الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أتذكرون مضارب حليمة .. حيث الأطفال والحملان الصغيرة .. عندها أقبل ملكان أبيضان كالسلام .. أضجعا ذلك الصغير وشقا صدره وغسلاه .. وها هو طفل الأمس .. رجل يصافح الأربعن .. يعود إليه الملكان ببطحاء مكة ليغسلاه مرة أخرى بماء السماء .. وينهض يحمل فضل الله .. فما حدث يبشره ويقول: أنت النبي .. المنتظر حتى رأى.
الرؤيا الأخيرة
محمد صلى الله عليه وسلم أصبح يفضل العزلة والتعبد (حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه -وهو التعبد الليالي ذوات العدد- قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها)(1)، ثم يعود لذلك الغار المترقب على قمة جبل النور .. والذي يستغرق الصعود إليه أكثر من ساعة .. ولم يكن ذلك طوال العام .. بل (في كل سنة شهرًا يتحنث، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة)(2) ولم يكن يمارس العبادة فقط .. بل كان (يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة، قبل أن يدخل إلى بيته، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله به فيه ما أراد، وذلك الشهر: رمضان، خرج إلى حراء كما كان يخرج لجواره، ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد به)(3).
(1) حديث صحيح. رواه البخاري.
(2)
حديث جيد الإسناد. انظر تخريجه لدى نهاية النص الذي بعده وهو جزء منه.
(3)
حديث جيد الإسناد. انظر تخريجه لدى نهاية النص الذي بعده وهو جزء منه.
وبينما كان نائمًا (جاءه جبريل بأمر الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: فجاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال:
اقرأ. قلت: ما أقرأ؟ فغتني، حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى، فقال:
اقرأ. قلت: ماذا أقرأ؟ فغتني، حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني، فقال:
اقرأ. قلت: ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداءً منه أن يعود لي. بمثل ما صنع بي. قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} .
فقرأتها، ثم انتهى وانصرف، وهببت من نومي، فكأنما كتب في قلبى كتابًا.
فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتًا من السماء يقول:
يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل.
فرفعت رأسي إلى السماء، فأنظر فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول:
يامحمد أنت رسول الله وأنا جبريل.
فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهى عنه في آفاق السماء، فما أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفًا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف مكاني ذلك، ثم انصرف عني، وانصرفت راجعًا إلى أهلي، حتى أتيت خديجة، فجلست إلى فخذها مضيفًا إليها، فقالت:
يا أبا القاسم، أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك، حتى بلغوا مكة ورجعوا إلي. ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت:
أبشر يا ابن العم، واثبت، فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت إلى ورقة ابن نوفل، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ورقة بن نوفل:
قدوس .. قدوس .. والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاء الناموس الأكبر، الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة وقولي له فليثبت.
فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بقول ورقة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف صنع كما يصنع، بدأ بالكعبة، فطاف بها، فلقيه ورقة بن نوفل، وهو يطوف بالكعبة فقال:
يا ابن أخي، أخبرني بما رأيت وسمعت .. فأخبره، فقال له ورقة:
والذي نفسي بيده، إنك لنبى هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر، الذي جاء موسى، ولتكذبنه، ولتؤذينه، ولتخرجنه، ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرًا يعلمه. ثم أدنى رأسه منه، فقبل يافوخه، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله) (1).
(1) إسنادُهُ صحيحٌ: رواه ابن إسحاق: حدثنا وهب بن كيسان مولى آل الزبير قال: سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عميرة بن قتادة الليثي: حدثنا يا عبيد كيف كان بدء ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة .. وهذا الإسناد صحيح: ابن إسحاق لم يدلس، ووهب تابعي ثقة .. انظر: تخريج أحاديث السيرة (1/ 223) وسيرة ابن كثير (1/ 402).