقرابة والمصاهرة هي المزايا الوحيدة لولاية علي رضي الله عنه هذا المنصب الخطير، ولكن كان له بالإضافة إلى ذلك من القدرة والكفاءة ما لا ينكر؛ فشجاعته وإقدامه، وذكاؤه وعقليته القضائية النادرة، وحزمه الذي اشتهر به في مواقفه، وصلابته في الحق، وبعد نظره في تصريف الأمور حتى كان الخليفة عمر رضي الله عنه يأخذ برأيه إذا التبست عليه الأمور، كل هذه العوامل تجعله بلا منازع المرشح الوحيد لإمامة المسلمين في تلك الفترة الحساسة من حياتهم.

• تتجه مآخذ بعض المؤرخين والباحثين إلى أن علياً رضي الله عنه لم يكن رجل دولة وسياسة يهيمن على مجرى الأمور.

وليس ثمة من شك بأنه يوجد من الدلائل ما يؤكد أن علياً رضي الله عنه كان ذكياً بصيراً بالأمور، حصيف الرأي، وكان أبو بكر وعمر وعثمان يعرفون ذلك، فاتخذوه مستشاراً لهم في أمور السياسة حتى أن عمر رضي الله عنه كان يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسين.

والواقع أن الأمر ليس أمر ضعف وقصور في الرأي وإخفاق في السياسة، بل اختلف الوضع عما سبق، فتناول هذا الاختلاف تغير الجماعات المحيطة بالخليفة فهو غير أصحاب أبي بكر وعمر، إذ يغلب على هؤلاء عنصر الأعراب والموالي، وشتان ما بين الفئتين.

وتناول هذا الاختلاف أيضاً مركز الخلافة الذي انتقل من الحجاز حيث السنة النبوية إلى العراق، حيث تتحكم المصلحة والنزاعات الشخصية والأهواء.

ويلمس المرء كذلك تغيير في الأفكار وتعدد في المذاهب من جراء الفتنة ولا شك أن هذا الانقسام في الآراء والاختلاف في وجهات النظر أدى إلى مزيد من الفرقة والخلاف مما أضعف بطبيعة الحال مركز الخليفة وقبضته على زمام الأمور.

وإذا كانت رياح التغيير مؤشراً على تبادل الأحوال في عهد علي رضي الله عنه، فإن موقفه ظل رغم ذلك كله لم يتلون بلون ذلك الجيل، ولم يرغب أن يواكب التطور الحادث، إذ آثر الإخفاق في كل شيء على الإخفاق في راشديته وعدله.

ولئن كانت السياسة هي التطوع لروح العصر ومسراه، وانتهاز الفرص، وتحقيق المصالح الذاتية والمنافع الشخصية للحاكم والجماعات المحيطة به، فإن علياً لم يكن سياسياً بهذا المعنى. وإن كانت السياسة حسن الفهم والدراية والتعقل، والسعي لتحقيق المصلحة العامة للأمة، فعلي رضي الله عنه كان على درجة عظيمة من ذلك.

والقول الفصل أن علياً كان من خير رجال السياسة والحكم لو بقي عصر الخلافة الراشدة كما كان عليه في أيامه الأولى، أما وروح الزمان كانت تسير على غير ما كانت تسير عليه، فمذهبه في السياسة لم يعد مناسباً لتلك الأوضاع، ولذلك في نظر البعض غير سياسي.

• تضافرت الروايات في تاريخ الإمام الطبري على أن خروج عائشة وطلحة والزبير إلى العراق كان قصد الإصلاح وطلب الثأر لعثمان الذي قتل بغير حق، وإعزاز الإسلام بأخذ القصاص من الخوارج المحلين، بل إن علياً أيضاً لم ير في سيره إليهم إلا الإصلاح وجمع الكلمة.

وبعد سفارة القعقاع بن عمرو رضي الله عنه لم ير طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم أمثل من الصلح، حيث يبدو اقتناع طلحة والزبير بحجة عليّ في التريث وعدم استعجال أمر القصاص من قتلة عثمان حتى تهدأ الأحوال ويتوطد مركز الخلافة فيأخذ العدل مجراه.

وقد بات الناس على نية الصلح والعافية في كلا المعسكرين وهم لا يشكون في الصلح، وبات الذين أثاروا الفتنة بشر ليلة إذ أشرفوا على الهلاك، خاصة بعد أن خطب عليّ في الناس وطلب منهم أن يرتحلوا في الغد، ولا يرتحل معه أحد أعان على عثمان بشيء، فجعلوا يتشاورون، تكلم ابن سبأ وهو المشير فيهم، فأشار عليهم بإنشاب الحرب سراً في الغلس.

ص: 124

وجدير بالإشارة أن أثر السبئية في الجمل واشتغال فتيل الحرب مما يكاد يجمع عليه المؤرخون والعلماء سواء أطلقوا عليهم اسم الغوغاء أو المفسدين أو الأوباش أو أصحاب الأهواء أو سماهم البعض قتلة عثمان أو أطلقوا عليهم صراحة: السبئية.

• من الملاحظ أن الصحابة - رضوان الله عليهم - متفقون على إقامة حد القصاص على قتلة عثمان، لكن الخلاف بينهم وقع في مسألة التقديم أو التأخير، فطلحة والزبير وعائشة ومعاوية - رضوان الله عليهم - كانوا يرون تعجيل أخذ القصاص من الذين حاصروا الخليفة وقتلوه ظلماً، وأن البداءة بقتلهم أولى، بينما رأى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ومن معه تأخيره حتى يتوطد مركز الخلافة وتستقر الأوضاع، فيتقدم أولياء عثمان بالدعوى عنده على معينين، فيحكم لهم بعد إقامة البينة عليهم، لأن هؤلاء المحاصرين لأمير المؤمنين عثمان ليسوا نفراً من قبيلة معينة، بل هم من قبائل مختلفة.

