الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليلة الحياة والقرآن
انصرف إلى منزله بعد أن حمل تفسير تلك الرؤيا .. لكنه لم ينقطع عن عبادة ربه .. واستمر على ما كان عليه فـ (كان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه -هو التعبد الليالي ذوات العدد- قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها)(1).
كان نهاره على ذروة ذلك الشاهق .. تأمل .. سياحة في هذا الكون الصامت الناطق .. الناثر في الصدور المنشرحة نورًا يهمس: لا إله إلا الله .. أما ليله فتبتل وتضرع .. كأنه يغرف من الليل سكونه وخشوعه .. كأن رياحه الباردة وهي تمر بباب الغار .. تبشر بعودة محبوب طال انتظاره.
واستمر ذلك الحب وتلك المناجاة (حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ.
قلت: ما أنا بقارئ.
فأخذني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ.
قلت: ما أنا بقارىء.
فأخذني فغطني ثم أرسلني فقال: اقرأ.
قلت: ما أنا بقارئ.
فأخذني فغطني ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)} فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم-يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال: زملوني .. زملوني.
(1) حديث صحيح. رواه البخاري (3).
فزملوه، حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة -وأخبرها الخبر- لقد خشيت على نفسي. فقالت له خديجة:
كلا والله ما يخزيك الله أبدًا إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين علي نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك.
فقال له ورقة:
يا ابن أخي ماذا ترى؟
فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى.
فقال له ورقة بن نوفل:
هذا الناموس الذي نزل على موسى، يا ليتني فيها جذعًا، ليتى أكون حيًا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أومخرجي هم؟
قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا) (1).
إذًا فهذه هي النبوة .. وهذا هو القرآن العظيم كلام الله ينزل على نبيه .. كلام الله الذي علم بالقلم .. وعلم الإنسان ما لم يعلم .. يهمي
(1) حديث صحيح. رواه البخاري. بدء الوحي (3).