الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحاديث الواردة في ذمّ (العصيان) معنى
26-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أرأيتم لو أنّ نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كلّ يوم خمسا ما تقول ذلك يبقي من درنه «1» ؟» قالوا: لا يبقي من درنه شيئا. قال:
«فذلك مثل الصّلوات الخمس يمحو الله به الخطايا» ) * «2» .
27-
* (عن شدّاد بن أوس- رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلّك على سيّد الاستغفار:
اللهمّ أنت ربّي لا إله إلّا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، وأبوء «3» إليك بنعمتك عليّ، وأعترف بذنوبي، فاغفر لي ذنوبي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. لا يقولها أحد حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح إلّا وجبت له الجنّة، ولا يقولها حين يصبح فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي إلّا وجبت له الجنّة» ) * «4» .
28-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربّه عز وجل قال:
«أذنب عبد ذنبا. فقال: اللهمّ اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب.
فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى:
عبدي أذنب ذنبا فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. ثمّ عاد فأذنب فقال: أي ربّ اغفر لي ذنبي.
فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا. فعلم أنّ له ربّا يغفر الذّنب، ويأخذ بالذّنب. اعمل ما شئت، فقد غفرت لك» ) * «5» .
29-
* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما أنّه قال: أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله إنّي أصبت ذنبا عظيما فهل من توبة؟ قال: «هل لك من أمّ؟» قال: لا. قال: «هل لك من خالة؟» قال: نعم.
قال: «فبرّها» ) * «6» .
30-
* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا أهل النار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النّار بذنوبهم (أو قال بخطاياهم) فأماتهم إماتة حتّى إذا كانوا فحما أذن بالشّفاعة فجيء بهم
(1) درنه: أي وسخه. وقوله: تقول: قال ابن حجر: كذا في النسخ المعتمدة بإفراد المخاطب والمعنى: ما تقول أيها السامع ولأبي نعيم وغيره- ما تقولون.
(2)
البخاري (2/ 528) واللفظ له، ومسلم (667) .
(3)
وأبوء: أي أعترف وأقر.
(4)
البخاري- الفتح 11 (6306) ، والترمذي (5/ 3393) واللفظ له.
(5)
حديث قدسي: أخرجه البخاري. الفتح 13 (7507) ومسلم (2758) .
(6)
الترمذي (1905) واللفظ له. وصححه الألباني. صحيح سنن الترمذي (1554)، والحاكم في مستدركه (2/ 197) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال محقق «جامع الأصول» : رجاله ثقات.
ضبائر ضبائر «1» . فبثّوا على «2» أنهار الجنّة. ثمّ قيل: يا أهل الجنّة أفيضوا عليهم. فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل» ) * «3» .
31-
* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه أنّ رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأنزلت عليه وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ قال الرّجل: ألي هذه؟ قال: «لمن عمل بها من أمّتي» ) * «4» .
32-
* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه أنّه قال: إنّ رجلا أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله. فقال: «كل بيمينك» قال: لا أستطيع. قال:
«لا استطعت» ما منعه إلّا الكبر قال: فما رفعها إلى فيه» ) * «5» .
33-
* (عن أنس- رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل على شابّ وهو بالموت فقال: كيف تجدك؟
قال: والله يا رسول الله إنّي أرجو الله وإنّي أخاف ذنوبي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلّا أعطاه الله ما يرجو، وآمنه ممّا يخاف» ) * «6» .
34-
* (وعن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها قالت: إنّها اشترت نمرقة «7» فيها تصاوير، فلمّا راها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهة، فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم. ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما بال هذه النّمرقة؟» قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسّدها «8» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أصحاب هذه الصّور يوم القيامة يعذّبون. فيقال لهم أحيوا ما خلقتم» . وقال: «إنّ البيت الّذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة» ) * «9» .
35-
* (عن سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيعجز أحدكم أن يكسب ألف حسنة؟» فسأله سائل من جلسائه:
كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: «يسبّح الله مائة تسبيحة تكتب له ألف حسنة وتحطّ عنه ألف سيّئة» ) * «10» .
