الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم يودع مكة
وَدَّع حبيبته وهي لا ترد .. ولو أجابت لأبكت من حولها .. ودع حبيبته .. تركها وهو كاره .. حالت الجاهلية بينه وبينها .. لم يستطع البقاء بين أبياتها وجدرانها .. فحملها في قلبه وارتحل .. وتمر أيام وأعوام .. ويكبر ذلك الحب .. ويزداد به الشوق .. فيقسم بالله لها أنه ما زال يحبها ..
(والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلي، ولولا أني أُخْرِجتُ منك ما خرجت)(1). (ما أطيبك من بلدٍ وأحبَّكِ إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك)(2).
لم يستبدل صلى الله عليه وسلم حبًا بحب .. بل أضاف حبًا إلى حب .. إنه يتجه الآن إلى يثرب .. يثرب!! لا إنها ليست يثرب .. فلا يثرب بعد اليوم .. لقد وهبها قلبه .. ووهبها اسمًا جديدًا.
اسم جديد
فما هو ذلك الاسم .. يقول صلى الله عليه وسلم: "أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب! .. وهي "المدينة" تنفي الناس (3) كما ينفي الكير خبث الحديد"(4) إذًا فهي منذ الآن ستدعى: (المدينة) .. المدينة المنورة بالحب والأشواق والعناق ..
(1) حديث صحيح. رواه أحمد والترمذيُّ والنسائيُّ وابن ماجه (سيرة ابن كثير 2/ 385) من طريق شعيب وعقيل وصالح بن كيسان كلهم عن الزهري أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عدي رضي الله عنه. وأبو سلمة والزهري تابعيان ثقتان جليلان.
(2)
حديث صحيح رواه الترمذيُّ وابن حبان والحاكم. انظر صحيح الجامع الصغير للإمام الألباني (2/ 971).
(3)
أي تنفي الخبيث من الناس.
(4)
حديث صحيح. رواه البخاري (1871) ومسلمٌ والبيهقيُّ (2/ 519).
أما أهلها .. فعلى طريق مكة يترددون .. ينتظرون (يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة)(1) .. فرحوا بأصحابه واستقبلوهم .. وفتحوا لهم بيوتهم وصدورهم .. و (لما سمعوا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوكفوا (2) قدومه .. كانوا يخرجون إذا صلوا الصبح إلى الحرة ينتظرونه حتى تغلبهم الشمس على الظلال ويؤذيهم حر الظهيرة، فإذا لم يجدوا ظلًا دخلوا .. وذلك في أيام حارَّة) (3) .. هذه هي المدينة المشتاقة وهؤلاء هم أهلها ..
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زال على الرمضاء يسير .. وفي مسيره ذلك يلتقي بشابٍ يحبه، يلتقي بشاب من أبطال الإسلام، إنه زوج (ذات النطاقين) زوج أسماء بنت أبي بكر الصديق واسمه: الزبير بن العوام، فهل كان قادمًا من المدينة؟ .. لا .. لقد كان في الشام، سافر مع قافلة من قوافل الصيف ثم عاد .. لقد (لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركب من المسلمين كانوا تجارًا بالشام قافلين إلى مكة، فعارضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابًا بيضًا)(4) .. قبل- صلى الله عليه وسلم الهدية من ابن عمته، ولبس وصاحبه الثياب، وأقبلا على المدينة .. يختلط بياض ثيابهم ببياض السراب .. لكن بعد أن أحرقت الشمس المنتظرين، فعادوا بعد انتظار طويل ..
(1) حديث صحيح. رواه البخاري (3906).
(2)
أي توقعوه وسألوا عنه.
(3)
سنده قوي. رواه ابن إسحاق (سيرة ابن كثير 2/ 268) حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن رجال من الصحابة. ومحمَّد ثقة (التقريب 2/ 150) وعبد الرحمن ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن الصحابة ويشهد له ماقبله.
(4)
حديث صحيح. رواه البخاري (3906).