ومن المعلوم أن علياً رضي الله عنه كان في موقفه أسدّ رأياً وأصوب قيلاً، لأنه لو شرع في تنفيذ القصاص في قتلة عثمان لتعصبت لهم قبائل وصارت حرباً أهلية، وقد حدث هذا عندما تعاطى طلحة والزبير القود من قتلة عثمان بالبصرة، فتعصب لهم آلاف من الناس واجتمعوا على حرب طلحة والزبير.

• إذا كان محور الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم هو القصاص من قتلة عثمان، كما تواترت بذلك الأخبار، فإنه قد شاع بين الناس أن الخلاف بين علي ومعاوية- رضي الله عنهما كان سببه طمع معاوية في الخلافة. وهذا غير صحيح، حيث تذكر الروايات الصحيحة في كتب التاريخ والحديث أن معاوية ما خرج إلا للمطالبة بدم عثمان، وأنه صرح بدخوله في طاعة عليّ إذا أقيم الحد على قتلة عثمان.

• إن ما أثير على وجود قتلة عثمان في جيش علي رضي الله عنه أمر فيه شبهة، فقد كان في عسكره من الخوارج الذين قتلوا عثمان من لم يعرف بعينه، ومن تنتصر له قبيلته، ومن لم تقم عليه حجة فيما فعل، ومن في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله.

وبتتبع الروايات في كتب التاريخ والحديث يلاحظ أن موقف عليّ من قتلة عثمان المندسين في جيشه كان موقف الحذر المحتاط منهم، المتبرء من فعلهم.

• يستنتج من الأدلة الشرعية أن علياً كان أقرب إلى الحق من طلحة والزبير ومعاوية رضي الله عنهم، ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن الخوارج:(يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق) دلالة واضحة أن علياً كان أقرب إلى الصواب من مخالفيه في الجمل وصفين، لكن لم يصب الحق بتمامه وكماله، حيث كانت السلامة في الإمساك عن القتال؛ لأن العبرة بالنتائج والعاقبة.

ولاشك أن نتيجة الاقتتال كانت مؤلمة جداً. ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن رضي الله عنه لأن الله أصلح به ما بين المسلمين، وحقن دماءهم في قوله صلى الله عليه وسلم:(إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)، في حين أنه لم يثن على قتال أبيه لأهل الشام، بل غاية ما وصفه به أنه أقرب منهم إلى الحق، بخلاف قتال الخوارج فقد أثنى عليه نصاً بقوله:(فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم إلى يوم القيامة). كما أن علياً نفسه فرح واستبشر بقتال الخوارج وتألم وتكدر بقتال أهل الجمل وصفين.

وقد كان في إمكان عليّ اتخاذ وسائل أخرى غير السيف لتهدئة الأحوال وجمع الكلمة وللصلح أبواب كثيرة ولو بالتنازل عن بعض الحق.

• إن الموقف الأحوط والأمثل هو موقف الصحابة الذين اعتزلوا الفتنة وآثروا عدم قتال أهل القبلة.

ص: 125

وقد اعتمد هؤلاء على أصل شرعي ثابت بنصوص صريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها أوامر عينية في حق المخاطبين بها، وهذا الأصل هو ترك القتال في القتنة.

وقد كان من كمال فقه الصحابة رضي الله عنهم التفريق بين صحة إمامة عليّ ووجوب القتال معه، بل صحة قتال أهل القبلة، إذ لا يلزم من كونه إماماً شرعياً أن يكون قتاله لأهل الجمل وصفين صواباً بإطلاق.

وبالجملة فإن الكف عن القتال واعتزال الفتنة هو مذهب أهل الحديث عامة، ومن تأمله ظهر له قوة دلائله النصية وصدق نتائجه الواقعية.

إن النصوص الشرعية جاءت متواترة في رد عدوان الخوارج والمفسدين في الأرض. أما أن يكون المرء عبد الله المقتول لا عبد الله القاتل، فذلك مشروع في الفتنة بين المسلمين المختلفين اختلافاً اجتهادياً مصلحياً.

على أن هذا المذهب - أي مذهب اعتزال الفتنة - هو أقوى المذاهب وأرجحها بدلالة النصوص الشرعية وأقوال السلف الصالح، وهو أقوى من مذهب من يرى أن الصواب هو القتال مع علي رضي الله عنه فضلاً عمن يرى أن الصواب هو القتال مع من حاربه.

• لقد كان مصطلح القراء في بداية الإسلام يعني من يقرأ القرآن ويحفظه ويفقه معانيه، ويتدبر آياته، ويتأدب بأخلاقه، ثم ما لبث أن انحرف مفهوم القراء أو القراءة عن مدلوله الأصلي، فأخذ يكتسي طابعاً يسوده عدم الفقه، والأخذ بظواهر النصوص، والتصلب في الرأي، والغلو والتشدد في الدين، حتى إننا لا نستغرب عندما نجد في مصادرنا التاريخية والحديثية المبكرة، أن المقصود بالقراء، هم الذين ساهموا في تأليب الناس في الكوفة على الخليفة عثمان رضي الله عنه واشتركوا في معركة صفين فرفضوا التحكيم وصاروا خوارج فيما بعد يعيثون في الأرض فساداً يقتلون وينهبون أموال المسلمين، مستحلين لها، بزعم أن من خالفهم ليس بمسلم.

