الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكن أقل نشاطًا مما يحدث في دار الندوة .. فالكتمان والصمت والعمل الدؤوب شعار للجميع. تقول عائشة:
(فجهزناهما أحث الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين)(1)، فتاتان من فتيات الإسلام يواجهن الموت ليل نهار .. يردن بذلك وجه الله .. ينشرن أذرعهن طريقًا لمدينة الإسلام .. هاتان الفتاتان ليستا وحدهما من بين شباب الإسلام .. كان هناك شاب عظيم طرح للموت جسدًا باعه لله .. يفتدى به رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك هو:
علي بن أبي طالب على فراش الموت
فعندما اتفق الطغاة على تحديد ليلة ينكسون فيها سيوفهم في ذلك الجسد الطاهر .. ثمانية سيوف وربما أكثر تتلمض تريد أن تستحم بدمائه صلى الله عليه وسلم وتشب .. يريدون ليطفئوا نور الله .. والله متم نوره .. ولو كان فوق كل حبة رمل سيف لأعدائه .. أرسل الجبار سبحانه وحيًا يحمله جبريل (فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه، فلما كان العتمة من الليل اجتمعوا على بابه، فترصدوه متى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: نم على فراشي، واتشح (2) ببردي الحضرمي الأخضر، فنم فإنه لا يخلص إليك شيء تكرهه منهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام) (3).
(1) حديث صحيح. رواه البخاري، وقد مر معنا أوله.
(2)
أي تغط.
(3)
جزء من حديث طويل مر معنا وهو عن اجتماع دار الندوه وهو حسن بالشواهد.
وامتثل الفارس الشاب لأمر سيده صلى الله عليه وسلم .. واتشح بالبرد .. وكان على استعداد ليتشح بالدماء .. فقد علمه الإسلام كيف يبذل روحه لله وحده .. علمه كيف يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه .. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متسللًا .. وبعد خروجه (جاء أبو بكر وعلي نائم، وأبو بكر يحسب أنه نبي الله، فقال: يا نبي الله. فقال علي: إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، وجعل علي يُرْمَى بالحجارة كما كان يُرْمَى نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يتضور (1)، قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف رأسه، فقالوا: إنك للئيم، كان صاحبك نرميه فلا يتضور، وأنت تتضور، وقد استنكرنا ذلك) (2).
إذًا فقد حدث تغيير بسيط في خطة الهروب بعد أن علم صلى الله عليه وسلم بالمؤامرة فلم ينم على فراشه .. وتسلل- صلى الله عليه وسلم بعد تخطيط محكم وخدعة بارعة انطلت على جميع الأغبياء والأذكياء منهم .. على كل سيف صلت قد انتصب خلف باب ينتظر الجريمة .. ولم تكتشف أكداس الكفر خلف الجدار ما حل بهم إلا بعد أن تنفس الصبح في وجوههم يوقظهم ليسخر منهم .. علي بن أبي طالب كان فتى يعدل أمة .. ويخدع طواغيتًا قد ركمهم الحقد وحنطهم الغل حول الباب .. بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بيد صاحبه أبي بكر عند بئر ميمون ويواصلان المسير على عجل .. يدفعان الجبال عنهما دفعًا .. بالتأكيد لم يكونا في نزهة خارج مكة .. لقد كانا مسرعين
(1) يتلوى.
(2)
إسناده لا بأس به، رواه أحمد (الفتح الرباني 23/ 118) من طريقين، عن أبي عوانة، حدثنا أبو بلج، حدثنا عمرو بن ميمون عن ابن عباس: وأبو عوانه اسمه: وضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة ثبت. التقريب (2/ 331) وشيخه اسمه: يحيى بن سليم وحديثه حسن إذا لم يخالف، أما عمرو بن ميمون أبو عبد الله الأودي، فهو مخضرم مشهور وثقة عابد. التقريب (2/ 80).