الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأفراحًا .. لكن كيف يتم ذلك والأصنام أطناب خيمة تمنح السواد .. عن الأرض تمنع الضياء .. تحرم العباد نشوة الحياة .. تملأ الطريق نحو الله بالوحوش .. وبالغيلان والهوام.
حمل صلى الله عليه وسلم ثياب عرسه واتجه نحو تجمعات القوم من جديد .. فلن يكون للعرس لذة والناس محرومون من لذة الإيمان فالتوحيد كالماء كالهواء .. لا بد أن يدخل كل بيت ويعمر كل قلب .. وعلى حامله أن يحفر القناة بمعوله بيديه بأظفاره فالناس عطاش والأرض جفاف.
اتجه صلى الله عليه وسلم إلى قبائل العرب .. يرافقه أبو بكر الصديق .. وابن أخيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما .. فكانت هذه القصة المنسوجة بالأشعار والأنساب:
في خيام ربيعة
يقول علي رضي الله عنه:
(لما أمر الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب، وأنا معه، وأبو بكر رضي الله عنه، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدم، أبو بكر وكان مقدمًا في كل خير، وكان رجلًا نسابة- فسلم، وقال: ممّن القوم؟
قالوا: من ربيعة.
قال أبو بكر: وأي ربيعة أنتم؟ أمن هامها، أي من لهازمها (1)؟
فقالوا: من الهامة العظمى.
(1) اللهزمة عظم في اللحى تحت الحنك أي من أشرافها.
فقال أبو بكر رضي الله عنه: وأي هاماتها العظمى أنتم؟ قالوا: من ذهل الأكبر؟ قال أبو بكر:
منكم عوف الذي يقال له: لا حر بوادي عوف؟ قالوا:
لا. قال: فمنكم جساس بن مرة، حامي الذمار (1) ومانع الجار؟ قالوا:
لا. قال: فمنكم بسطام بن قيس، أبو اللواء، ومنتهى الأحياء؟ قالوا:
لا. قال: فمنكم الحوفزان، قاتل الملوك، وسالبها أنفسها؟ قالوا:
لا. قال: فمنكم المزدلف، صاجا العمامة الفردة؟ قالوا:
لا. قال: أخوال الملوك من كندة؟ قالوا:
لا. قال: أصحاب الملوك من لخم؟ قالوا:
لا. قال: فلستم من ذهل الأكبر، أنتم من ذهل الأصغر.
فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له "دغفل" حين تبين وجهه فقال:
إن على سائلنا أن نسله
…
والعبو لا نعرفه أو نجهله
يا هذا .. قد سألتنا فأخبرناك، ولم نكتمك شيئًا، فممن الرجل؟
قال أبو بكر: أنا من قريش.
فقال الفتى: بخٍ .. بخٍ أهل الشرف والرياسة. فمن أي القرشيين أنت؟ قال أبو بكر: ولد تيم بن مرة.
فقال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة، أمنكم قصي (2)
(1) أي ما يحمي كالأهل والعرض والمال.
(2)
جد النبي صلى الله عليه وسلم.
الذي جمع القبائل من فهر، فكان يدعى في قريش مجمعًا؟ قال أبو بكر:
لا. قال: فمنكم هشام (1) الذي هشم الثريد لقومه، ورجال مكة مسنتون عجاف. قال: لا. قال: فمنكم شيبة الحمد: عبد المطلب (2) مطعم طير السماء الذي كان وجهه القمر يضىء في الليلة الداجية؟ قال أبو بكر: لا.
قال: فمن أهل الإفاضة (3) بالناس أنت؟ قال: لا.
قال: فمن أهل الحجابة (4) أنت؟ قال: لا.
قال: فمن أهل السقاية (5) أنت؟ قال: لا.
قال: فمن أهل النداوة (6) أنت؟ قال: لا.
قال: فمن أهل الرفادة (7) أنت؟ قال: لا.
فاجتذب أبو بكر رضي الله عنه زمام الناقة، راجعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الغلام:
صادف در السيل درًا يدفعه
…
يهضبه حينًا وحينًا يصدعه
(1) كل هولاء أجداد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
كل هؤلاء أجداد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
انصراف الحجاج من عرفات.
(4)
حجابة الكعبة.
(5)
السقاية: حياض كانت على عبد قصي توضع بفناء الكعبة. يسقى فيها الماء العذب للجميع.
(6)
دار الندوة التي كانت قريش تقضى فيها أمورها، ولم يكن يدخلها من غير أولاد قصى إلا من بلغ أربعين سنة.
(7)
الرفادة: أموال تخرجها قريش من أموالها في كل عام يصنع منه طعام للحجاج.