الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كله ويدرك ما هو أبعد من ذلك .. لذلك استخدم كل الوسائل المباحة المتاحة في أرجاء الكون الفسيح له .. فأسند لهذه المهمة رجلًا مشركًا لكنه كان أمينًا .. واعده صلى الله عليه وسلم الليلة الثالثة كي يحضر الراحلتين .. وكان هذا الرجل من أعلم الناس بطبيعة الطريق ومسالكه .. يعرف كيف يتسلل بهما بعيدًا عن حوافر الشرك ورماحه .. تقول عائشة:
(واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلًا من بني الديل -وهو من بني عبد بن عدي- هاديًا خريتًا. والخريت: الماهر بالهداية، قد غمس حلفًا في آل العاصي بن وائل السهمي -وهو على دين كفار قريش- فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور، بعد ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل، فأخذ بهما طريق السواحل)(1).
على دروب السواحل
على دروب السواحل .. الفجر سار يناضل .. والليل صار مخيفًا .. والخوف كان الرواحل .. فهذه الرحلة يحدد نجاحها قيام دولة للإسلام في يثرب .. أو موت حلم ثم البدء من جديد .. والبحث من جديد .. يقول الصديق رضي الله عنه:
(أدلجنا من مكة ليلًا، فأحيينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا (2)، وقام قائم الظهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظل نأوي إليه، فإذا صخرة، فانتهيت إليها، فإذا بقية ظل لها، فسويته، ثم فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فروة، ثم قلت: اضطجع يا رسول الله فاضطجع، ثم ذهبت أنفض (3) ما حولي
(1) حديث صحيح. رواه البخاري (3905).
(2)
وقت الظهر.
(3)
أتحسس وأحرس وأراقب المكان.
هل أرى من الطلب أحدًا؟ فإذا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي نريد -يعني الظل- فسألته، فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش فسماه، فعرفته فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت: هل أنت حالب لي؟ قال: نعم. فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، وأمرته أن ينفض ضرعها من التراب، ثم أمرته أن ينفض كفيه -فقال هكذا، فضرب إحدى كفيه على الأخرى- فحلب لي كثبة (1) من لبن، وقد رويت معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أداوة على فمها خرقة، فصببت على اللبن، حتى برد أسفله، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقته وقد استيقظ فقلت: أتشرب يا رسول الله؟ فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضيت ثم قلت: قد آن الرحيل يا رسول الله.
فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له. فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله. قال: لا تحزن إن الله معنا. فلما أن دنا منا، وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة قلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله - وبكيت. فقال صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك؟ " فقلت: أما والله ما على نفسي أبكي، ولكن إنما أبكي عليك.
فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها، فوثب عنها. ثم قال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجني مما أنا فيه: فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب، وهذه كنانتي فخذ منها سهمًا، فإنك ستمر بإبلي وغنمي بمكان كذا .. وكذا .. ، فخذ منها حاجتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) قليل.