الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية
المؤلف/ المشرف:
محمد أحمد لوح
المحقق/ المترجم:
بدون
الناشر:
دار ابن عفان - الخبر ̈الأولى
سنة الطبع:
1418هـ
تصنيف رئيس:
توحيد وعقيدة ومنهج
تصنيف فرعي:
أسماء وصفات - تأويل وتفويض وتعطيل
أولاً: تمكنتُ –بحمد الله وتوفيقه- في هذا البحث من رصد وبيان التأويل الصحيح، بذكر ضوابطه، وما يتميَّز به، والتأويل الفاسد بذكر سماته وأماراته، حتى يعرف الواقف عليه ما هو التأويل الشرعي الذي يلزم استخدامه في التعامل مع النصوص الشرعية، وما هو التأويل الفاسد الذي يجب اجتنابه وإبعاده عن النصوص، وبيَّنتُ من خلال ذلك أن التأويل الصحيح لابد أن يكون في مجاله المحدَّد، وإطاره المحكم، فتبين:
1 -
أنه لا تأويل في المنصوص أصلاً، وهو المسمى واضح الدلالة.
2 -
أن الظاهر يمتنع تأويله إلا بما يوافق عرف المتكلم، وعادته المطردة.
3 -
أن المجمل المبيَّن يتعين المصير إلى مبيِّنه.
4 -
أنه لا يوجد في النصوص المتضمنة للمطالب الشرعية نص مجمل غير مبيَّن.
ثانياً: لما كان من القواعد الشرعية الكلية أنه لا إيمان إلا بالتسليم الكامل للوحي في كل ما جاء به، كان إعراض المتأولة عن النصوص، وإقبالهم على العقليات المزعومة أساساً لكل انحراف فكري أو عقدي وقعوا فيه، فكل من أعرض عن الطريقة السلفية النبوية الشرعية لابد أن يضل ويتناقض ويبقى في الجهل المركب، والضلال البعيد.
ثالثاً: لما كانت أصول البدع وأسسها كلها ترجع إلى مخالفة النص الشرعي، وعدم الالتزام بمقتضاه كان بدهيَّاً أن يكون التأويل الفاسد أساس كل بدعةٍ ظهرت في الإسلام، وذلك لأن كل مبتدع يسعى إلى البحث عن مستند له في النصوص، وإذا لم يظفر بدليل أو شبهةٍ يغتر بها المخدوعون –ولن يظفر؛ لأن السنة لا تكون دليلاً على البدعة، كما أن الإسلام لا يكون دليلاً على الكفر- لجأ إلى ليِّ أعناق النصوص بالتأويل حتى تتفق مع مذهبه الباطل، ولما لم يكن من السهل الميسور –بل ولا من الممكن- تحريف النصوص الشرعية المحفوظة، وتأويلها على هذا النحو، احتاجوا إلى ذريعة يتوسلون بها إلى تأويلاتهم الفاسدة فاتجهوا إلى اختراع قوانين التأويل وأصوله، فنشأت أصول للتأويل لدى جميع الفرق البدعية من المتكلمين، والرافضة، والباطنية، والصوفية، وغيرهم، وفي هذا البحث بذلت ما بوسعي من جهدٍ ووقت لحصر ما أمكن من أصول التأويل لدى الفرق التي تناولتها الدراسة، ومن ثم التصدي للرد عليها بالمنقول والمعقول.
رابعاً: أن الدور الذي لعبته الكتب الأجنبية –بما فيها من مناهج وعقائد فاسدة- إلى لغة القرآن سوف يظل الدور الأبرز في حدوث انحرافات المتفلسفة والمتكلمين وغيرهم من المبتدعة، وخاصة الانحرافات المتعلقة بالتأويل، ومن هنا تناولت –بشيءٍ من البسط- عامل التراجم –إلى جانب عوامل أخرى- بدراسة دوافعها، وبدايتها، ورجالها، وآثارها. فظهر لي أن نقل كتب الفلسفة الإلهية إلى لغة القرآن الكريم جاء في إطار مؤامرة أممية عالمية محكمة استهدفت العقيدة الإسلامية الصافية، باعتبارها مركز قوة المسلمين.
خامساً: لقد افتتن جميع المتكلمين وأكثر الأصوليين قديماً وحديثاً بفتنة القول بالمجاز في نصوص الوحي، وجعلوه تُكأةً لتأويل نصوص الصفات والقدر، وغيرها، وعدّوه مبحثاً من مباحث الأصول، ووسيلة من وسائل فهم الدين، فتصدَّينا لهذا المجاز: ما هو؟ وكيف نشأ؟ ومن قال به؟ وما صلته بالتأويل؟ وما مقصد مخترعيه؟ وأين تطبيقاته في كتب المجازيين؟ وما هو الحق في هذا الباب؟ وكيف نرد على المخالفين؟.
سادساً: إن من أعظم المخاطر الفكرية التي تسلح بها أعداء الإسلام لغزو المسلمين فكرة تقسيم الدين إلى ظاهر وباطن، حيث أدرك هؤلاء أن أصول العقيدة الإسلامية وأحكامها إنما عرضت في إطار ألفاظ وكلمات تدل عليها، وأن صلة المسلمين بماضيهم ومنابعهم إنما تبقى ببقاء هذه المصطلحات دالةً على معانيها الشرعية، فمتى انصرمت هذه الصلة بين الكلمات وبين المعاني، وأصبحت لا تدل على معانيها الخاصة، ومفهوماتها المحددة تسرب الشك والاختلاف إليها، وأصبحت هذه الأمة فريسةً سهلةً لكل دعوة مهما بعدت عن العقيدة الصحيحة، حيث يكون التأويل الفاسد هو المطلُّ برأسه في كل مناسبة.
