الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(التعريفُ بابن عرَفَةَ شيخ البسيلي)
قلت: وولد شيخنا أبو عبد اللَّه محمد بن عرفة، سنةَ ستَّ عشْرَة وسبعمائة، وتوفي رحمه الله ضَحْوَةَ يوم الثلاثاء، الرابع والعشْرينَ لشهرِ جُمَادَى الأُخْرى، عام ثلاثة وثمانمائةٍ، ودُفِنَ بعد صلاة الصبح من يومِ الأربعاء غَدَ تارِيخِه، وله من العمر ستةٌ وثمانونَ عاماً وأَشْهُر. وحج حجة الفريضة؛ كان خروجه لذلك من تونس بعد صلاةِ الظهر مِنْ يومِ الإثنين الحادي والعِشْرينَ لشهرِ جُمَادَى الآخِرَةِ من عام اثنين وتسعين وسبعمائة، وقد كان بلغ في تفسميرِ القُرآنِ إلى قوله تعالى (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ)، ورجع من حجه فدخل تونس يوم الثُّلاثَاءِ، التاسع عشَرَ لشهر جمادى الأُولى، مِن عام ثلاثة وتِسْعيَن وسبعمائةٍ قرب الزوال. وحَبَّسَ قبل
موته كثيراً من الرّبَاعِ، وتصدق قرب موته بمالٍ كثيرٍ، وترك موروثا عنه ما قيمته ثمانيةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ ذَهَباً كبيرة، ما بين عَيْنٍ وجوهر وحُلِيٍّ وطعام ورِباع وكتب؛ وكان رحمه الله مستجاب الدعاء.
وَمما رأيت من بركته، أنِّي كنتُ أجلسُ قُبَالَتَهُ بمجلسِ تدريسِه، فرُبمَا تكلَّمَ مَعِي بِمَا يقع في خاطِرِي. وَأَخبرني عنهُ عم والدي، الشيخ الصالح الزاهد العابد أَبو فارِس عبدُ العزيزِ البسِيلِي؛ أنه رَأَى في نومه بعضَ من كان مُعَاصِراً لشيخِنَا ابنِ عَرَفَةَ، وَهُوَ الشيخُ الفقيهُ المفْتي القاضِي أبُو العبَّاسِ أحمدُ بنُ حَيْدَرَةَ
-وكَانَ في نفسِهِ منْهُ شيءٌ- فقالَ له: اطلُبْ لي منْهُ المُحَالَّةَ؛ لأنِّي رأيتُ لهُ منزلةً عظيمةً عندَ اللًهِ تَعَالى فقال له نعم. قالَ لِي العَمُ: فالْتَقَيتُ بالشيخِ ابنِ عَرَفَةَ وأخبرتُهُ بذلك، فقال لي: الْمُلْتَقَى بيْنَ يَدَي اللَّهِ تَعَالَى. وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلك.
قُلت: وكَانَ اعْتِمادُهُ في التَّفسير على ابنِ عَطيةَ والزمخشريِّ معَ الطِّيبِي، ويضيفُ تفسيرَ ابنِ الخَطِيب.
قال ابنُ سُرورٍ في شرحِ "الحاصِل من الْمَحْصُول" لتاج الدِّينِ الأرمَوِي: "وفخرُ الدِّين، هو أبو عبدِ اللًهِ محمدُ بنُ عمرَ بنِ خَطِيبِ الرَّيّ بنِ الحسينِ بنِ على البَكْري الرَّازي، والرَّازي مَنْسُوبٌ إلى الرَّيِّ على غيرِ قِيَاسٍ؛ تَفَقَّهَ بمراغة
على مَذْهبِ الشافعي، وتقدمَ في الفقْهِ وصناعةِ الكَلام، وصَنَّفَ التصانيف، وانتهتْ إليه رئاسةُ الكلامِ. وُلِدَ بالرَّيِّ في الرابع عشرَ مِنْ شهرِ رمَضَانَ سنةَ أرْبَعٍ وأربعينَ وخمسمائةٍ، وتُوفِّي يومَ الأضحى سنةَ عشرٍ وستِّمائةٍ، وهو ابنُ ثَلاثٍ وسبعينَ سنةً، ودُفِنَ في الجبلِ الْمُصاقِبِ لقريةِ مزداخانَ.
