الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهليّة، وهذا لأنّه إذا لم يعرف الجاهليّة والشّرك، وما عابه القرآن وذمّه وقع فيه وأقرّه، ودعا إليه وصوّبه وحسّنه. وهو لا يعرف أنّه هو الّذي كان عليه أهل الجاهليّة، أو نظيره. أو شرّ منه، أو دونه. فينقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه. ويعود المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والبدعة سنّة، والسّنّة بدعة، ويكفر الرّجل بمحض الإيمان وتجريد التّوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرّسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حيّ يرى ذلك عيانا، والله المستعان.
ويدخل تحت هذا النّوع (الشّرك الأكبر) السّجود لغير الله، والرّكوع، والنّذر، والخوف، والتّوكّل على غيره، والعمل لغيره، والإنابة، والخضوع، والذّلّ لغير الله، وابتغاء الرّزق من عند غيره، واعتقاد أن يكون في الكون ما لا يشاؤه، وطلب الحوائج الّتي لا يقدر عليها إلّا هو من غيره، والاستغاثة بهم. وما نجا من شرك هذا الشّرك الأكبر إلّا من جرّد توحيده لله، وعادى المشركين في الله، وتقرّب بمقتهم إلى الله، واتّخذ الله وحده وليّه وإلهه ومعبوده فجرّد حبّه لله، وخوفه لله، ورجاءه لله، وذلّه لله، وتوكّله على الله، واستعانته بالله، والتجاءه إلى الله، واستغاثته بالله. وأخلص قصده لله متّبعا لأمره، متطلّبا لمرضاته. إذا سأل سأل الله، وإذا استعان استعان بالله، وإذا عمل لله فهو لله، وبالله، ومع الله.
والشّرك أنواع كثيرة. لا يحصيها إلّا الله. ولو ذهبنا نذكر أنواعه لاتّسع الكلام أعظم اتّساع.
وأمّا الشّرك الأصغر: فكيسير الرّياء، والتّصنّع للخلق، والحلف بغير الله، كما ثبت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:«من حلف بغير الله فقد أشرك» ، وقول الرّجل للرّجل ما شاء الله وشئت، وهذا من الله ومنك، وأنا بالله وبك، ومالي إلّا الله وأنت، وأنا متوكّل على الله وعليك، ولولا أنت لم يكن كذا وكذا» ، وقد يكون هذا شركا أكبر بحسب قائله ومقصده. وصحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال لرجل قال له:«ما شاء الله وشئت» : «أجعلتني لله ندّا؟ قل:
ما شاء الله وحده» . وهذا اللّفظ أخفّ من غيره من الألفاظ «1» .
من مظاهر الشرك:
للشّرك سواء أكان من المشركين أهل الجاهليّة الأولى، أو ممّن ينتسبون إلى أهل الكتاب من اليهود أو النّصارى، أو المبتدعة ممّن ينتسبون إلى الإسلام- وهو منهم ومن شركهم براء- صور عديدة كشف عنها علماء الإسلام محذّرين النّاس منها، خاصّة أنّ بعض هذه المظاهر قد شاعت في بعض البلدان الإسلاميّة، نذكر من ذلك:
1- الاستغاثة والتّوسّل بغير الله تعالى:
قال الإمام ابن تيميّة: من أعظم أنواع الشّرك دعاء الملائكة والأنبياء والصّالحين بعد موتهم، وعند
(1) مدارج السالكين (1/ 368- 376) باختصار.
قبورهم، وفي مغيبهم، وخطاب تماثيلهم والاستغاثة بهم، وطلب الشّفاعة منهم، وهو من الدّين الّذي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولا، ولا أنزل به كتابا، وليس هو واجبا ولا مستحبّا باتّفاق علماء المسلمين، ولا فعله أحد من الصّحابة والتّابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمّة المسلمين، وإن كان ذلك ممّا يفعله كثير من النّاس ممّن له عبادة وزهد، ويذكرون فيه حكايات ومنامات، فهذا كلّه من الشّيطان، وفيهم من ينظم القصائد في دعاء الميّت والاستشفاع به، والاستغاثة، أو يذكر ذلك في ضمن مديح الأنبياء والصّالحين، فهذا كلّه ليس بمشروع، ولا واجب، ولا مستحبّ باتّفاق أئمّة الدّين، فإنّ الله لا يعبد إلّا بما هو واجب أو مستحبّ.
ولم يكن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للنّاس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصّالحين ويستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم ولا في مغيبهم.
وكلّ بدعة ليست واجبة ولا مستحبّة فهي بدعة سيّئة وهي ضلالة باتّفاق المسلمين، فلا يتقرّب بها إلى الله. ومن تقرّب إلى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر إيجاب ولا استحباب فهو ضالّ متّبع للشّيطان، وسبيله من سبيل الشّيطان، كما قال عبد الله ابن مسعود: خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطّا، وخطّ خطوطا عن يمينه وشماله ثمّ قال:«هذا سبيل الله، وهذه سبل، على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه» ثمّ قرأ: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام/ 153)«1» .
إنّ الشّفاعة الّتي أثبتها الله ورسوله؛ هي الشّفاعة الصّادرة عن إذنه لمن وحّده، والّتي نفاها الله عز وجل هي الشّفاعة الشّركيّة، الّتي في قلوب الّذين اتّخذوا من دون الله شفعاء، وقد جعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم تجريد التّوحيد أعظم الأسباب الّتي تنال بها شفاعته يوم القيامة، ومن الجهل البيّن اعتقاد أصحاب الشّفاعة الشّركيّة أنّ هذه الشّفاعة تنفعهم عند الله كما يكون خواصّ الملوك والولاة تنفع شفاعتهم من والاهم، ولم يعلم هؤلاء أنّ الله لا يشفع عنده أحد إلّا بإذنه، ولا يأذن في الشّفاعة إلّا من رضي قوله وعمله، ثمّ إنّ هناك أصلا ثالثا هو أنّه لا يرضى من القول والعمل إلّا التّوحيد واتّباع الرّسل، فهذه ثلاثة أصول تقطع شجرة الشّرك ممّن وعاها وعقلها:
1-
لا شفاعة إلّا بإذنه.
2-
لا يأذن إلّا من رضي قوله وعمله.
3-
لا يرضى من القول والعمل إلّا التّوحيد واتّباع المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالله- عز وجل لا يغفر شرك العادلين به غيره في العبادة والموالاة والمحبّة، قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ (البقرة/ 165) . إنّك ترى الواحد من هؤلاء يكذّب حاله وعمله قوله فإنّه يقول: لا يحبّهم كحبّ الله، ولا نسوّيهم بالله، ثمّ يغضب لهم
(1) مجموع الفتاوى 1/ 159، وما بعدها (بإيجاز وتصرف) ، وانظر أيضا قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص 20 وما بعدها.