الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية، وهو أن النهي عن مطلق الخروج.
{تَبَرَّجْنَ} :
دخل على النهي لا العكس، فلا مفهوم له.
35 - {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} :
قال شيخنا ابن عرفة: "كان بعضهم يقرِّر وجه الترتيب في هذه المعطوفات بثلاثة أمور: الظَّاهر والأظْهر، والسّبب والمسبّب، والتّعدي والقُصُور؛ فقدّم الإسلام لظهوره وخفاءِ الإيمان.
وقدّم الإيمان على القنوت لأنه أظهر من القنوت؛ لأن "القانت هو القائمُ بالطاعة الدائمُ عليها"، قاله الزمخشري؛ فيُعْرف إيمانُ الإنسان بمجرّد مخالطته، ولا يُعلم أنه قانتٌ إلا بدوام مخالطته؛ ولأنّ القنوتَ مشروطٌ بالإسلام، ورتبةُ الشرط أن يكون مقدّماً على المشْروط.
وقدَّم القانتين على الصادقين والصابرين؛ لأنّ الصادقَ هو الذي يصدُق في نيته وقوله وعمله، والصّابر الذي يصبر على فعل الطاعة وعن المعاصي، فحُصُولُ وصْف القنوت لهم مع الإسلام، سببٌ في اتِّصافهم بالصدق والصّبر، ورتبةُ المسبّب أن يكون بعد سببه. أو نقول: القنوت عبارة عن مطلق الطاعة؛ والصدق عبارة عن مطابقة الأمر، فيرجعُ لامتثال المأمورات؛ والصبر اجتناب المنهيات، لأنه منع النفس عن شهواتها، وكلُّها مُتَعَلَّقاتُ الطاعة، فَذَكَرَهَا بعدَها كالتفسير بعد الإجمال.
ثم قال (والْخَاشِعِينَ)، إشارةً إلى أن منْ حصلت له هذه الأوصاف، لا ينبغي له أن يثق بعمله، بل لا يزالُ خائفاً خاشعًا؛ لأن هؤلاء مع فعلِهم هذا كلِّه متَّصفون بالخوف والخشوع.
وأخَّر (المتصدقين) إمَّا لأن ما قبلَه أوصافٌ قاصرةٌ، وهو وصفٌ بطاعة متعدية للغير، وإمَّا لِما في حديثِ أولِ كتابِ الطهارة من "صحيح مسلم" من أن "الصدقة برهان"، فهي كالدليل على صحةِ ما تقدم من الطاعات، ورتبةُ
الدليل أن يكون بعْدَ المدلول.
وأخَّر الصيام لأنه أمرٌ عَدَمي راجعٌ لترْك الأكل والشرب والاستمتاع، وجميعُ ما قبلَه أمرٌ وُجُودي، والوجودُ أشرف من العدم. فقَدَّم الصومَ على حفظ الفروج؛ لأن الصومَ تركٌ غيرُ دائم في زمانٍ ما وهو النهار فقط، وحفظُ الفروج تركٌ دائم في كل الأزمان، فالصومُ أقرب إلى الوجود، وحفظُ الفروج أبْعدُ منه. وأخَّرَهَا عن المتصدقين لأن الصدقات مَظِنَّةُ الغنى، ومنْ حصَل له الغنى فهو متمكن من شهوتَيْ بطنِه وفرجه، فأفادَ أنهم مع ذلك يتركون شهوةَ بطونهم بالصوم، وشهوةَ فروجهم بحفظها عن المحارم، فجاء هذا شبه الاحتراس والتكميل.
وأخَّرَ الذاكرين اللَّه كثيرا، إشارةً إلى قوله صلى الله عليه وسلم:"من كان آخر قوله لا إله إلا اللَّه دخل الجنة"؛ أو لأنه كالعلّة الغائِيّةِ التي قال الحكماء فيها: "أولُ الفكرة آخرُ العمل"، فأفاد أن فعلَهم ذلك كلَّه إنما كان لذكرِهم اللَّه تعالى واستحضارِهم مقامَ الهيبة والإجلال.
المقترح في "الأسرار العقلية": "لا ثواب في الذكر العَرِيِّ عن النية، وهو كصوت ما لا يعقل".
قلت: ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات".
والذكر في الآية يحتملُ الذكرَ اللساني والذكر القلبي أو هما معاً.
ونذكر بحث الشيخ بن عبد السلام مع الشريف التلمساني.
الزمخشري: "إن قلت: أي فرقٍ بين عطف الإناث على الذكور وعطفِ الزوجين على الزوجين؟ "، يريد: أي فرق بين عطف مجموعِ كلِّ صنفٍ من هذه المزدوجات من إناث وذكور على مجموعِ الصنفِ الآخر وبين عطف إناثِ كلِّ صنف على ذَكَرِه؟.
فأجاب: "لأن عطف الإناث على الذكور عطف ذَوَاتٍ، وعطف المجموع
على المجموع عطف صفات". قال: "معناه أن الجامعين لهذه الطاعات أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً". انتهى.
ويُرَدُّ عليه بقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) الآيةِ، فليس المراد ألا يأخذها إلا من اجتمعت فيه هذه الأوصاف، بلْ كلُّ نوع من هذه المذكورات له فيها حظِ؛ وكذلك قال مالكِ فيمن أوصى بثلث ماله للعلماء والفقراء والمجاهدينِ والصلحاء، أَنه لا يُقْصَرُ على من جمع هذه الأوصاف، بل للعالم حظ منها وإن كان غنياً غير مجاهد، وكذلك الفقير وإن لم يكن عالماً ولا مجاهداً، وكذلك المجاهد
وإن لم يكن عالماً ولا فقيراً. لا يقال: لَمَّا رَتَّبَ عليه الأجرَ الأخصَّ وهو العظيمُ وَجَبَ قصْرُهُ على الأخصِّ وهو مَنْ جمع الأوصافَ كلَّها؛ لأن فضل اللَّه تعالى واسع.
وقال في ذكر مريم بنت عمران (وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِين) فأدخلَها في وصف الذكور، ولم يقل "وكانت من القانتات"، وذلك تشريف لها وتعظيم. وهنا لم يكْتَفِ بوصف الذكور عن وصف الإناث، مع أن الجمع يتناولهن على جهة التغليب.
فإن قلت: قد قال المفسرون: سبب نزولها أَن نساء النبي صلى الله عليه وسلم قلن له: "قد ذكر اللَّه تعالى في كتابه الرجال ولم يذكر النساء"؛ فنزلت الآية.
قلت: التصريح بذكرهن أَدْخَلُ في مقام التَّطْمِين لنفوسهن.
{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً} :
قيل: كيف تتقرر المغفرةُ لهن مع قوله تعالى (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)؟ وهذه الأوصاف كلُّها محصِّلةٌ للثواب المذْهِب للذنوب، فلم يبْقَ ما يُغفر.