الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقصدان جبلًا عيَّناه وحدداه ورسماه ضمن خارطة الهجرة وخطة الهروب .. وهما الآن يعجان إليه .. لكن أبا بكر الصديق لم يكن طبيعيًا .. كان مرتبكًا .. طريقة سيره توحي بذلك .. فهو يحمل روحه في إحدى يديه .. ويحمل باليد الأخرى خمسة آلاف درهم هي كل ما يملكه من مال .. لكن حركته واضطرابه لا توحي بأنه خائف على روحه ولا على ثروته فماذا هناك؟
ماذا دهاك يا أبا بكر
أتدرون ماذا كان يفعل (يكون مرة أمام النبي صلى الله عليه وسلم مرة .. وخلفه مرة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إذا كنت خلفك خشيت أن تؤتى (1) من أمامك، وإذا كنت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك) (2) واستمر أبو بكر في تصرفه حتى عندما لامست أقدامه صخور الجبل .. وعند الصعود فعل ذلك (حتى انتهى إلى الغار من ثور).
عندها فعل أبو بكر ما لا يفعله غيره (قال أبو بكر: كما أنت (3). حتى أدخل يدي فأحسه وأقصه فإذا كانت فيه دابة أصابتني قبلك) (4).
(1) أي تهاجم وتصاب.
(2)
حديثٌ حسنٌ بالشواهد: رواه البغوي (سيرة ابن كثير 2/ 237) وابن هشام، حدثنا داود الضبي، حدثنا نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة ورجال هذا الإسناد ثقات، انظر داود الضبي في التقريب (1/ 233) حيث قال عنه: ثقة، وراجع ترجمة نافع بن عمر في التقريب (2/ 296) حيث قال عنه: ثقة ثبت، وابن أبي مليكة تابعي ثقة أدرك ثلاثين صحابيًا واسمه عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، إذًا فالنص مرسل، لكن يشهد له حديث عمر، وسند آخر جاء عن عمر. انظره في دلائل البيهقي (2/ 477) وسند مرسل أيضًا عن الحسن البصري رواه ابن هشام فالحديث حسن.
(3)
أي قف مكانك.
(4)
هو جزء من الحديث السابق.
لقد كان أبو بكر طيفًا من الحنان .. سحابة من الحب تظل رسول الله-صلى الله عليه وسلم كأني به يود لو صنع من جسده درعًا يحمي به رسول الله-صلى الله عليه وسلم حتى يصل إلى أحبابه المنتظرين في حرة المدينة وبين نخيلها.
فلا عجب أبدًا بعد هذا أن يحمر وجه عمر بن الخطاب غضبًا على رجال فضلوه على أبي بكر .. لقد كان عمر يعرف من هو أبو بكر .. فقد (ذكر رجال على عهد عمر فكأنهم فضلوا عمر على أبي بكر، فبلغ ذلك عمر، فقال رضي الله عنه: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر، وليوم من أبي بكر خير من عمر، لقد خرج رسول الله-صلى الله عليه وسلم ليلة انطلق إلى الغار، ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه، وساعة خلفه، حتى فطن رسول الله-صلى الله عليه وسلم فقال:"يا أبا بكر ما لك تمشى ساعة خلفي، وساعة بين يدي؟ " فقال: يا رسول الله أذكر الطلب (1) فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد (2) فأمشي بين يديك. فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم:"يا أبا بكر لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني؟ " قال رضي الله عنه: نعم. والذي بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى استبرئ، فدخل فاستبرأ ثم قال: انزل يا رسول الله. فنزل ثم قال عمر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر) (3).
ذاك جسد لأبي بكر باعه لله .. وتلك دماء تشخب منه تنقش على
(1) من يسيرون خلفه طلبًا لدمه.
(2)
أي من يترصدون له في طريقه.
(3)
إسنادُهُ صحيحٌ لولا الانقطاع، فقد رواه البيهقي (2/ 476) أخبرنا موسى بن الحسن بن عباد، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا السري بن يحيى، حدثنا محمد بن سيرين قال: وكل هؤلاء ثقات لكن التابعي الإمام محمد بن سيرين لم يدرك عمر، لكن الحديث حسن بما قبله، وبأحاديث ستأتي إن شاء الله.
جدران الغار حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم: (لقد كان أبو بكر مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم في الغار، فأصاب يده حجر، فقال:
إن أنت إلا إصبع دميت
…
وفي سبيل الله ما لقيت) (1)
ذاك جسد أبي بكر .. أما مال أبي بكر .. كل ماله فهو منثور بي يدي رسول الله-صلى الله عليه وسلم في الغار .. حمله أبو بكر كله .. وقدمه لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-كله .. حتى صار بيت أبي بكر في مكة خاليًا إلا من الإيمان .. وفتيات رباهن الإسلام وأبو بكر .. هذه إحداهن .. المجاهدة العظيمة ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر تقول: (لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج معه أبو بكر، احتمل أبو بكر ماله كله ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف -فانطلق بها معه، فدخل علينا جدي: أبو قحافة (2) -وقد ذهب بصره- فقال: والله إني لأراه قد فجعكم (3) بماله مع نفسه. قلت: كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا. فأخذت أحجارًا فوضعتها في كوة (4) في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبت ضع يدك على هذا المال، فوضع يده عليه، فقال: لا بأس إذا كان يترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا إبلاغ لكم، قالت أسماء رضي الله عنها: ولا والله ما ترك لنا شيئًا، ولكن أردت أن أسكت هذا الشيخ بذلك) (5).
(1) إسنادُهُ صحيحٌ. رواه ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، أن أباه عباد حدثه عن جدته أسماء بنت أبى بكر الصديق رضي الله عنهما .. ويحيى وعباد ثقتان، انظر تهذيب التهذيب (11/ 234)(5/ 98) وابن إسحاق لم يدلس فقد صرح بالسماع من شيخه يحيى.
(2)
اسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، مات ابنه أبو بكر قبله وقد أسلم.
(3)
آلمكم وآذاكم، أي أنه لم يترك لكم لا نفسه ولا ماله.
(4)
الكوة: الخرق في الجدار.
(5)
إسنادُهُ صحيحٌ، رواه ابن إسحاق فقال: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، أن أباه =