36-
* (عن أمّ سلمة- رضي الله عنها في حديث هجرة الحبشة ومن كلام جعفر في مخاطبة
(1) ضبائر ضبائر: هي جمع ضبارة، وقال أهل اللغة: الضبائر جماعات في تفرقة.
(2)
فبثوا: أي فرقوا.
(3)
مسلم (306) .
(4)
البخاري- الفتح 8 (4687) واللفظ له. ومسلم (2763) .
(5)
مسلم (2021) .
(6)
الترمذي (983) واللفظ له. وابن ماجة (4261) وقال النووي: اسناده حسن، وحسنه الألباني، صحيح ابن ماجة (3436) وهو في الصحيحة (1051) .
(7)
النمرقة: وسادة صغيرة.
(8)
توسّدها: أصله: تتوسدها حذفت إحدى التاءين تخفيفا، والمعنى تتخذها وسادة.
(9)
البخاري- الفتح 9 (5181) واللفظ له. ومسلم (2107) .
(10)
مسلم (2698) ، والترمذي (3463) واللفظ له، وقال: حديث حسن صحيح.
النّجاشيّ: فقال له: أيّها الملك. كنّا قوما أهل جاهليّة نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام،- قال: فعدّد عليه أمور الإسلام فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به
…
الحديث) * «1» .
37-
* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتّق الله حيثما كنت وأتبع السيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن» ) * «2» .
38-
* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أسلم العبد فحسن إسلامه يكفّر الله عنه كلّ سيّئة كان زلفها «3» .
وكان بعد ذلك القصاص: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيّئة بمثلها إلّا أن يتجاوز الله عنها» ) * «4» .
39-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله- عز وجل: إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل. فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها، وإذا عملها أكتبها له بمثلها» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قالت الملائكة: ربّ، ذاك عبدك يريد أن يعمل سيّئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، وإنّما تركها من جرّاي «5» » ) * «6» .
40-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا توضّأ العبد المسلم (أو المؤمن) فغسل وجهه خرج من وجهه كلّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل يديه خرج من يديه كلّ خطيئة كان بطشتها «7» يداه مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) فإذا غسل رجليه خرجت كلّ خطيئة كان مشتها رجلاه «8» مع الماء (أو مع آخر قطر الماء) حتّى يخرج نقيّا من الذّنوب» ) * «9» .
(1) رواه أحمد في المسند (1 (202) واللفظ له. وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 180) : إسناده صحيح. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27)، وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أن ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(2)
الترمذي (1987) وقال: حديث حسن صحيح.
(3)
زلفها: أي اقترفها وفعلها.
(4)
البخاري- الفتح 1 (41) واللفظ له. ومسلم (129) .
(5)
من جراي: من أجلي.
(6)
البخاري- الفتح 13 (7501) ، ومسلم (129) واللفظ له.
(7)
بطشتها: أي اكتسبتها.
(8)
مشتها رجلاه: أي مشت لها أو فيها، رجلاه.
(9)
مسلم (244) .
41-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ العبد إذا أخطأ نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل «1» قلبه وإن عاد زيد فيه حتّى تعلو قلبه وهو الرّان «2» الّذي ذكر الله كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين/ 14) » ) * «3» .
42-
* (عن أبي موسى الأشعريّ- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله عز وجل يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل، حتّى تطلع الشّمس من مغربها» ) * «4» .
43-
* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ مسحهما «5» يحطّ الخطايا» ) * «6» .
44-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال «إنّ الميّت يصير إلى القبر. فيجلس الرّجل الصّالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف «7» . ثمّ يقال له: فيم كنت «8» ؟ فيقول: كنت في الإسلام.
فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبيّنات من عند الله فصدّقناه. فيقال له:
هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله فيفرج له فرجة قبل النّار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثمّ يفرج له قبل الجنّة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك.
ويقال له: على اليقين كنت. وعليه متّ. وعليه تبعث إن شاء الله «9» . ويجلس الرّجل السّوء في قبره فزعا مشعوفا فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرّجل؟ فيقول: سمعت النّاس يقولون قولا فقلته. فيفرج له قبل الجنّة فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثمّ يفرج له فرجة قبل النّار فينظر إليها يحطم بعضها بعضا.
