الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الرجل الآخر .. فهو ورقة بن نوفل الذي انتظر ذلك الخروج كما انتظر زيد
…
وبقي ينتظر حتى نزل الوحي .. وقد كانت خديجة تتردد عليه كلما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيء غريب لا يعرف له تفسيرًا .. وكان ورقة يطمئنها ويأمل أن يكون نبي هذه الأمة المنتظر. فهذه الأمور:
لا تحدث إلا لنبي
تتصاعد الأحداث حول محمد صلى الله عليه وسلم .. وتنحت في نفسه الوجوم والاستفهام .. أصوات وأضواء .. أسرار وأقفال .. وماذا بعد؟ الناس لن تصدق .. والصمت مرير .. وليس سوى خديجة من منصت .. ربما لدى بعض الناس من تفسير .. لكن من هذا البعض؟ ربما أخطأت أقدام السؤال طريقها .. والنتيجة كلمات كالحميم: محمد مجنون.
لكن للّيل نهاية .. ولا بد أن لهذا الكهف من مخرج .. إن الله رحيم ولن يترك هذا العبد الحائر في حيرته .. وها هو الوحي يبدأ خفيفًا كهواء البحر المنعش .. يبشر بحياة جديدة لمحمد وللأرض كلها .. فكان (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي: الرؤيا الصادقة في النوم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح)(1).
ذات يوم رأى رؤيا (فشق ذلك عليه، فذكرها صلى الله عليه وسلم لامرأته خديجة بنت خويلد بن أسد، فعصمها الله عز وجل من التكذيب، وشرح صدرها بالتصديق، فقالت: أبشر، فإن الله عز وجل لن يصنع بك إلا خيرًا، ثم إنه خرج من عندها، ثم رجع إليها، فأخبرها، أنه رأى بطنه
(1) حديث صحيح. متفق عليه.
شق، ثم طهر وغسل، ثم أعيد كما كان. قالت: هذا والله خير فأبشر) (1).
عندها علم أنه سيكون نبي هذه الأمة يقينًا من الله .. لقد قال صلى الله عليه وسلم يومًا والصحابة حوله يبتهجون به وبأحاديثه: (ما علمت ذلك -أي أنه نبي- حتى أتاني ملكان ببعض بطحاء مكة، فقال أحدهما: أهو هو؟ قال: نعم. قال: زنه برجل. فرجحته. قال: فزنه بعشرة، فوزنني بعشرة فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة، فوزنني بمائة، فوزنتهم. ثم قال: زنه بألف، فرجحتهم. فقال أحدهما للآخر: لو وزنته بأمته لرجحها، ثم قال أحدهما لصاحبه: شق بطنه. فشق بطني، ثم أخرج منه فعم الشيطان، وعلق الدم فطرحها، فقال أحدهما للآخر: اغسل بطنه غسل الإناء، فاغسل قلبه غسل الملائم، ثم دعا بالسكينة كأنها رهرهره بيضاء، فأدخلت قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه: خط بطنه، فخاط بطني، وجعلا الخاتم بين كتفي، فما هو إلا أن وَلَّيَا عني كأنما أعاين الأمر معاينة)(2).
(1) حديثٌ حسنٌ بالشواهد، له سندان مرسلان، أرسلها عروة والزهرى، لكن يشهد له ما بعده.
(2)
حديثٌ حسنٌ بما قبله، رواه ابن عساكر (سيرة ابن كثير 1/ 230) والبزار. انظر مجمع الزوائد (8/ 255) وهذا سنده: جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشى، أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير، سمعت عروة بن الزبير يحدث عن أبي ذر الغفاري قال:
…
وجعفر ثقة، لكن شيخه عمر مجهول الحال سكت عنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 17) ويقويه ما عند أبي داود الطيالسي بسند فيه جهالة. انظر (منحة المعبود 2/ 86) ثم وجدت في دلائل أبي نعيم أن الراوي عن عروة هو ابنه عثمان وهو ثقة، وقد روى الحديث عن جعفر فيكون قد تابع عمر بن عبد الله، وهذا ما يدل عليه قول صاحب المجمع بعد أن تكلم عن جعفر: وبقية رجاله ثقات، وهو لم ينتقد من السند سوى جعفرًا وهو كما علمت ثقة كما قاله الإمام أحمد، انظر كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وقد عزاه صاحب السيرة الشامية إلى الحارث بن أبى أسامة. انظر: سبل الهدى والرشاد (2/ 85).