الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وربما كان هذا هو
النداء الأول لمحمد صلى الله عليه وسلم
قبل النبوة فقد جاء ذلك في وصف الكعبة وبنائها، وأنه (كان برضم (1) يابس ليس بمدر، تتروه العناق، وتوضع الكسوة على الجدار، ثم تدلى، ثم إن سفينة لروم أقبلت، حتى إذا كان بالشعيبة انكسرت، فسمعت بها قريش، فركبوا إليها، وأخذوا خشبها، ورومي يقال له: باقوم. نجار، بان (2)، فلما قدموا مكة قالوا: لو بنينا بيت ربنا عز وجل، واجتمعوا لذلك، ونقلوا الحجارة، من أجياد الضواحي، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل إذ انكشفت نمرته فنودي: يا محمَّد عورتك. فذلك أول ما نودي والله أعلم، فما رؤيت له عورة بعد) (3).
وكان الذي أشار عليه صلى الله عليه وسلم برفع إزاره هو عمه العباس رضي الله عنه، فقد قال له:(يا ابن أخي، لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة. ففعل ذلك، فسقط مغشيًا عليه، فما رؤي بعد ذلك اليوم عريانًا)(4).
وقد شهد العباس هذه الحادثة، وكتمها، لم يقصها إلا بعد زمن طويل على ابنه عبد الله فقال: (كنت أنا وابن أخي -محمَّد صلى الله عليه وسلم ننقل
(1) الرضم: صخور بعضها على بعض.
(2)
أي كان يعمل في النجارة والبناء.
(3)
إسنادُهُ صحيحٌ، ذكره الذهبي بإسناده (36) ورواه البيهقي (1/ 326). وهو من طريق داود بن عبد الرحمن العطار، وهو ثقة. انظر التقريب (1/ 223) عن ابن خثيم، وقد مر معناه عن أبي الطفيل رضي الله عنه.
(4)
حديث صحيح. متفق عليه.
الحجارة على رقابنا، وأزرنا تحت الحجارة، فإذا غشينا (1) الناس ائتزرنا، فبينا هو أمامي خر على وجهه منبطحًا، فجئت أسعى إليه، وألقيت حجري -وهو ينظر إلى السماء- فقلت: ما شأنك؟ فقام وأخذ إزاره، وقال: نُهيت أن أمشي عريانًا. فكنت أكتمها مخافة أن يقولوا مجنون) (2).
وارتفعت الكعبة من جديد .. وشمخت شموخ التوحيد .. تشير بوحدانية الله .. وابتهجت قريش بصنيعها وترتيب بيت ربها .. ولم يبق سوى رد الحجر الأسود إلى مكانه .. ووضعه في زاويته من الكعبة .. فمن سيعيده .. من سيضعه .. من هو الأحق بهذا الشرف؟ إن بناء الكعبة واسع لدرجة استيعاب الآلاف للمشاركة فيه ونيل شرفه .. لكن الحجر الأسود لا يحتمل أكثر من أذرع قليلة تحمله.
اختلفت بطون قريش .. وحق لها أن تختلف في مثل ذلك الزمن المتكئ على تلك العقول المتصخرة التي لا تحل الأمور الصعبة إلا بأسنَّة الرماح .. وأنهار الدماء .. ألم يحدثنا التاريخ عن حروب دامت عشرات السنين وثار غبارها من أجل سنام جمل أو مضمار خيل.
(1) أي أقبلنا عليهم واختلطنا بهم.
(2)
حديثٌ حسنٌ لغيره، وذكره الذهبي في سيرته (38) من طريقين عن: سماك عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس، عن العباس رضي الله عنهم. وهذا الحديث رجاله ثقات، عكرمة تابعي معروف وهو ثقة. وسماك جيد الحديث، لكن سماك بن حرب رحمه الله منتقد الحديث عن عكرمة، فقد امتدح النقاد حديثه ما عدا حديثه الذي يرويه عن عكرمة مولى ابن عباس، فقد قالوا كما في التهذيب والتقريب (1/ 332): إنه اضطرب فيه. لكن هذا الحديث له من الشواهد التي مرت معنا، والتي ذكرتها في موسوعة السيرة ما يشهد له ويرفعه إلي درجة القبول، فهو حسن لغيره قوى بالروايات الأخرى.
والقائل: كنت أكتمها. هو العباس خوفًا على ابن أخيه من التكذيب.
إن جمال الدنيا وخيلها والخصومة عليها .. لا تطاول الخصومة على أقدس الأشياء التي احتلت قلوب العرب قبل أراضيها .. الكعبة والحجر الأسود.
فهل ستصبغ قريش كعبتها بدماء أبنائها .. هل هناك مخرج آخر لهذه الأزمة. لهذه الكارثة التي تطل من موضع الحجر.
كان الله رحيمًا بهؤلاء العرب عندما قرروا تحكيم أول رجل يدخل عليهم المسجد .. فكانت هذه القصة التي يرويها لنا شاهد عيان شارك وبنى وحضر الخصومة حيث يقول: إني كنت (فيمن يبني الكعبة في الجاهلية، ولي حجر أنا نحته بيدي أعبده من دون الله، فأجيء باللبن الخاثر، الذي أنفسه على نفسى، فأصبه عليه، فيجيء الكلب، فيلحسه، ثم يشغر (1) فيبول. فبنينا حتى بلغنا الحجر، وما يرى الحجر منا أحد، فإذا هو وسط حجارتنا مثل رأس الرجل، يكاد يترايا منه وجه الرجل، فقال بطن من قريش: نحن نضعه. وقال آخرون: بل نحن نضعه. حتى كاد أن يكون بينهم قتال بالسيوف. فقالوا: اجعلوا بينكم حكمًا. قالوا: أول رجل يطلع من الفج (2) فجاء النبي-صلى الله عليه وسلم. فقالوا: أتاكم الأمين. فقالوا له. فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم، فأخذوا بنواحيه معه فوضعه هو) (3) وبيده الكريمة
(1) أي يرفع إحدى رجليه ليبول.
(2)
الفج: الطريق الواسع البعيد.
(3)
إسنادُهُ صحيحٌ، رواه عبد الصمد بن النعمان (سيرة الذهبي 40) وأبو نعيم في الدلائل، من طريقين أما عبد الصمد فقال: حدثنا ثابت بن يزيد، حدثنا هلال بن خباب عن مجاهد عن مولاه قال:
…
وثابت بن يزيد الأحول ثقة، انظر التهذيب
…
وكذلك هلال بن خباب العبدي، انظر التقريب (2/ 23)، وطريق أبي نعيم: عباد بن العوام عن هلال
…
وعباد ثقة. انظر التقريب (1/ 393).