فيقال له: هذا مقعدك على الشكّ كنت وعليه متّ وعليه تبعث إن شاء الله تعالى» ) * «10» .
45-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي لأعلم آخر أهل الجنّة دخولا الجنّة، وآخر أهل النّار خروجا منها. رجل يؤتى
(1) في الترمذي والحاكم (سقل) . وفي سنن ابن ماجه (صقل) .
(2)
الران: هو ظلمة وجهل يقوم بالقلب يحول بين المرء وبين معرفة الحق.
(3)
الترمذي (3334) واللفظ له. وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجة (4244) ، والحاكم (2/ 517) وصححه.
(4)
مسلم (2759) .
(5)
أي الركن اليماني والحجر الأسود.
(6)
ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2753) واللفظ له. وقال محققه: إسناده حسن، والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 4041)، والبغوي في شرح السنة (7/ 1916) وقال: حديث حسن.
(7)
مشعوف: الشعف شدة الفزع والخوف حتى يذهب بالقلب.
(8)
فيم كنت: أي في أي دين.
(9)
إن شاء الله: للتبرك لا للشك.
(10)
ابن ماجة 2 (4268) وصححه الألباني، صحيح بن ماجة (3443) .
به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه.
فيقال: عملت يوم كذا وكذا: كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا: كذا وكذا. فيقول: نعم- لا يستطيع أن ينكر- وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه- فيقال له:
فإنّ لك مكان كلّ سيّئة حسنة. فيقول: ربّ قد عملت أشياء لا أراها ههنا» . فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتّى بدت نواجذه) * «1» .
46-
* (عن أنس- رضي الله عنه قال:
جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنّي أريد سفرا فزوّدني. قال: «زوّدك الله التّقوى» . قال: زدني.
قال: «وغفر ذنبك» . قال: زدني بأبي أنت وأمّي. قال:
«ويسّر لك الخير حيثما كنت» ) * «2» .
47-
* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، ربّ اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطيعا، إليك مخبتا، إليك أوّاها منيبا، ربّ تقبّل توبتي، واغسل حوبتي «3» ، وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، وثبّت حجّتي، واسلل سخيمة قلبي» ) * «4» .
48-
* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الذّنب أكبر عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك» قلت له: إنّ ذلك لعظيم. قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «ثمّ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» . قلت: ثمّ أيّ؟ قال:
«ثمّ أن تزاني حليلة جارك» ) * «5» .
49-
* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «عرضت عليّ أعمال أمّتي: حسنها وسيّئها. فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطّريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النّخامة تكون في المسجد لا تدفن» ) * «6» .
50-
* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهليّة؟ قال: «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر) * «7» .
51-
* (عن عائشة- رضي الله عنها زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي. فخرجت مع
(1) مسلم (190) .
(2)
الترمذي (3444) وقال: حديث حسن غريب، وصححه الألباني، صحيح سنن الترمذي (2739) .
(3)
الحوبة: المأثم.
(4)
ابن ماجة (3830) واللفظ له، والترمذي (3551) وقال: حديث حسن.
(5)
البخاري- الفتح 13 (7520) ، ومسلم (86) واللفظ له.
(6)
مسلم (553) .
(7)
البخاري- الفتح 12 (6921) واللفظ له. ومسلم (120) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعدما أنزل الحجاب
…
الحديث وفيه: قالت: فتشهّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثمّ قال:«أمّا بعد. يا عائشة فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب تاب الله عليه» ) * «1» .
52-
* (عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ممّا يكثر أن يقول لأصحابه «هل رأى أحد منكم من رؤيا؟» . قال:
فيقصّ عليه ما شاء الله أن يقصّ، وإنّه قال لنا ذات غداة:«إنّه أتاني اللّيلة آتيان، وإنّهما ابتعثاني «2» ، وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصّخرة لرأسه فيثلغ رأسه «3» فيتدهده «4» الحجر هاهنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتّى يصحّ رأسه كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به المرّة الأولى. قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق. انطلق، فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلّوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقّي وجهه ليشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قال:
وربّما قال أبو رجاء فيشقّ. قال: ثمّ يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأوّل فما يفرغ من ذلك الجانب حتّى يصحّ ذلك الجانب كما كان، ثمّ يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرّة الأولى. قال: قلت:
سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنّور، قال: وأحسب أنّه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات. قال: فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا «5» قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال:
فانطلقنا، فأتينا على نهر حسبت أنّه كان يقول أحمر مثل الدّم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شطّ النّهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السّابح يسبح ما يسبح، ثمّ يأتي ذلك الّذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر «6» له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثمّ يرجع إليه. كلّما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا.
قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المراة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة، وإذا عنده نار يحشّها «7» ويسعى حولها.
قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق.
قال: فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كلّ لون الرّبيع، وإذا بين ظهري الرّوضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السّماء، وإذا حول الرّجل من أكثر
(1) البخاري- الفتح 7 (4141) ، مسلم 4 (2770) واللفظ له.
(2)
ابتعثاني: أنهضاني لأنطلق معهما.
(3)
يثلغ رأسه: يشجها أي يكسرها.
(4)
يتدهده الحجر: يتدحرج.
(5)
ضوضوا: الضّوضى- مقصورا الجلبة وأصوات الناس لغة في المهموزة- يعني الضوضاء- ورجل مضوّض: مصوّت.
(6)
يفغر فاه: يفتحه.
(7)
يحشّها: يوقدها.
ولدان رأيتهم قطّ. قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟
قال: قالا لي: انطلق انطلق. قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قطّ أعظم منها ولا أحسن.
قال: قالا لي: ارق. فارتقيت فيها قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنيّة بلبن ذهب ولبن فضّة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها فتلقّانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء. قال: قال لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النّهر. قال: وإذا نهر معترض يجري كأنّ ماءه المحض من البياض فذهبوا فوقعوا فيه، ثمّ رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السّوء عنهم فساروا في أحسن صورة. قال:
قالا لي: هذه جنّة عدن، وهذاك منزلك. قال: فسما بصري صعدا. فإذا قصر مثل الرّبابة البيضاء. قال:
قالا لي هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما.
ذراني فأدخله. قالا: أمّا الآن فلا وأنت داخله. قال:
قلت لهما: فإنّي قد رأيت منذ اللّيلة عجبا فما هذا الّذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنّا سنخبرك: أمّا الرّجل الأوّل الّذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنّه الرّجل يأخذ بالقرآن فيرفضه، وينام عن الصّلاة المكتوبة.، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنّه الرّجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأمّا الرّجال والنّساء العراة الّذين في مثل بناء التّنّور فهم الزّناة والزّواني، وأمّا الرّجل الّذي أتيت عليه يسبح في النّهر ويلقم الحجر فإنّه آكل الرّبا، وأمّا الرّجل الكرية المراة الّذي عند النّار يحشّها ويسعى حولها فإنّه مالك خازن جهنّم. وأمّا الرّجل الطّويل الّذي في الرّوضة فإنّه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأمّا الولدان الّذين حوله فكلّ مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين. وأمّا القوم الّذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا قبيح فإنّهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيّئا، تجاوز الله عنهم) * «1» .
53-
* (عن أنس- رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التّوّابون» ) * «2» .
54-
* (عن أبي الدّرداء- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلّ ذنب عسى الله أن يغفره إلّا من مات مشركا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمّدا» ) * «3» .
55-
* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما أنّه عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النّجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنّ الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه «4» ويستره فيقول: أتعرف
(1) البخاري- الفتح 12 (7047) واللفظ له، مسلم (2275) .
(2)
الترمذي (2499) ، وابن ماجة (4251) واللفظ له، وحسنه الألباني، صحيح الجامع (4391) . وحسن إسناده محقق جامع الأصول (2/ 515) .
(3)
أبو داود (4/ 4270) وقال محقق جامع الأصول (10/ 206) : إسناده صحيح، وصححه الألباني، صحيح أبي داود (3589) .
(4)
كنفه: حفظه وستره.
ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي ربّ.
حتّى إذا قرّره بذنوبه ورأى في نفسه أنّه هلك قال:
سترتها عليك في الدّنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته. وأمّا الكافر والمنافقون فيقول الأشهاد «1» :«هؤلاء الّذين كذبوا على ربّهم، ألا لعنة الله على الظّالمين» ) * «2» .