وقد جاءت الأحاديث النبوية في بيان حالهم، وما سيؤول إليه أمرهم من خروج على الأمة وسفك دمائها بغير حق، فحذرت منهم وأثنت على قتالهم.

• إن الدور المنسوب للقراء في صفين من مسؤولية وقف القتال والتحكيم، وفرض أبي موسى حكماً ليست إلا فرية تاريخية اخترعها الإخباريون عن الشيعة الذين كان يزعجهم أن يظهر علي رضي الله عنه بمظهر المتعاطف مع معاوية وأهل الشام، وأن يرغب في الصلح مع أعدائهم التقليدين.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يحملوا المسؤولية أعداءهم الخوارج ويتخلصوا منها، ويجعلوا دعوى الخوارج تناقض نفسها، فهم الذين أجبروا علياً على قبول التحكيم، وهم الذين ثاروا عليه بسبب قبوله التحكيم.

ومن الملاحظ أن الدوافع والأسباب خلف مثل هذه الرويات ترجع إلى الظروف التي كانت تعيشها الكوفة - وهي معقل الشيعة-، في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، فقد تحولت وأهلها إلى مصر تابع لأهل الشام يرسل لها الأمويون ولاة مستبدين مثل زياد وابنه عبيد الله والحجاج لقمع شوكتهم. وأصبحت الكوفة بذلك مركزاً للمعارضة ومفرخاً للثورات ضد الأمويين، ليس هذا فحسب، بل إن ضربات الخوارج الموجعة كانت أشد إيلاماً من قمع الأمويين، مما حدا الشيعة إلى إلقاء تبعة تلك الأحداث على خصومهم تحت تأثير التعصب المذهبي.

• إن الموقف الثابت تاريخياً في كتب الأئمة الثقات مثل البخاري وأحمد وابن أبي شيبة أن علياً رضي الله عنه قبل التحكيم من تلقاء نفسه بعيد عن أي ضعوط، وذلك تماشياً مع أحكام الإسلام التي تحث على إصلاح ذات البين والرجوع إلى الكتاب والسنة عند التنازع والاختلاف، كما ثبت أن موقف القراء هو نفسه منذ البداية لم يتغير ولم يتبدل، فهو الإصرار على مواصلة قتال أهل الشام ورفض التحكيم بالكلية.

ص: 126

وهذا ما تطمئن إليه النفس، حيث ينسجم ذلك الموقف مع عقلية الخوارج المتشددة المتحجرة العنيفة المستبيحة لدماء المسلمين وأموالهم، فقد كانوا في مراحل وجودهم على رأس الحركات التي أنهكت جسم الدولة الإسلامية، وذهبت بكثير من قوى المسلمين المذخورة.

• نظراً لما لحادث التحكيم من أهمية في التاريخ السياسي للدولة الإسلامية، فإنه من الضروري تجلية حقيقة وقائعه، حيث أسيء تصوير هذا الحادث بقدر ما أسيء تفسيره، فنتج عن الأمرين خلط كثير وإساءة إلى مكانة الصحابة وقدرهم، حيث باتت القصة الشائعة بين الناس عن حادث التحكيم تتهم بعضهم بالخداع والغفلة، وتتهم آخرين بالصراع حول السلطة.

وبإخضاع هذه الرواية للدراسة والتحليل يلاحظ عليها ثلاثة أمور: أحدها يتعلق بالخلاف بين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما والذي أدى إلى الحرب بينهما، والثاني: يتعلق بمنصب كل ن عليّ ومعاوية، والثالث: خاص بشخصية أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص.

أما الأمر الأول: فإن الحكمين كانا مفوضين للحكم في الخلاف بين عليّ ومعاوية، ولم يكن الخلاف بينهما حول الخلافة ومن أحق بها منهما، وإنما كان حول توقيع القصاص على قتلة عثمان، وليس هذا من أمر الخلافة في شيء. فالخلاف حول الخلافة لم يكن قد نشأ عندئد، ولم يكن معاوية مدعياً للخلافة ولا منكراً حق عليّ فيها، وإنما كان ممتنعاً عن بيعته، حيث كان متغلباً عليها بحكم الواقع لا بحكم القانون، مستفيداً من طاعة الناس له بعد اقتناعهم بالسبب الذي جعله يرفض بيعة عليّ، وهو المطالبة باقتضاء حقه في القصاص من قتلة عثمان باعتباره ولياً للدم.

فإذا ترك الحكمان هذه القضية الأساسية وهي ما طلب إليهما الحكم فيه واتخذا قراراً بشأن الخلافة كما تزعم الرواية الشائعة عن التحكيم، فمعنى ذلك أنهما لم يفقها موضوع النزاع ولم يحيطا بموضوع الدعوى، وهو أمر مستبعد جداً.

الأمر الثاني: إذا تضمن قرار الحكمين فيما تزعم الرواية المذكورة عزل كل من عليّ ومعاوية، فقد ورد العزل في حق معاوية على غير محله، لأنه إذا تصورنا أن يعزل الحكمان علياً من منصب الخلافة إذا فرضنا جدلاً أنهما كانا يحكمان فيها، ولكن عم يعزلان معاوية؟ هل كانا يملكان عزله عن قرابته أو منعه من المطالبة لحقه فيها؟! وهل عهد التاريخ في حقبة من حقبه أن يعزل ثائر عن زعامة الثائرين معه بقرار يصدره قاضيان؟! ولا شك أن هذا عامل آخر يؤيد بطلان القصة الشائعة عن قضية التحكيم والقرار الصادر فيها.

