الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجدته صخرًا .. أما عقله فقد أدرك سحر هذا القرآن وأثره .. لكن أنياب العادات والتقاليد وبقايا سمعته كانت مغروزة فيه .. وهو أضعف من أن يتخلص منها .. فهو في ريبة يتردد لا يجد له استقرارًا .. في نزاع بين ما هو صحيح وبين ما يهواه .. وأخيرًا دحرجته جموع الكفر إلى الكفر .. دحرجت قلبه الصخري على عقله فانطمس ولبث في عماء حتى ألقى مكفنًا بالشرك والعفن .. أما محمَّد صلى الله عليه وسلم فأعلنها:
لا تنازل
هذا هو مبدأ سيد البشر صلى الله عليه وسلم وإمام القادة .. لا يقبل إطلاقًا أي تلفيق في المنهج .. لا جسور في العقيدة بينه وبن الكفر إطلاقًا .. لقد نثروا بين يديه خيارات مغرية .. الزعامة .. والمال والسيادة عليهم وهم سادة العرب شم الأنوف في الذرى بين الجميع .. لكنه صلى الله عليه وسلم رفض ذلك كله .. كان بإمكانه أن يتزعمهم ثم ينقلب عليهم إذا اشتد عوده وكثر أتباعه .. كان بإمكانه أن يعقد هدنة معهم ثم يأخذ من المال ما يتيح له أن يعد جيشًا من المرتزقة يحطم به أعداء الله .. لكنه الأمن .. والأمين يقول: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)(1) ولن يخون صلى الله عليه وسلم مسلمًا ولا كافرًا ولا مشركًا مهما كانت الأسباب فالأمر عقيدة .. والقيادة عقيدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإما أن تكون لله أو تكون للشيطان .. ولن يشاطر الشيطان قيادةً ولا نهجًا.
لقد كان صلى الله عليه وسلم يتنازل عن حقه .. يؤذى فيصبر .. يسيل دمه فيمسحه
= إسحاق، عن نافع عن ابن عمر وفيه ابن إسحاق لم يصرح بالسماع من نافع فالحديث بهذه الطرق حسن.
(1)
حديث صحيح.
ثم يعود إلى بيته مكسور الخاطر صابرًا حزينًا محتسبًا .. كانوا يضعون النجاسة على ظهره وهو ساجد لوجه ربه وأمام كعبته فيصبر أيضًا ويحتسب .. كان الصحابة يتهافتون عليه يبكون جراحهم يبحثون عن خلاص .. فيطالبهم بالصبر .. ورغم ذلك كله .. وبعد هذا العذاب كله .. تجده يذهب إلى أنديتهم مبتسمًا يدعوهم ويدعوهم ولا يمل من دعوتم .. وكانوا يأتونه في بيته رغم عداوتهم له يضعون أموالهم وودائعهم عنده ويلقبونه بالأمين.
ما الذي يجري وما تفسيره .. سياطهم على ظهره وأموالهم ودائع محفوظة عنده .. لم يقل هؤلاء مشركون نجسون فمالهم حلال لي .. ولا عهد لهم ولا ذمة ولا كرامة .. لم ينتقم لنفسه أبدًا .. لم يعاقب أحدًا لأنه ضربه أو شتمه .. بل كان يدعو لهم بالهداية.
هذا هو الفرق بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين متحمسين شوهوا الإِسلام وأعاقوه أكثر مما أعاقه أعداءه.
هناك من الدعاة من يتنازل عن بعض مبادئ العقيدة من أجل مكسب سياسي .. وهناك من الدعاة من يرى أن السياسة رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه مع أن الحكم والسياسة من توحيد الألوهية الذي هو حق لله سبحانه وحده.
ومن المتحمسين من يحمل بضعة أحاديث يغلفها بسوء ظن ويرصد من حوله ليرميه بالكفر والمروق أو الفسق والانحلال.
وهناك من يحاسب الناس وكأنهم يعلمون كل شىء عما يحاسبهم عليه مثل علمه تمامًا .. وهناك من يدعو الناس وقد حرم على نفسه الابتسامة ورسم على وجهه كل أنواع العبوس والتكشير .. كأنه خارج