سابعاً: إن السلف الصالح لم يألوا جهداً في الرد على أهل البدع في تأويلاتهم منذ نشأة الفرق، فأصدروا الفتاوى الجادة في حقهم، وتكلَّموا في جرحهم وبيان أحوالهم نصيحةً للأمة، وصنَّفوا في ذلك المصنفات النافعة، فظهر من خلال البحث أنهم رحمهم الله سلكوا في ردودهم منهجين:
1 -
منهج التأصيل: ويكون بعرض العقيدة الصحيحة بأدلتها، مع التركيز على ما فيه نقض لمعتقدات المبتدعة ومناهجهم.
2 -
منهج المناظرة، أعني الرد المباشر، ويكون بذكر شبهات المبتدعة ثم الرد عليها، فأحصيت من مؤلفاتهم في الرد على الجهمية والمعتزلة فقط منذ بداية القرن الثالث حتى منتصف القرن السادس الهجري سبعين كتاباً بين مطبوع وغير مطبوع.
ثامناً: لقد قمتُ بعقد مقارنات بين بعض الفرق المتقاربة فكان من نتائج تلك المقارنات أن الأشاعرة والماتريدية لا يختلفون في الأصول الكلامية التي بنوا عليها التأويل، والتبعيض في الصفات إثباتاً وتأويلاً، كما ظهر أن الرافضة والباطنية وجهان لعملة واحدة، وأن أصول الصوفية في اكتساب المعارف وفي التأويل مستقاة من أصول الفلاسفة الإشراقيين وأصول الباطنية لاسيما في قضية الظاهر والباطن.
تاسعاً: لقد زعم كثيرٌ من الباحثين المعاصرين أن الجهمية والمعتزلة من الفرق التي انقرضت، ورأزو بالتالي عدم جدوى مناقشة آرائهم فيما يتعلق بالتأويل وغيره، فذكرتُ بعض أقوال هؤلاء، وأبطلتُ مزاعمهم بذكر ما يدل على وجودهم ووجود من يعتنق أفكارهم، ويسلك مناهجهم، ويدافع عنهم بكل حرارة، كما أشرتُ إلى افتقار كثيرٍ من هؤلاء الباحثين إلى منهج سليم في التصور والاعتقاد.
عاشراً: لقد اعتمد كثيرٌ من الباحثين على كتاب (الفوائد المشوق) المنسوب لابن القيم في نسبة القول بالمجاز إلى هذا الإمام في المرحلة الأولى أو الأخيرة من حياته، فتمكنتُ –بحمد الله- من تحقيق المسألة بما لا يدع مجالاً للشك في أن الكتاب إنما هو مقدمة ابن النقيب في تفسيره، واستندت في ذلك إلى أقوال بعض العلماء المحققين.
توصية
1 -
لقد كانت جهود ابن تيمية رحمه الله في الرد على العقلانيين من الفلاسفة والمناطقة من نوعٍ فريد، حيث خبر أصولهم وأغراضهم، ومذاهبهم التي ترجع إليها مقالاتهم، وعقلياتهم، فانتقد أصولهم وقوانينهم، وهجم على مسلَّماتهم وبراهينهم العقلية التي سموها قطعيات فطعن فيها وبين وجوه ضعفها، فظهر لي من خلال تأمل عمله في هذا الباب أن جهوده في الرد على الفلاسفة والمناطقة لا تزال تنتظر من يبرزها، ويجليها، لكن ينتظر ممن يتصدَّى لذلك أن يكون متمكناً في الشرعيات، ملمَّاً بالعقليات، هادئ البال، رصين التصور، قوي العارضة.
2 -
لقد أتاح لي العمل في هذا البحث فرصة الاطلاع على الكثير من كتب أهل الزيغ والضلال –ولا حول ولا قوة إلا بالله- فظهر لي أن هناك عدداً هائلاً من الأحاديث المتيقن وضعها، وعدداً كبيراً يظهر عليها طابع الوضع يستدل بها أهل البدع والضلالات على تقرير عقائدهم في جميع المناحي والنحل الفلسفية والكلامية، والباطنية، وفي التصوف والرفض وغيرها، وتبين لي أن مما روَّج مذاهب هؤلاء وجود هذه الأخبار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن غير العارف إذا وقف في كتاب على قول منسوبٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك الخبر في تقرير عقيدة ما أو منهجٍ ما فسرعان ما يُسلِّم به ويذعن ويعتقد.
من هنا أيقنت أن هناك حاجةً ماسةً إلى جمع هذه الأخبار، وتصنيفها على أبواب الاعتقاد، وذكر من استدل بها على تقرير العقائد الفاسدة، وتخريجها تخريجاً علمياً ليعرف حقها من باطلها، ولا يخفى أن هذا العمل يحتاج إلى باحث لديه صبر على قراءة أكبر عدد ممكن من هذه الكتب، ومعرفةٍ بأصول التخريج، واطلاع بعقائد السلف، وانحرافات المبتدعة ومناهجهم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.