الأمر الثالث: إن القول بأن أبا موسى الأشعري كان في قضية التحكيم ضحية خديعة عمرو بن العاص ينافي الحقائق التاريخية الثابتة عن فضله وفطنته وفقهه ودينه، والتي ثبتت له بتولي أعمال الحكم والقضاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي خلافة عمر وعثمان وعلي. فهل يتصور أن يثق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه من بعده في رجل يمكن أن تجوز عليه مثل الخدعة التي ترويها قصة التحكيم؟!.

هذا وقد شهد الصحابة وكثير من علماء التابعين لأبي موسى - رضي الله عنه بالرسوخ في العلم، والكفاءة في الحكم، والفطنة والكياسة في القضاء.

وقبول تلك الرواية يعني الحكم أيضاً على عمرو بن العاص بأنه كان في أداء مهمته رجلاً تسيره الأهواء فتطغى لا على فطنته وخبرته فحسب، بل على ورعه وتقواه أيضاً. هذا علاوة على ما نسب إليه وإلى أبي موسى من السب والشتم، وهو ما يتعارض مع ما عرف وتواتر عن الصحابة رضي الله عنهم من حسن الخلق وأدب الحديث.

ص: 127

• أدى حادث التحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما إلى بدء ظهور الفرق ذات الآراء السياسية، ومن ضمنها فرقة الخوارج الذين رفضوا مبدأ قبول التحكيم في النزاع أصلاً، ذلك أنهم قالوا:(لا حكم إلا لله) مقررين أنه لا يجوز العدول عن حكم الله إلى حكم الرجال، والله قد حكم في الفئة الباغية بقتالها حتى تفيء إلى أمر الله.

وقد ظلت العبارة (لا حكم إلا لله) علماً على مذهب الخوارج على اختلاف فرقهم وتعددها. وتعددت تفسيرات هذه الفرق لهذا الشعار، فارتكب الخوارج بناء على فهمهم الخاطئ له وتأويلهم المتعسف للنصوص كثيراً من المنكرات وعاثوا في الأرض فساداً يقتلون وينهون أموال المسلمين مستحلين لها بزعم أن من خالفهم كافر، وهم سلف المكفرة في هذه الأمة إلى اليوم.

ومن الخصائص المميزة لفرق الخوارج الغلو والإفراط والشطط والتنطع، كما تميزت في منهجها الحركي بالاندفاع والتهور والثورية العمياء والقابلية السريعة للتمزق والاشتعال، فالجلافة طبعهم، وضيق الأفق سمتهم، ما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أعسرهما، وما صادفوا احتمالين إلا انحازوا لأبعدهما، وما رأوا طريقين إلا سلكوا أشقهما.

ولما كان الخوارج من ذلك الصنف البشري العنيد محدود الإدراك الذي يضيق أفقه أو علمه عن تفهم الخلاف فتثور نفسه لأتفه الأسباب ودونما تبصر في الدوافع والعواقب وتريث الحكم، فقد أعلنوا تكفيرهم للمجتمع المسلم بأجمعه، فأظهروا نقمتهم وسخطهم على الأطراف المخالفة لهم.

ومن مبادئهم أن الخروج على الحاكم الجائر فرض لا يحل تركه، فكل قادر يلزمه الخروج ولو كان وحده، وسواء ظن أن خروجه يؤدي إلى النتيجة المرجوة أم لا. وبهذا لا يشترطون عدداً ولا قدرة على تغيير المنكر. ومن أجل ذلك كان تاريخهم بشكل عام سلسلة من الثورات والحروب المتواصلة ميزتهم عن غيرهم من الفرق، وفي سبيلها أبيدوا أو كادوا أن يبادوا.

• ومن نتائج الفتنة ظهور الإرجاء، ومبعثه أنه كان في ثغور الجهاد وأطراف البلاد فئات من المسلمين تحارب الكفار وتفتح الأمصار، فلم تعلم عن سير الأمور شيئاً، فلما صدمتها فاجعة الفتنة أذهلها الألم عن التفكير، ووقاها بعد الشقة شر الخوض في الفتنة، ثم فوجئوا بما تلاها من أحداث فما استطاعوا أن يستبينوا رأياً فيتبعوه أو يرجحوا طرفاً فيوالوه، فآثروا مسالمة الفريقين المتقاتلين والركون إلى الحياد، فأبرؤوا أنفسهم من الوقوف مع أحد منهم أو عليه، وأرجؤوا أمر الجميع إلى الله، وهو الذي يتولى حسابهم، ومن ثم فهم داخلون تحت المشيئة.

فهم متناقضون لما عليه عامة الخوارج من تكفير الصحابة، وما عليه عامة الشيعة من الغلو في عليّ والحط من عثمان أو تكفيره، ومخالفون أيضاً لما عليه أهل السنة والجماعة في أمرهم.

ولا يخفى ما في موقفهم من شطط بإرجاء أمر عليّ وعثمان والشك في دخولهما الجنة، ومخالفة ما هو ثابت في النصوص الشرعية ومشهور لدى الأئمة بالإجماع عن فضل عثمان وعليّ رضي الله عنهما والشهادة لهما بالجنة. وهذا من أخطاء المرجئة وضلالاتهم.

وعلى كل حال سواء كان الإرجاء موقفاً ذاتياً ظهر بسبب الفتنة أو أنه انبثق من الفكر الخارجي ونبع عنه، فإن الإرجاء من حيث هو موقف نفسي يمكن أن يوجد في هذه الفتنة العمياء وما تلاها، لأن من سنن الاجتماع أن أي نزاع يشجر بين طائفتين أو جماعتين قد يفرز فئة ثالثة متأرجحة محايدة لأي سبب من أسباب الحياد. وليس هذا الحياد من قبل المرجئة إلا موقفاً سلبياً يليه التردد والشك في مآل الصحابة الذين شملتهم دائرة الفتنة.