56-
* (عن عبد الله بن السّعديّ- رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنقطع الهجرة ما دام العدوّ يقاتل» . فقال معاوية وعبد الرّحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص: إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
57-
* (عن البراء- رضي الله عنه قال:
لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النّبيّ صلى الله عليه وسلم جيشا من الرّماة وأمّر عليهم عبد الله وقال: لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا. فلمّا لقينا هربوا حتّى رأيت النّساء يشتددن في الجبل، رفعن عن سوقهنّ قد بدت خلا خلهنّ فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال عبد الله: عهد إليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا فأبوا، فلمّا أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلا. وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمّد؟ فقال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن الخطّاب؟ فقال: إنّ هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت يا عدوّ الله. أبقى الله عليك ما يخزيك. قال أبو سفيان: اعل هبل «4» فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه» . قالوا: ما نقول؟
قال: «قولوا: الله أعلى وأجلّ» . قال أبو سفيان: لنا العزّى ولا عزّى لكم. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه» .
قالوا: ما نقول؟ قال قولوا: «الله مولانا ولا مولى لكم» . قال أبو سفيان يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني) * «5» .
58-
* (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه: لم أتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام
(1) الأشهاد: الملائكة والنبيون وسائر الإنس والجن.
(2)
البخاري- الفتح 5 (2441) واللفظ له. ومسلم (2768) .
(3)
المسند (1/ 192) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر (3/ 133) رقم (1671) : إسناده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 250- 251) : روى أبو داود النسائي بعض حديث معاوية ورواه أحمد والطبراني في الأوسط والصغير. قال: ورجال أحمد ثقات.
(4)
اعل هبل: فعل أمر من الماضي علا.. مضارعه يعلو. وهبل هو أحد أصنامهم- والجملة دعاء لصنمهم بالعلو في مقام الشعور بنشوة النصر.
(5)
البخاري- الفتح 7 (4043) .
- وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها «1» - وكان من خبري حين تخلّفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، أنّي لم أكن قطّ أقوى، ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة.
والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ حتّى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «2» ، واستقبل عدوّا كثيرا. فجلا للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم. فأخبرهم بوجههم الّذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير. ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب يظنّ أنّ ذلك سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «3» فتجهّز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ. فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا، ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى أسرعوا وتفارط الغزو «4» . فهممت أن أرتحل فأدركهم، فياليتني فعلت، ثمّ لم يقدّر ذلك لي. فطفقت إذا خرجت في النّاس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أنّي لا أرى لي أسوة. إلّا رجلا مغموصا عليه في النفاق «5» ، أو رجلا ممّن عذر الله من الضّعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى بلغ تبوكا فقال وهو جالس في القوم بتبوك:«ما فعل كعب بن مالك؟» . قال رجل من بني سلمة:
يا رسول الله حبسه برداه والنّظر في عطفيه «6» فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلّا خيرا. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو على ذلك رأى رجلا مبيّضا يزول به السّراب «7» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كن أبا خيثمة» . فإذا هو أبو خيثمة الأنصاريّ- وهو الّذي تصدّق بصاع التّمر حين لمزه المنافقون- فقال كعب بن مالك: فلمّا بلغني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجّه قافلا «8» من تبوك حضرني بثّي «9» فطفقت أتذكّر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا؟، وأستعين على ذلك كلّ ذي رأي من أهلي. فلمّا قيل لي: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظلّ قادما زاح عنّي الباطل حتّى عرفت أنّي لن أنجو منه بشيء أبدا. فأجمعت صدقه، وصبّح رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) أذكر منها: أي أكثر شهرة وذكرا منها.
(2)
ومفازا: أي برية طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك.
(3)
أصعر: أميل. من صعر كفرح: مال.
(4)
تفارط الغزو: أي تقدم الغزاة وسبقوا وفاتوا.
(5)
مغموصا عليه في النفاق: أي متهما به.
(6)
النظر في عطفيه: أي جانبيه. وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه ولباسه.
(7)
أي لابسا البياض من الثياب، يزول به السراب. والسراب ما يظهر في الخلاء كأنه ماء والمقصود يتحرك وينهض.
