الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول سعيد بن زيد: (والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي وأخته على الإسلام قبل أن يسلم عمر)(1) هكذا كان عمر .. وهذا ما تفعله قريش بأطهر أبنائها المؤمنين. وليس لدى الضعيف المظلوم سوى الدعاء:
دعوة نبي مضطهد
أطال صلى الله عليه وسلم التأمل بين صحابته .. يفتش عن أحد .. لكنه لم يجده .. لقد وجد أتباعًا مضطهدين .. مغلوبًا على أمرهم .. يتحملون كثيرًا .. لكن إلى متى .. إلى متى وهم يتدسسون .. يخفي بعضهم بعضًا كأنما ارتكبوا جرمًا .. كان يفتش عن شخص جبار تهابه قريش .. فتتراجع أمامه قليلًا .. لعل فسحة من الحياة المشروعة تتسع له ولأصحابه .. فيستمتعون بها كما يستمتع غيرهم .. ويعبدون الله وهم آمنون .. لكن الطغاة لا يرحمون .. إن البهائم والطيور تطوف في مكة آمنة .. أما محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه المساكين .. ففي الشعاب هائمون .. يأتي إليه خباب بن الأرت يحمل جلدًا مسلوخًا وجروحًا نازفة وهمًا كالجبال .. يأتي إليه خباب المسكين وقد لقي أشد العذاب من المشركين. فيقول: (يا رسول الله، ألا تدعو الله لنا، فقعد صلى الله عليه وسلم محمر وجهه، فقال: إن من كان قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد، ما دون عظمه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه، فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله عز وجل، والذئب على غنمه)(2).
ليس هناك سوى الصبر يا خباب .. هذه هي حياة الأنبياء وأصحابهم
(1) حديث صحيح. رواه البخاري (3862).
(2)
حديث صحيح. رواه البخاري (3852).
وأتباعهم .. إن احمرار وجهه صلى الله عليه وسلم لم يكن لعدم مشروعية الدعاء .. بل كان لهبًا يذهب ما قد يعلو في نفوس أصحابه من الملل والضيق .. إن هذا الاحمرار يقول: إن كل ما يقدمه الداعية في سبيل الله من تضحية .. من مال .. من جهد .. رخيص .. رخيص في سبيل الله .. إنها الجنة يا خباب .. فلا عجب أن مشط الأنبياء السابقون وأتباعهم بأمشاط الحديد .. ونشروا بالمناشير .. فقد كانت الجنة في قلوبهم .. أما الدعاء فمشروع في كل لحظة .. فالدعاء في الإِسلام (هو العبادة)(1) .. حتى الأماني التي تجول في الخواطر تسيل عند الله في مجرى الدعاء الجميل المحبوب .. حتى الأماني الحلوة حَوَّلَها الإسلام إلى عبادة .. يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا تمنى أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه)(2) وسأل محمَّد صلى الله عليه وسلم ربه .. دعاه وتضرع إليه أن يرزقهم ما يبحثون عنه .. رجلًا يعز الله به الإسلام .. وكانت أمنيته صلى الله عليه وسلم تحوم حول أقسى رجلين وأشرسهما في مكة كلها على المؤمنين .. توجه صلى الله عليه وسلم إلى ربه ضارعًا وقال: (اللَّهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: أبو جهل بن هشام، أو عمر بن الخطاب)(3) فقد بخلت مكة وشحت .. وضاقت بأصحابه صلى الله عليه وسلم فصارت من ضيقها تحصي أنفاسهم وخطاهم .. ولم يكن هناك متسع للحياة فيها .. حتى بيت الله الحرام أصبح غير آمن ولا حرام .. ألم تر إلى أبي جهل يقول: (لئن رأيت محمدًا يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه)(4).
(1) حديث صحيح. انظر صحيح الجامع الصغير (2/ 150).
(2)
حديث صحيح، انظر صحيح الجامع الصغير (1/ 178).
(3)
إسناده حسن رواه البيهقي (2/ 215) وابن سعد (3/ 267) وأحمدُ (الفتح 20/ 230) من طريق أبى عامر: عبد الملك بن عمرو القيس، وهو ثقة (التقريب1/ 521) أخبرنا خارجة ابن عبد الله بن ثابت وهو حسن الحديث (التهذيب 3/ 76) عن نافع عن ابن عمر قال. قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(4)
حديث صحيح. رواه البخاري.