الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرجة بلغ الخوف من القوم؟! ألهذه الدرجة صحراء العرب موحشة وقاسية على هذا النبى صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه المساكن؟! كأنهم سيتحالفون مع الموت .. مع الفناء .. أما لهم عقول! .. أم تحولوا إلى صخور؟ ومع ذلك لا يأس .. يعود ويداه خالية منهم .. وهمُّ العالم يدور برأسه .. يعود إلى بيته حيث لا خديجة .. لا زوجة تمسح الجراح .. تبادله الحب والحنان .. يتذكر خديجة في بيته الذي يفتقدها .. يتذكر خمسة وعشرين عامًا من الحب عاشها معها .. ولا يعرف من تلك الطاهرة إلا ما يثلج صدره ويبهجه .. ما ذكر امرأة غيرها .. ولا طرق بابًا للزواج بعدها .. كأنها لم تمت .. لكن إرادة الله كانت وحيًا في المنام .. ورؤيا الأنبياء وحي ينتصب حقيقة على الأرض .. فما الذي جرى في المنام.
فتاة وحرير
كان صلى الله عليه وسلم نائمًا .. فجاءه في المنام رجل مرتين .. يحمل ابنة صاحبه الصديق أبي بكر عائشة رضي الله عنها. يحملها (في سرقة من حرير (1) فيقول: هذه امرأتك. فأكشفها فإذا هي أنت (2). فأقول: إن كان هذا من عند الله يمضه) (3).
الزواج بعائشة وسودة
كانت هذه الرؤيا وحيًا من الله مَنَّ به على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فضلًا منه لم يسع إليه صلى الله عليه وسلم .. بل ساقه إليه .. تقول عائشة رضي الله عنها: (لما
(1) قطعة حسنة من الحرير.
(2)
يخاطب صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث زوجته عائشة رضي الله عنها.
(3)
حديث صحيح. رواه البخاري (5/ 1953). ومعنى يمضه: أي يتمه.
ماتت خديجة رضي الله عنها جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون. قالت: يا رسول الله، ألا تزوج؟ قال صلى الله عليه وسلم:"من؟ " قالت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا. قال صلى الله عليه وسلم: "فمن البكر؟ " قالت: ابنة أحب خلق الله عز وجل إليك، عائشة بنت أبي بكر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ومن الثيب؟ " قالت: سودة بنت زمعة، قد آمنت بك، واتبعتك على ما تقول. قال صلى الله عليه وسلم:"فاذهبي فاذكريها علي".
فدخلت بيت أبي بكر، فقالت:
يا أم رومان (1) ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة. قالت أم رومان:
وما ذاك؟ قالت:
أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة. قالت أم رومان:
انتظري أبا بكر حتى يأتي. فجاء أبو بكر. فقالت: يا أبا بكر ماذا أدخل عليكم من الخير والبركة. قال: وما ذاك؟ قالت:
أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة. قال أبو بكر:
وهل تصلح له، إنما هي ابنة أخيه. فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك. قال صلى الله عليه وسلم:"ارجعي إليه فقولي له: أنا أخوك، وأنت أخي في الإِسلام، وابنتك تصلح لي". فرجعت فذكرت ذلك. قال أبو بكر: انتظري -وخرج- قالت أم رومان: إن مطعم بن عدى قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد وعدًا قط فأخلفه لأبي بكر، فدخل أبو
(1) هى أم عائشة رضي الله عنها.
بكر رضي الله عنه على مطعم بن عدي، وعنده امرأته -أم الفتى (1) - فقالت: يا ابن أبي قحافة، لعلك مصب (2) صاحبنا -مدخله في دينك الذي أنت عليه إن تزوج إليك. قال أبو بكر للمطعم بن عدي:
أقول هذه تقول؟ قال الطعم: إما تقول ذلك (3). فخرج من عنده، وقد أذهب الله عز وجل ما كان في نفسه من عدته التي وعده. فرجع فقال: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعته، فزوجها إياها -عائشة يومئذ بنت ست سنين- ثم خرجت فدخلت على سودة بنت زمعة، فقالت: ماذا أدخل الله عز وجل عليك من الخير والبركة. قالت سودة: وما ذاك؟ قالت:
أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك عليه، قالت: -وودت- ادخلي إلى أبي فاذكري ذاك له -وكان شيخًا كبيرًا قد أدركه السنن قد تخلف عن الحج- فدخلت عليه، فحييته بتحية الجاهلية (4). فقال:
من هذه؟ قلت: خولة بنت حكيم. قال:
فما شأنك؟ قلت: أرسلني محمَّد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه سودة. قال:
كفء كريم. ماذا تقول صاحبتك؟ قلت:
(1) أي أم الفتى التى خطبت له عائشة.
(2)
الصابئ عند المشركين هو من ترك دينه وقد خافت أم الفتى أن يدخله أبو بكر في الإِسلام بعد زواجه من عائشة.
(3)
جاء في رواية أن المطعم (أقبل على امرأته فقال لها: ما تقولين، فأقبلت على أبى بكر، فقالت: لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تصبئه وتدخله في دينك؟ فأقبل عليه أبو بكر، فقال: ما تقول أنت؟ فقال المطعم: إما لتقول ما تسمع. فقام أبو بكر وليس في نفسه من الموعد شيء. انظر سيرة الذهبي (281).
(4)
في رواية عند الذهبي: فقلت له: أنعم صباحًا.