ص: 128

• شهد ما بعد الفتنة أيضاً ظهور الشيعة وتميزهم بنظريات وآراء خاصة بهم في المجال السياسي. والمذهب الشيعي يرتبط أساساً بمسألة وجدانية أو عاطفية هي حب آل البيت، ثم تطورت هذه العاطفة وأخذت الآراء التي نبتت نتيجة لها تتأصل شيئاً فشيئاً لتصبح مذهباً متميزاً أو فرقة ذات آراء مستقلة في الأصول والحكم والفقه وغيرها.

وتحسن الإشارة إلى أن الشيعة الأولى لم يطعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يسبوهم ولم يشتموهم، بل كانوا يقدمون أبا بكر وعمر على عليّ، وإنما كان تفضيلهم لعليّ على عثمان، ثم ظهر المفضلة الذين يفضلون علياً على أبي بكر وعمر. ثم أخذ التشيع أبعاداً أخرى أكثر خطورة، حيث جعل يكتنفه الغلو ورفض خلافة الشيخين - أبي بكر وعمر - وشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن الملاحظ أن عدة عوامل ساهمت في تطور المذهب الشيعي، ومن أهمها: أن السبئية هم أصل التشيع، وليس أدل على ذلك من أن مبادئ الشيعة تتفق مع بعض الأفكار والمعتقدات التي جاء بها عبد الله بن سبأ، وهي: القول بالوصية والرجعة والبداء وسب الصحابة والبراءة منهم والغلو في علي

رضي الله عنه.

ومن المعلوم أن الذي يجمع فرق الشيعة هو: القول بأفضلية عليّ وأحقيته في الخلافة، وأنها ليست من المصالح المرسلة الموكولة إلى نظر العامة، بل هي ركن من أركان الدين.

ولتبرير هذه النظرية قالوا بالوصية، أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعليّ من بعده، وسارعوا إلى وضع الأحاديث في ذلك، كما أنهم قالوا بأن الخلافة بعد عليّ تنحصر في ذريته، وتنتقل بالنص من الإمام إلى من يليه.

• من الآثار السلبية المترتبة على ظهور الخلافات السياسية: أنه كان لظهور الفرق على الصعيد السياسي آثاراً سلبية، إذ كرست بوادر الفرقة والخلاف بين المسلمين، وهي بلا شك من عوامل الضعف والخذلان. فقد احتدم الصراع بين الفئات المختلفة مما كان له الأثر في عرقلة مسير الفتوح الإسلامية. فقد تميزت الفترة التي تلت الفتنة بكثرة الخلافات والحروب التي أضرم نارها حركات لم يستفد منها، إذ استنفدت جهودها في قتال المسلمين بدلاً من الاشتغال بأعمال الجهاد في سبيل الله.

وبالرغم من اعتبار عام واحد وأربعين للهجرة (661م) هو عام الجماعة، فإن الجماعة لم تكتمل تماماً، وظل هناك من يعارض بالقول والفعل تسويات الأحداث التي جرت في الفترة التي أعقبت مقتل عثمان والأوضاع السائدة في ظل دولة بني أمية، إضافة إلى الذين كانوا يظهرون الوفاق ويبطنون الخلاف.

• ومن آثار الفتنة العقدية: قول الخوارج في الوعيد بتكفير أصحاب الكبائر، وأنهم مخلدون في النار. وقد اشتطوا في نظرتهم تلك لمرتكب الكبيرة، لكن ليس هذا فحسب، وإنما الرزية كل الرزية أن يكون مرتكب الكبيرة عندهم ليس هو الزاني أو السارق أو الكاذب ونحوهم من عصاة الأمة؛ وإنما هو: عثمان وعليّ والزبير وطلحة وعائشة وأبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص وأمثالهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم قالوا: وعثمان وعليّ من والاهما ليسوا بمؤمنين لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله.

ويعتقد الخوارج أن من خالف القرآن بعمل أو برأي أخطأ فيه فهو كافر، ومن ثم قالوا بتكفير أصحاب الكبائر وأنهم مخلدون في النار، مخالفين لما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من عدم الخلود في النار بسبب ارتكاب الذنب ما لم يكن شركاً.

ص: 129

• لما غالى الخوارج في الوعيد نشأت فرقة المرجئة تبالغ في الوعد، وترجئ الحكم على أهل المعاصي إلى يوم الحشر، مع تفويض أمرهم إلى الله إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم. لكنها وسعت دائرة الإيمان إلى أقصى حدّ لجعلها الإيمان اعتقاداً قلبياً مجرداً، ولا قيود عملية على صاحبه من أمر ونهي، حتى أدى بها ذلك إلى القول بأنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وهذا مما يؤخذ على المرجئة.

والناظر في قول المرجئة في معنى الإيمان يعلم أنه مخالف لما جاء في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف من أن الإيمان مرتبط بالعمل، والعمل مرتبط بالإيمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.

وبهذا يظل المعيار الحقيقي للحكم على أي حالة هو معيار الصدر الأول وواقع السلف الصالح قبل اختلاف الأمة في الفترة التي تلت الفتنة، وهو أن حقيقة الإيمان حقيقة مركبة من القول والعمل مثلما تتركب حقيقة الإنسان من الجسد والروح، وأن ذلك مجمع عليه بين السلف، تتواتر على تأييده النصوص الشرعية، وتتضافر عليه الأدلة العقلية والنقلية، ولم يخالف فيه إلا مبتدع تنكب طريق الحق، وأعرض عن دلالات نصوص الوحي، وشواهد الفطرة والعقل إلى ما خاضت فيه أوهام المجادلين والمتكلمين.