ويُقَالُ: إِنَّ تَصَانيَف الفخْرِ لَمَّا وَصَلتْ مِصْرَ لم يُقْبِلُواْ عليْهَا لِمُخالفتِها نظْم كُتُبِ المتقدِّمين، حَتَّى اشْتَغَلَ بها تَقِيُّ الدِّينِ الْمُقْتَرِحُ، فقَرَّبَهَا لأفْهَامِهِم، فَعكَفُوا عليها وترَكُوا كتُبَ المتقدِّمِينَ".
ومِنْ فهْرَسَةِ اللبلي: "قال أحمدُ بنُ محمدِ بنِ خِلِّكَان في تاريخهِ: الإمامُ فخرُ الدِّين، هو أبو عبدِ اللَّهِ محمدُ بنُ عمرَ بنِ الحسينِ بن الحسن بن عليِّ البَكْريُّ الطبَرِسْتَانِي الأصْلِ، الرَّازي الموْلِد، المعروف بابن الخطيب.
ولد في خامس عشرين من شهر رمضان سنة أربع وأربعينَ وخمسمائةٍ بالرَّي، وتُوفي يومَ عيدِ الفِطْر، سنةَ ستٍّ وستِّمائةِ بِهَرَاة، مِنْ أعمالِ خُرَاسَان، ودُفِنَ آخرَ النهارِ بالجبل الْمُصَاقِبِ من قريةَ مزداخان.
أخَذَ الأصُولَ عنْ والدِه، وأَخَذَ والدُه عنْ أبي القاسِمِ سليمان بنِ ناصرٍ الأنْصَارِي".
وذَكَرَ لي شيخُنَا الخُسْروشاهي بِدِمشق أَشْيَاءَ مِنْهَا، أنه ما كان يُنْفِقُ إِلا مِن نَسخه. وأخْبَرَني ابنُ الطباخ بالقاهرة، أنَّ بعضَهُمْ كانَ
يَحضُرُ تدريسَ ابنِ الخطِيبِ، ويقعُدُ بَعيداً، فَقَال له ابنُ الخطِيبِ: لِمَ تَبْعُدُ عنا؟. فقال: مجلسُكَ البحْرُ، وأَنَا امْرُؤٌ لَا أُحْسنُ السَّبْحَ فأخشى الغَرَق؛ فقَرَّبَهُ منْه. وأخْبَرَني بها أَيْضاً، أنَّه كان يقْرأُ على ابنِ السَّكَّاك النَّحْوَ، يذهبُ إليهِ بعدَ فراغِ مجلسِه، فَعظُم على ابنِ السَّكَّاك مجيئُهُ، وقال له: أنت إمامٌ حقُّك أنْ يُؤْتى إليكَ. فقَال لهُ ابنُ الخطِيب: هذا الذِي أفعلُه هو الواجِبُ. قال ابنُ السَّكَّاك: بَحَثَ مَعِي الإمامُ في كتاب "المفصَّل"، ففي الجزءِ الأوَّلِ ربما يكونُ مثْلِي أوْ دُوني يسِيراً، وأمَّا الجزءُ الثَّاني فإِنَّه كانَ يحُلُّ لي المشْكلاتِ التي كات تَعْتَاصُ علَيَّ.
قال ابنُ الطباخ: وكانَ الإمامُ ابنُ الخطِيبِ على فضْلِهِ شِيعِيًّا (1) يَرَى محبَّةَ
(1) هذا الكلام فيه نظر، وكان اللائق بمحقق الكتاب أن يدحضه ويبين عواره، وهل محبة أهل البيت دليل على التشيع؟؟!!!
فأهل السنة أشد من الشيعة حبًّا لآل البيت رضي الله عنهم يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه
يا أهل بيت رسول الله حبكم
…
فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنكم
…
مَن لم يصل عليكم لا صلاة له
ومن يطالع التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) للإمام فخر الدين الرازي يجد خلاف ذلك، ويكفي مراجعة تفسيره في قوله تعالى في سورة التوبة (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
…
الآية) والله أعلم. اهـ (محقق النسخة الإلكترونية).
أهلِ البَيْتِ. قال: وكذَلكَ كانَ التَّاجُ الأَرمَوِيُ.
وَأَنْشَدَني بدمشقَ شيخُنا الْخُسْرُوشَاهي لبعضِهِم فِيهِ:
رَحَلْتُ إِلَى خُوَرِزْمَ بَيْنَ عصَابَةٍ
…
عِطَاشٍ إِلى التحْقِيقِ أَخْطَأَهَا الرَّيُّ
فَسَاقَ إِلَيْنَا اللَّهُ مِن بعدِ خَيْبَةٍ
…
إِمَاماً كَفَيْضِ البَحْر أخْرَجَهُ الرَّيُّ".