(8)
توجه قافلا: أي راجعا.
(9)
البث: أشد الحزن.
قادما- وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين- ثمّ جلس للنّاس، فلمّا فعل ذلك جاءه المخلّفون فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له- وكانوا بضعة وثمانين رجلا- فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتّى جئت، فلمّا سلّمت تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال:«تعال» . فجئت أمشي حتّى جلست بين يديه. فقال لي: «ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» . قال قلت: يا رسول الله إنّي- والله- لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا لرأيت أنّي سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا. ولكنّي والله لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه «1» إنّي لأرجو فيه عقبى الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أمّا هذا فقد صدق. فقم حتّى يقضي الله فيك» . فقمت، وثار رجال من بني سلمة فاتّبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا. لقد عجزت في أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به إليه المخلّفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. قال: فو الله ما زالوا يؤنّبونني حتّى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذّب نفسي. قال: ثمّ قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟. قالوا: نعم، لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك. قال قلت: من هما؟. قالوا: مرارة بن ربيعة العامريّ، وهلال بن أميّة الواقفيّ. قال: فذكروا لي
رجلين صالحين قد شهدا بدرا، فيهما أسوة. قال:
فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا، أيّها الثّلاثة، من بين من تخلّف عنه. قال: فاجتنبنا النّاس. وقال: تغيّروا لنا حتّى تنكّرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض الّتي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأمّا صاحباي، فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأمّا أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم. فكنت أخرج فأشهد الصّلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلّمني أحد. وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصّلاة. فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام أم لا؟. ثمّ أصلّي قريبا منه وأسارقه النّظر. فإذا أقبلت على صلاتي نظر إليّ وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي. حتّى إذا طال ذلك عليّ من جفوة المسلمين، مشيت حتّى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي، وأحبّ النّاس إليّ.
فسلّمت عليه. فو الله ما ردّ عليّ السّلام. فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمنّ أنّي أحبّ الله ورسوله؟. قال: فسكت. فعدت فناشدته، فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت
(1) أي يغضبك ولا ترضى به.
عيناي، وتولّيت حتّى تسوّرت الجدار. فبينا أنا أمشي في سوق المدينة، إذا نبطيّ من نبط أهل الشّام، ممّن قدم بالطّعام يبيعه بالمدينة. يقول: من يدلّ على كعب بن مالك؟ قال: فطفق النّاس يشيرون له إليّ حتّى جاءني فدفع إليّ كتابا من ملك غسّان- وكنت كاتبا- فقرأته فإذا فيه: أمّا بعد. فإنّه قد بلغنا أنّ صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك «1» . قال: فقلت حين قرأتها: وهذا أيضا من البلاء. فتياممت «2» بها التّنّور فسجرتها بها. حتّى إذا مضت أربعون من الخمسين، واستلبث الوحي «3» إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك. قال: فقلت: أطلّقها أم ماذا أفعل؟. قال: لا. بل اعتزلها. فلا تقربنّها. قال فأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك. قال: فقلت لا مرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتّى يقضي الله في هذا الأمر.
قال: فجاءت امرأة هلال بن أميّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله إنّ هلال بن أميّة شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟. قال:«لا. ولكن لا يقربنّك» . فقالت: إنّه والله ما به حركة إلى شيء، وو الله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا.
قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك؟. فقد أذن لامرأة هلال بن أميّة أن تخدمه.
قال: فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شابّ؟ قال: فلبثت بذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهي عن كلامنا. قال: ثمّ صلّيت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على الحال الّتي ذكر الله عز وجل منّا. قد ضاقت علّي نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على سلع «4» يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر. قال:
فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج. قال: فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم النّاس بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر. فذهب النّاس يبشّروننا، فذهب قبل صاحبيّ مبشّرون، وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم قبلي «5» ، وأوفى الجبل «6» فكان الصّوت أسرع من الفرس. فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته يبشّرني، فنزعت له ثوبيّ فكسوتهما إيّاه ببشارته. والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما. فانطلقت أتأمّم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقّاني النّاس فوجا فوجا يهنّئوني بالتّوبة، ويقولون: لتهنك توبة الله عليك حتّى دخلت المسجد. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في
(1) الحق بنا.. إلخ: معناه: أقدم إلينا نشاركك فيما عندنا.
