الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغابة .. ثم جاء بها فأرسلته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بها فوضعت ها هنا .. ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها .. وكبَّر وهو عليها .. ثم ركع وهو عليها .. ثم نزل القهقرى .. فسجد في أصل المنبر .. ثم عاد .. فلما فرغ أقبل على الناس فقال:
"أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بى ولتعلموا صلاتي .. فعمل هذه الثلاث درجات"(1) إذًا فمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث درجات لا أكثر ..
ثلاث درجات بسيطة لا أكثر .. فهنيئًا لتلك الأنصارية .. هنيئًا لغلامها وهنيئًا لذلك المنبر .. فمنبر الأثل لم يعد ينتمي إلى الأثل .. لم يعد ينتسب إلى الأرض .. منبر الأنصارية صار:
منبرًا من الجنة
فقد التفت صلى الله عليه وسلم إلى منبره يومًا فقال: "إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة"(2).
وأما ما بين المنبر وبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمساحة من الربيع الخالد .. والفيض الغامر الواعد بالنعيم .. فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة"(3).
أما المسجد فقد اكتمل بناؤه .. واكتمل العقد بجوهرة ثالثة تزين صدر السفر.، محطة ثالثة لقوافل المؤمنين بناها صلى الله عليه وسلم في المدينة .. يزيلون فيها
(1) حديث صحيح. رواه البخاري ومسلمٌ والبيهقيُّ (2/ 555).
(2)
حديث صحيح. انظر صحيح النسائي (1/ 150) والبيهقيُّ (2/ 564).
(3)
حديث صحيح. رواه البخاري ومسلمٌ (1195).
العناء والذنوب وينهلون الربيع والثواب "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا .. والمسجد الحرام .. ومسجد بيت المقدس"(1)
…
لا تشد الرحال من أجل العبادة إلى أي مسجد في الدنيا إلا إلى هذه المساجد الثلاثة .. فمن أتعب مطاياه إلى غيرها فقد أتعبته البدعة والشيطان .. والإِسلام نبع صافٍ ورقراق .. والبدعة تلوثه .. والشيطان يلوث قلوب أصحابها .. لكن لماذا هذه المساجد فقط هي مناخ المرتحل ومستراحه؟ الإجابة لا تأتي من الهواء .. لا تأتي من الهوى .. الإجابة تتنزل وحيًا.
تتزل أجرًا عندما قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" (2).
فهم الصحابة ذلك وأدركوا أن السفر من أجل العبادة والصلاة لا يجوز مهما كان ذلك المكان المنشود مقدسًا .. إلا إلى هذه المساجد الثلاثة .. حتى ولو كان هذا المكان جبل الطور الذي كلم الله فيه موسى تكليمًا .. وأنزل عليه فيه التوراة .. وهذه القصة حدثت بين صحابيين تشهد بتفاني الصحابة من أجل بقاء الإِسلام جديدًا دون تشويه .. دون بدع .. (لقد لقي أبو بصرة الغفاري أبا هريرة وهو جاء من الطور، فقال: من أين أقبلت؟ قال: من الطور .. صليت فيه، قال أبو بصرة: أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد
(1) حديث صحيح. متفق عليه.
(2)
حديث صحيح انظر صحيح الجامع (2/ 714).
الأقصى") (1) وبهذه التصفية والتربية يبقى الإِسلام جديدًا .. دون شوائب .. دون بدع .. كما أنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم.
إذًا فقد سعدت المدينة باحتضانها لمسجد يؤسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم على التقوى كما سعدت مكة من قبل بتأسيس إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لبيت الله الحرام ..
وبنى صلى الله عليه وسلم له بيتًا ملاصقًا للمسجد عبارة عن حجرات صغيرة فسودة قادمة قريبًا من مكة .. أما عائشة فربما كانت مع هذا الركب الذي يلوح بين السراب .. وفيه امرأة حامل .. امرأة عظيمة كانت تحمل المسؤوليات والطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كانت تقطع حزامًا لها نصفين ليستخدمه صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة فيربط زاده وما يحتاجه .. إنها ذات التاريخ الأبيض .. ذات النطاقين .. أسماء بنت الصديق الأكبر .. والصاحب الأبر .. (هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى)(2) .. لم تبال بثقل حملها فمدينة الأنوار والحب تنتظرها .. وهي لا تستطيع مقاومة ذلك الحب فيها .. أما ذلك الجنين في بطنها فكان على موعد مع السبق والشرف ليكون أولًا في سجلات الهجرة والإِسلام.
أسماء الآن في طريقها إلى المدينة .. هي الآن في قباء قد أثقلها الحمل والتعب .. لا تستطيع المشى .. لا تستطيع الوصول إلى المدينة فآلام الولادة شديدة .. إنها المرة الأولى التي تعاني فيها من هذه الآلام .. فبقيت في قباء حتى تمت ولادتها بسلام وطفلٍ كالورد تحدثنا عنه فتقول: (خرجت وأنا متم .. فأتيت المدينة فنزلت بقباء .. فولدته بقباء .. ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه .. فكان أول شيء
(1) حديث صحيح انظر إرواء الغليل (4/ 142) وقول النبي صلى الله عليه وسلم عند البخاري ومسلمٌ.
(2)
حديث صحيح. رواه البخاري (3909).