الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجلس -ثلاث مرات- كل ذلك أقوم إليه فيقول لي:
اجلس. حتى كان في الثالثة، ضرب بيده على يدي) (1) معلنًا تفوق هذا الفتى على كافة رجال وشيوخ أسرة النبي صلى الله عليه وسلم .. ومسارعته للحق وهو في زهرة الشباب .. في الوقت الذي تراجع فيه أعمامه وكبار السن من أسرته .. تخلفوا وترددوا .. وعجيب أمر ترددهم وتخلفهم فالمعجزة أمامهم تغمرهم .. تلجمهم إلجامًا .. ها هو الطعام لا ينقص .. وشراب الفرد يكفي العشرات .. وقبل ذلك صانع الطعام .. إنه محمد-صلى الله عليه وسلم الذي لم يجربوا عليه كذبًا ولا غشًا .. فكيف وقد أتى ببرهان صدقه المعجز: مدٌ من الطعام لا يشبع فردًا واحدًا .. يلتف حوله مجموعة من الرجال .. الفرد منهم يتربع أمام الجذع المطبوخ .. فلا ينهض إلا وقد التهمه كله .. ما الذي حدث حتى تقوم كل هذه المجموعة من فحول الرجال .. وقد شبعت من طعام قليل .. بل إنها لا تنقص منه شيئًا. تلك معجزة لا شك .. برهان على صدق ما سيقوله صلى الله عليه وسلم لأسرته .. ومع ذلك لا ينهض منهم مساند إلا فتى .. هو أصغر القوم .. إنهم ليل .. وعلي كالصباح نضارة.
إذًا فقد أعلن صلى الله عليه وسلم حربه على الشرك لا على قريش وأعلن أن:
الله وحده لا شريك له
لم تترك قريش محمدًا يبوح بما كان يضمره في نفسه ونفوس أصحابه دون أن تطرح عليه أسئلة ملحة .. عن طبيعة هذا الدين .. عن هذا الإله
(1) إسناده قوى. رواه الإمام (الفتح الرباني 20/ 223) وعد من طريق: عفان، حدثنا أبو عوانة -وهما ثقتان، عن عثمان بن المغير، وهو ثقة، عن أبي صادق- وهو تابعي ثقة، عن ربيعة بن ناجذ، وهو ثقة أيضًا، وقد بينت في (موسوعة السيرة) سبب جرح الذهبي له، وبينت سبب العلة الحقيقي للرواية التي قصدها الذهبي (24).
الذي يأمر بإفراده بالعبادة .. هذا الإله الذي يأمر بنسيان آلهة الآباء والأجداد وسحقها.
فقال لهم-صلى الله عليه وسلم وحيًا ترتكز عليه كل الحقائق .. وتنطلق منه أنوار تنير سراديب هذا الكون وأسراره .. فيخشع الكون كله وهو يستمع لمحمد-صلي الله عليه وسلم- يتلو حقيقة طالما أضاعها الإنسان فتاه في تلك السراديب: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} (1).
نداءان منه-صلى الله عليه وسلم في اجتماعين مع أهل مكة .. ومع أهله .. وضعت أرواح بعض السابقين في أكفهم .. دروعًا يحمون بها رسولهم صلى الله عليه وسلم .. فلقد هانت تلك الأرواح في سبيل الله .. ولئن كانت الجنة هي المصير فلتذهب الدنيا غير مأسوف عليها .. ستة عمالقة جاهروا بإسلامهم .. ولم يأبهوا بما قد يلاقون من عنت: (أبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد)(2).
ولئن لم تسعفنا الروايات في ذكر بقية لهم فلقد أسعفنا ذلك الاجتماع السابق بفتى صغير السنن هو (علي بن أبي طالب) فلقد وضع يده بيد رسول الله-صلى الله عليه وسلم أمام أهله .. وكفى بتلك مجاهرة.
بدأ هؤلاء الأفذاذ يدعون لدين الله جهرة .. فأسلم بإسلامهم خلق كثير. مما أقض مضاجع عباد الأصنام .. فاتجهوا نحو رسول الله-صلى الله عليه وسلم
(1) سورة الصمد.
(2)
حديثٌ حسنٌ رواه البيهقي (2/ 170) والحاكم (3/ 284) وأحمدُ (الفتح الرباني 20/ 214) من طريق زائدة، عن عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود وقال: أول من أظهر إسلامه سبعة: النبى صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر .. وفي سنده ضعف من أجل زائدة أبى الرقاد، فقد اختلف النقاد في الحكم عليه، لكن له شاهد يقويه ذكره ابن كثير وهو من طريق شعبة عن منصور، عن مجاهد مرسلًا. انظر سيرة ابن كثير (1/ 494).