• ومن بدع الشيعة العقدية شتم الصحابة - رضي الله عنهم وسبهم، بل وتكفيرهم الذي أصبح من لوازم أصول مذهبهم. وهم بذلك يخالفون محكم القرآن والسنة النبوية في تزكية الصحابة وبيان عدالتهم وفضلهم وشرفهم، وإجماع من يعتد بإجماعهم من الأمة على ذلك، وأنه من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة.

ومن بدعهم قولهم بالبداء تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، والبداء يعني: ظهور أمر لله سبحانه وتعالى بعد أن كان جاهلاً به اقتضى أن يغير الله في قدره. ومن بدعهم الغلو في الأئمة الذين جعلوهم فوق الأنبياء والرسل، ويعتقدون أنهم معصومون، ويعلمون أعمال الناس وآجالهم، ويعلمون الغيب. ومن بدعهم قولهم بمعتقد الجهمية في تعطيل صفات الله، وأخذهم بمذهب القدرية في أفعال العباد.

وكل هذا مخالف لصريح العقيدة التي كان يدين بها سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

• من الآثار السلبية المترتبة على الخلافات الكلامية: أن فتحت المناظرات بين الفرق المختلفة في إطار ما يسمى: علم الكلام باباً من أبواب الفتن، وساهمت في تمزيق كيان المجتمع الإسلامي، كما أنها ضخمت الجانب النظري التجريدي على حساب الجانب العلمي الذي أكد عليه الصحابة الذين تفهموا روح الرسالة وفقهوا الإسلام، فانشرحت صدورهم للعمل والوقوف عند النصوص المتشابهة وآيات وأحاديث الصفات دون تأويل، فحافظوا بذلك على صفاء العقيدة وإشراقها، في حين أضاع أرباب الكلام بمجادلاتهم ونقاشاتهم البيزنطية التي ترمي إلى البحث والتعليل فيما يتجاوز نطاق العقل وضوح العقيدة وصفاء الفكرة. ولم تثمر جهودهم غير الانقسام والخلاف والتمزق في الكيان الإسلامي بسبب هذا العلم غير النافع الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم

وجمهور الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة السلف.

• لقد كان من آثار الفتنة: معرفة أحكام البغاة. فبناء على الاختلاف بين أحكام دار الحرب ودار الإسلام تمكن عليّ رضي الله عنه بغزير علمه وسعة فقهه، وهو أقضى الصحابة، أن يضع قواعد وأحكاماً هي في الحقيقة ضوابط شرعية في قتال أهل البغي، ثم سار أهل السنة من أئمة العلم والفقهاء على سيرته في قتال البغاة، واستنبطوا من هديه الأحكام والقواعد الفقهية في هذا الشأن.

ص: 130

ومن هذه الأحكام أن لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يقتل أسير، ولا يستحل فرج ولا مال، ومن ألقى سلاحه فهو آمن. ولذلك لم يكن قتال البغاة إلا لدفعهم وردهم إلى الحق، فلا يستباح منهم إلا ما حصل بضرورة الدفع، وبقي حكم المال والذرية على أصل العصمة.

• إلى جانب الفرق المبتدعة الضالة، وهي من رواسب الفتنة ومن مخلفاتها، بقي جمهور المسلمين والغالب من فقهائهم وعلمائهم وحملة السنة منهم يمثلون السواد الأعظم أو الجماعة أو أهل السنة - كما أطلق عليهم فيما بعد -.

وأهل السنة والجماعة يبتعدون عن الغلو في كل شيء ويفضلون الاعتدال في الرأي والعمل، ويلتزمون ما فهمه سلفهم من الصحابة من آي القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا ذكر ما كان بين الصحابة - رضوان الله عليهم - من الاختلاف والحروب فمذهبهم الترضي والترحم على الجميع، وذكرهم بالخير والإحسان. وإذا ذكرت صفات الله يثبتونها ويفوضون كيفيتها بما يليق بجلال الله وعظمته، فيصفونه بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تكييف. وإذا ظلم الظالم أو جار فلا يخرجون عليه إلا بشروط منها: أمن الفتنة، وتحقيق الأفضل للمسلمين، ومعظمهم لا يرى الخروج إلا إذا كان ثمة كفر بواح عندهم من الله فيه برهان.

ويمكن القول أن الصبغة العامة لأهل السنة والجماعة هي الذهاب إلى أن العلم والعمل أجدى وأنفع من النقاش والجدال. لذا فهم يؤكدون على حقيقة الإيمان الشرعية وهي أنه: قول وعمل، يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.

ولقد بقي التراث الفكري والفقهي لأهل السنة والجماعة حتى الآن مثلاً للاعتدال في فهم الأحداث ووزن الأمور بميزان الإسلام، والبعد عن انحرافات الغلاة من الفرق المختلفة في جميع مواضع الخلاف.

• موقف أهل السنة من الفتنة:

إن موضوع النزاع والخلاف بين المسلمين بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ينظر إليه من زاويتين:

الأولى: إن اللوم في تلك الفتنة على العموم يلقى على قتلة عثمان، لأن كل من قتل من المسلمين بأيدي إخوانهم منذ قتل عثمان رضي الله عنه إنما يقع إثمه عليهم، فهم الذين فتحوا باب الفتنة وكل ما وقع بعد ذلك فإثمه ووزره عليهم، إذ كانوا السبب المباشر فيها، وهم الفئة المعتدية الظالمة التي قتل بسببها كل مقتول في الجمل وصفين، وما تفرع عنهما من أحداث وآراء ومواقف فتحت باب الخلاف والفرقة بين المسلمين.

