الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذلك عند الوقوع في الشّدّة، أو استغاثة مغيث، أو اجتلاب معين فغير مكروه ولا يعدّ نقيصة «1» .
أسباب الجزع:
ذكر الماورديّ للجزع أسبابا عديدة منها:
1-
تذكّر المصاب حتّى لا يتناساه، وتصوّره حتّى لا يعزب عنه، ولا يجد من التّذكار سلوة، ولا يخلط مع التّصوّر تعزية، وقد قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه لا تستفزّوا الدّموع بالتّذكّر. وقال الشّاعر:«ولا يبعث الأحزان مثل التّذكّر» .
2-
الأسف وشدّة الحسرة فلا يرى من مصابه خلفا، ولا يجد لمفقوده بدلا؛ فيزداد بالأسف ولها، وبالحسرة هلعا. ولذلك قال الله تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (الحديد/ 23) .
وقال بعض الشّعراء:
إذا بليت فثق بالله وارض به
…
إنّ الّذي يكشف البلوى هو الله
إذا قضى الله فاستسلم لقدرته
…
ما لامريء حيلة فيما قضى الله
اليأس يقطع أحيانا بصاحبه
…
لا تيأسنّ فإنّ الصّانع الله
3-
كثرة الشّكوى، وبثّ الجزع، فقد قيل في قوله تعالى: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا (المعارج/ 5) إنّه الصّبر الّذي لا شكوى فيه ولا بثّ. روى أنس بن مالك أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما صبر من بثّ» . وحكى كعب الأحبار أنّه مكتوب في التّوراة: من أصابته مصيبة فشكا إلى النّاس، فإنّما يشكو ربّه. وحكي أنّ أعرابيّة دخلت من البادية، فسمعت صراخا في دار فقالت: ما هذا؟ فقيل لها: مات لهم إنسان، فقالت:
ما أراهم إلّا من ربّهم يستغيثون، وبقضائه يتبرّمون، وعن ثوابه يرغبون. وقد قيل في منثور الحكم: من ضاق قلبه اتّسع لسانه.
4-
اليأس من جبر مصابه، وطلابه، فيقترن بحزن الحادثة قنوط الإياس، فلا يبقى معهما صبر، ولا يتّسع لهما صدر. وقد قيل: المصيبة بالصّبر أعظم المصيبتين. وقال ابن الرّوميّ:
اصبري أيّتها النف
…
س فإنّ الصّبر أحجى
ربّما خاب رجاء
…
وأتى ما ليس يرجى
وأنشد بعض أهل العلم:
أتحسب أنّ البؤس للحرّ دائم
…
ولو دام شيء عدّه النّاس في العجب
لقد عرّفتك الحادثات ببؤسها
…
وقد أدّبت إن كان ينفعك الأدب
ولو طلب الإنسان من صرف دهره
…
دوام الّذي يخشى لأعياه ما طلب
5-
أن يغرى بملاحظة من حيطت سلامته، وحرست نعمته، حتّى التحف بالأمن والدّعة، واستمتع بالثّروة والسّعة «2» .
بين الجزع والفزع والهلع والخوف:
الفزع هو انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشّيء المخيف، وهو من جنس الجزع، وذلك مثل الفزع من دخول النّار «3» ، وقد سوّى بعضهم بين الفزع والذّعر «4» ، وذهب آخرون إلى جعله بمعنى
(1) تهذيب الأخلاق (34) .
(2)
أدب الدنيا والدين (286- 287) .
(3)
المفردات للراغب 379- 380 (بتصرف) ، وللفزع معنى آخر هو الإغاثة.
(4)
انظر مقاييس اللغة لابن فارس 4/ 501.