الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنوفهم .. يغطى وجوههم عار لا يغسل إلا بالدماء .. عار ملأ خبره أرجاء مكة .. محاولة اغتيال رسول الله الفاشلة أثارت الحمية في نفوس بني عبد المطلب وكان أشدهم رأسهم أبو طالب .. فقرروا حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش والدفاع عنه .. فهو لا يزال من أبناء عبد المطلب زعيم قريش .. ولم يفعل ما يستحق كل هذا الأذى والعذاب من قريش .. فكيف تقرر قريش قتله .. ذلك أمر مستحيل .. إن على قريش أن تزهق أرواح بي عبد المطلب فردًا فردًا قبل أن تصل إلى محمَّد صلى الله عليه وسلم .. لذلك فقد أعرضت عن هذه المؤامرة مؤقتًا لكي تمارس قسوة لا تقل عن الاغتيال فماذا فعلت قريش.
حصار جماعي في الشعب
قرر طواغيت قريش ضرب حصار اقتصادي ومعنوي واجتماعي على المؤمنين ومن يقف معهم من أقاربهم .. فلا مصاهرة ولا بيع ولا شراء معهم حتى يتم تسليم محمَّد عليه الصلاة والسلام إليهم لقتله والتخلص منه .. لذلك لجأ أبو طالب ومن معه من أهل النبي صلى الله عليه وسلم وعمومته إلى مكان يقال له: شعب أبي طالب أو (المحصب) حتى تسهل عملية الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم .. وعن هذا الحصار المرير الذي لا أدري كم من الأعوام استمر، يقول صلى الله عليه وسلم وهو يواعد أصحابه في ذلك المكان الحزين:(نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر، يعني ذلك المحصب، وذلك أن قريشًا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبنى عبد المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم)(1).
في مثل هذه الظروف يقول صلى الله عليه وسلم: (لنقد أوذيت في عز وجل وما يؤذي
(1) صحيح البخاري 2 - 576.
أحد، وأخفت من الله وما يخاف أحد، ولقد أتت على ثلاثة من بين يوم وليلة ومالي ولعيالي (ولا لبلال) طعام يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال) (1).
ويقول عتبة بن غزوان رضي الله عنه: (ولقد رأيتنى سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قيحت أشداقنا فالتقطت بردة فشققتها بيني وبن سعد بن مالك فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها)(2).
ويقول سعد بن أبي وقاص: كنا قومًا يصيبنا صلف العيش بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدته، فلما أصابنا البلاء اعتزمنا لذلك، وصبرنا له، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة، وأجوده حلة مع أبويه، ثم لقد رأيته جهد في الإِسلام جهدا شديدًا، حتى لقد رأيت جلده يتحشف تحشف جلد الحية عنها، حتى أن كنا لنعرضه على قسينا فنحمله مما به من الجهد، وما يقصر عن شىء بلغناه) (3).
يقول علي بن أبي طالب: (طلع علينا مصعب بن عمير، وما عليه إلا بردة له مرفوعة بفرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة وما هو فيه اليوم)(4).
(1) سنده صحيح رواه أحمد 3 - 120 وغيره من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا سند صحيح على شرط مسلم حماد إمام ثقة من رجال مسلم وثابت وهو تابعي ثقة سمع من أنس.
(2)
صحيح مسلم 4 - 2278.
(3)
الأثر الأول رواه ابن إسحاف ومن طريقه هناد في الزهد 2/ 388 حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن سعد وفيه جهالة شيخ صالح لكن يشهد له ما قبله وما بعده.
(4)
يشهد له ما قبله وقد رواه أبو يعلى 1/ 387 وفي سنده جهالة التابعي.