الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا) (1). ولما وصلوا إلى يثرب .. تسللوا إلى قلوب بعض قومهم .. فاستجابوا لهم وأسلموا .. فصار في تلك الديار من يعبد الله وحده لا شريك له .. ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلما كان موسم الحج التالي قدمت مطايا يثرب من المشركين تحج مكة .. وكان بين الركب مطايا للموحدين .. وفد يثرب من الأنصار مشوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء شعائر الحج .. غسلوا أيديهم من دماء الثارات والعنف الجاهلي بماء زمزم الطاهر .. غسلوها ومدوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم طاهرة .. يبايعونه ليلًا .. وعيون مكة نائمة عما يجري على أرض العقبة.
العقبة الأولى
وعندما رأى صلى الله عليه وسلم أيديهم تصل إليه إذعانًا وامتثالًا لله ورسوله .. قال لهم: (تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله، فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه)(2).
فبايعوه وشدت الأيدي للنهوض بالحق وبذله للجميع لشعوب الأرض جميعًا. والرجال المبايعون في العقبة الأولى كانوا قليلًا .. يقول
(1) سنده صحيح. رواه ابن إسحاق ومن طريقه رواه البيهقي (2/ 433) وأبو نعيم (298) والطبرانيُّ قال ابن إسحاق: حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من قومه: لما لقيهم، وهذا يعني أن الأشياخ هم الذين قابلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أنهم من الصحابة، وعاصم بن عمر روى عن بعض الصحابة، وهو تابعي ثقة. فالإسناد صحيح.
(2)
حديث صحيح. رواه البخاري - مناقب الأنصار، ومسلمٌ (الحدود).
أحدهم وهو عبادة بن الصامت: (كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلًا)(1) حملها الأنصار وابتهجوا بها، وكانت فخرهم عندما يلوح الرجال بإنجازاتهم أمام الجميع .. يقول أحدهم وهو كعب بن مالك:(ولقد شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، حين تواثقنا على الإِسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها)(2).
وممن شهد العقبة: جابر بن عبد الله الأنصاري القائل: (أنا وأبي وخالي من أصحاب العقبة)(3) والقائل: (شهد بي خالاي العقبة)(4).
تلك بيعة حطمت جدرانًا سوداء تحجب عن الدنيا أنوارًا للآخرة .. بيعة توقظ .. بيعة تهز هذا الإنسان الرث الملتحف بقشور السنين المظلمة .. تقول له: هذا ربك فاعبده وحده .. وأنت خليفته وسيد كونه. فاجعله ربيعًا يبتسم. وهذا مالك منثور في كل مكان .. ابحث عنه والتقطه .. ودع غيرك يبحث ولا تمدن يديك إلى ما في أيدي الغير .. حتى تكون خليفة حقًا .. وسيدًا للكون أيضًا. وتزوج فالحب أنفاس الحياة .. فلا تلوثها برائحة البغايا المنتنة.
(1) إسنادُهُ صحيحٌ. رواه ابن إسحاق (ابن هشام 2/ 57) حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابجي، عن عبادة بن الصامت، وفي هذا السند صرح ابن إسحاق والسماع من شيخه والثقة الفقيه يزيد وليد (تهذيب 11/ 318) وشيخه مرثد تابعي ثقة فقيه (التهذيب 10/ 82) وابن عسيلة رحمه الله رحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده قد مات، وقد وثقه العجلي (التهذيب 6/ 229).
(2)
حديث صحيح. (البخاري- مناقب الأنصار).
(3)
حديث صحيح. رواه (البخاري - مناقب الأنصار).
(4)
حديث صحيح. رواه (المصدر السابق).