(2)
تياممت.. إلخ: قصبدت بها التنور فأحرقتها.
(3)
استلبث: أبطأ وتأخر.
(4)
أوفى على سلع: أي صعده وارتفع عليه. وسلع جبل بالمدينة معروف.
(5)
سعى ساع من أسلم: أي سعى رجل من قبيلة أسلم متجها نحوي.
(6)
وأوفى الجبل: وصل إليه وصعد عليه.
المسجد- وحوله النّاس- فقام طلحة ابن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني. والله ما قام رجل من المهاجرين غيره. قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة.
قال كعب: فلمّا سلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- وهو يبرق وجهه من السّرور ويقول-: «أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» . قال: فقلت:
أمن عندك. يا رسول الله أم من عند الله؟ فقال: «لا.
بل من عند الله» - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سرّ استنار وجهه كأنّ وجهه قطعة قمر- قال: وكنّا نعرف ذلك.
قال: فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمسك بعض مالك.
فهو خير لك» . قال: فقلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر. قال: وقلت: يا رسول الله إنّ الله إنّما أنجاني بالصّدق، وإنّ من توبتي أن لا أحدّث إلّا صدقا ما بقيت. قال: فو الله ما علمت أنّ أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا أحسن ممّا أبلاني الله به.
والله ما تعمّدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي.
قال: فأنزل الله عز وجل: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ (التوبة/ 117- 118) حتّى بلغ:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ 119) . قال كعب: والله ما أنعم الله عليّ من نعمة قطّ بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الّذين كذبوا. إنّ الله قال للّذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحد. وقال الله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ* يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة/ 95، 96) . قال كعب: كنّا خلّفنا- أيّها الثّلاثة- عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له. فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتّى قضى الله فيه. فبذلك قال الله- عز وجل: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وليس الّذي ذكر الله ممّا خلّفنا تخلّفنا عن الغزو، وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا، عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه) * «1» .
59-
* (عن أنس- رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليصيبنّ أقواما سفع من النّار «2» بذنوب
(1) البخاري- الفتح 7 (4418) ، ومسلم 4 (2769) .
(2)
سفع من النار: أي علامة من النار.
أصابوها عقوبة، ثم يدخلهم الله الجنّة بفضل رحمته يقال لهم الجهنّميّون» ) * «1» .
60-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من خرج من الطّاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهليّة «2» ، ومن قاتل تحت راية عمّيّة «3» يغضب لعصبة «4» ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهليّة. ومن خرج على أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش «5» من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس منّي ولست منه) * «6» .
61-
* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجّة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة» ) * «7» .
62-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم: إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه» ) * «8» .
63-
* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزل الحجر الأسود من الجنّة وهو أشدّ بياضا من اللّبن فسوّدته خطايا بني آدم» ) * «9» .
64-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والّذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلّا كان الّذي في السّماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها» ) * «10» .
65-
* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنّه قال:
«يا عبادي! إنّي حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا. يا عبادي! كلّكم ضالّ إلّا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي إنّكم تخطئون باللّيل والنّهار- وأنا أغفر الذّنوب جميعا- فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا
(1) البخاري- الفتح 13 (7450) .
(2)
ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم.
(3)
عمية بضم العين وكسر الميم مع تشديد الميم والياء: هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه.
(4)
العصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. والمعنى: يغضب ويقاتل ويدعو غيره لا لنصرة الدين بل لمحض التعصب لقومه ولهواه.
(5)
ولا يتحاش: أي لا يخاف وباله وعقوبته.
(6)
مسلم (1848) .
(7)
مسلم (1851) .
(8)
البخاري- الفتح 5 (2449) .
(9)
الترمذي (878) وقال: حديث حسن صحيح. وقال الألباني في تعليقه على «مشكاة المصابيح» رقم (2577) : وهو كما قال.
(10)
البخاري- الفتح 9 (5193) ، ومسلم (1436) واللفظ له.