ولا يخفى أن أعداء الإسلام الذين يئسوا من مجابهة الإسلام في الميدان الحربي رأوا أن الكيد لهذا الدين على الحيلة أنجع، فبدأوا يحكمون مخططاتهم في الخفاء، إذ أعلنوا الإسلام ظاهراً، وبقوا على كفرهم باطناً. وبهذا التستر والنفاق كانوا يثيرون المتاعب والمحن في وجه الدولة الإسلامية، ويضعون في دربها الكثير من الحواجز والعقبات، ويمارسون إزاءها من الداخل عمليات تخريبية لا حصر لها، كما هو ظاهر من الأحداث التي مهدت للفتنة وأشعلت نارها وأوقعت الخلاف بين المسلمين، وخطر هذا الكيد يكمن في أن هذه القوة المعادية غير واضحة الأبعاد، مدسوسة في صفوف المسلمين، قديرة على الاستخفاء في أعقاب أي تخريب تمارسه.

وقد نبه القرآن الكريم إلى كيد المنافقين وخطرهم على المجتمع الإسلامي، وإلى الوسائل والطرق الملتوية الخفية التي يستعملونها لتحطيم الإسلام والقضاء عليه، حتى يكون المسلمون على بينة منهم فلا يخدعون. ولذلك لم يكن غريباً أن يستغرق النفاق والمنافقين ما يقرب من 340 آية من آيات الكتاب العزيز.

ص: 131

ولا ريب أن اليهود من أوائل من سلك هذا المسلك الخبيث، وهو إذكاء النفاق والتستر خلفه لزعزعة دعائم الإسلام، وكان عبد الله بن سبأ وطائفته من أبرز هؤلاء المنافقين الذين كادوا للإسلام، حيث خطط لإذكاء نار الفتنة في خلافة عثمان رضي الله عنه هذا بالإضافة إلى أثره هو وأعوانه في الفتنة في خلافة علي رضي الله عنه بعد أن اتفق المسلمون على الصلح.

الثانية: إن ما حدث من جانب الصحابة - رضوان الله عليهم - في هذه الفتنة يحمل على حسن النية والاختلاف في التقدير والاجتهاد، كما يحمل على وقوع الخطأ والإصابة. ولكنهم على كل حال كانوا مجتهدين، وهم لإخلاصهم في اجتهادهم مثابون عليه في حالتي الإصابة والخطأ، وإن كان ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ؛ لأن كل فئة كانت لها وجهة نظر تدافع عنها بحسن نية، حيث إن الخلاف بينهم لم يكن بسبب التنافس على الدنيا، وإنما كان اجتهاداً من كل منهم في تطبيق شرائع الإسلام.

وقد سئل بعض السلف عن الدماء التي أريقت بين الصحابة رضي الله عنهم فقال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

وسئل ابن المبارك عن الفتنة التي وقعت بين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما فقال: (فتنة قد عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا)، يعني في التحرز من الوقوع في الخطأ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيباً فيه.

وقال ابن فورك: (ومن أصحابنا من قال: إن سبيل ما جرى بين الصحابة من المنازعات كسبيل ما جرى بين إخوة يوسف، ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حد الولاية والنبوة، فكذلك فيما جرى بين الصحابة.

وقد سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال: (قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا). وقال المحاسبي: (فنحن نقول كما قال الحسن البصري، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا، ونتبع ما اجتمعوا عليه، ونقف عندما اختلفوا فيه، ولا نبتدع رأياً منا، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل، إذ كانوا غير متهمين في الدين.

وجاء في الحديث الصحيح: (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة).

يقول الحافظ ابن حجر: (والمراد بالفئتين، فئة عليّ ومن معه، وفئة معاوية ومن معه، والمراد بالدعوة الإسلام على الراجح، وقيل: المراد اعتقاد كل منهما أنه على الحق.

وروى الإمام البخاري في تاريخه عن أم عمارة - حاضنة لعمار - قالت: اشتكى عمار، قال:(لا أموت في مرضي، حدثني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لا أموت إلا قتلاً بين فئتين مؤمنتين).

ويقول القاضي ابن العربي في تفسير قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {9} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. فلم يخرجهم عن الإيمان بالبغي والتأويل، ولا سلبهم اسم الأخوة بقوله بعده:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} . فهذه كلها امور جرت على رسم النزاع، ولم تخرج عن طريق من طرق الفقه، ولا عدت سبيل الاجتهاد الذي يؤجر فيه المصيب عشرة والمخطئ أجراً واحداً. وما وقع من روايات في كتب التاريخ - عدا ما ذكرنا - فلا تلتفتوا إلى حرف منها فإنها كلها باطلة.

ص: 132

ويقول النووي رحمه الله: (

واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة- رضي الله عنهم ليست بداخله في هذا الوعيد (يعني قول صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق ومخالفه باغ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، وكان بعضهم مصيباً وبعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه).

