الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدعى: يونس بن متى، فأخبرني أنه رسول الله. فضحكا به وقالا:
لا يفتنك عن نصرانيتك، إنه رجل يخدع. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة) (1).
ترى كيف ستحمل هذا المكروب المسكين أقدامه وهي لا تزال تنزف حزنًا ودمًا .. كيف سيعود ولا أبا طالب بعد اليوم .. من يضمد جرحه وخديجة تحت الثرى .. من يا ترى يكف أفواه قريش عن الشماتة .. كانت أيامًا لكن همومها أحالتها سنوات .. سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشد يوم مر به؟ فأشار إلى أيام الطائف وقال: (لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن كلال. فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهى، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب)(2).
إنه الهم الذي حمله ومشى به، حتى حنت عليه السحاب .. وأشفقت لمنظره الحجارة وأغصان الشجر .. واستعدت الرواسي الشم للانتقام له:
الجبال تنتقم
يقول صلى الله عليه وسلم مواصلًا حديثه: (فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام. فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال:
(1) إسناده مرسل رواه أبو نعيم (295)، وقد أوردت الحديث لا لصحته ولكن لأن سياقه ينسجم مع الحديث الصحيح الذي ذكر فيه النبى صلى الله عليه وسلم أن أشد الأيام التي مرت عليه هي أيام الطائف ويدل على ذلك نزول ملك الجبال لينتقم منهم.
(2)
حديث صحيح. رواه البخاري (بدء الخلق) ومسلمٌ.
يا محمَّد، ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (1) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) (2).
صلى الله عليك يا نهر الحنان .. في اليمين جبل .. وفي الشمال جبل .. لو كنت ممّن ينتقم لنفسه .. لكان دك الجبال يطحن تلك الجماجم .. ولسالت من جبال الطائف دماء يراها أهل مكة .. لكنه صلى الله عليه وسلم ما خرج لنفسه .. ولا أحضر شيئًا من عنده .. رفض الانتقام لأنه جاء ليجعل الحياة إيمانًا وسعادة .. وفي قلبه يهتز أمل يتلألأ .. يقول: إن في الأصلاب ربيعًا قادمًا يتنفس الإِسلام.
وعاد الحبيب صلى الله عليه وسلم مطرودًا .. جريحًا .. منكسرًا كما خرج ..
فانسل إلى بيته الصغير .. حيث ابنته وريحانته فاطمة .. لا بد أنها بكت وارتفع نشيجها عندما رأت ذلك الشحوب في وجهه الكريم .. عندما رأت الدماء تتلألأ في جروحه .. فسارعت لمواساته ومواساة جراحه .. وربما دمعت عيناه صلى الله عليه وسلم عندما رأى ابنته فذكرته بحبيبته خديجة .. وذكره بيته بها .. ففيه عاشا سويًا وها هو الآن شوق .. بينه وبينها تراب على قبر خديجة.
ذكريات مصائب تترى فهل لهذه الأحزان من نهاية؟
لم تكن هناك نهاية .. أمرًا عظيمًا سيحدث .. وتسلية مذهلة .. ستمسح أحزانه السابقة.
(1) جبلا مكة.
(2)
بقية حديث البخاري.