ويورد شيخ الإسلام ابن تيمية رأي أهل السنة في هذه المسألة مستبعداً رأي أهل البدع من الخوارج والرافضة والمعتزلة الذين جعلوا القتال موجباً للكفر أو الفسق، فينقل أن أهل الحديث متفقون على عدالة القوم ثم يقول:(وأهل السنة والجماعة وأئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة، بل يمكن أن يقع الذنب منهم، والله يغفر لهم بالتوبة ويرفع بها درجاتهم،){وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {33} لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ {34} لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}. إن الأنبياء هم المعصومون فقط، أما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا معصومين، وهذا في الذنوب المحققة، وأما اجتهادهم فقد يصيبون فيه أو يخطئون، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجر واحد على اجتهادهم. وجمهور أهل العلم يفرقون بين الخوارج المارقين وبين أصحاب الجمل وصفين ممن يعد من البغاة المتأولين، وهذا مأثور عن الصحابة وعامة أهل الحديث والفقهاء والأئمة).

واعتبر ابن تيمية هذا البغي مجرداً، وأهله لا يكفرون باتفاق أئمة الدين، لأن القرآن نص على إيمانهم وأخوتهم مع وجود الاقتتال والبغي، وليس ما كان بغياً وظلماً وعدواناً يخرج عموم الناس من الإيمان ولا يوجب لعنتهم، فكيف يخرج ذلك من كان خير القرون!.

في مقام آخر يقول: (فمن جزم في واحد من الصحابة بأن له ذنباً يدخل به النار قطعاً فهو كاذب مفتر، فإنه لو قال ما لا علم له به لكان مبطلاً، فكيف إذا قال ما دلت الدلائل الكثيرة على نقيضه! فمن تكلم فيما شجر بينهم، وقد نهى الله عنه من ذمهم أو التعصب لبعضهم بالباطل، فهو ظالم معتد .. ).

ويقول الحافظ الذهبي: (فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً في الحب، مفرطاً في البغض، ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال؟! فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق، واتضح من الطرفين، وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين، وتبصرنا، فعذرنا، واستغفرنا، وأحببنا باقتصاد، وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة، أو بخطأ إن شاء الله مغفور، وقلنا كما علمنا الله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا}، وترضينا أيضاً عمن اعتزل الفريقين كسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، ومحمد بن سلمة، وسعيد بن زيد وخلق كثير، وتبرأنا من الخوارج الذين حاربوا علياً وكفروا الفريقين).

ويقول الحافظ ابن حجر: (واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك، ولو عرف المحق منهم، لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً، وأن المصيب يؤجر أجرين).

ص: 133

وقد حمل أهل السنة الوعيد المذكور في الحديث: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار) على من قاتل بغير تأويل سائغ لمجرد طلب الملك وطلب الدنيا؛ فقد أخرج البزار في حديث: (القاتل والمقتول في النار) زيادة تبين المراد وهي: (إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار). ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ: (لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: (الهرج، القاتل والمقتول في النار).

ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتمسك بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} .

وفي الختام أقول: إن كتابة تاريخ الخلفاء الراشدين بصفة خاصة، وتاريخ الصحابة بصفة عامة - من زاوية الرصد الإسلامي - ضرورة لازمة للأمة الإسلامية، وليست نافلة يمكن الاستغناء عنها، ذلك أن عصر الراشدين هو بلا شك الفترة الذهبية في حقب التاريخ الإسلامي الممتدة في أغوار أربعة عشر قرناً من الزمان.

ولهذا كان لابد من العناية بدراسته الدراسة الصحيحة حتى يؤتي ثمرته المرجوة، ويحقق للأمة أملها المنشود، إذ منه تستخلص العبرة، وفيه تستهدى القدوة.

هذا وأرجو أن أكون قد وفقت في إزالة اللبس عن كثير من أحداث التاريخ في تلك الفترة العزيزة على نفس كل مسلم، وبذلك ينكشف الكثير مما دسّ على التاريخ بأقلام المغرضين، حيث كان التاريخ، والتاريخ الإسلامي بالذات هدفاً من الأهداف الرئيسية التي استهدفها المستشرقون وركزوا عليها.

وإني أرى لزاماً عليَّ أن أعلن شكري لله عز وجل إذ وفقني إلى إبراز كثير من الحقائق، وإزاحة الشبهات عن شخصيات كادت تلك الشبهات تفقدهم مكانتهم من نفوس دارسي وقارئي التاريخ من غير المحققين المثبتين.

هذا ولا يسعني وقد أكرمني الله تعالى بتوفيقه من إتمام هذه الرسالة إلا أن أتوجه إليه سبحانه بالحمد على ما أنعم به عليّ، فله الحمد والمنة دائماً وأبداً.

ولا أزعم لنفسي العصمة من الزلل، ولا الكمال الذي لا يداخله خلل، فكما قال العماد الأصفهاني:(إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو الدليل على استيلاء النقص على جملة البشر). فسبحان من تفرد بالكمال، وتنزه عن النقص والنسيان.

وإنني وأنا أقدم هذا البحث لأرجو أن يكون قدر الإمكان وفيته حقه، وأتيت فيه بجديد، فإن أحسنت فمن الله عز وجل، وإن أسأت فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم.

وفي الختام أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي هذا حسناً، خالصاً لوجهه الكريم وموافقاً للحق، وأن ينفع به المسلمين، ويرجح حسناتي يوم الدين.

اللهم لا تعذب لساناً يخبر عنك، ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدماً تمشي إلى خدمتك، ولا يداً تكتب في سبيلك، فبعزتك وجلالك لا تدخلني النار، وأدخلني الجنة مع الأبرار، اللهم آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تم تبييضه في مساء يوم السبت 5 من شهر ذي الحجة 1409هـ الموافق 8 من شهر يوليه (تموز) 1989م في مدينة جدة.

ص: 134